موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح (https://www.1enc.net/vb/index.php)
-   أعظم الرقاة والمعالجين في العالم . (https://www.1enc.net/vb/forumdisplay.php?f=144)
-   -   هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إستطلاق البطن _ من كتاب الطب النبوي لإبن القيم . (https://www.1enc.net/vb/showthread.php?t=44698)

ابن الورد 21 Aug 2023 06:51 PM

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إستطلاق البطن _ من كتاب الطب النبوي لإبن القيم .
 
في هَدْيه في علاج استطلاق البطن:
في الصحيحين: من حديث أبى المتوكِّل، عن أبى سعيد الخُدْرِىِّ، أنَّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ أخى يشتكى بطنَه وفي رواية: استطلقَ بطنُهُ فقال: «اسْقِهِ عسلاً»، فذهب ثم رجع، فقال: قد سقيتُه، فلم يُغنِ عنه شيئاً وفي لفْظ: فلَم يزِدْه إلا اسْتِطْلاقاً، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقولُ له: «اسْقِه عَسَلاً». فقال لهُ في الثالثةِ أو الرابعةِ: «صَدَقَ اللهُ، وكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ».
وفي صحيح مسلم في لفظ له: «إنَّ أخى عَرِبَ بطنُه»، أى فسد هضمُه، واعتلَّتْ مَعِدَتُه، والاسم: العَرَب بفتح الراء، والذَّرَب أيضاً.
والعسل فيه منافعُ عظيمة، فإنه جلاءٌ للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، محلِّلٌ للرطوبات أكلاً وطِلاءً، نافعٌ للمشايخ وأصحابِ البلغم، ومَن كان مِزاجه بارداً رطباً، وهو مغّذٍّ ملين للطبيعة، حافِظ لِقُوَى المعاجين ولما استُودِع فيه، مُذْهِبٌ لكيفيات الأدوية الكريهة، منقٍّ للكبد والصدر، مُدِرٍّ للبول، موافقٌ للسعال الكائن عن البلغم، وإذا شُرِبَ حاراً بدُهن الورد، نفع من نهش الهوام، وشرب الأفيون، وإن شُرِبَ وحده ممزوجاً بماء نفع من عضة الكَلْبِ الكَلِبِ، وأكلِ الفُطُرِ القتَّال، وإذا جُعِلَ فيه اللَّحمُ الطرىُّ،
حَفِظَ طراوته ثلاثَةَ أشهر، وكذلك إن جُعِل فيه القِثَّاء، والخيارُ، والقرعُ، والباذنجان، ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر، ويحفظ جثة الموتى، ويُسمى الحافظَ الأمين. وإذ لطخ به البدن المقمل والشَّعر، قتل قَملَه وصِئْبانَه، وطوَّل الشَّعرَ، وحسَّنه، ونعَّمه، وإن اكتُحل به، جلا ظُلمة البصر، وإن استُنَّ به بيَّضَ الأسنان وصقَلها، وحَفِظَ صحتَها، وصحة اللِّثةِ، ويفتح أفواهَ العُروقِ، ويُدِرُّ الطَّمْثَ، ولعقُه على الريق يُذهب البلغم، ويَغسِلَ خَمْلَ المعدة، ويدفعُ الفضلات عنها، ويسخنها تسخيناً معتدلاً، ويفتح سُدَدَها، ويفعل ذلك بالكبد والكُلَى والمثانة، وهو أقلُّ ضرراً لسُدَد الكبد والطحال من كل حلو.
وهو مع هذا كله مأمونُ الغائلة، قليلُ المضار، مُضِرٌ بالعرض للصفراويين، ودفعها بالخلِّ ونحوه، فيعودُ حينئذ نافعاً له جداً.
وهو غِذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطِلاء مع الأطلية، ومُفرِّح مع المفرِّحات، فما خُلِقَ لنا شىءٌ في معناه أفضلَ منه، ولا مثلَه، ولا قريباً منه، ولم يكن معوّلُ القدماء إلا عليه، وأكثرُ كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر ألبتة، ولا يعرفونه، فإنه حديثُ العهد حدث قريباً، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الرِّيق، وفي ذلك سِرٌ بديع في حفظ الصحة لا يُدركه إلا الفطن الفاضل، وسنذكر ذلك إن شاء الله عِند ذكر هَدْيه في حفظ الصحة.
وفي سنن ابن ماجه مرفوعاً من حديث أبى هريرة: «مَنْ لَعِقَ العَسَل ثَلاثَ غدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ، لَمْ يُصِبْه عَظِيمٌ مِنَ البَلاءِ»، وفي أثر آخر: «علَيْكُم بالشِّفَاءَيْنِ: العَسَلِ والقُرآنِ»، فجمع بين الطب البَشَرى والإلهى،
وبين طب الأبدان، وطب الأرواح، وبين الدواء الأرضى والدواء السمائى.
إذا عُرِفَ هذا، فهذا الذي وصف له النبيّ صلى الله عليه وسلم العَسَل، كان استطلاقُ بطنه عن تُخَمَةٍ أصابته عن امتلاء، فأمره بشُرب العسل لدفع الفُضول المجتمعة في نواحى المَعِدَةَ والأمعاء، فإن العسلَ فيه جِلاء، ودفع للفضول، وكان قد أصاب المَعِدَةَ أخلاط لَزِجَةٌ، تمنع استقرارَ الغذاء فيها للزوجتها، فإن المَعِدَةَ لها خَمْلٌ كخمل القطيفة، فإذا علقت بها الأخلاطُ اللَّزجة، أفسدتها وأفسدت الغِذاء، فدواؤها بما يجلُوها من تلك الأخلاط، والعسلُ جِلاء، والعسلُ مِن أحسن ما عُولج به هذا الداءُ، لا سيما إن مُزج بالماء الحار.
وفي تكرار سقيه العسلَ معنى طبى بديع، وهو أن الدواءَ يجب أن يكون له مقدار، وكمية بحسب حال الداء، إن قصر عنه، لم يُزله بالكلية، وإن جاوزه، أوهى القُوى، فأحدث ضرراً آخر، فلما أمره أن يسقيَه العسل، سقاه مقداراً لا يفي بمقاومة الداءِ، ولا يبلُغ الغرضَ، فلما أخبره، علم أنَّ الذي سقاه لا يبلُغ مقدار الحاجة، فلما تكرر تردادُه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، أكَّد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء، فلما تكررت الشرباتُ بحسب مادة الداء، بَرَأ، بإذن الله، واعتبار مقاديرِ الأدوية، وكيفياتها، ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «صدَقَ الله وكذَبَ بطنُ أخيكَ»، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء، وأن بقاء الداء ليس لِقصور الدواء في نفسه، ولكنْ لكَذِب البطن، وكثرة المادة الفاسدة فيه، فأمَره بتكرار الدواء لكثرة المادة.
وليس طِبُّه صلى الله عليه وسلم كطِبِّ الأطباء، فإن طبَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم متيقَّنٌ قطعىٌ إلهىٌ، صادرٌ عن الوحى، ومِشْكاةِ النبوة، وكمالِ العقل. وطبُّ غيرِه أكثرُه حَدْسٌ وظنون، وتجارِب، ولا يُنْكَرُ عدمُ انتفاع كثير من المرضى بطبِّ النبوة، فإنه إنما ينتفعُ به مَن تلقَّاه بالقبول، واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقى له بالإيمان والإذعان، فهذا القرآنُ الذي هو شفاء لما في الصدور إن لم يُتلقَّ هذا التلقى لم يحصل به شفاءُ الصُّدور مِن أدوائها، بل لا يزيدُ المنافقين إلا رجساً إلى رجسهم، ومرضاً إلى مرضهم، وأين يقعُ طبُّ الأبدان منه، فطِب النبوةِ لا يُناسب إلا الأبدانَ الطيبة، كما أنَّ شِفاء القرآن لا يُناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية، فإعراضُ الناس عن طِبِّ النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع، وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن لخُبثِ الطبيعة، وفساد المحل، وعدمِ قبوله.. والله الموفق.
http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%...&c&p1#s1144569


الساعة الآن 11:45 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي