موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح (https://www.1enc.net/vb/index.php)
-   طبيعة ماوراء الطبيعة والخوارق ( الميتافيزيقيا والباراسيكولوجي ) الإدارة العلمية والبحوث Metaphysics (https://www.1enc.net/vb/forumdisplay.php?f=84)
-   -   كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق (https://www.1enc.net/vb/showthread.php?t=21134)

ابومسلم 09 Dec 2011 07:00 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
__________
الفرق بين الأمور الكونية والأمور الشرعية
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ " الْإِرَادَةِ " وَ " الْأَمْرِ " وَ " الْقَضَاءِ " وَ " الْإِذْنِ " وَ " التَّحْرِيمِ " وَ " الْبَعْثِ " وَ " الْإِرْسَالِ " وَ " الْكَلَامِ " وَ " الْجَعْلِ " : بَيْنَ الْكَوْنِيِّ الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ وَقَضَاهُ ؛ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يُثِيبُ أَصْحَابَهُ وَلَا يَجْعَلُهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ ،وَبَيْنَ الدِّينِيِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَشَرَعَهُ وَأَثَابَ عَلَيْهِ وَأَكْرَمَهُمْ وَجَعَلَهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ ؛ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفُرُوقِ الَّتِي يُفَرَّقُ بِهَا بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، فَمَنِ اسْتَعْمَلَهُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَمَنْ كَانَ عَمَلُهُ فِيمَا يُبْغِضُهُ الرَّبُّ وَيَكْرَهُهُ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَعْدَائِهِ .
فَ " الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ " (1)هِيَ مَشِيئَتُهُ لِمَا خَلَقَهُ، وَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ دَاخِلَةٌ فِي مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ.
وَالْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ(2): هِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ الْمُتَنَاوِلَةُ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَجَعَلَهُ شَرْعًا وَدِينًا ، وَهَذِهِ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (3)(125) سورة الأنعام ،وَقَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ : {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (4)(34) سورة هود ،وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(5)
__________
(11) سورة الرعد ،وَقَالَ تَعَالَى فِي الثَّانِيَةِ : {. وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1)(185) سورة البقرة ، وَقَالَ فِي آيَةِ الطَّهَارَةِ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(2) (6) سورة المائدة، وَلَمَّا ذَكَرَ مَا أَحَلَّهُ وَمَا حَرَّمَهُ مِنْ النِّكَاحِ قَالَ : { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) }(3)
__________[النساء]، وَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ مَا أَمَرَ بِهِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ : {.. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (1)(33) سورة الأحزاب ،وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِمَا يُذْهِبُ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ،فَمَنْ أَطَاعَ أَمْرَهُ كَانَ مُطَهَّرًا قَدْ أُذْهِبَ عَنْهُ الرِّجْسُ بِخِلَافِ مَنْ عَصَاهُ .
وَأَمَّا " الْأَمْرُ " فَقَالَ فِي الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (2)(40) سورة النحل ،وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} (3)(50) سورة القمر ،وَقَالَ تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) }(4) [يونس/24، 25].

وَأَمَّا : الْأَمْرُ الدِّينِيُّ (1): فَقَالَ تَعَالَى : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(2) (90) سورة النحل ، وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) }(3) [النساء/58].
وَأَمَّا " الْإِذْنُ " فَقَالَ فِي الْكَوْنِيِّ لَمَّا ذَكَرَ السِّحْرَ : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } (4)[البقرة/102] أَيْ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ؛ وَإِلَّا فَالسِّحْرُ لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
__________
وَقَالَ فِي " الْإِذْنِ الدِّينِيِّ " (1): {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)(21) سورة الشورى ،وَقَالَ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) } (3) [الأحزاب/45-47]، وَقَالَ تَعَالَى : {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}(4) (5) سورة الحشر.
وَأَمَّا " الْقَضَاءُ " فَقَالَ فِي الْكَوْنِيِّ : {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (5)(12) سورة فصلت ،وَقَالَ سُبْحَانَهُ : {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(6) (47) سورة آل عمران.
وَقَالَ فِي الدِّينِيِّ(1) : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ ..}(2) (23) سورة الإسراء ،أَيْ أَمَرَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ قَدَّرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ عُبِدَ غَيْرُهُ كَمَا أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(3) (18) سورة يونس، وَقَوْلُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) } (4)[الشعراء/75-78]، وَقَالَ تَعَالَى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(5)
4) سورة الممتحنة ،وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) (1)}سورة الكافرون، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ تَقْتَضِي بَرَاءَتَهُ مِنْ دِينِهِمْ وَلَا تَقْتَضِي رِضَاهُ بِذَلِكَ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}(2) (41) سورة يونس.
وَمَنْ ظَنَّ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ أَنَّ هَذَا رِضَا مِنْهُ بِدِينِ الْكُفَّارِ فَهُوَ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ وَأَكْفَرِهِمْ ،كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ :{ وَقَضَى رَبُّكَ } بِمَعْنَى قَدَّرَ ،وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَا قَضَى بِشَيْءِ إلَّا وَقَعَ، وَجَعَلَ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا إلَّا اللَّهَ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا بِالْكُتُبِ .
وَأَمَّا لَفْظُ " الْبَعْثِ " فَقَالَ تَعَالَى فِي الْبَعْثِ الْكَوْنِيِّ : {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً}(3)
__________
(5) سورة الإسراء، وَقَالَ فِي الْبَعْثِ الدِّينِيِّ : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) } (1) [الجمعة/2]،وقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) }(2) [النحل/36] .
وَأَمَّا لَفْظُ " الْإِرْسَالِ " فَقَالَ فِي الْإِرْسَالِ الْكَوْنِيِّ : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) } (3) [مريم83]، وَقَالَ تَعَالَى : {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا}(4) (48) سورة الفرقان ،وَقَالَ فِي الدِّينِيِّ (5): {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}(6) (45) سورة الأحزاب ،وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) }(7) [نوح/1]، وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) }(8)
المزمل/15، 16]، وَقَالَ تَعَالَى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) }(1) [الحج/75] .
وَأَمَّا لَفْظُ " الْجُعْلِ " فَقَالَ فِي الْكَوْنِيِّ : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)(2) } [القصص/41، 42]، وَقَالَ فِي الدِّينِيِّ : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (3)
(48) سورة المائدة،وَقَالَ تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) } (1) [المائدة/103] .
وَأَمَّا لَفْظُ " التَّحْرِيمِ " فَقَالَ فِي الْكَوْنِيِّ : {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (2)(12) سورة القصص ،وَقَالَ تَعَالَى : {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }(3) (26) سورة المائدة.
وَقَالَ فِي الدِّينِيِّ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) }(1) [المائدة/3]، وَقَالَ تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) } (2)
[النساء/23] .
وَأَمَّا لَفْظُ " الْكَلِمَاتِ " فَقَالَ فِي الْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّةِ :{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) }(1) [التحريم/12]، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : « أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ »(2).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً فَقَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ كُلِّهَا مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ فِى مَنْزِلِهِ ذَلِكَ شَىْءٌ حَتَّى يَظْعَنَ عَنْهُ »(3).
وَكَانَ يَقُولُ : " قَالَ قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِى لاَ يُجَاوزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِى الأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ. فَطَفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "(4) . وَ " { كَلِمَاتُ اللَّهِ التَّامَّاتُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ } " هِيَ الَّتِي كَوَّنَ بِهَا الْكَائِنَاتِ فَلَا يَخْرُجُ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ عَنْ تَكْوِينِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ .
وَأَمَّا " كَلِمَاتُهُ الدِّينِيَّةُ " وَهِيَ كُتُبُهُ الْمُنَزَّلَةُ وَمَا فِيهَا مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَأَطَاعَهَا الْأَبْرَارُ وَعَصَاهَا الْفُجَّارُ .
وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُطِيعُونَ لِكَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّةِ وَجَعْلِهِ الدِّينِيِّ وَإِذْنِهِ الدِّينِيِّ وَإِرَادَتِهِ الدِّينِيَّةِ . وَأَمَّا كَلِمَاتُهُ الْكَوْنِيَّةُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَهَا جَمِيعُ الْخَلْقِ حَتَّى إبْلِيسَ وَجُنُودَهُ وَجَمِيعَ الْكُفَّارِ وَسَائِرَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، فَالْخَلْقُ وَإِنْ اجْتَمَعُوا فِي شُمُولِ الْخَلْقِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقَدَرِ لَهُمْ فَقَدْ افْتَرَقُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالْغَضَبِ .
وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا الْمَأْمُورَ وَتَرَكُوا الْمَحْظُورَ، وَصَبَرُوا عَلَى الْمَقْدُورِ، فَأَحَبَّهُمْ وَأَحَبُّوهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .
وَأَعْدَاؤُهُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينِ ،وَإِنْ كَانُوا تَحْتَ قُدْرَتِهِ، فَهُوَ يُبْغِضُهُمْ وَيَغْضَبُ عَلَيْهِمْ وَيَلْعَنُهُمْ وَيُعَادِيهِمْ . وَبَسْطُ هَذِهِ الْجُمَلِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ وَإِنَّمَا كَتَبْت هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى مَجَامِعِ " الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ " وَجَمْعُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارُهُمْ بِمُوَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ السُّعَدَاءِ وَأَعْدَائِهِ الْأَشْقِيَاءِ، وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَعْدَائِهِ أَهْلِ النَّارِ، وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ أَهْلِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ ،وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ أَهْلِ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ وَالْفَسَادِ، وَأَعْدَائِهِ حِزْبِ الشَّيْطَانِ ،وَأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحِ مِنْهُ .
__________
قَالَ تَعَالَى : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(1) (22) سورة المجادلة ، وَقَالَ تَعَالَى : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) (2) [الأنفال/12، 13].
وَقَالَ فِي أَعْدَائِهِ :{ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) }(3)
[الأنعام/121] ، وَقَالَ : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (1)(112) سورة الأنعام، وَقَالَ : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) }(2)
الشعراء/221-227]، وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) }(1) سورة الحاقة ، وَقَالَ تَعَالَى : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) } (2)
__________
الطور/29-34].
فَنَزَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ تَقْتَرِنُ بِهِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْكُهَّانِ وَالشُّعَرَاءِ وَالْمَجَانِينِ ؛ وَبَيْنَ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُ بِالْقُرْآنِ مَلَكٌ كَرِيمٌ اصْطَفَاهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) } (1) [الحج/75، 76] ،وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) }(2) [الشعراء/192-196]، وَقَالَ تَعَالَى : {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }(3) (97) سورة البقرة.
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) } (4)
النحل/98-102]، فَسَمَّاهُ الرُّوحَ الْأَمِينَ وَسَمَّاهُ رُوحَ الْقُدُسِ .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) } [التكوير/15-17](1)، يَعْنِي : الْكَوَاكِبَ الَّتِي تَكُونُ فِي السَّمَاءِ خَانِسَةً ،أَيْ : مُخْتَفِيَةً قَبْلَ طُلُوعِهَا فَإِذَا ظَهَرَتْ رَآهَا النَّاسُ جَارِيَةً فِي السَّمَاءِ فَإِذَا غَرَبَتْ ذَهَبَتْ إلَى كناسها الَّذِي يَحْجُبُهَا :{ وَاللَّيْلِ إذَا عَسْعَسَ } أَيّ إذَا أَدْبَرَ وَأَقْبَلَ الصُّبْحُ { وَالصُّبْحِ إذَا تَنَفَّسَ } أَيْ أَقْبَلَ { إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } أَيْ مُطَاعٍ فِي السَّمَاءِ أَمِينٍ ثُمَّ قَالَ : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } أَيْ صَاحِبُكُمْ الَّذِي مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِهِ إذْ بَعَثَهُ إلَيْكُمْ رَسُولًا مِنْ جِنْسِكُمْ يَصْحَبُكُمْ ،إذْ كُنْتُمْ لَا تُطِيقُونَ أَنْ تَرَوْا الْمَلَائِكَةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) } [الأنعام/8] .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } أَيْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أَيْ بِمُتَّهَمِ وَفِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى : { بِضَنِينٍ } أَيْ بِبَخِيلِ يَكْتُمُ الْعِلْمَ وَلَا يَبْذُلُهُ إلَّا بِجُعْلٍ، كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَكْتُمُ الْعِلْمَ إلَّا بِالْعِوَضِ . { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } فَنَزَّهَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَيْطَانًا، كَمَا نَزَّهَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَاعِرًا أَوْ كَاهِنًا .

ابومسلم 09 Dec 2011 07:05 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمُ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2)
__________
فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمُ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَفْعَلُونَ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَنْتَهُونَ عَمَّا عَنْهُ زَجَرَ ؛ وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيهِ، فَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ وَرُوحٍ مِنْهُ، وَيَقْذِفُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَنْوَارِهِ ،وَلَهُمُ الْكَرَامَاتُ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ .
وَخِيَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتُهُمْ لِحُجَّةٍ فِي الدِّينِ(1)، أَوْ لِحَاجَةِ بِالْمُسْلِمِينَ (2)،كَمَا كَانَتْ مُعْجِزَاتُ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ .
وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ(3)، وَتَسْبِيحِ الْحَصَا فِي كَفِّهِ(4)
، وَإِتْيَانِ الشَّجَرِ إلَيْهِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ إلَيْهِ(1)، وَإِخْبَارِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِصِفَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (2)،وَإِخْبَارِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ(3)، وَإِتْيَانِهِ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً (4)،كَمَا أَشْبَعَ فِي الْخَنْدَقِ الْعَسْكَرَ مِنْ قِدْرِ طَعَامٍ وَهُوَ لَمْ يَنْقُصْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَشْهُورِ(5)
__________
وَأَرْوَى الْعَسْكَرَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ مَزَادَةِ مَاءٍ وَلَمْ تَنْقُصْ(1)، وَمَلَأ أَوْعِيَةَ الْعَسْكَرِ عَامَ تَبُوكَ مِنْ طَعَامٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْقُصْ وَهُمْ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا(2)، وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً حَتَّى كَفَى النَّاسَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ (3)
،كَمَا كَانُوا فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةَ نَحْوُ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ(1)، وَرَدِّهِ لِعَيْنِ أَبِي قتادة حِينَ سَالَتْ عَلَى خَدِّهِ فَرَجَعَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ (2)
__________
،وَلَمَّا أَرْسَلَ مُحَمَّدَ بْنَ مسلمة لِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَوَقَعَ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَمَسَحَهَا فَبَرِئَتْ (1)،وَأَطْعَمَ مِنْ شِوَاءٍ مِائَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا كُلًّا مِنْهُمْ حَزَّ لَهُ قِطْعَةً وَجَعَلَ مِنْهَا قِطْعَتَيْنِ فَأَكَلُوا مِنْهَا جَمِيعُهُمْ ثُمَّ فَضَلَ فَضْلَةٌ (2)
وَدَيْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي جَابِرٍ لِلْيَهُودِيِّ وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَسْقًا . قَالَ جَابِرٌ : فَأَمَرَ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ جَمِيعَهُ بِاَلَّذِي كَانَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ فَمَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِجَابِرِ جُدْ لَهُ فَوَفَّاهُ الثَّلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا(1)، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ جُمِعَتْ نَحْوَ أَلْفِ مُعْجِزَةٍ (2).
وَكَرَامَاتُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ كَثِيرَةٌ جِدًّا : مِثْلُ مَا كَانَ " أسيد بْنُ حضير " يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فَنَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ نَزَلَتْ لِقِرَاءَتِهِ،(3) وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (4)؛ وَكَانَ سَلْمَانُ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ يَأْكُلَانِ فِي صَحْفَةٍ فَسَبَّحَتْ الصَّحْفَةُ أَوْ سَبَّحَ مَا فِيهَا(5)
، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وأسيد بْنُ حضير خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَأَضَاءَ لَهُمَا نُورٌ مِثْلُ طَرَفِ السَّوْطِ فَلَمَّا افْتَرَقَا افْتَرَقَ الضَّوْءُ مَعَهُمَا . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (1).
وَقِصَّةُ { الصِّدِّيقِ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمَّا ذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَضْيَافٍ مَعَهُ إلَى بَيْتِهِ وَجَعَلَ لَا يَأْكُلُ لُقْمَةً إلَّا رَبَّى مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا فَشَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا هِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ إلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَامْرَأَتُهُ فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَتْ فَرَفَعَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ إلَيْهِ أَقْوَامٌ كَثِيرُونَ فَأَكَلُوا مِنْهَا وَشَبِعُوا }(2) .
وَ " خبيب بْنُ عَدِيٍّ " كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ يُؤْتَى بِعِنَبِ يَأْكُلُهُ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ عِنَبَةٌ (1).
وَ " عَامِرُ بْنُ فهيرة : قُتِلَ شَهِيدًا فَالْتَمَسُوا جَسَدَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمَّا قُتِلَ رُفِعَ فَرَآهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَقَدْ رُفِعَ ،وَقَالَ : عُرْوَةُ : فَيَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ (1).
وَخَرَجَتْ " أُمُّ أَيْمَنَ " مُهَاجِرَةً وَلَيْسَ مَعَهَا زَادٌ وَلَا مَاءٌ فَكَادَتْ تَمُوتُ مِنْ الْعَطَشِ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْفِطْرِ وَكَانَتْ صَائِمَةً سَمِعَتْ حِسًّا عَلَى رَأْسِهَا فَرَفَعَتْهُ فَإِذَا دَلْوٌ مُعَلَّقٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ حَتَّى رُوِيَتْ وَمَا عَطِشَتْ بَقِيَّةَ عُمْرِهَا (2).
وَ " سَفِينَةُ " مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ الْأَسَدَ بِأَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى مَعَهُ الْأَسَدُ حَتَّى أَوْصَلَهُ مَقْصِدَهُ (3).
__________
وَ " الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ " كَانَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَبَرَّ قَسَمَهُ وَكَانَ الْحَرْبُ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِهَادِ يَقُولُونَ : يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّك فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَقْسَمْت عَلَيْك لَمَا مَنَحْتنَا أَكْتَافَهُمْ فَيُهْزَمُ الْعَدُوُّ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ " الْقَادِسِيَّةِ " قَالَ : أَقْسَمْت عَلَيْك يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتنَا أَكْتَافَهُمْ وَجَعَلْتنِي أَوَّلَ شَهِيدٍ فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ وَقُتِلَ الْبَرَاءُ شَهِيدًا (1).
وَ " خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ " حَاصَرَ حِصْنًا مَنِيعًا فَقَالُوا لَا نُسْلِمُ حَتَّى تَشْرَبَ السُّمَّ فَشَرِبَهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ .(2)
وَ " سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ " كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ مَا دَعَا قَطُّ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي هَزَمَ جُنُودَ كِسْرَى وَفَتَحَ الْعِرَاقَ .(3)
وَ " عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " لَمَّا أَرْسَلَ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُسَمَّى " سَارِيَةَ " فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ فَجَعَلَ يَصِيحُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ فَسَأَلَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوًّا فَهَزَمُونَا فَإِذَا بِصَائِحِ : يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ فَهَزَمَهُمْ اللَّهُ .(4)
وَلَمَّا عُذِّبَتِ " الزَّنيرَةُ " عَلَى الْإِسْلَامِ فِي اللَّهِ فَأَبَتْ إلَّا الْإِسْلَامَ وَذَهَبَ بَصَرُهَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابَ بَصَرَهَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى قَالَتْ كَلَّا وَاَللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا .(1)
وَدَعَا " سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ " عَلَى أَرْوَى بِنْتِ الْحَكَمِ فَأُعْمِيَ بَصَرُهَا لَمَّا كَذَبْت عَلَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا فَعَمِيَتْ وَوَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ مِنْ أَرْضِهَا فَمَاتَتْ .(2)
" وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ " كَانَ عَامِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : يَا عَلِيمُ يَا حَلِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ فَيُسْتَجَابُ لَهُ وَدَعَا اللَّهَ بِأَنْ يُسْقُوا وَيَتَوَضَّئُوا لَمَّا عَدِمُوا الْمَاءَ وَالْإِسْقَاءَ لِمَا بَعْدَهُمْ فَأُجِيبَ وَدَعَا اللَّهَ لَمَّا اعْتَرَضَهُمْ الْبَحْرُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْمُرُورِ بِخُيُولِهِمْ فَمَرُّوا كُلُّهُمْ عَلَى الْمَاءِ مَا ابْتَلَّتْ سُرُوجُ خُيُولِهِمْ ؛ وَدَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يَرَوْا جَسَدَهُ إذَا مَاتَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فِي اللَّحْدِ .(3)
وَجَرَى مِثْلُ ذَلِكَ " لِأَبِي مُسْلِمٍ الخولاني " الَّذِي أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَإِنَّهُ مَشَى هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَسْكَرِ عَلَى دِجْلَةَ وَهِيَ تُرْمَى بِالْخَشَبِ مِنْ مَدِّهَا ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا حَتَّى أَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَقَدْت مِخْلَاةً فَقَالَ: اتْبَعْنِي فَتَبِعَهُ فَوَجَدَهَا قَدْ تَعَلَّقَتْ بِشَيْءِ فَأَخَذَهَا.(1)
وَطَلَبَهُ الْأَسْوَدُ العنسي لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ فَقَالَ لَهُ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ مَا أَسْمَعُ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِنَارِ فَأُلْقِيَ فِيهَا فَوَجَدُوهُ قَائِمًا يُصَلِّي فِيهَا وَقَدْ صَارَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا (2)؛ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ عُمَرُ بَيْنَهُ وَبَيْن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ (3). وَوَضَعَتْ لَهُ جَارِيَةٌ السُّمَّ فِي طَعَامِهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ . وَخَبَّبَتِ امْرَأَةٌ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَدَعَا عَلَيْهَا فَعَمِيَتْ وَجَاءَتْ وَتَابَتْ فَدَعَا لَهَا فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا . (4)
وَكَانَ " عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ " يَأْخُذُ عَطَاءَهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِي كُمِّهِ وَمَا يَلْقَاهُ سَائِلٌ فِي طَرِيقِهِ إلَّا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ عَدَدٍ ثُمَّ يَجِيءُ إلَى بَيْتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَدَدُهَا وَلَا وَزْنُهَا (5). وَمَرَّ بِقَافِلَةٍ قَدْ حَبَسَهُمْ الْأَسَدُ فَجَاءَ حَتَّى مَسَّ بِثِيَابِهِ الْأَسَدَ ثُمَّ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَقَالَ : إنَّمَا أَنْتَ كَلْبٌ مِنْ كِلَابِ الرَّحْمَنِ وَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أَخَافَ شَيْئًا غَيْرَهُ، وَمَرَّتْ الْقَافِلَةُ (6)،وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ الطَّهُورَ فِي الشِّتَاءِ فَكَانَ يُؤْتَى بِالْمَاءِ لَهُ بُخَارٌ وَدَعَا رَبَّهُ أَنْ يَمْنَعَ قَلْبَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (7).
وَتَغَيَّبَ " الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ " عَنْ الْحَجَّاجِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ سِتَّ مَرَّاتٍ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَرَوْهُ (1)وَدَعَا عَلَى بَعْضِ الْخَوَارِجِ كَانَ يُؤْذِيه فَخَرَّ مَيِّتًا .
وَ " صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ " مَاتَ فَرَسُهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِمَخْلُوقِ عَلَيَّ مِنَّةً وَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَحْيَا لَهُ فَرَسَهُ . فَلَمَّا وَصَلَ إلَى بَيْتِهِ قَالَ يَا بُنَيَّ خُذْ سَرْجَ الْفَرَسِ فَإِنَّهُ عَارِيَةٌ فَأَخَذَ سَرْجَهُ فَمَاتَ الْفَرَسُ(2)، وَجَاعَ مَرَّةً بِالْأَهْوَازِ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَطْعَمَهُ فَوَقَعَتْ خَلْفَهُ دَوْخَلَةِ رُطَبٍ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ فَأَكَلَ التَّمْرَ وَبَقِيَ الثَّوْبُ عِنْدَ زَوْجَتِهِ زَمَانًا . وَجَاءَ الْأَسَدُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي غَيْضَةٍ بِاللَّيْلِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ اُطْلُبْ الرِّزْقَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَلَّى الْأَسَدُ وَلَهُ زَئِيرٌ .(3)
وَكَانَ " سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ " فِي أَيَّامِ الْحَرَّةِ يَسْمَعُ الْأَذَانَ مِنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ قَدْ خَلَا فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ .(4)
وَرَجُلٌ مِنْ " النَّخْعِ " كَانَ لَهُ حِمَارٌ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ ،فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ هَلُمَّ نَتَوَزَّعُ مَتَاعَك عَلَى رِحَالِنَا فَقَالَ لَهُمْ : أَمْهِلُونِي هُنَيْهَةً ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَحْيَا لَهُ حِمَارَه،ُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ (1).
وَلَمَّا مَاتَ " أُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ " وَجَدُوا فِي ثِيَابِهِ أَكْفَانًا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ قَبْلُ وَوَجَدُوا لَهُ قَبْرًا مَحْفُورًا فِيهِ لَحْدٌ فِي صَخْرَةٍ فَدَفَنُوهُ فِيهِ وَكَفَّنُوهُ فِي تِلْكَ الْأَثْوَابِ .(2)
وَكَانَ " عَمْرُو بْنُ عُتبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ " يُصَلِّي يَوْمًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَأَظَلَّتْهُ غَمَامَةٌ وَكَانَ السَّبْعُ يَحْمِيه وَهُوَ يَرْعَى رِكَابَ (3)أَصْحَابِهِ،لِأَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الْغَزْوِ أَنَّهُ يَخْدِمُهُمْ .(4)
وَكَانَ " مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير " إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ سَبَّحَتْ مَعَهُ آنِيَتُهُ وَكَانَ هُوَ وَصَاحِبٌ لَهُ يَسِيرَانِ فِي ظُلْمَةٍ فَأَضَاءَ لَهُمَا طَرَفُ السَّوْطِ .(5)
وَلَمَّا مَاتَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَقَعَتْ قَلَنْسُوَةُ رَجُلٍ فِي قَبْرِهِ، فَأَهْوَى لِيَأْخُذَهَا فَوَجَدَ الْقَبْرَ قَدْ فُسِحَ فِيهِ مَدَّ الْبَصَرِ .(1)
وَكَانَ " إبْرَاهِيمُ التيمي " يُقِيمُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا وَخَرَجَ يَمْتَارُ لِأَهْلِهِ طَعَامًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَمَرَّ بِسَهْلَةِ حَمْرَاءَ فَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَفَتَحَهَا فَإِذَا هِيَ حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ فَكَانَ إذَا زَرَعَ مِنْهَا تَخْرُجُ السُّنْبُلَةُ مِنْ أَصْلِهَا إلَى فَرْعِهَا حَبًّا مُتَرَاكِبًا .(2)
وَكَانَ " عتبةُ الْغُلَامُ " سَأَلَ رَبَّهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ صَوْتًا حَسَنًا وَدَمْعًا غَزِيرًا وَطَعَامًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ . فَكَانَ إذَا قَرَأَ بَكَى وَأَبْكَى وَدُمُوعُهُ جَارِيَةٌ دَهْرَهُ وَكَانَ يَأْوِي إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصِيبُ فِيهِ قُوتَهُ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيه .(3)
وَكَانَ " عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ " أَصَابَهُ الْفَالِجُ فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُطْلِقَ لَهُ أَعْضَاءَهُ وَقْتَ الْوُضُوءِ فَكَانَ وَقْتَ الْوُضُوءِ تُطْلَقُ لَهُ أَعْضَاؤُهُ ثُمَّ تَعُودُ بَعْدَهُ .(4)
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .(5)
وَأَمَّا مَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَعْيَانٍ وَنَعْرِفُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَكَثِيرٌ . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ ،فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ أَوْ الْمُحْتَاجُ أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ ،وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا لَا لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ ؛ بِخِلَافِ مَنْ يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ الْخَوَارِقُ لِهَدْيِ الْخَلْقِ وَلِحَاجَتِهِمْ فَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ دَرَجَةً .
__________

ابومسلم 09 Dec 2011 07:07 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ مِثْلُ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ (1)، وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَبَّأْت لَك خَبْئًا قَالَ : الدُّخُّ الدُّخُّ . وَقَدْ كَانَ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك (2)
" يَعْنِي إنَّمَا أَنْتَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ ؛ وَالْكُهَّانُ كَانَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ الْقَرِينُ مِنَ الشَّيَاطِينِ يُخْبِرُهُ بِكَثِيرِ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ بِمَا يَسْتَرِقُهُ مِنْ السَّمْعِ ،وَكَانُوا يَخْلِطُونَ الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِى الْعَنَانِ - وَهْوَ السَّحَابُ - فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِىَ فِى السَّمَاءِ ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » (1).
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رُمِىَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِىَ بِمِثْلِ هَذَا ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَإِنَّهَا لاَ يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ - قَالَ - فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ بِهِ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ » (2).
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مُعَمَّرٌ قُلْت لِلزُّهْرِيِّ قُلْتُ لِلزُّهْرِىِّ أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ نَعَمْ ولَكِنْ غُلِّظَتْ حِينَ بُعِثَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-.(3)
__________
وَ " الْأَسْوَدُ العنسي " الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَانَ لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ، فَلَمَّا قَاتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَخَافُونَ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِمَا يَقُولُونَ فِيهِ : حَتَّى أَعَانَتْهُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهَا كُفْرُهُ فَقَتَلُوهُ .(1)
وَكَذَلِكَ " مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ " كَانَ مَعَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُخْبِرُهُ . بِالْمُغَيَّبَاتِ وَيُعِينُهُ عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ(2)
وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ ،مِثْلُ : الْحَارِثِ الدِّمَشْقِيِّ " الَّذِي خَرَجَ بِالشَّامِ زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ يُخْرِجُونَ رِجْلَيْهِ مِنَ الْقَيْدِ وَتَمْنَعُ السِّلَاحَ أَنْ يَنْفُذَ فِيهِ، وَتُسَبِّحُ الرَّخَامَةُ إذَا مَسَحَهَا بِيَدِهِ ،وَكَانَ يَرَى النَّاسَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا عَلَى خَيْلٍ فِي الْهَوَاءِ، وَيَقُولُ : هِيَ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّمَا كَانُوا جِنًّا ،وَلَمَّا أَمْسَكَهُ الْمُسْلِمُونَ لِيَقْتُلُوهُ طَعَنَهُ الطَّاعِنُ بِالرُّمْحِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : إنَّك لَمْ تُسَمِّ اللَّهَ فَسَمَّى اللَّهَ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ .(1)
وَهَكَذَا أَهْلُ " الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ "(1)
__________
تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ شَيَاطِينُهُمْ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ مَا يَطْرُدُهَا، مِثْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ إِنِّى مُحْتَاجٌ ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ ، وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ . قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ سَيَعُودُ . فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ . قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا . قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ ، يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « مَا هِىَ » . قُلْتُ قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ »(1)
__________
وَلِهَذَا إذَا قَرَأَهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِصِدْقِ أَبْطَلَتْهَا، مِثْلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ بِحَالِ شَيْطَانِيٍّ أَوْ يَحْضُرُ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ ،فَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَتَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ كَلَامًا لَا يُعْلَمُ ،وَرُبَّمَا لَا يُفْقَهُ، وَرُبَّمَا كَاشَفَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِمَا فِي قَلْبِهِ ،وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ بِأَلْسِنَةِ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ، وَالْإِنْسَانُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الْحَالُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْرُوعِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (1)وَلَبِسَهُ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ، فَإِذَا أَفَاقَ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ مِمَّا قَالَ، وَلِهَذَا قَدْ يُضْرَبُ الْمَصْرُوعُ وَذَلِكَ الضَّرْبُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِنْسِيِّ، وَيُخْبِرُ إذَا أَفَاقَ أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ، لِأَنَّ الضَّرْبَ كَانَ عَلَى الْجِنِّيِّ الَّذِي لَبِسَهُ .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَأْتِيه الشَّيْطَانُ بِأَطْعِمَةِ وَفَوَاكِهَ وَحَلْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ،وَمِنْهُمْ مَنْ يَطِيرُ بِهِمْ الْجِنِّيُّ إلَى مَكَّةَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ غَيْرِهِمَا ،وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ثُمَّ يُعِيدُهُ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَا يَحُجُّ حَجًّا شَرْعِيًّا ؛ بَلْ يَذْهَبُ بِثِيَابِهِ وَلَا يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ وَلَا يُلَبِّي وَلَا يَقِفُ بمزدلفة وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ؛ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا يَرْمِي الْجِمَارَ، بَلْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ بِثِيَابِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِحَجِّ [ وَلِهَذَا رَأَى بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ الْحُجَّاجَ ] فَقَالَ أَلَا تَكْتُبُونِي ؟ فَقَالُوا لَسْت مِنْ الْحُجَّاجِ . يَعْنِي حَجًّا شَرْعِيًّا .
- - - - - - - - - - - - - - - -

ابومسلم 09 Dec 2011 07:08 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
الفرقُ َبَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ (2)
وَبَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ فُرُوقٌ مُتَعَدِّدَةٌ :
مِنْهَا أَنَّ " كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ " سَبَبُهَا الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى، وَ " الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ " سَبَبُهَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (1)(33) سورة الأعراف ،فَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالشِّرْكُ وَالظُّلْمُ وَالْفَوَاحِشُ قَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ، فَلَا تَكُونُ سَبَبًا لِكَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَرَامَاتِ عَلَيْهَا فَإِذَا كَانَتْ لَا تَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، بَلْ تَحْصُلُ بِمَا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَبِالْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ كَالِاسْتِغَاثَةِ بِالْمَخْلُوقَاتِ، أَوْ كَانَتْ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى ظُلْمِ الْخَلْقِ وَفِعْلِ الْفَوَاحِشِ، فَهِيَ مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ لَا مِنْ الْكَرَامَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ إذَا حَضَرَ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ حَتَّى يَحْمِلَهُ فِي الْهَوَاءِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ، فَإِذَا حَصَلَ رَجُلٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى طَرْدَ شَيْطَانِهِ فَيَسْقُطُ كَمَا جَرَى هَذَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَسْتَغِيثُ بِمَخْلُوقِ إمَّا حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحَيُّ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُشْرِكًا فَيَتَصَوَّرُ الشَّيْطَانُ بِصُورَةِ ذَلِكَ الْمُسْتَغَاثِ بِهِ وَيَقْضِي بَعْضَ حَاجَةِ ذَلِكَ الْمُسْتَغِيثِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَوْ هُوَ مَلَكٌ عَلَى صُورَتِهِ ،وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَضَلَّهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ كَمَا كَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَدْخُلُ الْأَصْنَامَ وَتُكَلِّمُ الْمُشْرِكِينَ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَتَصَوَّرُ لَهُ الشَّيْطَانُ وَيَقُولُ لَهُ : أَنَا الْخَضِرُ، وَرُبَّمَا أَخْبَرَهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ وَأَعَانَهُ عَلَى بَعْضِ مَطَالِبِهِ كَمَا قَدْ جَرَى ذَلِكَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُفَّارِ بِأَرْضِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَمُوتُ لَهُمُ الْمَيِّتُ فَيَأْتِي الشَّيْطَانُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى صُورَتِهِ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْمَيِّتُ وَيَقْضِي الدُّيُونَ وَيَرُدُّ الْوَدَائِعَ وَيَفْعَلُ أَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ، وَيَدْخُلُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَيَذْهَبُ ،وَرُبَّمَا يَكُونُونَ قَدْ أَحْرَقُوا مَيِّتَهُمْ بِالنَّارِ كَمَا تَصْنَعُ كُفَّارُ الْهِنْدِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ شَيْخٌ كَانَ بِمِصْرِ أَوْصَى خَادِمَهُ فَقَالَ : إذَا أَنَا مُتّ فَلَا تَدَعُ أَحَدًا يُغَسِّلُنِي فَأَنَا أَجِيءُ وَأُغَسِّلُ نَفْسِي فَلَمَّا مَاتَ رأَى خَادِمُهُ شَخْصًا فِي صُورَتِهِ فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ هُوَ دَخَلَ وَغَسَّلَ نَفْسَهُ، فَلَمَّا قَضَى ذَلِكَ الدَّاخِلُ غُسْلَهُ - أَيْ غُسْلَ الْمَيِّتِ - غَابَ ،وَكَانَ ذَلِكَ شَيْطَانًا، وَكَانَ قَدْ أَضَلَّ الْمَيِّتَ وَقَالَ : إنَّك بَعْدَ الْمَوْتِ تَجِيءُ فَتُغَسِّلُ نَفْسَك فَلَمَّا مَاتَ جَاءَ أَيْضًا فِي صُورَتِهِ لِيُغْوِيَ الْأَحْيَاءَ كَمَا أَغْوَى الْمَيِّتَ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى عَرْشًا فِي الْهَوَاءِ وَفَوْقَهُ نُورٌ وَيَسْمَعُ مَنْ يُخَاطِبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا رَبُّك، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ شَيْطَانٌ فَزَجَرَهُ وَاسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْهُ فَيَزُولُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَشْخَاصًا فِي الْيَقَظَةِ يَدَّعِي أَحَدُهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَيْخٌ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَقَدْ جَرَى هَذَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ بَعْضَ الْأَكَابِرِ : إمَّا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ غَيْرُهُ قَدْ قَصَّ شَعْرَهُ أَوْ حَلَقَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ طَاقِيَّتَهُ أَوْ ثَوْبَهُ، فَيُصْبِحُ وَعَلَى رَأْسِهِ طَاقِيَّةٌ وَشَعَرُهُ مَحْلُوقٌ أَوْ مُقَصَّرٌ ،وَإِنَّمَا الْجِنُّ قَدْ حَلَقُوا شَعْرَهُ أَوْ قَصَّرُوهُ ،وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ تَحْصُلُ لِمَنْ خَرَجَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُمْ دَرَجَاتٌ ،وَالْجِنُّ الَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِهِمْ مِنْ جِنْسِهِمْ ،وَهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ، وَالْجِنُّ فِيهِمُ الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُخْطِئُ، فَإِنْ كَانَ الْإِنْسِيُّ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ جَاهِلًا دَخَلُوا مَعَهُ فِي الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالضَّلَالِ وَقَدْ يُعَاوِنُونَهُ إذَا وَافَقَهُمْ عَلَى مَا يَخْتَارُونَهُ مِنَ الْكُفْرِ مِثْلُ الْإِقْسَامِ عَلَيْهِمْ بِأَسْمَاءِ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ الْجِنِّ وَغَيْرِهِمْ ،وَمِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَ اللَّهِ أَوْ بَعْضَ كَلَامِهِ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ يَقْلِبَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ أَوْ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ أَوْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ غَيْرَهُنَّ ،وَيَكْتُبَهُنَّ بِنَجَاسَةِ فَيُغَوِّرُونَ لَهُ الْمَاءَ وَيَنْقُلُونَهُ بِسَبَبِ مَا يُرْضِيهِمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ . وَقَدْ يَأْتُونَهُ بِمَا يَهْوَاهُ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ إمَّا فِي الْهَوَاءِ وَإِمَّا مَدْفُوعًا مَلْجَأً إلَيْهِ . إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يَطُولُ وَصْفُهَا، وَالْإِيمَانُ بِهَا إيمَانٌ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ . وَالْجِبْتُ السِّحْرُ وَالطَّاغُوتُ الشَّيَاطِينُ وَالْأَصْنَامُ .
وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مُطِيعًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا لَمْ يُمْكِنْهُمُ الدُّخُولُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ مُسَالَمَتُهُ . وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةُ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْرُوعَةُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ كَانَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ أَبْعَدَ عَنِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ (1)وَكَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ يُعَظِّمُونَ الْقُبُورَ وَمَشَاهِدَ الْمَوْتَى، فَيَدْعُونَ الْمَيِّتَ أَوْ يَدْعُونَ بِهِ ،أَوْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهُ مُسْتَجَابٌ أَقْرَبُ إلَى الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ « لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا » . قَالَتْ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّى أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا .(2)
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُنْدُبٌ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ كَانَ لِي فِيكُمْ إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، أَلا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ.(1)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ - أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ - بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ » (2).
وَفِي الْمُسْنَدِ وَصَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ».(3)
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلاَ تُصَلُّوا إِلَيْهَا ». (4)
وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِى وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ».(5)
__________
وَفِي السُّنَنِ عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِى عِيدًا وَصَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِى حَيْثُ كُنْتُمْ ». (1)
__________وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِى حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ».(1)
__________

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ } "(1).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمْعَةِ ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك وَقَدْ أَرَمْت - أَيْ بَلِيتَ ؟ - فَقَالَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ } "(2) .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (23) سورة نوح ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ : هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَانُوا صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ فَعَبَدُوهُمْ ،(3)فَكَانَ هَذَا مَبْدَأَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ . فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ لِيَسُدَّ بَابَ الشِّرْكِ كَمَا نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ غُرُوبِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ حِينَئِذٍ، وَالشَّيْطَانُ يُقَارِنُهَا وَقْتَ الطُّلُوعِ وَوَقْتَ الْغُرُوبِ فَتَكُونُ فِي الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ مُشَابَهَةٌ لِصَلَاةِ الْمُشْرِكِينَ فَسَدَّ هَذَا الْبَابَ .
وَالشَّيْطَانُ يُضِلُّ بَنِي آدَمَ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ ؛ فَمَنْ عَبَدَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ وَدَعَاهَا - كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ دَعْوَةِ الْكَوَاكِبِ - فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يُخَاطِبُهُ وَيُحَدِّثُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ ،وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ رُوحَانِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَهُوَ شَيْطَانٌ ،وَالشَّيْطَانُ- وَإِنْ أَعَانَ الْإِنْسَانَ عَلَى بَعْضِ مَقَاصِدِهِ- فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ أَضْعَافَ مَا يَنْفَعُهُ ،وَعَاقِبَةُ مَنْ أَطَاعَهُ إلَى شَرٍّ إلَّا أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ،وَكَذَلِكَ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ قَدْ تُخَاطِبُهُمْ الشَّيَاطِينُ، وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَغَاثَ بِمَيِّتِ أَوْ غَائِبٍ ،وَكَذَلِكَ مَنْ دَعَا الْمَيِّتَ أَوْ دَعَا بِهِ ،أَوْ ظَنَّ أَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَ قَبْرِهِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ وَالْمَسَاجِدِ وَيَرْوُونَ حَدِيثًا هُوَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ : " { إذَا أَعْيَتْكُمْ الْأُمُورُ فَعَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الْقُبُورِ }(4)
__________
وَإِنَّمَا هَذَا وَضْعُ مَنْ فَتَحَ بَابَ الشِّرْكِ . وَيُوجَدُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِهِمْ مِنْ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَالنَّصَارَى وَالضُّلَّالِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحْوَالٌ عِنْدَ الْمَشَاهِدِ يَظُنُّونَهَا كَرَامَاتٍ، وَهِيَ مِنْ الشَّيَاطِينِ : مِثْلُ أَنْ يَضَعُوا سَرَاوِيلَ عِنْدَ الْقَبْرِ فَيَجِدُونَهُ قَدِ انْعَقَدَ، أَوْ يُوضَعُ عِنْدَهُ مَصْرُوعٌ فَيَرَوْنَ شَيْطَانَهُ قَدْ فَارَقَهُ . يَفْعَلُ الشَّيْطَانُ هَذَا لِيُضِلّهُمْ ،وَإِذْ قَرَأْت آيَةَ الْكُرْسِيِّ هُنَاكَ بِصِدْقِ بَطَلَ هَذَا، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ ؛ وَلِهَذَا حَمَلَ بَعْضَهُمْ فِي الْهَوَاءِ فَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَسَقَطَ ،وَمِثْلُ أَنْ يَرَى أَحَدُهُمْ أَنَّ الْقَبْرَ قَدْ انْشَقَّ وَخَرَجَ مِنْهُ إنْسَانٌ فَيَظُنُّهُ الْمَيِّتُ وَهُوَ شَيْطَانٌ . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَا يَتَّسِعُ لَهُ هَذَا الْمَوْضِعُ .

ابومسلم 09 Dec 2011 07:11 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
الِانْقِطَاعُ إلَى الْمَغَارَاتِ وَالْبَوَادِي مِنْ الْبِدَعِ
وَلَمَّا كَانَ الِانْقِطَاعُ إلَى الْمَغَارَاتِ وَالْبَوَادِي مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ ،صَارَتْ الشَّيَاطِينُ كَثِيرًا مَا تَأْوِي إلَى الْمَغَارَاتِ وَالْجِبَالِ : مِثْلِ مَغَارَةِ الدَّمِ الَّتِي بِجَبَلِ قاسيون وَجَبَلِ لُبْنَانَ الَّذِي بِسَاحِلِ الشَّامِ ،وَجَبَلِ الْفَتْحِ بِأَسْوَانَ بِمِصْرِ وَجِبَالٍ بِالرُّومِ وَخُرَاسَانَ وَجِبَالٍ بِالْجَزِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ،وَجَبَلِ اللِّكَام وَجَبَلِ الأحيش وَجَبَلِ سولان قُرْبَ أردبيل ،وَجَبَلِ شُهْنَك عِنْدَ تَبْرِيزَ ،وَجَبَلِ ماشكو عِنْدَ أَقَشْوَان ،وَجَبَلِ نَهَاوَنْدَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنِ الْجِبَالِ الَّتِي يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ بِهَا رِجَالًا مِنَ الصَّالِحِينَ مِنْ الْإِنْسِ ،وَيُسَمُّونَهُمْ رِجَالَ الْغَيْبِ، وَإِنَّمَا هُنَاكَ رِجَالٌ مِنَ الْجِنِّ فَالْجِنُّ رِجَالٌ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَ رِجَالٌ ،قَالَ تَعَالَى : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (6) سورة الجن .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَظْهَرُ بِصُورَةِ رَجُلٍ شعراني جِلْدُهُ يُشْبِهُ جِلْدَ الْمَاعِزِ، فَيَظُنُّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ أَنَّهُ إنْسِيٌّ ،وَإِنَّمَا هُوَ جِنِّيٌّ وَيُقَالُ بِكُلِّ جَبَلٍ مِنْ هَذِهِ الْجِبَالِ الْأَرْبَعُونَ الْأَبْدَالُ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُظَنُّ أَنَّهُمُ الْأَبْدَالُ هُمْ جِنٌّ بِهَذِهِ الْجِبَالِ كَمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِطُرُقِ مُتَعَدِّدَةٍ . وَهَذَا بَابٌ لَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِبَسْطِهِ وَذِكْرِ مَا نَعْرِفُهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ الَّذِي كُتِبَ لِمَنْ سَأَلَ أَنْ نَذْكُرَ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُعْرَفُ بِهِ جَمَلُ ذَلِكَ .
- - - - - - - - - - - - - - -
النَّاسُ فِي خَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
" قِسْمٌ " يُكَذِّبُ بِوُجُودِ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَرُبَّمَا صَدَّقَ بِهِ مُجْمَلًا، وَكَذَّبَ مَا يُذْكَرُ لَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لِكَوْنِهِ عِنْدَهُ لَيْسَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ نَوْعٌ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ ،وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ خَطَأٌ، وَلِهَذَا تَجِدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَذْكُرُونَ أَنَّ لِلْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ نُصَرَاءَ يُعِينُونَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ . وَأُولَئِكَ يُكَذِّبُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ مَنْ لَهُ خَرْقُ عَادَةٍ ،وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنَّ مَعَهُمْ مَنْ يَنْصُرُهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ لَا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة، وَهَؤُلَاءِ الْعُبَّادُ وَالزُّهَّادُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَقْتَرِنُ بِهِمُ الشَّيَاطِينُ فَيَكُونُ لِأَحَدِهِمْ مِنَ الْخَوَارِقِ مَا يُنَاسِبُ حَالَهُ ؛ لَكِنَّ خَوَارِقَ هَؤُلَاءِ يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَإِذَا حَصَلَ مَنْ لَهُ تَمَكُّنٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَبْطَلَهَا عَلَيْهِمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِهِمْ مِنَ الْكَذِبِ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا، وَمِنَ الْإِثْمِ مَا يُنَاسِبُ حَالَ الشَّيَاطِينِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهِمْ لِيُفَرِّقَ اللَّهُ بِذَلِكَ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ وَبَيْنَ الْمُتَشَبِّهِينَ بِهِمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) } [الشعراء/221-223]، وَالْأَفَّاكُ الْكَذَّابُ . وَالْأَثِيمُ الْفَاجِرُ . وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُقَوِّي الْأَحْوَالَ الشَّيْطَانِيَّةَ سَمَاعُ الْغِنَاءِ وَالْمَلَاهِي، وَهُوَ سَمَاعُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} (35) سورة الأنفال، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمَا مِنَ السَّلَفِ " التَّصْدِيَةُ " التَّصْفِيقُ بِالْيَدِ(1)، وَ " الْمُكَاءُ " مِثْلُ الصَّفِيرِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَّخِذُونَ هَذَا عِبَادَةً ،وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَعِبَادَتُهُمْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالِاجْتِمَاعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ،وَلَمْ يَجْتَمِعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى اسْتِمَاعِ غِنَاءٍ قَطُّ لَا بِكَفِّ وَلَا بِدُفِّ وَلَا تَوَاجُدٍ وَلَا سَقَطَتْ بُرْدَتُهُ ؛ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحَدِيثِهِ . وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اجْتَمَعُوا أَمَرُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ وَالْبَاقُونَ يَسْتَمِعُونَ ،وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ :{ ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ }(2) وَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فَقَالَ لَهُ مَرَرْتُ بِكَ يَا أَبَا مُوسَى الْبَارِحَةَ ، وَأَنْتَ تَقْرَأُ فَاسْتَمَعْنَا لِقِرَاءَتِكَ ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، لَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِكَ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا"(3)، أَيْ لَحَسَّنْته لَك تَحْسِينًا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ »(4)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ »(1).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ مَسْعُودٍ :« اقْرَأْ عَلَىَّ الْقُرْآنَ ». قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ :أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ :« إِنِّى أَشْتَهِى أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى ». فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} (41) سورة النساء ، رَفَعْتُ رَأْسِى أَوْ غَمَزَنِى رَجُلٌ إِلَى جَنْبِى فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ".(2)
وَمِثْلُ هَذَا السَّمَاعِ هُوَ سَمَاعُ النَّبِيِّينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ : {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (1)(58) سورة مريم ،وَقَالَ فِي أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ : {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (2)(83) سورة المائدة، وَمَدَحَ سُبْحَانَهُ أَهْلَ هَذَا السَّمَاعِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَاقْشِعْرَارِ الْجِلْدِ وَدَمْعِ الْعَيْنِ فَقَالَ تَعَالَى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (3)(23) سورة الزمر ،وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }(4)
الأنفال/2-5].
وَأَمَّا السَّمَاعُ الْمُحْدَثُ سَمَاعُ الْكَفِّ وَالدُّفِّ وَالْقَصَبِ ،فَلَمْ تَكُنْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرُ الْأَكَابِرِ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ يَجْعَلُونَ هَذَا طَرِيقًا إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ،وَلَا يَعُدُّونَهُ مِنَ الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ؛ بَلْ يَعُدُّونَهُ مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ : خَلَّفْت بِبَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيرَ يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنِ الْقُرْآنِ (1)،وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْعَارِفُونَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبًا وَافِرًا، وَلِهَذَا تَابَ مِنْهُ خِيَارُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْهُمْ .
وَمَنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَعَنْ كَمَالِ وِلَايَةِ اللَّهِ كَانَ نَصِيبُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ أَكْثَرَ ،وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَمْرِ يُؤَثِّرُ فِي النُّفُوسِ أَعْظَمَ مِنْ تَأْثِيرِ الْخَمْرِ ؛ وَلِهَذَا إذَا قَوِيَتْ سَكْرَةُ أَهْلِهِ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ ،وَتَكَلَّمَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ بَعْضِهِمْ وَحَمَلَتْ بَعْضَهُمْ فِي الْهَوَاءِ ،وَقَدْ تَحْصُلُ عَدَاوَةٌ بَيْنَهُمْ كَمَا تَحْصُلُ بَيْنَ شُرَّابِ الْخَمْرِ، فَتَكُونُ شَيَاطِينُ أَحَدِهِمْ أَقْوَى مِنْ شَيَاطِينِ الْآخَرِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَيَظُنُّ الْجُهَّالُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ؛ وَإِنَّمَا هَذَا مُبْعِدٌ لِصَاحِبِهِ عَنْ اللَّهِ ،وَهُوَ مِنْ أَحْوَالِ الشَّيَاطِينِ ؛ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَتْلُ الْمَعْصُومِ مِمَّا يُكْرِمُ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ؟ .
وَإِنَّمَا غَايَةُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ، فَلَمْ يُكْرِمِ اللَّهُ عَبْدًا بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَزِيدُهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ . وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوَارِقَ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ كَالْمُكَاشَفَاتِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ كَالتَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَاتِ ،وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْغِنَى عَنْ جِنْسِ مَا يُعْطَاهُ النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ مِنِ الْعِلْمِ وَالسُّلْطَانِ وَالْمَالِ وَالْغِنَى .
وَجَمِيعُ مَا يُؤْتِيه اللَّهُ لِعَبْدِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إنِ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ دَرَجَتَهُ وَيَأْمُرُهُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ازْدَادَ بِذَلِكَ رِفْعَةً وَقُرْبًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَلَتْ دَرَجَتُهُ ،وَإِنِ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ كَالشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ اسْتَحَقَّ بِذَلِكَ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ، فَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَوْبَةِ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ ،وَإِلَّا كَانَ كَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُذْنِبِينَ .
وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يُعَاقَبُ أَصْحَابُ الْخَوَارِقِ تَارَةً بِسَلْبِهَا كَمَا يُعْزَلُ الْمَلِكُ عَنْ مُلْكِهِ وَيُسْلَبُ الْعَالِمُ عِلْمَهُ . وَتَارَةً بِسَلْبِ التَّطَوُّعَاتِ فَيُنْقَلُ مِنَ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ إلَى الْعَامَّةِ ،وَتَارَةً يَنْزِلُ إلَى دَرَجَةِ الْفُسَّاقِ ،وَتَارَةً يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ . وَهَذَا يَكُونُ فِيمَنْ لَهُ خَوَارِقُ شَيْطَانِيَّةٌ ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ يَرْتَدُّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ شَيْطَانِيَّةٌ ،بَلْ يَظُنُّهَا مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ،وَيَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا أَعْطَى عَبْدًا خَرْقَ عَادَةٍ لَمْ يُحَاسِبْهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ [ إذَا ] أَعْطَى عَبْدًا مُلْكًا وَمَالًا وَتَصَرُّفًا لَمْ يُحَاسِبْهُ عَلَيْهِ ،وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعِينُ بِالْخَوَارِقِ عَلَى أُمُورٍ مُبَاحَةٍ لَا مَأْمُورًا بِهَا وَلَا مَنْهِيًّا عَنْهَا، فَهَذَا يَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُمْ الْأَبْرَارُ الْمُقْتَصِدُونَ ،وَأَمَّا السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ فَأَعْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ ،كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ أَعْلَى مِنْ النَّبِيِّ الْمَلِكِ .
وَلَمَّا كَانَتِ الْخَوَارِقُ كَثِيرًا مَا تَنْقُصُ بِهَا دَرَجَةُ الرَّجُلِ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّالِحِينَ يَتُوبُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا يَتُوبُ مِنْ الذُّنُوبِ : كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ،وَتَعْرِضُ عَلَى بَعْضِهِمْ فَيَسْأَلُ اللَّهَ زَوَالَهَا، وَكُلُّهُمْ يَأْمُرُ الْمُرِيدَ السَّالِكَ أَنْ لَا يَقِفَ عِنْدَهَا، وَلَا يَجْعَلَهَا هِمَّتَهُ ،وَلَا يَتَبَجَّحَ بِهَا ؛ مَعَ ظَنِّهِمْ أَنَّهَا كَرَامَاتٌ، فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ بِالْحَقِيقَةِ مِنَ الشَّيَاطِينِ تُغْوِيهِمْ بِهَا؟!
__________
فَإِنِّي أَعْرِفُ مَنْ تُخَاطِبُهُ النَّبَاتَاتُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا يُخَاطِبُهُ الشَّيْطَانُ الَّذِي دَخَلَ فِيهَا، وَأَعْرِفُ مَنْ يُخَاطِبُهُمُ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَتَقُولُ : هَنِيئًا لَك يَا وَلِيَّ اللَّهِ فَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَيَذْهَبُ ذَلِكَ .
وَأَعْرِفُ مَنْ يَقْصِدُ صَيْدَ الطَّيْرِ فَتُخَاطِبُهُ الْعَصَافِيرُ وَغَيْرُهَا وَتَقُولُ : خُذْنِي حَتَّى يَأْكُلَنِي الْفُقَرَاءُ ،وَيَكُونُ الشَّيْطَانُ قَدْ دَخَلَ فِيهَا كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِنْسِ وَيُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ ،وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ مُغْلَقٌ فَيَرَى نَفْسَهُ خَارِجَهُ وَهُوَ لَمْ يَفْتَحْ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ وَتَكُونُ الْجِنُّ قَدْ أَدْخَلَتْهُ وَأَخْرَجَتْهُ بِسُرْعَةِ ،أَوْ تَمُرُّ بِهِ أَنْوَارٌ أَوْ تَحْضُرُ عِنْدَهُ مَنْ يَطْلُبُهُ ،وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَتَصَوَّرُونَ بِصُورَةِ صَاحِبِهِ، فَإِذَا قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ .
وَأَعْرِفُ مَنْ يُخَاطِبُهُ مُخَاطِبٌ وَيَقُولُ لَهُ :أَنَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَيَعِدُهُ بِأَنَّهُ الْمَهْدِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1)،وَيَظْهَرُ لَهُ الْخَوَارِقُ مِثْلُ أَنْ يَخْطُرَ بِقَلْبِهِ تَصَرُّفٌ فِي الطَّيْرِ وَالْجَرَادِ فِي الْهَوَاءِ ؛ فَإِذَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ ذَهَابُ الطَّيْرِ أَوْ الْجَرَادِ يَمِينًا أَوْ شَمَالًا ذَهَبَ حَيْثُ أَرَادَ وَإِذَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ قِيَامُ بَعْضِ الْمَوَاشِي أَوْ نَوْمُهُ أَوْ ذَهَابُهُ حَصَلَ لَهُ مَا أَرَادَ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ، وَتَحْمِلُهُ إلَى مَكَّةَ وَتَأْتِي بِهِ ،وَتَأْتِيه بِأَشْخَاصِ فِي صُورَةٍ جَمِيلَةٍ وَتَقُولُ لَهُ هَذِهِ الْمَلَائِكَةُ الكروبيون أَرَادُوا زِيَارَتَك، فَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ : كَيْفَ تَصَوَّرُوا بِصُورَةِ المردان فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَجِدُهُمْ بِلِحَى، وَيَقُولُ لَهُ عَلَامَةُ إنَّك أَنْتَ الْمَهْدِيُّ إنَّك تَنْبُتُ فِي جَسَدِك شَامَةٌ فَتَنْبُتُ وَيَرَاهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ وَكُلُّهُ مِنْ مَكْرِ الشَّيْطَانِ .
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَوْ ذَكَرْت مَا أَعْرِفُهُ مِنْهُ لَاحْتَاجَ إلَى مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ ،وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)(2) } [الفجر/15-17]، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كُلًّا } وَلَفْظُ ( كَلَّا) فِيهَا زَجْرٌ وَتَنْبِيهٌ : زَجْرٌ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا يُخْبَرُ بِهِ وَيُؤْمَرُ بِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ نِعَمٌ دُنْيَوِيَّةٌ تُعَدُّ كَرَامَةً يَكُونُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُكْرِمًا لَهُ بِهَا، وَلَا كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُهِينًا لَهُ بِذَلِكَ ؛ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فَقَدْ يُعْطِي النِّعَمَ الدُّنْيَوِيَّةَ لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ . وَلَا هُوَ كَرِيمٌ عِنْدَهُ لِيَسْتَدْرِجَهُ بِذَلِكَ . وَقَدْ يَحْمِي مِنْهَا مَنْ يُحِبُّهُ وَيُوَالِيه لِئَلَّا تَنْقُصَ بِذَلِكَ مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُ أَوْ يَقَعَ بِسَبَبِهَا فِيمَا يَكْرَهُهُ مِنْهُ .
وَأَيْضًا " كَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ " لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى، فَمَا كَانَ سَبَبُهُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَهُوَ مِنْ خَوَارِقِ أَعْدَاءِ اللَّهِ لَا مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَمَنْ كَانَتْ خَوَارِقُهُ لَا تَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَالدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ عِنْدَ الشِّرْكِ : مِثْلُ دُعَاءِ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ أَوْ بِالْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ وَأَكْلِ الْمُحَرَّمَاتِ : كَالْحَيَّاتِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْخَنَافِسِ وَالدَّمِ وَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَمِثْلِ الْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ النِّسْوَةِ الْأَجَانِبِ والمردان، وَحَالَةُ خَوَارِقِهِ تَنْقُصُ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَتَقْوَى عِنْدَ سَمَاعِ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ فَيَرْقُصُ لَيْلًا طَوِيلًا فَإِذَا جَاءَتْ الصَّلَاةُ صَلَّى قَاعِدًا، أَوْ يَنْقُرُ الصَّلَاةَ نَقْرَ الدِّيكِ ،وَهُوَ يَبْغُضُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ ،وَيَنْفِرُ عَنْهُ، وَيَتَكَلَّفُهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَحَبَّةٌ وَلَا ذَوْقٌ وَلَا لَذَّةٌ عِنْدَ وَجْدِهِ، وَيُحِبُّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ وَيَجِدُ عِنْدَهُ مَوَاجِيدَ . فَهَذِهِ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ ؛ وَهُوَ مِمَّنْ يَتَنَاوَلُهُ قَوْله تَعَالَى : {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(1) (36) سورة الزخرف.
فَالْقُرْآنُ هُوَ ذِكْرُ الرَّحْمَنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) }(2) [طه/124- 126]، يَعْنِي تَرَكْت الْعَمَلَ بِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ضَمِنَ اللَّهُ لِمَنْ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ أَنْ لاَ يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا ، وَلاَ يَشْقَى فِي الآخِرَةِ ، ثُمَّ تَلاَ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ ، وَلاَ يَشْقَى . (3)

ابومسلم 09 Dec 2011 07:12 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبعوثٌ إلَى جَمِيعِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ
وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَمِيعِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَمْ يَبْقَ إنْسِيٌّ وَلَا جِنِّيٌّ إلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِرِسَالَتِهِ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ سَوَاءٌ كَانَ إنْسِيًّا أَوْ جِنِّيًّا .
وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثٌ إلَى الثَّقَلَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ اسْتَمَعَتِ الْجِنُّ الْقُرْآنَ وَوَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِبَطْنِ نَخْلَةٍ لَمَّا رَجَعَ مِنْ الطَّائِفِ، وَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ :{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) (1)} [الأحقاف/29-32] .
وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ :{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) } (2)
__________
[الجن/1-7]، أَيْ السَّفِيهُ مِنَّا فِي أَظْهَرْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ . وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ : كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْإِنْسِ إذَا نَزَلَ بِالْوَادِي قَالَ : أَعُوذُ بِعَظِيمِ هَذَا الْوَادِي مِنْ شَرِّ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ فَلَمَّا اسْتَغَاثَتِ الْإِنْسُ بِالْجِنِّ ازْدَادَتْ الْجِنُّ طُغْيَانًا وَكُفْرًا (1)،كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9 )} (2)[الجن/6-9]، وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ تُرَْْمَى بِالشُّهُبِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ ؛ لَكِنْ كَانُوا أَحْيَانًا يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الشِّهَابُ إلَى أَحَدِهِمْ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلِئَتِ السَّمَاءُ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَصَارَتْ الشُّهُبُ مُرْصَدَةً لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعُوا، كَمَا قَالُوا : {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} (9) سورة الجن، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)(3)
__________
} [الشعراء/210-212] ،قَالُوا : { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) } [الجن/10-12] أَيْ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ الْمُسْلِمُ وَالْمُشْرِكُ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالسُّنِّيُّ وَالْبِدْعِيُّ {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) } [الجن/12، 13] أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَهُ : لَا إنْ أَقَامُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا إنْ هَرَبُوا مِنْهُ { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) }(1)
[الجن]، أَيْ مَلْجَأً وَمَعَاذًا { إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) }(1) [الجن/23، 24]. ثُمَّ لَمَّا سَمِعَتِ الْجِنُّ الْقُرْآنَ أَتَوْا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِهِ وَهُمْ جِنُّ نصيبين كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ (2)،وَرُوِيَ { أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ وَكَانَ إذَا قَالَ : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قَالُوا : وَلَا بِشَيْءِ مِنْ آلَائِك رَبِّنَا نُكَذِّبُ فَلَك الْحَمْدُ } (3)
. { وَلَمَّا اجْتَمَعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ الزَّادَ لَهُمْ وَلِدَوَابِّهِمْ فَقَالَ : « لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِى أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعَرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« فَلاَ تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ »(1). وَهَذَا النَّهْيُ ثَابِتٌ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِذَلِكَ ،وَقَالُوا فَإِذَا مُنِعَ مِنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِمَا لِلْجِنِّ وَلِدَوَابِّهِمْ فَمَا أُعِدَّ لِلْإِنْسِ وَلِدَوَابِّهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ أَوْلَى وَأَحْرَى .
وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرْسِلَ إلَى جَمِيعِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ،و َهَذَا أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كَوْنِ الْجِنِّ سُخِّرُوا لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُمْ سُخِّرُوا لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ،وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، لِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ،وَمَنْزِلَةُ الْعَبْدِ الرَّسُولِ فَوْقَ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ الْمَلِكِ . وَكُفَّارُ الْجِنِّ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مُؤْمِنُوهُمْ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ مِنَ الْإِنْسِ وَلَمْ يُبْعَثْ مِنَ الْجِنِّ رَسُولٌ . لَكِنْ مِنْهُمْ النُّذُرُ،وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْجِنَّ مَعَ الْإِنْسِ عَلَى أَحْوَالٍ :
فَمَنْ كَانَ مِنَ الْإِنْسِ يَأْمُرُ الْجِنَّ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَطَاعَةِ نَبِيِّهِ وَيَأْمُرُ الْإِنْسَ بِذَلِكَ فَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مِنْ خُلَفَاءِ الرَّسُولِ وَنُوَّابِهِ .
__________
وَمَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْجِنَّ فِي أُمُورٍ مُبَاحَةٍ لَهُ فَهُوَ كَمَنِ اسْتَعْمَلَ الْإِنْسَ فِي أُمُورٍ مُبَاحَةٍ لَهُ ،وَهَذَا كَأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ،وَيَسْتَعْمِلُهُمْ فِي مُبَاحَاتٍ لَهُ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ،فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ فِي عُمُومِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِثْلِ النَّبِيِّ الْمَلِكِ مَعَ الْعَبْدِ الرَّسُولِ : كَسُلَيْمَانَ وَيُوسُفَ مَعَ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ .
وَمَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْجِنَّ فِيمَا يَنْهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، إمَّا فِي الشِّرْكِ وَإِمَّا فِي قَتْلِ مَعْصُومِ الدَّمِ أَوْ فِي الْعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ كَتَمْرِيضِهِ وَإِنْسَائِهِ الْعِلْمَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الظُّلْمِ، وَإِمَّا فِي فَاحِشَةٍ كَجَلْبِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْفَاحِشَةُ، فَهَذَا قَدْ اسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ،ثُمَّ إنْ اسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ كَافِرٌ ،وَإِنْ اسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى الْمَعَاصِي فَهُوَ عَاصٍ : إمَّا فَاسِقٌ وَإِمَّا مُذْنِبٌ غَيْرُ فَاسِقٍ ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْعِلْمِ بِالشَّرِيعَةِ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ فِيمَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنَ الْكَرَامَاتِ : مِثْلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى الْحَجِّ، أَوْ أَنْ يَطِيرُوا بِهِ عِنْدَ السَّمَاعِ الْبِدْعِيِّ، أَوْ أَنْ يَحْمِلُوهُ إلَى عَرَفَاتٍ ،وَلَا يَحُجُّ الْحَجَّ الشَّرْعِيَّ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَحْمِلُوهُ مِنْ مَدِينَةٍ إلَى مَدِينَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ،فَهَذَا مَغْرُورٌ قَدْ مَكَرُوا بِهِ .
وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْجِنِّ بَلْ قَدْ سَمِعَ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَهُمْ كَرَامَاتٌ وَخَوَارِقُ لِلْعَادَاتِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ الْقُرْآنِ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْكَرَامَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَبَيْنَ التَّلْبِيسَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ، فَيَمْكُرُونَ بِهِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ ،فَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَوْثَانَ أَوْهَمُوهُ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ وَيَكُونُ قَصْدُهُ الِاسْتِشْفَاعَ وَالتَّوَسُّلَ مِمَّنْ صَوَّرَ ذَلِكَ الصَّنَمَ عَلَى صُورَتِهِ مِنْ مَلِكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ شَيْخٍ صَالِحٍ فَيَظُنُّ أَنَّهُ صَالِحٌ ،وَتَكُونُ عِبَادَتُهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلشَّيْطَانِ ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)(1) } [سبأ/40، 41] .
وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ يَقْصِدُونَ السُّجُودَ لَهَا فَيُقَارِنُهَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ سُجُودِهِمْ لِيَكُونَ سُجُودُهُمْ لَهُ ؛ وَلِهَذَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِصُورَةِ مَنْ يَسْتَغِيثُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ . فَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَاسْتَغَاثَ بجرجس أَوْ غَيْرِهِ جَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ جرجس، أَوْ مَنْ يَسْتَغِيثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُنْتَسِبًا إلَى الْإِسْلَامِ وَاسْتَغَاثَ بِشَيْخِ يَحْسُنُ الظَّنُّ بِهِ مِنْ شُيُوخِ الْمُسْلِمِينَ جَاءَ فِي صُورَةِ ذَلِكَ الشَّيْخِ ،وَإِنْ كَانَ مِنْ مُشْرِكِي الْهِنْدِ جَاءَ فِي صُورَةِ مَنْ يُعَظِّمُهُ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ . ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ الْمُسْتَغَاثَ بِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفْهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ تَمَثَّلَ لِأَصْحَابِهِ الْمُسْتَغِيثِينَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ مِمَّنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِأَقْوَالِهِمْ نَقَلَ أَقْوَالَهُمْ لَهُ فَيَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّ الشَّيْخَ سَمِعَ أَصْوَاتَهُمْ مِنَ الْبُعْدِ وَأَجَابَهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ بِتَوَسُّطِ الشَّيْطَانِ .
وَلَقَدْ أَخْبَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الَّذِينَ كَانَ قَدْ جَرَى لَهُمْ مِثْلُ هَذَا بِصُورَةِ مُكَاشَفَةٍ وَمُخَاطَبَةٍ فَقَالَ : يَرَوْنَنِي الْجِنُّ شَيْئًا بَرَّاقًا مِثْلَ الْمَاءِ وَالزُّجَاجِ، وَيُمَثِّلُونَ لَهُ فِيهِ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْإِخْبَارُ بِهِ قَالَ : فَأَخْبَرَ النَّاسُ بِهِ وَيُوصِلُونَ إلَيَّ كَلَامَ مَنَ اسْتَغَاثَ بِي مِنْ أَصْحَابِي فَأُجِيبُهُ فَيُوصِلُونَ جَوَابِي إلَيْهِ .
وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمْ كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْخَوَارِقِ إذَا كَذَّبَ بِهَا مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ،وَقَالَ :إنَّكُمْ تَفْعَلُونَ هَذَا بِطَرِيقِ الْحِيلَةِ ،كَمَا يَدْخُلُ النَّارَ بِحَجْرِ الطَّلْقِ وَقُشُورِ النَّارِنْجِ وَدَهْنِ الضَّفَادِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحِيَلِ الطَّبِيعِيَّةِ فَيَعْجَبُ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ وَاَللَّهِ لَا نَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ . فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُمُ الْخَبِيرُ إنَّكُمْ لَصَادِقُونَ فِي ذَلِكَ ،وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ شَيْطَانِيَّةٌ أَقَرُّوا بِذَلِكَ وَتَابَ مِنْهُمْ مَنْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ ،وَتَبَيَّنَ لَهُمْ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ ،وَرَأَوْا أَنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ لَمَّا رَأَوْا أَنَّهَا تَحْصُلُ بِمِثْلِ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ فِي الشَّرْعِ وَعِنْدَ الْمَعَاصِي لِلَّهِ، فَلَا تَحْصُلُ عِنْدَمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَعَلِمُوا أَنَّهَا حِينَئِذٍ مِنْ مخارق الشَّيْطَانِ لِأَوْلِيَائِهِ ؛ لَا مِنْ كَرَامَاتِ الرَّحْمَنِ لِأَوْلِيَائِهِ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ،وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَشْيَاعِهِ وَخُلَفَائِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا نَسْتَوْجِبُ بِهِمَا شَفَاعَتَهُ " آمِينَ "
تم نقل الكتاب بحمد الله
.

-

ابومسلم 09 Dec 2011 07:37 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
وهذه روابط شروح لهذا الكتاب القيم
1-شرح العلامه بن جبرين
شرح كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان - عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين | طريق الإسلام

2-شرح العلامه فوزان بن صالح الفوزان
شَرْحُ « الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان » لشيخنا صالح الفوزان - المجلس العلمي
3-شرح الشيخ صالح ال الشيخ
شرح كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان،لشيخ الإس - شبكة الإمام الآجريّ

الحارث 09 Dec 2011 08:42 AM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
ما شاء الله تبارك الله على حسن إختيارك للموضوع الرائع

كنز من المعلومات المفيده والقيمه نسأل الله ان ينفعنا بها وأن يجعلها في موازين أعمالك الصالحه

أحسن الله إليك ورحم والديك وغفر ذنبك وأصلح لك ذريتك

العون 20 Nov 2012 03:05 PM

رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق
 
بارك الله فيكم ونفع بكم وسدد خطاكم وجزاكم 7


الساعة الآن 05:53 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي