الموضوع: علاج العشق .
عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Jan 2013, 01:03 AM   #4
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 24 Apr 2024 (02:36 PM)
 المشاركات : 3,116 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: علاج العشق .



.فصل: [من وسائل علاج العشق]:

وإن كان لا سبيلَ للعاشق إلى وِصال معشوقه قدْراً أو شرعاً، أو هو ممتنع عليهِ من الجهتين، وهو الداء العُضال، فمِن علاجه، إشعارُ نفسه اليأسَ منه، فإنَّ النفسَ متى يئستْ من الشىء، استراحت منه، ولم تلتفت إليه، فإن لم يَزلْ مرضُ العشق مع اليأس، فقد انحرف الطبعُ انحرافاً شديداً، فينتقل إلى عِلاج آخرَ، وهو علاجُ عقله بأن يعلم بأنَّ تعلُّق القلب بما لا مطمع في حصوله نوعٌ من الجنون، وصاحبه بمنزلة مَن يعشق الشمس، وروحُه متعلقة بالصعود إليها والدَّوَرانِ معها في فلكها، وهذا معدودٌ عند جميع العقلاء في زُمرة المجانين.
وإن كان الوِصال متعذراً شرعاً لا قدراً، فعِلاجُه بأن يُنزله منزلة المتعذر قدراً، إذ ما لم يأذن فيه الله، فعِلاجُ العبد ونجاتُه موقوف على اجتنابه، فليُشعرْ نفسَه أنه معدوم ممتنع لا سبيلَ له إليه، وأنه بمنزلة سائر المحالات، فإن لم تُجبْه النَّفْسُ الأمَّارة، فليتركْه لأحد أمرين: إما خشية، وإما فواتِ محبوب هو أحبُّ إليه، وأنفع له، وخير له منه، وأدْوَمُ لَذَّةً وسروراً، فإن العاقل متى وازَنَ بين نَيْل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظمَ منه، وأدومَ، وأنفعَ، وألذَّ أو بالعكس، ظهر له التفاوتُ، فلا تبعْ لَذَّة الأبد التي لا خطرَ لها بلذَّة ساعة تنقلبُ آلاماً، وحقيقتُها أنها أحلامُ نائم، أو خيالٌ لا ثبات له، فتذهبُ اللَّذة، وتبقى التبعةُ، وتزولَ الشهوة، وتبقَى الشِّقوة.
الثاني: حصولُ مكروه أشقَّ عليه مِن فوات هذا المحبوب، بل يجتمع له الأمران، أعنى: فوات ما هُو أحبُّ إليه من هذا المحبوب، وحصولُ ما هو أكرهُ إليه من فوات هذا المحبوب، فإذا تيقَّن أنَّ في إعطاء النفسِ حظَّها من هذا المحبوب هذين الأمرين، هان عليه تركُه، ورأى أنَّ صبره على فوته أسهلُ من صبره عليهما بكثير، فعقلُه ودينه، ومروءته وإنسانيته، تأمُره باحتمال الضرر اليسير الذي ينقلِبُ سريعاً لذَّةً وسروراً وفرحاً لدفع هذين الضررين العظيمين. وجَهلُه وهواه، وظلمه وطيشه، وخفته يأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه جالباً عليه ما جلب، والمعصومُ مَن عصمه الله.
فإن لم تقبل نفسُه هذا الدواء، ولم تُطاوعه لهذه المعالجة، فلينظر ما تجلبُ عليه هذه الشهوةُ مِن مفاسد عاجِلته، وما تمنعه مِن مصالحها، فإنها أجلبُ شىء لمفاسد الدنيا، وأعظمُ شىء تعطيلاً لمصالحها، فإنها تحول بين العبد وبين رُشده الذي هو مِلاكُ أمره، وقِوامُ مصالحه.
فإن لم تقبل نفسُه هذا الدواء، فليتذكر قبائحَ المحبوب، وما يدعوه إلى النُّفرة عنه، فإنه إن طلبها وتأملها، وجدها أضعافَ محاسنه التي تدعو إلى حبه، وليسأل جيرانَه عما خفي عليه منها، فإنَّ المحاسن كما هي داعيةُ الحبِّ والإرادة، فالمساوئ داعيةُ البغضِ والنُّفرة، فليوازن بين الداعيَيْن، وليُحبَّ أسبَقهما وأقرَبَهما منه باباً، ولا يكن ممن غَرَّه لونُ جمال على جسم أبرصَ مجذوم وليُجاوِزْ بصره حُسنَ الصورة إلى قبح الفعل، ولْيَعبُرْ مِن حُسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب.
فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صِدقُ اللجأ إلى مَن يُجيب المضطَر إذا دعاه، وليطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثاً به، متضرعاً، متذللاً، مستكيناً، فمتى وُفِّقَ لذلك، فقد قرع باب التوفيق، فليَعِفَّ وليكتُم، ولا يُشَبِّبْ بذكر المحبوب، ولا يفضحْه بين الناس ويُعرِّضه للأذى، فإنه يكون ظالماً متعدياً.
ولا يغترَّ بالحديث الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه سُويد بن سعيد، عن علىّ بن مُسْهرٍ، عن أبى يحيى القَتَّات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورواه عن أبى مسهر أيضاً، عن هشام بن عروةَ، عن أبيه، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورواه الزُّبَيْر بن بَكَّار، عن عبد الملك ابن عبد العزيز بن الماجِشُون، عن عبد العزيز بن أبى حازم، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ عَشِقَ، فعَفَّ، فماتَ فهو شهيدٌ» وفي رواية: «مَنْ عَشِقَ وكتم وعفَّ وصبرَ، غفر اللهُ لَهُ، وأدخَلَهُ الجنَّة».
فإنَّ هذا الحديثَ لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكونَ من كلامه، فإنَّ الشهادة درجةٌ عالية عند الله، مقرونةٌ بدرجة الصِّدِّيقية، ولها أعمال وأحوال، هي شرط في حُصُولها، وهى نوعان: عامةٌ وخاصةٌ.
فالخاصة: الشهادةُ في سبيل الله.
والعامةُ خمسٌ مذكورة في الصحيح ليس العشقُ واحداً منها.
وكيف يكون العشقُ الذي هو شِرْكٌ في المحبة، وفراغُ القلب عن الله، وتمليكُ القلب والروح، والحب لغيره تُنال به درجةُ الشهادة، هذا من المحال، فإنَّ إفساد عشق الصور للقلب فوقَ كل إفساد، بل هو خمرُ الروح الذي يُسكرها، ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه، والتلذذِ بمناجاته، والأنسِ به، ويُوجب عبودية القلب لغيره، فإنَّ قلبَ العاشق مُتَعبِّدٌ لمعشوقه، بل العشقُ لُبُّ العبودية، فإنها كمال الذل، والحب والخضوع والتعظيم، فكيف يكون تعبُّد القلب لغير الله مما تُنال به درجةُ أفاضل الموحِّدين وساداتهم، وخواص الأولياء، فلو كان إسنادُ هذا الحديث كالشمسِ، كان غلطاً ووهماً، ولا يُحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظُ العشق في حديث صحيح ألبتة.
ثم إنَّ العشق منه حلالٌ، ومنه حرامٌ، فكيف يُظَن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كُلِّ عاشقٍ يكتُم ويَعِفُّ بأنه شهيد، فترَى مَن يعشق امرأةَ غيره، أو يعشق المُرْدانَ والبغَايا، يَنال بعشقه درجةَ الشهداء، وهل هذا إلا خلافُ المعلوم من دينه صلى الله عليه وسلم بالضرورة؟ كيف والعشقُ مرض من الأمراض التي جعل اللهُ سبحانه لها الأدويةَ شرعاً وقدراً، والتداوي منه إما واجب إن كان عشقاً حراماً، وإما مُسْتَحَب وأنت إذا تأملت الأمراضَ والآفاتِ التي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابها بالشهادة، وجدتها من الأمراض التي لا علاج لها، كالمطعون، والمَبْطُون، والمجنون، والحريقِ، والغرِيقِ، وموتِ المرأة يقتُلها ولدُها في بطنها، فإنَّ هذه بلايَا من الله لا صُنع للعبد فيها، ولا عِلاجَ لها، وليست أسبابُها محرَّمة، ولا يترتب عليها مِن فساد القلب وتعبُّده لغير الله ما يترتب على العشق،
فإن لم يكفِ هذا في إبطال نسبة هذا الحديثِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلِّدْ أئمةَ الحديث العالمين به وبعلله، فإنه لا يُحفظ عن إمام واحد منهم قَطُّ أنه شهد له بصحة، بل ولا بحُسن، كيف وقد أنكروا على سُويدٍ هذا الحديث، ورموه لأجله بالعظائم، واستحلَّ بعضُهم غزوَه لأجله. قال أبو أحمد بن عَدِىٍّ في كامله: هذا الحديث أحدُ ما أُنكر على سُويد، وكذلك قال البَيْهقى: إنه مما أُنكر عليه، وكذلك قال ابن طاهر في الذخيرة وذكره الحاكم في تاريخ نيسابور، وقال: أنا أتعجب من هذا الحديث، فإنه لم يحدَّث به عن غير سُويد، وهو ثقة، وذكره أبو الفرج بن الجوزى في كتاب الموضوعات، وكان أبو بكر الأزرقُ يرفعه أوَّلاً عن سُويد، فعُوتب فيه، فأسقط النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان لا يُجاوِزُ به ابنَ عباس رضى الله عنهما.
ومن المصائب التي لا تُحتمل جعلُ هذا الحديث من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ومَن له أدنى إلمام بالحديث وعلله، لا يحتمِلُ هذا البتة، ولا يحتمِلُ أن يكونَ من حديث الماجشون، عن ابن أبى حازم، عن ابن أبى نَجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعاً، وفي صحته موقوفاً على ابن عباس نظرٌ، وقد رمى الناسُ سويدَ بن سعيد راوىَ هذا الحديث بالعظائم، وأنكره عليه يحيى بن مَعِين وقال: هو ساقط كذَّاب، لو كان لي فرس ورمح كنت أغزوه، وقال الإمام أحمد: متروك الحديث. وقال النسائى: ليس بثقة، وقال البخارى: كان قد عمىَ فيلقن ما ليس من حديثه، وقال ابن حِبَّان: يأتى بالمعضلات عن الثقات يجبُ مجانبةُ ما روى.. انتهى.
وأحسنُ ما قيل فيه قولُ أبى حاتم الرازىِّ: إنه صدُوق كثير التَّدْليس، ثم قولُ الدَّارَقُطنىِّ: هو ثقة غير أنه لما كَبِرَ كان ربما قُرئ عليه حديثٌ فيه بعضُ النكارة، فيُجيزه.. انتهى.
وعِيبَ على مسلم إخراجُ حديثه، وهذه حالُه، ولكن مسلم روى من حديثه ما تابعه عليه غيرُه، ولم ينفرِدْ به، ولم يكن منكراً ولا شاذاً بخلاف هذا الحديث.. والله أعلم.
فصل: فصل: (في طبِّ الأبدان):|نداء الإيمان



 
 توقيع : طالب علم



رد مع اقتباس