العبادة لغة :
مأخوذه من الذلة ، ويقال طريق
معبّد ، وبعير معبّد أي مذلل .
العبادة شرعاً :
خضوع ينشأ عن استشعار القلب بعظمة
المعبود اعتقاداً بأن له سلطانا لا يدرك العقل حقيقته ،
لأنه أعلى من أن يحيط به فكره ، أو يرقى إليه إدراكه ،
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فمن يتذلل لملك لا يقال إنه عبده ،
لأن سبب التذلل معروف ، وهو إما لخوف
من جَوره وظلمه وإما رجاء كرمه وجوده .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
صور العبادة :
ليست العبادة أمراً مقصوراً على الصلاة مثلاً كما
قد يتبادر إلى الذهن إنما العبادة لها صور وأشكال ،
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فمنها :
العبادة القولية والقلبية والعملية والمالية والبدنية .
فالقولية :
كذكر الله تعالى والإستغفار والدعاء
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قال صلى الله عليه وسلم :
( ... خير ما قلته أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله ... ) .
حديث حسن: رواه الإمام الترمذي في سننه (3585).
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وكان يقول لأصحابه : ( جددوا إيمانكم .
قالوا : وكيف نجدد إيماننا يا رسول الله ؟
قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قال الله تعالى على لسان نوح :
( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غَفَّارا *
يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال
وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ومن لزم الإستغفار جعل الله له من كل ضيق فرجاً
ومن كل شدة مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وأما الدعاء فقد قال الله في شأنه :
( وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( الدعاء مخ العبادة ) .
ضعيف: أخرجه الإمام الترمذي في. ((سننه)) (3371). ورواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/293). وفي إسناده عبد الله بن لهيعة العمل على تضعيف حديثه.
والصحيح: حديث النعمان بن بشير : عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } قال الدعاء هو العبادة وقرأ { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } إلى قوله { داخرين}.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقال صلى الله عليه وسلم :
( إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس ، فإنه سر الجنة ) .
والحديث صحيح .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني
فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وما من سؤال وجِّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
– كما ورد في القرآن الكريم – إلا قال الله له : قل .
إلا آية الدعاء ، قال تعالى : ( يسألونك ماذا ينفقون قل
ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقال جل شأنه : ( يسألونك عن الشهر
الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقال سبحانه : ( يسألونك عن الخمر
والميسرقل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ) .
وقال : ( يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقال : ( يسألك الناس عن
الساعة قل إنما علمها عند الله ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقال : ( يسألونك عن
الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فأنت ترى في هذه الأيات كلها أن الله لقَّن نبيه
الإجابة بقوله : قل . أما في آية الدعاء :
( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب )
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فإن الإجابة جاءت فيها مقترنة بالسؤال دون ذكر قل
حتى لا يكون بين العبد وربه واسطة في الدعاء وذلك لأن
الدعاء عبادة والعبادة يجب أن تكون مُباشرة لله دون واسطه .
فهذه لمحة لطيفة تفيدنا في باب العباده .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أما العبادة القلبية :
فتتمثل في النية الصادقة والتوبة والخوف
والرجاء والصبر والشكر والرضا واليقين والتوكل .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أما العبادة العملية :
فالصلاة والصيام والحج .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أما العبادة المالية :
فالزكاة والكفارات والنذور ..
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أما العبادة البدنية :
فالجهاد في سبيل إعلاء كلمة التوحيد .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وفي هذه الصور من العبادات مراتب لا تحصى
ومراق لا تستقصى ، لكننا مركزنا عناصرها الأساسية
وعنصرنا مراكزها الأصليه بما تيسَّر من التقدير وتقدر من التيسير ،
فمن أراد أن يستزيد فليرجع إليها في مظانّها ليقف على حقائق
الأسرار ويسلك مدارج الأنوار ويعيش في
مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أما الإستعانة : فهي طلب العون ،
إذ السين والتاء يدلان على الطلب وهي في
الشرع تفويض الأمر إلى الله بعد الأخذ بالأسباب .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قال تعالى :
( أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون )
فعلى العبد أن يحرث الأرض ويبذر فيها
الحب والله هو الذي ينبت الحب .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ولذا بلغ من صفاء التوحيد عند ابن عباس أنه قال :
من قال لولا الكلب لدخل اللص فقد أشرك . ويقاس
عليه قول الناس : لولا الطبيب ما شفيت ،
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ولتصحيح العقيده يقول القائل :
لولا أن الله سخر الكلب لدخل اللص .
ولولا أن الله سخر الطبيب ما شفيت ،
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وذلك حتى تستقيم العقيدة لصاحبها
فلا يخلط بين الخالق ومخلوقاته .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قال تعالى : ( ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع
الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقد جاء في الحكمة :
على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك المقاصد .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وقال قائلهم :
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجنى عليه اجتهاده
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
نسأل الله أن يرزقنا العبادة الخالصة والإستعانة الصادقه .
فيا أخي إذا سألت فاسأل الله ،
وإذا استعنت فاستعن بالله .
صحيح: رواه الترمذي في السنن (2516 ). وأحمد في مسنده (2669 ).
يتبع ...