موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح (https://www.1enc.net/vb/index.php)
-   دراسات وبحوث وتحليل المنتدى ـ الإدارة العلمية والبحوث Studies and Research and Analysis Forum (https://www.1enc.net/vb/forumdisplay.php?f=101)
-   -   النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين . (https://www.1enc.net/vb/showthread.php?t=21121)

أبوحذيفة 06 Dec 2011 12:20 AM

النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
بسم الله والحمد لله .
كتاب عالم الجن والشياطين كتاب مفيد ويحتوي على كثير من المعارف والمهارات التي يحتاجها كل معالج بالرقية الشرعية وتنطوي اهمية الكتاب بتحديد المعركة التي بدأت منذ نشوءالانسان وبين الشياطين والصراع الذي يهدف الشيطان من خلاله الى اهلاك الانسان وانحرافه عن المنهج الذي رسمه لنا رب العزة وقد قسم المؤلف لكتاب الى ستة فصول : الفصل الاول تعريف وبيان بهذا العالم (عالم الجن والشياطين ) من حيث اصلهم واسمائهم واصنافهم ودوابهم وطعامهم وزواجهم وقدراتهم التي وهبها الله لهم .
الفصل الثاني يتحث عن الغاية التي خلقوا من اجلها وطريقة تبليغهم التعاليم الالهية . وتضمن ادلة وجودهم الرد على المنكرين.
الفصلا لثالث : وقد قسم المؤلف هذا الفصل الى عدة مباحث ،؛ الاول : اسباب العداء بين الانسان والشيطان.والثاني الاهداف القريبة والبعيدة لمعركة الشيطان مع الانسان . والثالث اساليب الشيطان في اغواء الانسان والرابع قيادته للمعركة وجنده فيها . والخامس مصائده التي يكيد للإنسان بها .
وختم الكاتب الحديث في هذا الفصل عن وسوسة الشيطان لتي هي سلاحه في افساد النفوس وزرع الفساد في القلوب
أما الفصل الرابع فقد تعرض الكاتب لعدة قضايا تتعلق بتمثل الشياطين وتكليمها لبعض العباد وما ترتب على ذلك من الفساد وتحضير الارواح ومدى صحة ذلك وعلاقته بالشياطين ومدى معرفة الشياطين وعامل الجن بعالم الغيب وما ترتب على اعتقاد الناس بأن الجن يعلمون الغيب من فساد واستطرد على بعض القضايا التي تطرح في العصر الحاضر وعلاقتها بالجن مثل الاطباق الطائة .
الفصل الخامس تطرق الكاتب الى تحديد الاسلحةالتي ينبغي مواجهة الشيطان بها من قبل المسلم والفصل الاخير تحدث عن الحكمة من خلق الشياطين
سائلين الله ان ينفعنا بهذا العلم . والله من وراء القصد
أبو حذيفة .

أبوحذيفة 06 Dec 2011 12:25 AM

رد: فهرسة الكتاب
 
التعريف بعالم الجن والشياطينالمطلب الأول
أصلهم الذي منه خلقوا
المطلب الثاني
ابتداء خلقهم
المطلب الثالث
صفة خلقة الجن
إثبات وجود الجن
المطلب الأول
لا لم يتم العثور على إدخالات لجدول الرسوم التوضيحية.مجال للتكذيب بعالم الجن7
المطلب الثاني
الأدلة الدالة على وجود الجن
المطلب الثالث
الرد على الذين يزعمون أن الجن هم الملائكة
الشيطان والجان
المطلب الأول
التعريف بالشيطان
المطلب الثاني
أصل الشيطان
المطلب الثالث
قبح صورة الشيطان
المطلب الرابع
الشيطان له قرنان
طعام الجن وشرابهم ونكاحهم
المطلب الأول
طعامهم وشرابهم
المطلب الثاني
تزاوج الجن وتكاثرهم
المطلب الثالث
دعوى بعض أهل العلم أن الجن لا يأكلون
المطلب الرابع
زواج الإنس من الجن
أعمار الجن وموتهم
مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم
دواب الجن ومراكبهم
قدرات الجن وعجزهم
المطلب الأول
ما أعطاه الله للجن من قدرات
المطلب الثاني2جوانب ضعف الجن وعجزهم
تكليف الجن
المبحث الأول
الغاية من خلقهم
كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار؟
رسل الله إلى الجن
عموم رسالة محمد  إلى الإنس والجن
دعوتهم الإنس إلى الخير وشهادتهم للمسلم ومراتبهم في الصلاح والفساد
طبيعة الشيطان وهل يمكن أن يسلم
العداء بين الإنسان والشيطان
المبحث الأول
أسباب العداء وتاريخه وشدة هذا العداء
المبحث الثاني
أهداف الشيطان
المطلب الأول
الهدف البعيد
المطلب الثاني
الأهداف القريبة
المبحث الثالث
قائد المعركة في الصراع الدائر بين عالم الشياطين وعالم البشر
المبحث الرابع
أساليب الشيطان في إضلال الإنسان ( الجزء الأول )المبحث الخامس
أساليب الشيطان في إضلال الإنسان ( الجزء الثاني )
المبحث السادس
كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس الإنسان
المطلب الأول
الوسوسة
المطلب الثاني
تمثل الشياطين
المطلب الثالث
تحضير الأرواح
المطلب الرابع
الجن وعلم الغيب
المطلب الخامسالجن والأطباق الطائرةأسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان
أولاً : الحذر والحيطة :
ثانياً : الالتزام بالكتاب والسنّة :
ثالثاً : الالتجاء إلى الله والاحتماء به :
خامساً : لزوم جماعة المسلمين :
سادساً : كشف مخططات الشيطان ومصائده :
سابعاً : مخالفة الشيطان :
ثامناً : التوبة والاستغفار :
تاسعاً : أزل اللبس والغموض الذي يدخل الشيطان منه إلى النفوس :علاج الصرع
الحكمة من خلق الشيطان

ريف بعالم الجن والشياطين
المطلب الأول
أصلهم الذي منه خلقوا
المطلب الثاني
ابتداء خلقهم
المطلب الثالث
صفة خلقة الجن
إثبات وجود الجن
المطلب الأول
لا مجال للتكذيب بعالم الجن
الأدلة الدالة على وجود الجن
المطلب الثالث
الرد على الذين يزعمون أن الجن هم الملائكة
الشيطان والجان
التعريف بالشيطان
المطلب الثاني
أصل الشيطان
المطلب الثالث
قبح صورة الشيطان
المطلب الرابع
الشيطان له قرنان
طعام الجن وشرابهم ونكاحهم
المطلب الأول
طعامهم وشرابهم
المطلب الثاني
تزاوج الجن وتكاثرهم
المطلب الثالث
دعوى بعض أهل العلم أن الجن لا يأكلون
المطلب الرابع
زواج الإنس من الجن (11)
أعمار الجن وموتهم
مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم
دواب الجن ومراكبهم
قدرات الجن وعجزهم
المطلب الأول
ما أعطاه الله للجن من قدرات
المطلب الثاني
جوانب ضعف الجن وعجزهم
تكليف الجن
المبحث الأول
الغاية من خلقهم
كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار؟
رسل الله إلى الجن
عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن
دعوتهم الإنس إلى الخير وشهادتهم للمسلم ومراتبهم في الصلاح والفساد
طبيعة الشيطان وهل يمكن أن يسلم
العداء بين الإنسان والشيطان
المبحث الأول
أسباب العداء وتاريخه وشدة هذا العداء
المبحث الثاني
أهداف الشيطان
المطلب الأول
الهدف البعيد
المطلب الثاني
الأهداف القريبة
المبحث الثالث
قائد المعركة في الصراع الدائر بين عالم الشياطين وعالم البشر
المبحث الرابع
أساليب الشيطان في إضلال الإنسان ( الجزء الأول )
المبحث الخامس
أساليب الشيطان في إضلال الإنسان ( الجزء الثاني )
المبحث السادس
كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس الإنسان
المطلب الأول
الوسوسة
المطلب الثاني
تمثل الشياطين
المطلب الثالث
تحضير الأرواح
المطلب الرابع
الجن وعلم الغيب
المطلب الخامس
الجن والأطباق الطائرة
أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان
أولاً : الحذر والحيطة :
ثانياً : الالتزام بالكتاب والسنّة :
ثالثاً : الالتجاء إلى الله والاحتماء به :
خامساً : لزوم جماعة المسلمين :
سادساً : كشف مخططات الشيطان ومصائده
سابعاً : مخالفة الشيطان :
ثامناً : التوبة والاستغفار :
تاسعاً : أزل اللبس والغموض الذي يدخل الشيطان منه إلى النفوس :

علاج الصرع
الحكمة من خلق الشيطان

أبوحذيفة 06 Dec 2011 11:28 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .الجن عالم مستقل
 
الجن عالم غير عالم الإنسان وعالم الملائكة ، بينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتصاف بصفة العقل والإدراك ، ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر، ويخالفون الإنسان في أمور أهمها أن أصل الجان مخالف لأصل الإنسان .
لماذا سمّوا جنّاً :
وسمو جنّاً لاجتنانهم ، أي : استتارهم عن العيون ، قال ابن عقيل : " إنما سمّي الجن جنّاً لاجتنانهم واستتارهم عن العيون ، ومنه سمي الجنين جنيناً ، وسمّي المجنّ مجناً لستره للمقاتل في الحرب " (اغاثة اللهفان) .
وجاء في محكم التنزيل : ( إنَّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) [ الأعراف : 27 ] .
من كتاب عالم الجن والشياطين عمر الاشقر

أبوحذيفة 06 Dec 2011 11:34 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .اصلهم وصفتهم واسماءهم
 
المطلب الأول
أصلهم الذي منه خلقوا
أخبرنا الله – جلّ وعلا – أن الجنّ قد خُلقوا من النار في قوله : ( وَالْجَآنَّ خلقناه من قبل من نّار السَّموم ) [ الحجر : 27 ] ، وفي سورة الرحمن : ( وخلق الجانَّ من مَّارجٍ من نَّارٍ ) [ الرحمن : 15 ] . وقد قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغير واحد في قوله : ( مَّارجٍ من نَّارٍ ) : طرف اللهب ، وفي رواية : من خالصه وأحسنه (البداية والنهاية 1/59) : وقال النووي في شرحه على مسلم : " المارج : اللهب المختلط بسواد النار " (شرح النووي على صحيح مسلم 18/123) .
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خلقتْ الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) (صحيح مسلم 4/2294 ورقمه 2996) .
المطلب الثاني
ابتداء خلقهم
لا شك أن خلق الجن متقدم على خلق الإنسان ؛ لقوله تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حَمَإٍ مَّسنونٍ – والجآنَّ خلقناه من قبل من نَّار السَّموم ) [ الحجر : 26-27 ] ، فقد نصّ في الآية أن الجان مخلوق قبل الإنسان . ويرى بعض السابقين أنهم خلقوا قبل الإنسان بألفي عام ، وهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة .
المطلب الثالث
صفة خلقة الجن
نحن لا نعرف من خلقتهم وصورهم وحواسهم إلا ما عرفنا الله منها ، فنعلم أن لهم قلوباً قال تعالى : ( ولقد ذرأنا لجهنَّم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلُّ ) [الأعراف : 179] .
فقد صرح – تبارك وتعالى – بأن للجن قلوباً ، وأعيناً وآذاناً ، وللشيطان صوتاً ، لقولـه تعالى : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ) [ الإسراء : 64 ] . وثبت في الأحاديث أن للشيطان لساناً ، وأن الجان يأكلون ، ويشربون ، ويضحكون ، وغير ذلك مما تجده مبثوثاً في هذا الكتاب .
المطلب الرابع
أسماء الجن في لغة العرب وأصنافهم
قال ابن عبد البر : " الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب :
1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا : جنّي .
2- فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس ، قالوا : عامر ، والجمع : عمّار .
3- فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا : أرواح .
4- فإن خبث وتعرض ، قالوا : شيطان .
5- فإن زاد على ذلك ، فهو مارد .
6- فإن زاد على ذلك وقوي أمره ، قالوا : عفريت ، والجمع : عفاريت " (آكام المرجان في احكام الجان 8) .
وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ ( الجن ثلاثة أصناف : فصنف يطير في الهواء ، وصنف حيّات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ) . رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، بإسناد صحيح (صحيح الجامع 3/85) .
--------------------------------

أبوحذيفة 06 Dec 2011 11:59 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
إثبات وجود الجن
المطلب الأول
لا مجال للتكذيب بعالم الجن
أنكرت قلة من الناس وجود الجنّ إنكاراً كلياً ، وزعم بعض المشركين : أن المراد بالجن أرواح الكواكب (مجموع الفتاوي 24/280) .
وزعمت طائفة من الفلاسفة : أن المراد بالجن نوازع الشر في النفس الإنسانية وقواها الخبيثة ، كما أن المراد بالملائكة نوازع الخير فيها (مجموع الفتاوي 4/346) .
وزعم فريق من المحْدَثين ( بفتح الدال المخففة ) : أن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها العلم الحديث .
وقد ذهب الدكتور محمد البهي إلى : أن المراد بالجن الملائكة ، فالجن والملائكة عنده عالم واحد لا فرق بينهما ، ومما استدل به : أن الملائكة مستترون عن الناس ، إلا أنه أدخل في الجن من يتخفى من عالم الإنسان في إيمانه وكفره ، وخيره وشره (تفسير سورة الجن ص8) .
عدم العلم ليس دليلاً :
وغاية ما عند هؤلاء المكذبين أنه لا علم عندهم بوجودهم ، وعدم العلم ليس دليلاً (احتجوا بما ثبت عن ابن عباس في صحيح البخاري انه كان ينكر مخاطبة الرسول للجن وتكليمهم له ، وغير ابن عباس يثبت مشافهة الرسول للجن) ، وقبيح بالعاقل أن ينفي الشيء لعدم علمه بوجوده، وهذا مما نعاه الله على الكفرة : ( بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) [ يونس : 39] . وهذه المخترعات الحديثة التي لا يستطيع أحد أن يكابر فيها ، أكان يجوز لإنسان عاش منذ مئات السنين أن ينكر إمكان حصولها لو أخبره صادق بذلك ؟ وهل عدم سماعنا للأصوات التي يعج بها الكون في كل مكان دليل على عدم وجودها ، حتى إذا اخترعنا ( الراديو ) ، واستطاع التقاط ما لا نسمع بآذاننا صدقنا بذلك ؟!
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله متحدثاً عن النفر من الجن الذين صرفهم الله إلى رسوله ، فاستمعوا منه القرآن .
" إنَّ ذكر القرآن لحادث صَرْفِ نفر من الجن ليستمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكاية ما قالوا وما فعلوا ، هذا وحده كافٍ بذاته لتقرير وجود الجن ، ولتقرير وقوع الحادث ، ولتقرير أنّ الجن هؤلاء يستطيعون أن يستمعوا للقرآن بلفظه العربي المنطوق ، كما يلفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتقرير أن الجن خلق قابلون للإيمان وللكفران ، مستعدون للهدى وللضلال ، وليس هنالك من حاجة إلى زيادة تثبيت أو توكيد لهذه الحقيقة ، فما يملك إنسـان أن يزيد الحقيقة التي يقررها سبحانه ثبوتاً .
ولكنّا نحاول إيضاح هذه الحقيقة في التصور الإنساني .
إنّ هذا الكون من حولنا حافل بالأسرار ، حافل بالقوى والخلائق المجهولة لنا كنهاً وصفةً وأثراً ، ونحن نعيش في أحضان هذه القوى والأسرار ، نعرف منها القليل ، ونجهل منها الكثير ، وفي كل يوم نكشف بعض هذه الأسرار ، وندرك بعض هذه القوى ، ونتعرف إلى بعض هذه الخلائق تارة بذواتها ، وتارة بصفاتها ، وتارة بمجرد آثارها في الوجود من حولنا .
ونحن ما نزال في أول الطريق ، طريق المعرفة لهذا الكون ، الذي نعيش نحن وآباؤنا وأجدادنا ، ويعش أبناؤنا وأحفادنا ، على ذرة من ذراته الصغيرة ؛ هذا الكوكب الأرضي الذي لا يبلغ أن يكون شيئاً يذكر في حجم الكون أو وزنه !
وما عرفنا اليوم – ونحن في أول الطريق – يُعدّ بالقياس إلى معارف البشرية قبل خمسة قرون فقط عجائب أضخم من عجيبة الجن ، ولو قال قائل للناس قبل خمسة قرون عن شيء من أسرار الذرة التي نتحدث عنها اليوم ، لظنه مجنوناً ، أو لظنوه يتحدث عما هو أشد غرابة من الجن قطعاً !
ونحن نعرف ونكشف في حدود طاقتنا البشرية ، المعدة للخلافة في هذه الأرض ، ووفق مقتضيات هذه الخلافة ، وفي دائرة ما سَخّرَه الله لنا ؛ ليكشف لنا عن أسراره ، وليكون لنا ذلولاً ، كيما نقوم بواجب الخلافة في الأرض ، ولا تتعدى معرفتنا وكشوفنا في طبيعتها وفي مداها مهما امتد بنا الأجل – أي بالبشرية – ومهما سُخّر لنا من قوى الكون ، وكُشِفَ لنا من أسراره – لا تتعدى تلك الدائرة ؛ ما نحتاج إليه للخلافة في هذه الأرض ، وفق حكمة الله وتقديره .
وسنكشف كثيراً ، وسنعرف كثيراً ، وستتفتح لنا عجائب من أسرار هذا الكون وطاقاته ، مِمّا قد تعدّ أسرار الذرة بالقياس إليه لعبة أطفال ! ولكننا سنظل في حدود الدائرة المرسومة للبشر في المعرفة ، وفي حدود قول الله سبحانه : ( وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] قليلاً بالقياس إلى ما في هذا الوجود من أسرار وغيوب لا يعلمها إلا خالقه وَقَيّومه ، وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود ، ووسائل المعرفة البشرية المحدودة بقوله : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدُّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ]
فليس لنا والحالة هذه أن نجزم بوجود شيء أو نفيه ، وبتصوره أو عدم تصوره ، من عالم الغيب والمجهول ، ومن أسرار هذا الوجود وقواه ، لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي ، أو تجاربنا المشهودة ، ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها ، فضلاً عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا !
وقد تكون هنالك أسرار ، ليست داخلة في برنامج ما يُكشَف لنا عنه أصلاً ، وأسرار ليست داخلة في برنامج ما يُكْشَف لنا عن كنهه ، فلا يُكْشَف لنا إلا عن صفته أو أثره ، أو مجرد وجوده ؛ لأن هذا لا يفيدنا في وظيفة الخلافة في الأرض .
فإذا كَشَفَ الله لنا عن القدر المقسوم لنا من هذه الأسرار والقوى ، عن طريق كلامه – لا عن طريق تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضاً – فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلقّى هذه الهبة بالقبول والشكر والتسليم ، نتلقاها كما هي ، فلا نزيد عليها ، ولا ننقص منها ؛ لأن المصدر الوحيد الذي نتلقّى عنه مثل هذه المعرفة لم يمنحنا إلا هذا القدر بلا زيادة ، وليس هنالك مصدر آخر نتلقى عنه مثل هذه الأسرار ! " .
والقول الحق أن الجن عالم ثالث غير الملائكة والبشر ، وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة ، ليسوا بأعراض ولا جراثيم ، وأنهم مكلفون مأمورون منهيون .
المطلب الثاني
الأدلة الدالة على وجود الجن
1- وجودهم معلوم من الدين بالضرورة :
يقول ابن تيمية (مجموع الفتاوي 19/10) : " لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ، ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم ، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن . أمّا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فهم مقرّون بهم كإقرار المسلمين ، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك ، كما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك ... كالجهمية والمعتزلة ، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرّين بذلك .
وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالضرورة ، ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة ، بل مأمورون منهيون ، ليسوا صفات وأعراضاً قائمة بالإنسان أو غيره ، كما يزعمه بعض الملاحدة ، فلما كان أمر الجن متواتراً عن الأنبياء تواتراً تعرفه العامة والخاصة ، فلا يمكن لطائفة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم " .
وقال أيضاً : " جميع طوائف المسلمين يقرون بوجود الجن ، وكذلك جمهور الكفار كعامة أهل الكتاب ، وكذلك عامة مشركي العرب وغيرهم من أولاد حام ، وكذلك جمهور الكنعانيين واليونان من أولاد يافث ، فجماهير الطوائف تقرّ بوجود الجن " (مجموع الفتاوي 19/13) .
وذكر إمام الحرمين : " أن العلماء أجمعوا في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين ، والاستعاذة بالله تعالى من شرورهم ، ولا يراغم هذا الاتفاق متدين متشبث بمسكة من الدين " (آكام المرجان ص 7) .
2- النصوص القرآنية والحديثية :
جاءَت نصوص كثيرة تقرر وجودهم كقوله تعالى : ( قل أوحي إليَّ أنَّه استمع نفرٌ من الجن ) [ الجن : 1 ] ، وقوله : ( وأنَّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقاً ) [ الجن : 6 ] . وهي نصوص كثيرة ذكرنا غالبها في ثنايا هذه الرسالة ، وإن كانت كثرتها وشهرتها تغني عن ذكرها .
3- المشاهدة والرؤية :
كثير من الناس في عصرنا وقبل عصرنا شاهد شيئاً من ذلك ، وإن كان كثير من الذين يشاهدونهم ويسمعونهم لا يعرفون أنهم جنّ ؛ إذ يزعمون أنّهم أرواح ، أو رجال الغيب ، أو رجال الفضاء ...
وأصدق ما يروى في هذا الموضع رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم للجن ، وحديثه معهم ، وحديثهم معه ، وتعليمه إياهم ، وتلاوته القرآن عليهم ، وسيأتي ذكر ذلك في مواضعه .
رؤية الحمار والكلب للجن :
إذا كنا لا نرى الجن فإنّ بعض الأحياء يرونهم كالحمار والكلب ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم صياح الديكة ، فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمار ، فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنه رأى شيطاناً ) (رواه البخاري 6/350 ورقمه 3303 ورواه مسلم 4/2092 ورقمه 2729 وأبو داود في سننه .انظر صحيح سنن ابي داود :3/961 ورقمه 4255) .
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار ، فتعوذوا بالله ، فإنهن يرون ما لا ترون ) (9) .
ورؤية الحيوان لما لا نرى ليس غريباً ، فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الأحياء على رؤية ما لا نراه ، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية ، ولذلك فإنّه يرى الشمس حال الغيم ، والبومة ترى الفأر في ظلمة الليل البهيم ....
المطلب الثالث
الرد على الذين يزعمون أن الجن هم الملائكة
سبق أن ذكرنا الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أن الملائكة خلقوا من نور ، وأن الجن خلقوا من نار ) ، ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأصلين ، وهذا يدل على أنهما عالمان لا عالماً واحداً .
ومن نظر في النصوص المتحدثة عن الملائكة والجن ، أيقن بالفرق الكبير بينهما ، فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، والجن يكذبون ويأكلون ويشربون ، ويعصون ربهم ، ويخالفون أمره .
نعم هما عالمان محجوبان عنا ، لا تدركهما أبصارنا ، ولكنهما عالمان مختلفان في أصلهما وصفاتهما

أبوحذيفة 07 Dec 2011 11:03 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
الشيطان والجان

المطلب الأول
التعريف بالشيطان
الشيطان الذي حدثنا الله عنه كثيراً في القرآن من عالم الجنّ ، كان يعبد الله في بداية أمره ، وسكن السماء مع الملائكة ، ودخل الجنة ، ثمّ عصى ربه عندما أمره أن يسجد لآدم ، استكباراً وعلواً ، فطرده الله من رحمته .
والشيطان في لغة العرب يطلق على كل عاتٍ متمرد ، وقد أطلق على هذا المخلوق لعتوّه وتمرده على ربّه ( شيطان ) . وأطلق عليه لفظ ( الطاغوت ) : ( الَّذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والَّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطَّاغوت فقاتلوا أولياء الشَّيطان إنَّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً ) [ النساء : 76 ] . وهذا الاسم معلوم عند غالبية أمم الأرض باللفظ نفسه ، كما يذكر العقاد في كتابه ( إبليس ) ، وإنما سمي طاغوتاً لتجاوزه حده ، وتمرده على ربه ، وتنصيبه نفسه إلهاً يعبد .
وقد يئس هذا المخلوق من رحمة الله ، ولذا أسماه الله ( إبليس ) . والَبَلَس في لغة العرب : من لا خير عنده ، وأبلس : يئس وتحيّر .
والذي يطالع ما جاء في القرآن والحديث عن الشيطان يعلم أنه مخلوق يعقل ويدرك ويتحرك و .... ، وليس كما يقول بعض الذين لا يعلمون : " إنه روح الشّر متمثلة في غرائز الإنسان الحيوانية التي تصرفه – إذا تمكنت من قلبه – عن المثل الروحية العليا " (دائرة المعارف الحديثة ص357) .

أبوحذيفة 07 Dec 2011 11:06 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
المطلب الثاني
أصل الشيطان
سبق القول أن الشيطان من الجن ، وقد نازع في هذه المسألة بعض المتقدمين والمتأخرين ، وحجتهم في ذلك قوله تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) [ البقرة : 34 ] . وهذه الآية وأمثالها يستثني الله فيها إبليس من الملائكة ، والمستثنى لا يكون إلا من جنس المستثنى منه عادة .
وقد نقلت لنا كتب التفسير والتاريخ أقوال عدد من العلماء ، يذكرون أن إبليس كان من الملائكة ، وأنه كان خازناً للجنة ، أو للسماء الدنيا ، وأنه كان من أشرف الملائكة ، وأكرمهم قبيلة .... إلى آخر تلك الأقوال .
قال ابن كثير : " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف ، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها ، ومنها ما يقطع بكذبه ؛ لمخالفته للحقّ الذي بأيدينا .
وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفّاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالبين ، وانتحال المبطلين ، كما لهذه الأمة من الأئمة ، والعلماء ، والسادة ، والأتقياء ، والبررة ، والنجباء من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث ، وحرروا وبينوا صحيحه ، من حسنه ، من ضعيفه ، من منكره ، وموضوعه ، ومتروكه ، ومكذوبه ، وعرفوا الوضاعين ، والكذابين ، والمجهولين ، وغير ذلك من أصناف الرجال . كل ذلك صيانة للجناب النبوي ، والمقام المحمدي خاتم الرسل ، وسيد البشر – صلى الله عليه وسلم – أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس فيه " (تفسير ابن كثير 4/397) .
وما احتجوا به من أن الله استثنى إبليس من الملائكة ... ليس دليلاً قاطعاً ، لاحتمال أن يكون الاستثناء منقطعاً ، بل هو كذلك حقا ، للنصّ على أنّه من الجن في قوله تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ...) [ الكهف : 50 ] .
وقد ثبت لدينا بالنص الصحيح أن الجن غير الملائكة والإنس ، فقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( أن الملائكة خلقوا من نور ، وأن الجن خلقوا من مارج من نار ، وأن آدم خلق من طين ) . والحديث في صحيح مسلم .
قال الحسن البصري : " لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين " (البداية والنهاية 1/79) . والذي حققه ابن تيمية : " أن الشيطان كان من الملائكة باعتبار صورته ، وليس منهم باعتبار أصله ، ولا باعتبار مثاله " (مجموع الفتاوي4/235،346) .
هل الشيطان أصل الجن أم واحد منهم ؟
ليس لدينا نصوص صريحة تدلنا على أن الشيطان أصل الجن ، أو واحد منهم ، وإن كان هذا الأخير أظهر لقوله : ( إلاَّ إبليس كان من الجن ) [ الكهف : 50 ] .
وابن تيمية رحمه الله يذهب إلى أن الشيطان أصل الجن ، كما أنّ آدم أصل الإنس (راجع مجموع الفتاوي4/346) .

أبوحذيفة 07 Dec 2011 11:07 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
المطلب الثالث
قبح صورة الشيطان
الشيطان قبيح الصورة ، وهذا مستقر في الأذهان ، وقد شبه الله ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم برؤوس الشياطين ، لما علم من قبح صورهم وأشكالهم ( إنَّها شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم – طلعها كأنَّه رُؤُوسُ الشَّياطين ) [ الصافات :64-65] .
وقد كان النصارى في القرون الوسطى يصورون الشيطان على هيئة رجل أسود ذي لحية مدببة ، وحواجب مرفوعة ، وفم ينفث لهباً ، وقرون وأظلاف وذيل (دائرة المعارف الحديثة 357)

أبوحذيفة 07 Dec 2011 11:09 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
المطلب الرابع
الشيطان له قرنان
في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تَحَرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، فإنّها تطلع بقرني شيطان ) (صحيح مسلم 1/567 ورقمه 828) .
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز الشمس ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ، ولا تَحَيُّنوا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، فإنّها تطلع بين قرني شيطان ) (رواه البخاري 6/335 ورقمه 3272) .
والمعنى أن طوائف المشركين كانوا يعبدون الشمس ، ويسجدون لها عند طلوعها ، وعند غروبها ، فعند ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس ، حتى تكون عبادتهم له .
وقد جاء هذا مصرحاً به في صحي مسلم ، فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلاة . فقال صلى الله عليه وسلم : ( صل صلاة الصبح ، ثم أقصر الصلاة حتى تطلع الشمس ، حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثمّ صلَّ ، فإن الصلاة مشهودة محضورة ) .
ثم نهاه عن الصلاة بعد العصر ( حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ) (رواه مسلم 569/1) .
وقد نهينا عن الصلاة في هذين الوقتين ، والصحيح أن الصلاة في هذين الوقتين جائزة ، إذا كان لها سبب كتحية المسجد ، ولا تجوز بلا سبب كالنفل المطلق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحَيّنوا ) ؛ أي لا تتقصدوا .
ومما ورد فيه ذكر قرن الشيطان حديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ، فقال : ( ها إنَّ الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان ) (رواه البخاري 6/336) . والمراد بقوله : ( حين يطلع الشيطان ) ؛ أي جهة الشرق .

أبوحذيفة 08 Dec 2011 10:01 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
طعام الجن وشرابهم ونكاحهم

المطلب الأول
طعامهم وشرابهم
الجن – والشيطان منهم – يأكلون ويشربون ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صل الله عليه وسلم – أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها وقال له : ( ولا تأتيني بعظم ولا روثة ) ، ولما سأل أبو هريرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك عن سرّ نهيه عن العظم والروثة ، قال : ( هما من طعام الجن ، وإنّه أتاني وفد جن نصيبين – ونعم الجن – فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم : أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعماً ) (رواه البخاري : 7/171 . ورقمه : 3860 . والطعم : الطعام . قال ابن حجر ( فتح الباري : 7/73 ) :" في رواية السرخسي :( إلا وجدوا عليها طعاماً )) .
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تستنجوا بالروث ، ولا بالعظام ، فإنّه زاد إخوانكم من الجن ) (صحيح سنن الترمذي : 1/8 . ورقمه : 17) .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني داعي الجن ، فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن ) ، قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد فقال : ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم ، أوفر ما يكون لحماً ، وكل بعرة علفٌ لدوابكم ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم ) (رواه مسلم : 1/332 . ورقمه : 450 . صحيح سنن الترمذي : 3/104 . ورقمه :2595 . إذا كنّا نهينا عن إفساد طعام الجن فيحرم علينا من باب أولى إفساد طعام الإنس) .
وكون الروث طعاماً للجن أو لدوابهم ليس العلة الوحيدة للنهي عن الاستنجاء بالروث ، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم علة أخرى ، فقد صرح بأن الروث رجس (هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه : 1/256 . ورقمه : 156) .
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ الشيطان يأكل بشماله ، وأمرنا بمخالفته في ذلك ، روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أكل فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله ) (رواه مسلم : 3/1598 ورقهمه 2020) .
وفي صحيح مسلم : ( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء ) (صحيح مسلم :3/1598 ورقمه 2018) . ففي هذه النصوص دلالة قاطعة على أن الشياطين تأكل وتشرب
وكما أن الإنس منهيون عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من اللحوم ، فكذلك الجن المؤمنون جعل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم طعاماً كل عظم ذكر اسم الله عليه ، فلم يبح لهم متروك التسمية ، ويبقى متروك التسمية لشياطين كفرة الجن ، فإن الشياطين يستحلون الطعام إذا لم يذكر عليه اسم الله ، ولأجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الميتة طعام الشياطين ؛ لأنه لم يذكر اسم الله عليها .
واستنتج ابن القيم من قوله تعالى : ( إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشَّيطان ) [ المائدة : 90 ] أن المسكر شراب الشيطان ، فهو يشرب من الشراب الذي عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم في عمله ، فيشاركهم في شربه ، وإثمه وعقوبته .
ويدل على صحة استنتاج ابن القيم ما رواه النسائي عن عبد الله بن يزيد قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " أما بعد : فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان ؛ فإن له اثنين ، ولكم واحد " (صحيح سنن النسائي : 3/1154 روقمه 5275) .

أبوحذيفة 08 Dec 2011 10:03 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
المطلب الثاني
تزاوج الجن وتكاثرهم
ا
لذي يظهر أن الجن يقع منهم النكاح ، وقد استدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى في أزواج أهل الجنة : ( لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ ) [ الرحمن : 56 ] . والطمث في لغة العرب : الجماع ، وقيل هو الجماع الذي يكون معه تدمية تنتج عن الجماع .
وذكر السفاريني حديثاً يحتاج إلى نظر في إسناده ، يقول : ( إن الجن يتوالدون ، كما يتوالد بنو آدم ، وهم أكثر عدداً ) (رواه ابن ابي حاتم وابو الشيخ في : العظمة ، عن قتادة.) .
وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح ، فإن الآية صريحة في أن الجن يتأتى منهم الطمث ، وحسبنا هذا دليلاً .
وأخبرنا ربنا أن الشيطان له ذرية ، قال تعالى مبكتاً عباده الذين يتولون الشيطان وذريته : ( أفتتخذونه وذريَّته أولياء من دوني وهم لكم عدو ) [ الكهف : 50 ] ، وقال قتادة : " أولاد الشيطان يتوالدون كما يتوالد بنو آدم ، وهم أكثر عدداً " (لقط المرجان ص 51) .

أبوحذيفة 08 Dec 2011 10:05 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
المطلب الثالث
دعوى بعض أهل العلم أن الجن لا يأكلونولا يشربون ولا يتناكحون

وقد زعم قوم أن الجن لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يتناكحون ، وهذا القول تبطله الأدلة التي سقناها من الكتاب والسنة .
وذكر بعض العلماء أن الجن أنواع : منهم من يأكل ويشرب ، ومنهم من ليس كذلك ؛ يقول وهب بن منبه : " الجنّ أجناس ، فأمّا خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ، ولا يشربون ، ولا يموتون ، ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس يأكلون ، ويشربون ، ويتوالدون ، ويتناكحون ، ويموتون ، قال : وهي هذه السعالي والغول وأشباه ذلك " . أخرجه ابن جرير (لوامع الانوار :2/222) .
وهذا الذي ذكره وهب يحتاج إلى دليل ، ولا دليل .
وقد حاول بعض العلماء الخوض في الكيفية التي يأكلون بها ، هل هو مضغ وبلع ، أو تشمم واسترواح ، والبحث في ذلك خطأ لا يجوز ؛ لأنّه لا علم لنا بالكيفية ، ولم يخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بها .

أبوحذيفة 08 Dec 2011 10:07 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
المطلب الرابع
زواج الإنس من الجن
لا زلنا نسمع أن فلاناً من الناس تزوج جنية ، أو أن امرأة من الإنس خطبها جني ، وقد ذكر السيوطي آثاراً وأخباراً عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين الإنس والجن (لقط المرجان ص53) . يقول ابن تيمية (مجموع الفتاوى 19/39) : " وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد ، وهذا كثير معروف " .
وعلى فرض إمكان وقوعه فقد كرهه جمع من العلماء كالحسن وقتادة والحكم وإسحاق . والإمام مالك – رحمه الله – لا يجد دليلاً ينهى عن مناكحة الجن ، غير أنّه لم يستحبه ، وعلل ذلك بقوله : " ولكني أكره إذا وجدت امرأة حاملاً فقيل من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد " (آكام المرجان ص 67) .
وذهب قوم إلى المنع من ذلك ، واستدلوا على مذهبهم بأنّ الله امتنّ على عباده من الإنس بأنّه جعل لهم أزواجاً من جنسهم : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مَّوَدَّةً ورحمة ً ) [ الروم : 21 ] .
فلو وقع فلا يمكن أن يحدث التآلف والانسجام بين الزوجين لاختلاف الجنس ، فتصبح الحكمة من الزواج لاغية ؛ إذ لا يتحقق السكن والمودة المشار إليهما في الآية الكريمة .
وعلى كلٍّ فهذه مسألة يزعم بعض الناس وقوعها في الحاضر والماضي ، فإذا حدثت فهي شذوذ ، قلما يسأل فاعلها عن حكم الشرع فيها ، وقد يكون فاعلها مغلوباً على أمره لا يمكنه أن يتخلص من ذلك .
ومما يدل على إمكان وقوع التناكح بين الإنس والجن قوله تعالى في حور الجنة : ( لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ ) [ الرحمن : 56 ] ، فدلت الآية على صلاحيتهن للإنس والجن على حد سواء .

أبوأحمدالمصرى 08 Dec 2011 11:27 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
بارك الله فيكم ورفع قدرك ونفع بكم الإسلام والمسلمين

أبوحذيفة 09 Dec 2011 11:03 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأحمدالمصرى (المشاركة 97198)
بارك الله فيكم ورفع قدرك ونفع بكم الإسلام والمسلمين

وقدرك رفع الله ونفع الله بك وجزاك الله خيرا

أبوحذيفة 09 Dec 2011 11:05 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
أعمار الجن وموتهم

لا شك أن الجن – ومنهم الشياطين – يموتون ؛ إذ هم داخلون في قوله تعالى : ( كلٌّ من عليها فانٍ – ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام – فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان ) [ الرحمن : 26-28 ] .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( أعوذ بعزتك ، الذي لا إله إلا أنت ، الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون ) (رواه مسلم في صحيحه : 4/1906 . ورقمه : 2451) .
أما مقدار أعمارهم فلا نعلمها ، إلا ما أخبرنا الله عن إبليس اللعين ، أنه سيبقى حيّاً إلى أن تقوم الساعة : ( قال أنظرني إلى يوم يبعثون – قال إنَّك من المنظرين ) [ الأعراف : 14-15 ] .
أما غيره فلا ندري مقدار أعمارهم ، إلا أنهم أطول أعماراً من الإنس .
ومما يدّل على أنهم يموتون أن خالد بن الوليد قتل شيطانة العزى ، ( الشجرة التي كانت تعبدها العرب ) ، وأن صحابياً قتل الجني الذي تمثل بأفعى ، كما سيأتي بيانه .

أبوحذيفة 09 Dec 2011 11:07 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم
الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها ، ويكثر تجمعهم في الخراب والفلوات ، ومواضع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ، ولذلك – كما يقول ابن تيمية – يأوي إلى كثير من هذه الأماكن ، التي هي مأوى الشياطين : الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين . وقد جاءت الأحاديث ناهية عن الصلاة في الحمام ؛ لأجل ما فيها من نجاسة ، ولأنها مأوى الشياطين ، وفي المقبرة ؛ لأنها ذريعة إلى الشرك .
ويكثر تجمعهم في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق ، فقد أوصى سلمان أصحابه قائلاً : " لا تكونن ، إن استطعت ، أول من يدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشياطين ، وبها ينصب رايته " (رواه مسلم في صحيحه : 4/1906 . ورقمه : 2451 .
) .
والشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس ، وتطردها التسمية ، وذكر الله ، وقراءة القرآن ، خاصة سورة البقرة ، وآية الكرسي منها ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تنتشر ، وتكثر بحلول الظلام ،ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة ، وهو حديث متفق عليه .
والشياطين تهرب من الأذان ، وفي رمضان تُصَفّد الشياطين .
والشياطين تحب الجلوس بين الظل والشمس ؛ ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجلوس بينهما ، وهو حديث صحيح مروي في السنن وغيرها .

أبوحذيفة 09 Dec 2011 11:10 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
دواب الجن ومراكبهم
في حديث ابن مسعود في صحيح مسلم : أنَّ الجن سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم الزاد ، فقال : ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً ، وكل بعرة علف لدوابكم ) (رواه مسلم : 3/332 . ورقمه : 450) .
فأخبر أن لهم دوابّ ، وأن علف دوابهم بعر دواب الإنس .
وأخبرنا ربنا أن للشيطان خيلاً يجلب بها على أعدائه من بني آدم قال تعالى : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ) [الإسراء : 64] .
حيوانات تصاحبها الشياطين :
من هذه الحيوانات الإبل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الإبل خلقت من الشياطين ، وإن وراء كل بعير شيطاناً ) . رواه سعيد بن منصور في سننه بإسنادٍ مرسل حسن (صحيح الجامع : 2/52) . ومن أجل ذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل ، فعن البراء بن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصلوا في مبارك الإبل ، فإنها من الشياطين ، وصلوا في مرابض الغنم ، فإنها بركة ) (رواه أبو داود . انظر صحيح سنن أبي داود : 1/37 . ورقمه : 169) .
وعن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل ، فإنها خلقت من الشياطين ) (صحيح سنن ابن ماجة : 1/128 . ورقمه : 623) .
وهذه الأحاديث ترد على من قال : إنّ علة النهي عن الصلاة في مبارك الإبل نجاسة أبوالها وروثها ، فالصحيح أن روث وبول ما يؤكل لحمه غير نجس .
وقد تساءَل أبو الوفاء ابن عقيل عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الكلب الأسود شيطان ) ، ومعلوم أنه مولود من كلب ، و ( أن الإبل خلقت من الشياطين ) مع كونها مولودة من الإبل .
وأجاب : أنّ هذا على طريق التشبيه لها بالشياطين ، لأن الكلب الأسود أشرّ الكلاب وأقلعها نفعاً ، والإبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها ، كما يقال : فلان شيطان ؛ إذا كان صعباً شريراً (آكام المرجان : ص22 . لقط المرجان : ص42 .) .
ويدل لصحة قول ابن عقيل أن الأحياء في عالمنا الأرضي مخلوقة من الماء ، كما قال تعالى : ( وجعلنا من الماء كُلَّ شيٍ حَيٍّ ) [ الأنبياء : 30 ] ، والشياطين مخلوقة من النار .

ابو يوسف 1 10 Dec 2011 12:36 AM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
جزاك الله خير واحسن الله اليك اخي

أبوحذيفة 10 Dec 2011 12:24 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو يوسف 1 (المشاركة 97278)
جزاك الله خير واحسن الله اليك اخي

بارك الله بك وبمرورك الطيب

أبوحذيفة 10 Dec 2011 12:37 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
قدرات الجن وعجزهم
ا
لمطلب الأول
ما أعطاه الله للجن من قدرات
أعطى الله الجنّ قدرة لم يعطهـا للبشر ، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم ، فمن ذلك :
أولاً : سرعة الحركة والانتقال :
فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوسه ، فقال الذي عنده علم من الكتاب : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك : ( قال عفريتٌ من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وَإِنِّي عليه لقويٌّ أمينٌ – قال الَّذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلمَّا رآه مستقرّاً عنده قال هذا من فضل ربي ...) [ النمل : 39-40 ] .
ثانياً : سبقهم الإنسان في مجالات الفضاء :
ومنذ القدم كانوا يصعدون إلى أماكن متقدمة في السماء ، فيسترقون أخبار السماء ، ليعلموا بالحَدَث قبل أن يكون ، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم زيدت الحراسة في السماء : ( وأنَّا لمسنا السَّماء فوجدناها مُلِئَتْ حرساً شديداً وشهباً – وأنَّا كنَّا نقعد منها مقاعد للسَّمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رَّصداً ) [ الجن : 8-9 ] .وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية استراقهم السمع ، فعن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم ، قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير .
فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض – ووصف سفيان بكفه ، فحرفها وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كذبة . فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا : كذا وكذا ؟ فيصدّق بتلك الكلمة التي سمع من السماء ) (رواه البخاري في صحيحه : 8/538 . ورقمه : 4800) .
خرافة جاهلية :
ومعرفة السبب الذي من أجله يرمي بشهب السماء قضى على خرافة كان يتناقلها أهل الجاهلية ، فعن عبد الله بن عباس قال : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار : أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا ) ؟قالوا : الله ورسوله أعلم ، كنا نقول : ولد الليلة رجل عظيم ، ومات رجل عظيم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ؛ ولكنّ ربنا – تبارك وتعالى اسمه – إذا قضى أمراً سبّح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ، ثمّ قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال ، قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً ؛ حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا ، فتخطف الجنّ السمع ، فيقذفون إلى أوليائهم ، ويرمون به ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يَقْرِفون فيه ويزيدون ) (رواه مسلم : 4/1750 . ورقمه : 2229 . ومعنى يقرفـون فيه أي الصدق بالكذب : يقذفون) .
وقد يكون استراقهم السمع بطريق أهون عليهم من الطريق الأولى ، وذلك بأن تستمع الشياطين إلى الملائكة الذين يهبطون إلى العنان بما يكون من أحداث قدرها الله ، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الملائكة تتحدث في العنان – والعنان الغمام – بالأمر يكون في الأرض ، فتستمع الشياطين الكلمة ، فتقرها في أذن الكاهن كما تقرّ القارورة ، فيزيدون معها مائة كذبة ) (رواه البخاري : 6/338 .ورقمه : 3288)

أبوحذيفة 10 Dec 2011 09:41 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .سبقهم للإنسان في مجال الفضاء
 
:ثالثاً : علمهم بالإعمار والتصنيع
:
أخبرنا الله أنه سخر لنبيّه سليمان ، فكانوا يقومون له بأعمال كثيرة تحتاج إلى قدرات ، وذكاء ، ومهارات : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السَّعير – يعملون له ما يشاء من مَّحاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدورٍ رَّاسِيَاتٍ) [ سبأ : 12-13 ] .
ولعلهم قد توصلوا منذ القدم إلى اكتشاف مثل ( الراديو والتلفزيون ) ، فقد ذكر ابن تيمية أن بعض الشيوخ الذين كان لهم اتصال بالجن أخبره وقال له : " إن الجن يرونه شيئاً براقاً مثل الماء والزجاج ، ويمثلون له فيه ما يطلب منه من الأخبار به ، قال فأخبر الناس به ، ويوصلون إليّ كلام من استغاث بي من أصحابي ، فأجيبه ، فيوصلون جوابي إليه " (مجموع الفتاوى : 11/309) .

أبوحذيفة 10 Dec 2011 09:48 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .قدرة الجن على التشكل
 
رابعاً : قدرتهم على التشكل :
للجن قدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان ، فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة سراقة بن مالك ، ووعد المشركين بالنصر ، وفيه أنزل : ( وإذ زيَّن لهم الشَّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النَّاس وَإِنِّي جارٌ لكم ) [الأنفال : 48] .
ولكن عندما التقى الجيشان ، وعاين الملائكة تتنزل من السماء ، ولى هارباً : ( فلمَّا تَرَاءتِ الفئتان نكص علـى عقبيه وقال إني بريءٌ منكم إِنِّي أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) [ الأنفال : 48 ] .

وقد جرى مع أبي هريرة قصة طريفة رواها البخاري وغيره ؛ قال أبو هريرة : ( وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج ، وعليّ عيال ، ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ )
قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته ، فخليت سبيله ، قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيعود ، فرصدته ، فجاءَ يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : دعني فإني محتاج ، وعليّ عيال ، لا أعود ، فرحمته ، فخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك ؟ ) قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته ، فخليت سبيله .
قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فرصدته الثالثة ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا آخر ثلاث مرات ، إنك تزعم لا تعود ، ثمّ تعود ! قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قال : قلت : ما هنّ ؟
قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [البقرة : 255] حتى تختم الآية ؛ فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قلت : يا رسول الله زعم أنّه يعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فخليت سبيله ، قال : ما هي ؟ قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ البقرة : 255 ] وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير .
قال النبي : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ ) قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان
) (صحيح البخاري : 4/486 . ورقمه : 2311 . ويرى بعض العلماء أن الحديث منقطع ؛ لأنه لم يصرح بالسماع من شيخه عثمان بن الهيثم ، والحديث وصله النسائي وغيره . انظر : فتح الباري : 4/488 .) .
فقد تشكل هذا الشيطان في صورة إنسان .
وقد يتشكل في صورة حيوان : جمل ، أو حمار ، أو بقرة ، أو كلب ، أو قط ، وأكثر ما تتشكل بالأسود من الكلاب والقطط . وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة ، وعلل ذلك بأن ( الكلب الأسود شيطان ) (رواه مسلم : 1/365 . ورقمه : 510 .
) . يقول ابن تيمية : " الكلب الأسود شيطان الكلاب ، والجن تتصور بصورته كثيراً ، وكذلك بصورة القط الأسود ؛ لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وفيه قوة الحرارة " .
جنان البيوت :
تتشكل الجان بشكل الحيات وتظهر للناس ، ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات البيوت ، خشية أن يكون هذا المقتول جنياً قد أسلم ، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ بالمدينة جنّاً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان ) (رواه مسلم : 4/1756 . ورقمه : 2236 .) .
وقد قتل أحد الصحابة حيّة من حيات البيوت ، فكان في ذلك هلاكه ، روى مسلم في صحيحه : أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ، فوجده يصلي ، قال : ( فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت ، فالتفت ، فإذا حيّة ، فوثبت لأقتلها فأشار إليّ ؛ أن اجلس ، فجلست .
فما انصرف أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم . قال : كان فيه فتى منّا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول الله إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار ، فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوماً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك قريظة ) .
فأخذ الرجل سلاحه ، ثمّ رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به ، وأصابته غيرة ، فقالت له : اكفف رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني .
فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج ، فركزه في الدار ، فاضطربت عليه ، فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً : الحية أم الفتى !
قال : فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحييه لنا فقال : ( استغفروا لصاحبكم ) ، ثم قال : ( إنّ بالمدينة جنّاً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنّما هو شيطان
) (8) .

أبوحذيفة 10 Dec 2011 09:52 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .تنبيهات مهمة حول قتل الحيات
 
تنبيهات مهمة حول قتل حيات البيوت :

1- هذا الحكم ، وهو النهي عن قتل الحيوانات خاص بالحيات دون غيرها .

2- وليس كل الحيات ؛ بل الحيات التي نراها في البيوت دون غيرها ، أمّا التي نشاهدها خارج البيوت فنحن مأمورون بقتلها .

3- إذا رأينا حيات البيوت فنؤذنها ؛ أي نأمرها بالخروج ، كأن نقول : أقسم عليك بالله أن تخرجي من هذا المنزل ، وأن تبعدي عنّا شرّك وإلا قتلناك . فإن رؤيت بعد ثلاثة أيام قتلت .

4- والسبب في قتلها بعد ثلاثة أيام أننا تأكدنا أنها ليست جنّاً مسلماً ، لأنها لو كانت كذلك ، لغادرت المنزل ، فإن كانت أفعى حقيقية فهي تستحق القتل ، وإن كانت جنّاً كافراً متمرداً فهو يستحق القتل ؛ لأذاه وإخافته لأهل المنزل .

5- يستثنى من جنان البيوت نوع يقتل بدون استئذان ، ففي صحيح البخاري عن أبي لبابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقتلوا الجِنَّان ، إلا كلّ أبتر ذي طُفْيَتَيْن ؛ فإنه يسقط الولد ، ويذهب البصر ، فاقتلوه ) (رواه البخاري : 6/351 . ورقمه : 3311 .
) .
وهل كل الحيات من الجنّ أم بعضها ؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الحيّات مسخ الجنّ صورة ، كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل ) (رواه الطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، بإسناد صحيح ، راجع الأحاديث الصحيحة : 104) .

أبوحذيفة 10 Dec 2011 09:57 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم من ال
 
خامساً : الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق :
في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) (صحيح البخاري : 13/159 . ورقمه : 7171 . ورواه مسلم : 4/1712 . ورقمه : 2175 .) ، وفي الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً ، فأتيته أزوره ليلاً ، فحدثته ، ثمّ قمت فانقلبت ، فقام معي ليقبلني ( يردني ) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمرّ رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي ) ، فقالا : سبحان الله يا رسول الله !! قال : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً ) ، أو قال : ( شيئاً ) (رواه البخاري : 6/336 . ورقمه : 3281) .

ابن اليمامة 11 Dec 2011 12:44 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
بارك الله فيكم دمتم بخير

أبوحذيفة 11 Dec 2011 09:32 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين جوانب ضعف الجن وعجزهم
 
المطلب الثاني
جوانب ضعف الجن وعجزهم
الجن والشياطين كالإنس فيهم جوانب قوة ، وجوانب ضعف ، قال تعالى : ( إنَّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً ) [ النساء : 76 ] ، وسنعرض لبعض هذه الجوانب التي عرفنا الله ورسوله بها .

أولاً : لا سلطان لهم على عباد الله الصالحين :

لم يعط الرَّب – سبحانه – الشيطان القدرة على إجبار الناس ، وإكراههم على الضلال والكفر : ( إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربك وكيلاً ) [الإسراء:65] . ( وما كان له عليهم من سلطانٍ إلاَّ لنعلم من يؤمن بالآخرة ممَّن هو منها في شكٍ )[سبأ:21] .
ومعنى ذلك أن الشيطان ليس له طريق يتسلط بها عليهم ، لا من جهة الحجة ، ولا من جهة القدرة ، والشيطان يدرك هذه الحقيقة : ( قال رب بما أغويتني لأزيننَّ لهم في الأرض ولأغوينَّهم أجمعين – إلاَّ عبادك منهم المخلصين ) [ الحجر: 39-40].
وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره ، ويتابعونه عن رضا وطواعية : ( إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاَّ من اتبَّعك من الغاوين ) [ الحجر : 42 ] . وفي يوم القيامة يقول الشيطان لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم : ( وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلاَّ أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [ إبراهيم : 22 ] .
وفي آية أخرى : ( إنَّما سلطانه على الَّذين يتولَّونه والَّذين هم به مشركون ) [النحل :100] .
والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال ، وتمكنه منهم ، بحيث يؤزُهم على الكفر والشرك ويزعجهم إليه ، ولا يدعهم يتركونه ، كما قال تعالى : ( ألم تر أنَّا أرسلنا الشَّياطين على الكافرين تؤزُّهم أزاً ) [ مريم : 83 ] ، ومعنى تؤزهم : تحركهم وتهيجهم .
وسلطان الشيطان على أوليائه ليس لهم فيه حجّة وبرهان ، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم ، لما وافقت أهواءَهم وأغراضهم ، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ، ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته ، فلما أعطوا بأيديهم ، واستأسروا له ، سُلّط عليهم عقوبةً لهم . فالله لا يجعل للشيطان على العبد سلطاناً ، حتى يجعل له العبد سبيلاً بطاعته والشرك به ، فجعل الله حينئذٍ له عليه تسلطاً وقهراً .
تسليطه على المؤمنين بسبب ذنوبهم :
ففي الحديث : ( إن الله – تعالى – مع القاضي لم يَجُر ، فإذا جار تبرأ منه ، وألزمه الشيطان ) . رواه الحاكم ، والبيهقي بإسناد حسن (أنظر صحيح الجامع :2/130) .
ويروي لنا أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله – عن الحسن البصري – رحمه الله – قصة طريفة ، وبغض النظر عن مدى صحتها فهي تصور قدرة الإنسان على قهر الشيطان إذا أخلصه دينه لله ، وكيف يصرع الشيطان الإنسان إذا ضلّ وزاغ .
يقول الحسن : كانت شجرة تعبد من دون الله ، فجاء إليها رجل ، فقال : لأقطعن هذه الشجرة ، فجاء ليقطعها غضباً لله ، فلقيه إبليس في صورة إنسان ، فقال : ما تريد ؟ قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله ، قال : إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال : لأقطعنها .
فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك ؟ لا تقطعها ، ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك . قال : فمن أين لي ذلك ؟ قال : أنا لك . فرجع ، فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ، ثمّ أصبح بعد ذلك ، فلم يجد شيئاً . فقام غضباً ليقطعها ، فتمثل له الشيطان في صورته ، وقال : ما تريد ؟ قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى ، قال : كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل .
فذهب ليقطعها ، فضرب به الأرض ، وخنقه حتى كاد يقتله ، قال : أتدري من أنا؟ أنا الشيطان ، جئت أول مرة غضباً لله ، فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين ، فتركتها ، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك (تلبس ابليس :ص43) .
وقد حدثنا الله في كتابه عن شخص آتاه الله آياته ، فعلمها ، وعرفها ، ثمّ إنه ترك ذلك كله ، فسلط الله عليه الشيطان ، فأغواه ، وأضله ، وأصبح عبرة تروى ، وقصة تتناقل : ( واتلُ عليهم نبأ الَّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشَّيطان فكان من الغاوين – ولو شئنا لرفعناه بها ولكنَّه أخلد إلى الأرض واتَّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الَّذين كذَّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلَّهم يتفكَّرون ) [ الأعراف : 175-176 ] . وواضح أن هذا مثل لمن عرف الحق وكفر به كاليهود الذين يعلمون أن محمداً مرسل من ربه ، ثم هم يكفرون به .
أما هذا الذي عناه الله هنا ، فقال بعضهم : هو بلعام بن باعورا ، كان صالحاً ثم كفر ، وقيل : هو أمية بن أبي الصلت من المتألهين في الجاهلية ، أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يؤمن به حسداً ، وكان يرجو أن يكون هو النبي المبعوث ، وليس عندنا نص صحيح يعرفنا بالمراد من الآية على وجه التحديد .
وهذا الصنف ( الذي يؤتى الآيات ثم يكفر ) صنف خطر ، به شَبَه من الشيطان ؛ لأنّ الشيطان كفر بعد معرفته الحق ، ولقد تخوف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا النوع على أمته ، روى الحافظ أبو يعلى عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أتخوف عليكم رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه ، وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه ، ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف ، ورماه بالشرك ) . قال : قلت : يا رسول الله : أيهما أولى بالسيف : الرامي أم المرمي ؟ قال : ( بل الرامي ) ، قال ابن كثير : وهذا إسناد جيد (أنظر تفسير ابن كثير3/252) .

أبوحذيفة 11 Dec 2011 10:01 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .خوف الشيطان من المؤمنين
 
ثانياً : خوف الشيطان من بعض عباد الله وهربه منهم :


إذا تمكن العبد في الإسلام ، ورسخ الإيمان في قلبه ، وكان وقّافاً عند حدود الله ، فإنّ الشيطان يفرق منه ، ويفرّ منه ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : ( إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ) (صحيح سنن الترمي3/206 ورقمه2913) ، وقال فيه أيضاً : ( إني لأنظر إلى شياطين الجنّ والإنس قد فرّوا من عمر ) {صحيح سننن الترمذي،3/206 ورقمه2914} ، وفي صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب : ( والذي نفسي بيده ، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلى سلك فجاً غير فجك . {رواه البخاري،6/339،ورقمه3294}).
وليس ذلك خاصاً بعمر ، فإن مَن قوي إيمانه يقهر شيطانه ، ويذله ، كما في الحديث : ( إن المؤمن لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر ) . رواه أحمد . قال ابن كثير (البداية والنهاية : 1/73، وفي رواية اخرى (ليضنى شيطانه، أي يهزله ويجعله نضوا أي مهزولا لكثرة إذلاله وجعله اسيرا تحت قهره وتصرفه.) : بعد أن ساق هذا الحديث : " ومعنى لينصي شيطانه : ليأخذ بناصيته ، فيغلبه ، ويقهره ، كما يفعل بالعبير إذا شرد ثم غلبه " .
وقد يصل الأمر أن يؤثر المسلم في قرينه الملازم له فيسلم ، أخرج مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ) ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : ( وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير ) (رواه مسلم 4/2167ورقمه 2814) .

أبوحذيفة 11 Dec 2011 10:12 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .تسخير الجن لنبي الله سليمان
 
ثالثاً : تسخير الجن لنبي الله سليمان

سخر الله لنبيه سليمان – في جملة ما سخر – الجن والشياطين ، يعملون له ما يشاء ، ويعذب ويسجن العصاة منهم : ( فسخَّرنا له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب – والشَّياطين كل بنَّاءٍ وغوَّاصٍ – وآخرين مقرَّنين في الأصفاد ) [ص:36-38] .
وقال في سورة سبأ : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السَّعير – يعملون له ما يشاء من مَّحاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدورٍ رَّاسياتٍ ) [ سبأ: 12-13] .
وهذا التسخير على هذا النحو استجابة من الله لعبده سليمان حين دعاه وقال : ( وهب لي مُلكاً لاَّ ينبغي لأحدٍ من بعدي ) [ ص : 35 ] . وهذه الدعوة هي التي منعت نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من ربط الجني الذي جاء بشهاب من نار ، يريد أن يرميه في وجهه ، ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعناه يقول : ( أعوذ بالله منك ) ثم قال : ( ألعنك بلعنة الله ثلاثاً ) ، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً .فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ‍ لقد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً ، لم نسمعك تقوله من قبل ، ورأيناك بسطت يدك ، فقال : ( إن عدوّ الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ، فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ثلاث مرات ، ثم اْردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة ) (رواه مسلم 1/385 ورقمه542) .
وقد تكرر هذا أكثر من مرة ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن عفريتاً من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع عليّ الصلاة ، وإن الله أمكنني منه ، فَذَعَتُّهُ ، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد ، حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون ، ( أو كلكم ) ، ثمّ ذكرت قول أخي سليمان : ( رب اغفر لي وهب لي مُلكاً لاَّ ينبغي لأحدٍ من بعدي ) ، فرده الله خاسئاً ) (رواه البخاري 6/547،ورقمه 3423 ومسلم 1/384 ورقمه541) . ومعنى يفتك : الفتك : الأخذ غفلة . وقوله : ( ذعته ) ، أي : خنقته .
كذب اليهود على نبي الله سليمان :
يزعم اليهود وأتباعهم الذين يستخدمون الجن بوساطة السحر أن نبي الله سليمان كان يستخدم الجنّ به ، وقد ذكر غير واحد من علماء السلف أنَّ سليمان لما مات كتبت الشياطين كتب السحر والكفر ، وجعلتها تحت كرسيه ، وقالوا : كان سليمان يستخدم الجن بهذه ، فقال بعضهم : لولا أن هذا حق جائز لما فعله سليمان ، فأنزل الله قوله : ( ولمـَّا جاءهم رسولٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم نبذ فريقٌ من الَّذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنَّهم لا يعلمون ) [ البقرة : 101 ] ، ثم بين أنهم اتبعوا ما كانت تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان ، وبرأ سليمان من السحر والكفر : ( واتَّبعوا ما تتلوا الشَّياطين على مُلكِ سليمان وما كفر سليمان ولكنَّ الشَّياطين كفروا ) [ البقرة : 102 ] .

أبوحذيفة 11 Dec 2011 10:17 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
رابعاً : عجزهم عن الإتيان بالمعجزات :


لا تستطيع الجن الإتيان بمثل المعجزات التي جاءت بها الرسل تدليلاً على صدق ما جاءت به .
فعندما زعم بعض الكفرة أن القرآن من صنع الشياطين قال تعالى : ( وما تنزَّلت به الشَّياطين – وما ينبغي لهم وما يستطيعون – إنَّهم عن السَّمع لمعزولون ) [ الشعراء : 210-212 ] .
وتحدى الله بالقرآن الإنس والجن : ( قل لئِن اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً )[ الإسراء : 88 ]

أبوحذيفة 11 Dec 2011 10:25 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .لا يتمثل بالرسول في الرؤيا
 
خامساً : لا يتمثلون بالرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا :


والشياطين تعجز عن التمثل في صورة الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا :
ففي الحديث الذي يرويه الترمذي عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من رآني فإني أنا هو ، فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي . { صحيح سنن الترمذي 2/260 ورقمه 1859}) .
وفي الصحيحين عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ) . رواه مسلم من رواية أبي هريرة . وفي صحيح البخاري : ( وإن الشيطان لا يتراءَى بي ) .
وفيه من رواية أبي سعيد : ( من رآني فقد رأى الحقّ ، فإن الشيطان لا يتكونني ) .
وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة : ( ولا يتمثل الشيطان بي ) .
وفي صحيح مسلم من حديث جابر : ( من رآني في المنام فقد رآني ، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي ) . وفي رواية أخرى عن جابر : ( فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي {أنظر أحاديث عدم قدرةالشيطان على التمثل بالرسول صلى الله عليه وسلم في البخاري:12/283 وارقامها 6993-6997 وفي صحيح مسلم :4/1775 وأرقامها 2266-2668}) .
والظاهر من الأحاديث أن الشيطان لا يتزيّا بصورة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقية ، ولا يمنعه هذا من التمثل في غير صورة الرسول صلى الله عليه وسلم والزعم بأنّه رسول الله ، وهذا ما فقهه ابن سيرين رحمه الله ، فيما نقله عنه البخاري (صحيح البخاري 12/283) .
ولذلك فلا يجوز أن يحتج بهذا الحديث على أن كل من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أنّه رآه حقّاً ، إلا إذا كانت صفته هي الصفة التي روتها لنا كتب الحديث . وإلا فكثير من الناس يزعم أنّه رآه على صورة مخالفة للصورة المروية في كتب الثقات .

أبوحذيفة 11 Dec 2011 10:30 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .عدم قدرتهم مجاوزة حدودهم في مجاوزة الفض
 
سادساً : لا يستطيع الجن أن يتجاوزوا حدودهم في أجواز الفضاء


قال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السَّماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاَّ بسلطانٍ فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان – يرسل عليكما شواظٌ من نَّارٍ ونحاسٌ فلا تنتصران ) [ الرحمن : 33-35 ] .

فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم حدود لا يستطيعون أن يتعدوها ، وإلا فإنهم هالكون.

أبوحذيفة 11 Dec 2011 10:37 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
سابعاً : لا يستطيعون فتح باب أغلق وذكر اسم الله عليه :


روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا كان جنح الليل – أو أمسيتم – فكفوا صبيانكم ، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم ، وأغلقوا الأبواب ، واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح باباًَ مغلقاً ) (صحيح البخاري6/350/10/88 رقم :3304،5623 ومسلم،3/1595 رقمه 2012) .
وفي لفظ لمسلم عن جابر : ( غطوا الإناء ، وأوكوا السقاء ، وأغلقوا الباب ، وأطفئوا السراج ، فإن الشيطان لا يحلّ سقاءً ، ولا يفتح باباً ، ولا يكشف إناء ) (صحيح مسلم 3/1594 رقمه 2012) .

أبوحذيفة 11 Dec 2011 10:46 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راعي رفحاء (المشاركة 97339)
بارك الله فيكم دمتم بخير

وبك بارك الله وجزاك الله خيرا

أبوحذيفة 16 Dec 2011 06:26 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .الغاية من تكليفهم
 
تكليف الجن
المبحث الأول :الغاية من خلقهم
خلق الله الجن للغاية نفسها التي خلق الإنس من أجلها : ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] .
فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواهٍ ، فمن أطاع رضي الله عنه ، وأدخله الجنة ، ومن عصى وتمرد ، فله النار ، يدلّ على ذلك نصوص كثيرة .
ففي يوم القيامة يقول الله مخاطباً كفرة الجن والإنس موبخاً مبكتاً : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصُّون عليكم آيَاتِي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرَّتهم الحياة الدُّنيا وشهدوا على أنفسهم أنَّهم كانوا كافرين ) [الأنعام : 130] .
ففي هذه الآيات دليل على بلوغ شرع الله الجن ، وأنه قد جاءهم من ينذرهم ويبلغهم .
والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله تعالى : ( قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النَّار ) [ الأعراف : 38 ] ، وقال : ( ولقد ذرأنا لجهنَّم كثيراً من الجن والإنس ) [ الأعراف : 179 ] ، وقال : ( لأملأنَّ جهنَّم من الجنَّة والنَّاس أجمعين ) [ السجدة : 13 ] . والدليل على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة قوله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنَّتان – فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان ) [ الرحمن : 46-47 ] .
والخطاب هنا للجن والإنس ؛ لأن الحديث في مطلع السورة معهما ، وفي الآية السابقة امتنان من الله على مؤمني الجن بأنهم سيدخلون الجنة ، ولولا أنهم ينالون ذلك لما امتن عليهم به .
يقول ابن مفلح في كتابه الفروع : " الجن مكلفون في الجملة إجماعاً ، يدخل كافرهم النار إجماعاً ، ويدخل مؤمنهم الجنة وفاقاً لمالك والشافعي رضي الله عنهما – لا أنهم يصيرون تراباً كالبهائم ، وإن ثواب مؤمنهم النجاة من النار ، خلافاً لأبي حنيفة ، والليث بن سعد ومن وافقهم " .
قال : " وظاهر الأول أنهم في الجنة كغيرهم بقدر ثوابهم ، خلافاً لمن قال لا يأكلون ولا يشربون كمجاهد ، أو أنهم في ربض الجنّة ، حول الجنة كعمر بن عبد العزيز ، قال ابن حامد في كتابه : " الجن كالإنس في التكليف والعبادات " (لوامع الأنوار البهية : 2/222-223 .) .
وقد عقد الشبلي باباً قال فيه : " باب في أن الجن مكلفون بإجماع أهل النظر " . نقل فيه عن أبي عمر بن عبد البر : أن الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون لقوله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان ) [ الرحمن : 13 ] . وقال الرازي في تفسيره : " أطبق الكل على أن الجن كلهم مكلفون " .
ونقل الشبلي عن القاضي عبد الجبار قوله : " لا نعلم خلافاً بين أهل النظر في أنّ الجن مكلفون ، وقد حكى عن بعض المؤلفين في المقالات أن الحشوية قالوا : إنهم مضطرون إلى أفعالهم ، وأنهم ليسوا مكلفين " .
قال : " والدليل على أنهم مكلفون ما في القرآن من ذمّ الشياطين ولعنهم ، والتحرز من غوائلهم وشرهم ، وذكر ما أعد الله لهم من العذاب ، وهذه الخصال لا يفعلها الله تعالى إلا لمن خالف الأمر والنهي ، وارتكب الكبائر ، وهتك المحارم ، مع تمكنه من أن لا يفعل ذلك ، وقدرته على فعل خلافه ، ويدل على ذلك أيضاً أنه كان من دين النبي صلى الله عليه وسلم لعن الشياطين ، والبيان عن حالهم ، وأنهم يدعون إلى الشر والمعاصي ، ويوسوسون بذلك . وهذا كله يدل على أنهم مكلفون ، وقوله تعالى : ( قل أوحي إليَّ أنَّه استمع نفرٌ من الجن ) [ الجن : 1 ] إلى قوله : ( فَآمَنَّا به ولن نشرك بربنا أحداً ) [ الجن : 2 ] (لوامع الأنوار البهية : 2/222-223 .) .
تكليفهم بحسبهم :
يقول ابن تيمية : " الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم ، فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحدّ والحقيقة ؛ فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحدّ ، لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي ، والتحليل والتحريم ، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعاً بين المسلمين " (مجموع الفتاوى : 4/233 .) .

أبوحذيفة 16 Dec 2011 06:32 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .
 
كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار؟

يورد بعض الناس شبهة فيقولون : أنتم تقرون أن الجن خلقوا من نار ، ثمّ تقولون : إنّ كافرهم يعذب في نار جهنم ، ومسترق السمع منهم يقذف بشهب من نار ، فكيف تؤثر النار فيهم وقد خلقوا منها ؟
الجواب : أنّ الأصل الذي خلقوا منه النار ، أمّا بعد خلقهم فليسوا كذلك ، إذ أصبحوا خلقاً مخالفاً للنار ، يوضح هذا أن الإنسان خلق من تراب ، ثم بعد إيجاده أصبح مخالفاً للتراب ، ولو ضربت إنساناً بقطعة مشوية من الطين لقتلته ، ولو رميته بالتراب لآذاه ، ولو دفنته فيه لاختنق ، فمع أنه من تراب إلا أن التراب يؤذيه ، فكذلك الجن .
قال أبو الوفاء ابن عقيل : " أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين والفخار ، والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين ، وليس الآدمي حقيقة ، لكنه كان طيناً ، كذلك الجان كان ناراً في الأصل " (لقط المرجان في أحكام الجان : ص33) .

أبوحذيفة 16 Dec 2011 06:42 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .لا نسب بين الجن ورب العزة
 
لا نسب بين الجن ورب العزة :
هذا الذي ذكرناه من أن الجن خلق من خلق الله ، وعباد من جملة عباده ، خلقهم لطاعته ، وكلفهم بشريعته ، يقضي على الخرافات التي تنشأ عن الانحراف في التصور ، وعن ضمور العلم وكثرة الجهل ، فمن ذلك ما شاع عند اليهود ومشركي العرب ، من أن الله – تعالى وتقدس – خطب من سروات الجنّ وتزوج منهم ، وكان الملائكة ثمرة هذا الزواج ، وقد حكى الله هذه الخرافة وبين بطلانها : ( وجعلوا بينه وبين الجنَّة نسباً ولقد علمت الجنَّة إنَّهم لمحضرون – سبحان الله عمَّا يصفون – إلاَّ عباد الله المخلصين ) [ الصافات : 158-160 ] .قال ابن كثير عند تفسيره هذه الآيات : " قال مجاهد : قال المشركون : الملائكة بنات الله – تعالى عما يقولون – فقال أبو بكر – رضي الله عنه - : فمن أمهاتهنّ ؟ قالوا : بنات سروات الجنّ . وبمثل قول مجاهد قال قتادة وابن زيد ... ، وقال العوفي عن ابن عباس : زعم أعداء الله أنه – تبارك وتعالى – هو وإبليس أخوان ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً " (تفسير ابن كثير : 4/24) .

أبوحذيفة 16 Dec 2011 06:52 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .رسل الله الى الجن
 
رسل الله إلى الجن

بما أنهم مكلفون فلا بدّ أن يبلغهم الله وحيه ، ويقيم عليهم الحجة ، فكيف حصل ذلك ؟ هل لهم رسل منهم ، كما للبشر رسل منهم ، أم أن رسلهم هم رسل البشر ؟
إن قوله : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم ) [ الأنعام : 130 ] يدلّ على أن الله أرسل إليهم رسلاً ، ولكنها لم تصرح بأن هؤلاء الرسل من الجن أو من الإنس ؛ لأن قوله : ( منكم ) يحتمل الأمرين ؛ فقد يكون المراد أن رسل كل جنس منهم ، وقد يراد أن رسل الإنس والجن من مجموعهما ، فيصدق على أحدهما وهم الإنس . وقد اختلف في ذلك على قولين :
الأول : أن للجن رسلاً منهم ، وممن قال بهذا القول الضحاك ، وقال ابن الجوزي : وهو ظاهر الكلام ، وقال ابن حزم : " لم يبعث إلى الجن نبي من الإنس ألبتّة قبل محمد صلى الله عليه وسلم " .
الثاني : أن رسل الجن من الإنس : قال السيوطي : " جمهور العلماء ، سلفاً وخلفاً ، على أنه لم يكن من الجن قط رسول ولا نبي ، كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والكلبي وأبي عبيد " (لوامع الأنوار البهية : 2/223-224 ، وانظر لقط المرجان : 73 .) .
ومما يرجح أن رسل الإنس هم رسل الجن قول الجن عند سماع القرآن : ( إنَّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى ) [ الأحقاف : 30 ] ، ولكنه ليس نصّاً في المسألة .
وهذه المسألة لا يبنى عليها عمل ، وليس فيها نص قاطع .

أبوحذيفة 16 Dec 2011 07:08 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .رسل الله الى الجن
 
رسل الله إلى الجن

بما أنهم مكلفون فلا بدّ أن يبلغهم الله وحيه ، ويقيم عليهم الحجة ، فكيف حصل ذلك ؟ هل لهم رسل منهم ، كما للبشر رسل منهم ، أم أن رسلهم هم رسل البشر ؟
إن قوله :"يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم [/[ الأنعام : 130 ] يدلّ على أن الله أرسل إليهم رسلاً ، ولكنها لم تصرح بأن هؤلاء الرسل من الجن أو من الإنس ؛ لأن قوله : ( منكم ) يحتمل الأمرين ؛ فقد يكون المراد أن رسل كل جنس منهم ، وقد يراد أن رسل الإنس والجن من مجموعهما ، فيصدق على أحدهما وهم الإنس . وقد اختلف في ذلك على قولين :
الأول : أن للجن رسلاً منهم ، وممن قال بهذا القول الضحاك ، وقال ابن الجوزي : وهو ظاهر الكلام ، وقال ابن حزم : " لم يبعث إلى الجن نبي من الإنس ألبتّة قبل محمد صلى الله عليه وسلم " .
الثاني : أن رسل الجن من الإنس : قال السيوطي : " جمهور العلماء ، سلفاً وخلفاً ، على أنه لم يكن من الجن قط رسول ولا نبي ، كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والكلبي وأبي عبيد " (لوامع الأنوار البهية : 2/223-224 ، وانظر لقط المرجان : 73 .) .
ومما يرجح أن رسل الإنس هم رسل الجن قول الجن عند سماع القرآن : ( إنَّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى ) [ الأحقاف : 30 ] ، ولكنه ليس نصّاً في المسألة .
وهذه المسألة لا يبنى عليها عمل ، وليس فيها نص قاطع .

أبوحذيفة 16 Dec 2011 07:37 PM

رد: النور المبين من كتاب عالم الجن والشياطين .وفود الجن الى النبي صلى الله عليه وسلم
 
وفود الجن الذين تلقوا العلم من الرسول صلى الله عليه وسلم :
تلك كانت بداية معرفة الجنّ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، استمعوا لقراءَة القرآن بدون علم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فآمن فريق منهم ، وانطلقوا دعاة هداة .
ثمّ جاءَت وفود الجنّ بعد ذلك تتلقى العلم من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من وقته ، وعلمهم مما علمه الله ، وقرأ عليهم القرآن ، وبلغهم خبر السماء .... وكان ذلك في مكة قبل الهجرة .
روى مسلم في صحيحه عن عامر ، قال : سألت علقمة : هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال : فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود ، فقلتُ : هل شهد أحدٌ منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال : لا ، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، ففقدناهُ ، فالتمسناهُ في الأودية والشعابِ ، فقلنا : استطير أو اغتيل ، قال فبتنا بشر ليلة بات بها قومٌ ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ، قال : فقلنا : يا رسول الله ! فقدناك فطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قومٌ . فقال : ( أتاني داعي الجنّ ، فذهبتُ معه ، فقرأتُ عليهم القرآن ) . قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد ، فقال : ( لكم كلُّ عظمٍ ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم ؛ أوفر ما يكون لحماً . وكل بعرةٍ علفٌ لدوابّكم ) .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فلا تستنجوا بهما ، فإنهما طعامُ إخوانكم ) (رواه مسلم : 1/332 . ورقمه : 450) .ومما قرأه عليهم سورة الرحمن ، قال السيوطي : " أخرج الترمذي ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها ، فسكتوا فقال : ( ما لي أراكم سكوتاً ، لقد قرأتها على الجن ليلة الجن ، فكانوا أحسن مردوداً منكم ، كنت كلما أتيت على قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد ) (الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، للسيوطي : 7/690) .
ولم تكن تلك الليلة هي الليلة الوحيدة ، بل تكرر لقاؤه صلى الله عليه وسلم بالجنّ بعد ذلك ، وقد ساق ابن كثير في تفسير سورة الأحقاف – الأحاديث التي وردت بشأن اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالجن ، وفي بعضها أن ابن مسعود كان قريباً من الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى تلك الليالي .
وقد ورد في بعض الروايات في صحيح البخاري : أن بعض الجن الذين أتوه كانوا من ناحية من نواحي اليمن من مكان يسمى ( نصيبين ) ، فقد روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني وفد نصيبين – ونعم الجن – فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم ألا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعاماً ) (الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، للسيوطي : 7/690 .) .


الساعة الآن 10:02 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي