موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

قصة أمرأة أبراهيم عليه السلام
المدخل إلى القصــة
من الله تعالى على نبيه وخليله أبراهيم عليه السلام بزوجتين مؤمنتين صالحتين صابرتين ، صبرت أحداهن معه في بذل المعروف وإكرام الضيوف حتى كبر سنها وهي لا تزال على هذا الحال ، وصبرت الاخرى عندما تركها هي وأبنها أسماعيل بوادي غيري ذي زرع ، وقد قص علينا القران خبر الاولى منهما وذلك في موضعين من كتاب الله العزيز :
قوله تعالى : )وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ*قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ*قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) هود
وقوله : ) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ*فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ*فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ*فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ*قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الذاريات
التعريف بالمرأة
لقد ثبت أسم أمرأة أبراهيم عليه السلام وصاحبة هذه القصه أنها( ساره) فعن أبي هريره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : )لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ، فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي، فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ، رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ، أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَأُتِيَ بِهَا، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ لَهَا: ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَةِ الْأُولَى، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي، فَلَكِ اللَّهَ أَنْ لَا أَضُرَّكِ، فَفَعَلَتْ، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ، وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ، وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام؛ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهَا:مَهْيَمْ، قَالَتْ:خَيْرًا؛كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ،
.وقد ذكر المؤرخون أنها: سارَة بنت هارون بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فالغ، وهي ابنة عم إبراهيم ،
عــــرض القصــــــة :
ذكر لنا القران الكريم طرفاً من أخباراً ساره ويوماَ من أيامها وذلك اليوم هو اليوم الذي دخلت فيه الملائكه على أبراهيم عليه السلام في صورة فأكرمهم وسارع في تقديم الطعام لهم ، فلما قدم اليهم لم يأكلو ، فخاف منهم فطمأنوه ، وأخبروه أنهم انما أرسلو الى قوم لوط ليدمرو عليهم ديارهم ، ويفاجئونهم بالعذاب وهم غارقون في ضلالهم ، وكانت سارة قائمة على خدمة الاضياف فلما سمعت خبرهم ضحكت وأستبشرت غضباَ لله تعالى على قوم لوط ، فكافأها الله تعالى على ذلك بأن بشرتها الملائكه بإسحاق ولداَ ويعقوب حفيداً عليهم الصلاة والسلام .
وقد ساق الله تعالى البشارة اليها بعدما بشر بها إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى : (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) لان البشاره بالذريه الطيبه شاملة للوالدين كليهما كما أن فيه ايذاناً بان الولد الذي بشر به ابراهيم عليه السلام يكون من ساره وفي تبشيرها بيعقوب اشارة الى أنها ستعيش الى أن تراه.
ولما بشرتها الملائكه بالولد فقالت : يا ويلتي متعجبة كعادة النساء في كونهن يتلفظن بهذه الكلمة إذا طرأ عليهن أمراً عجيب وقد بينت سبب تعجبها بقولها ( أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ) فكيف تلد مع ما فيها وفي زوجها من الموانع التي جعلها الله تعالى من موانع طبيعيه ؟ ولم يكن تعجبها بالنسبة الى قدر الله بل مقصدها أستعظام نعمة الله عليها ,,
وقد أنكرت عليها الملائكه تعجبها لكونها تعيش في بيت النبوه وترى الايات والمعجزات فكان جديراً بها الا يصدر منها ذلك التعجب وأجابوها بأنها ستلد فإن الله قادر على أن يحعل العقيم ولوداً ثم مدحتها الملائكه بقولهم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت فقد تفضل الله عليهم بنعم وبركات كثيره ومن تلك البركات أن جعل كثرة الانبياء في ذرية أبراهيم منها ,,
الاحكـــام المستفاده من القصــــة
1) مشروعية أكرام الضيف وهو سنه من سنن أبراهيم الخليل عليه السلام أخذا من قوله تعالى (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) وقال صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليكرم ضيفه )
2) أستحباب القيام بالخدمه الاضياف أخذاَ من قوله تعالى(وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ )
3) لا بأس بخدمة المرأة لضيوف البيت الكرماء الصلحاء عند الحاجه بالقيود الشرعيه من عدم الخلوه وعد التبرج وإذ أمنت الفتنه ولم يكن ذلك مستنكراً في عادة الناس أخذاً من خدمة ساره لأولئك الضيوف..
وقد جاء في السنه قصة أم أسيد في حديث سهيل بن سعد قال (( لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه فما صنع لهم طعاماً ولا قربة اليهم إلا أمرأته أم أسيد بلت تمرات في تنور من حجاره من الليل فما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك ))
وقصة أمراة أبي الهيثم أبن التيهان لما قد النبي وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما الى بيتها وسألوا عن زوجها فقالت هو قريب ذهب يستعذب الماء أدخلو فأنه يأتي الساعة إن شاء الله فبسطت بساطاً تحت شجره ))
4) جواز محادثة المرأه للرجل عند الحاجه أخذاً من محادثة سارة للأضياف.
5) ان التلفظ ببعض الكلمات التي لا يقصد معناها الظاهر مثل يا ويلتي لا بأس به كما نطقت به ساره ومثل ذلك تربت يداك ثكلتك أمك ، مما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله..
6) جواز التعجب من الاشياء الخارجه عن العاده لكونها خارجه للعاده لا بالنسبه لقدر الله كما تعجبت ساره من ولادتها وهي وزوجها على تلك الحال ,,
7) ان ما صنعته ساره من ضرب الوجه نهي عنه بعد ذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب )) وعن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه .
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث أما الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل حيوان من الادمي والحمير والخيل والابل والبغال والانعام والغنم وغيرها لكنه في الادمي أشد لانه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب وربما شأنه وربما أذي بعض الحواس
8) إن منتهى التحيه قول ورحمة الله وبركاته كما أخبر الله تعالى عن صالحي عباده أخذا من قوله (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)
9) إن المرأة تعد من أهل البيت أخذا من قول الملائكه أهل البيت وهم يخاطبون ساره خلافاً لما يقوله الشيعه أن الزوجة ليست من أهل البيت..
الــدروس والعـــــــبر
1- الترغيب أن يكون أهل الانسان ومن يتولى شؤن بيته حازمين مستعدين لكل ما يراد منهم من الشئون والقيام بمهمات البيت فإن أبراهيم في الحال بادر الى أهله فوجد طعام ضيوفه حاضراً ومهيئاً

2_ إن الغضب لله تعالى حسنة يثاب العبد عليها كما أستبشرت ساره لدنو عذاب قوم لوط,,
3_ إن هبة الاولاد الصالحين نعمه من نعم الله تعالى كما أنعم على أبراهيم وساره عليهما السلام..
4_ إن من الناس من تولى الله تسميتهم تشريفاً لهم فقد سمى لسارة ولدها أسحاق وحفيدها يعقوب وكما سمى الله تعالى يحيى وعيسى وأحمد عليهم الصلاة والسلام
5_ إن للبشر تصرفات في بعض المواقف كضرب الوجه كما قال تعالى : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) وهذا مما أنكره الاسلام..
6_ إن هنالك كلمات مشهوره ينطق بها الناس لا يريدون كظاهرا ككلمة : يا ويلتي أو تربت يداك أو ثكلتك أمك والله تعالى يعلم مقصد عباده منها فلا يعاملهم الله تعالى بمقتضاها...
7_ إن أستبعاد الولاده من المرأة العجوز العقيم أكثر منه في الرجل الكبير أخذا من أبتداء ساره بذكر حالها قبل حال زوجها حيث قالت ( أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا )
8_ إن الموانع الخلقيه لا تقف أمام قدرة الله تعالى لأنه هو خالق الموانع وقادر على أزالة أثرها كما ولدت ساره من عجزها وعقمها وشيخوخة بعلها ,,,
9_ إن الملائكه قد تكلم غير الانبياء من رجال أو نساء كما خاطبوا ساره و مريم رحمهما الله وغيرهما..
10_ قد تظهر الملائكه بصورة البشر عند الحاجه كما ظهروا عند ساره وزوجها أبراهيم وكما في قصة جبريل عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
( منقول بتصرف - قصص النساء في القران الكريم - للكاتب الدكتور محمد بن الحميد ..

ــــــــــــــــــــــ