الموضوع: علاج العشق .
عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Jan 2013, 12:56 AM   #2
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 24 Apr 2024 (02:36 PM)
 المشاركات : 3,116 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: علاج العشق .



.فصل: [عشقُ الصُّوَر]:


وعشقُ الصُّوَر إنما تُبتلى به القلوبُ الفارغة مِن محبة الله تعالى، المُعْرِضةُ عنه، المتعوِّضةُ بغيره عنه، فإذا امتلأَ القلبُ من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفَع ذلك عنه مرضَ عشق الصور، ولهذا قال تعالى في حقِّ يوسف: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فدلَّ على أن الإخلاص سببٌ لدفع العشق وما يترتَّبُ عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرتُه ونتيجتُه، فصرفُ المسبب صرفٌ لسببه، ولهذا قال بعضُ السَّلَف: العشقُ حركة قلب فارغ، يعنى فارغاً مما سوى معشوقه. قال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} [القصص: 11]، إن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ أى: فارغاً من كل شىء إلا من موسى لفرطِ محبتها له، وتعلُّقِ قلبها به والعشق مُرَكَّب من أمرين: استحسانٍ للمعشوق، وطمع في الوصول إليه، فمتى انتفى أحدهُما انتفى العشقُ،
وقد أعيتْ عِلَّةُ العشق على كثير من العقلاء، وتكلم فيها بعضهم بكلام يُرغَب عن ذكره إلى الصواب.
فنقول: قد استقرت حكمة الله عَزَّ وجَلَّ في خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه، وانجذابِ الشىء إلى مُوافقه ومجانسه بالطبعِ، وهُروبه من مخالفه، ونُفرته عنه بالطبع، فسِرُّ التمازج والاتصال في العالم العُلوى والسُّفلى، إنما هو التناسبُ والتشاكلُ، والتوافقُ، وسِرُّ التباين والانفصال، إنما هو بعدم التشاكل والتناسب، وعلى ذلك قام الخلق والأمر، فالمِثْلُ إلى مثلِه مائلٌ، وإليه صائرٌ، والضِّدُّ عن ضده هارب، وعنه نافرٌ، وقد قال تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا} [الأعراف: 189]، فجعل سُبحانه عِلَّةَ سكون الرَّجل إلى امرأته كونَها مِن جنسه وجوهره، فعِلَّةُ السكون المذكور وهو الحب كونُها منه، فدل على أن العِلَّة ليست بحُسن الصورة، ولا الموافقة في القصد والإرادة، ولا في الخلق والهُدَى، وإن كانت هذه أيضاً من أسباب السكون والمحبة.
وقد ثبت في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدةٌ، فما تَعارَفَ منها ائْتلَف، وما تَناكَرَ منها اخْتَلَفَ». وفي مسند الإمام أحمد وغيره في سبب هذا الحديث: أنَّ امرأة بمكةَ كانت تُضِحكُ الناسَ، فجاءت إلى المدينة، فنزلتْ على امرأة تُضِحكُ الناسَ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الأرواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ».... الحديثَ.
وقد استقرتْ شريعتُه سُبحانه أنَّ حُكم الشىء حُكْمُ مثله، فلا تُفَرِّقُ شريعته بين متماثلين أبداً، ولا تجمعُ بين مضادَّين، ومَن ظنَّ خِلاف ذلك، فإمَّا لِقلَّة علمه بالشريعة، وإما لِتقصيره في معرفة التماثُل والاختلاف، وإمَّا لنسبته إلى شريعته ما لم يُنزلْ به سلطاناً، بل يكونُ من آراء الرجال، فبحكمتِه وعدلِه ظهر خَلقُه وشرعُه، وبالعدل والميزان قام الخلقُ والشرع، وهو التسويةُ بين المتمائلَيْن، والتفريق بين المختلفَيْن.
وهذا كما أنه ثابت في الدنيا، فهو كذلك يومَ القيامة. قال تعالى: {احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 22].
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبعدَه الإمامُ أحمد رحمه الله: أزواجهم أشباهُهم ونُظراؤهم.
وقال تعالى: {وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] أى: قُرِن كلُّ صاحب عملٍ بشكله ونظيره، فقُرِن بين المتحابِّين في الله في الجَنَّة، وقُرِن بين المتحابِّين في طاعة الشيطان في الجحيم، فالمرءُ مع مَن أَحَبَّ شاء أو أبَى، وفي مستدرك الحاكم وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يُحِبُّ المَرءُ قَوْماً إلاَّ حُشِرَ مَعَهُم».
والمحبة أنواع متعددة؛ فأفضلها وأجلُّها: المحبةُ في الله ولله؛ وهى تستلزِمُ محبةَ ما أحبَّ اللهُ، وتستلزِمُ محبةَ الله ورسوله.
ومنها: محبة الاتفاق في طريقةٍ، أو دين، أو مذهب، أو نِحْلة، أو قرابة، أو صناعة، أو مرادٍ ما.
ومنها: محبةٌ لنَيْل غرض من المحبوب، إمَّا مِن جاهه أو من ماله أو مِن تعليمه وإرشاده، أو قضاء وطر منه، وهذه هي المحبة العَرَضية التي تزول بزوال مُوجِبها، فإنَّ مَن وَدَّك لأمر، ولَّى عنك عند انقضائه.
وأمَّا محبةُ المشاكلة والمناسبة التي بين المحب والمحبوب، فمحبةٌ لازمة لا تزولُ إلا لعارض يُزيلها، ومحبةُ العشق مِن هذا النوع، فإنها استحسانٌ روحانى، وامتزاج نفسانى، ولا يَعرِض في شىء من أنواع المحبةِ من الوَسْواس والنُّحول، وشَغْلِ البال، والتلفِ ما يعرضُ مِن العشق.
فإن قيل: فإذا كان سببُ العشق ما ذكرتم من الاتصال والتناسب الروحانى، فما بالُه لا يكون دائماً مِنَ الطرَفين، بل تجدُه كثيراً من طرف العاشق وحده، فلو كان سببُه الاتصالَ النفسى والامتزاجَ الروحانى، لكانت المحبةُ مشتركة بينهما.
فالجواب: أنَّ السبب قد يتخلَّفُ عنه مسبِّبه لفوات شرط، أو لوجود مانع، وتخلُّف المحبة من الجانب الآخر لا بد أن يكون لأحد ثلاثة أسباب:
الأول: عِلَّةٌ في المحبة، وأنها محبة عَرَضية لا ذاتية، ولا يجب الاشتراكُ في المحبة العَرَضية، بل قد يلزمها نُفرةٌ من المحبوب.
الثاني: مانعٌ يقوم بالمحِب يمنع محبة محبوبه له، إما في خُلُقه، أو خَلْقِهِ أو هَدْيه أو فعله، أو هيئته أو غير ذلك.
الثالث: مانعٌ يقوم بالمحبوب يمنعُ مشاركته للمحبِ في محبته، ولولا ذلك المانعُ، لقام به من المحبة لمحبه مثلَ ما قام بالآخر، فإذا انتفتْ هذه الموانعُ، وكانت المحبة ذاتيةً، فلا يكون قَطُّ إلا من الجانبين، ولولا مانعُ الكِبْر والحسد، والرياسة والمعاداة في الكفار، لكانت الرُّسُلُ أحبَّ إليهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ولما زال هذا المانعُ من قلوب أتباعهم، كانت محبتُهم لهم فوقَ محبة الأنفس والأهل والمال.
فصل: فصل: (في طبِّ الأبدان):|نداء الإيمان
يتبع :



 
 توقيع : طالب علم



رد مع اقتباس