عرض مشاركة واحدة
قديم 05 Mar 2013, 01:08 PM   #123
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 24 Apr 2024 (02:36 PM)
 المشاركات : 3,116 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: البيان في أحكام وأخبار الجان . Albayan in Jinns Stories



الباب الرابع والعشرون بعد المائة في تكبر إبليس عن السجود لآدم ووسوسته له حتى أكل من الشجرة
قال ابن جرير اختلف السلف من الصحابة والتابعين في السبب الذي سولت له نفسه من أجله الاستكبار فروى عن ابن عباس في ذلك أقوال
أحدها ما رواه الضحاك أن إبليس لما قتل الجن الذين عصوا الله وأفسدوا في الأرض وشردهم أعجبته نفسه ورأى في نفسه أن له من الفضيلة ما ليس لغيره

والقول الثاني من الأقوال المروية عن ابن عباس أنه كان ملك السماء وسائسها وسائس ما بينها وبين الأرض وخازن الجنة مع اجتهاده في العبادة فأعجب بنفسه ورأى أن له بذلك فضلا فاستكبر على ربه حدثنا موسى بن هارون حدثنا عمر بن حماد حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود عن أناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة يقال لها الجن وإنما سموا الجن لانهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره كبر وقال ما أعطاني الله تعالى على هذا الأمر إلا لمزية هكذا حدثني موسى بن هارون وحد ثني به أحمد عن خيثمة عن عمرو بن حماد وقال لمزية لي على الملائكة فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه فقال الله للملائكة “ إني جاعل في الأرض خليفة

والقول الثالث من الأقوال عن ابن عباس أنه كان يقول السبب في ذلك أنه كان من بقايا خلق خلقهم الله فأمرهم الله بأمر فأبوا طاعته حدثني محمد بن سنان حدثنا أبو عاصم عن شريك عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال إن الله تعالى خلق خلقا فقال “ اسجدوا لآدم “ فقالوا لا نفعل فبعث الله عليهم نارا تحرقهم ثم خلق خلقا آخر فقال “ إني خالق بشرا من طين “ فاسجدوا لآدم قال فأبوا فبعث الله تعالى عليهم نارا فأحرقتهم قال ثم خلق هؤلاء فقال “ اسجدوا لآدم “ قالوا نعم وكان إبليس من أولئك الذين أوا أن يسجدوا لآدم قال أبو الفداء اسماعيل ابن كثير هذا غريب ولا يكاد يصح إسناده فإن فيه رجلا متهما ومثله لا يحتج به والله أعلم

وقال آخرون بل السبب أنه كان من بقايا الجن الذين كانوا في الأرض فسفكوا الدماء فيها وأفسدوا وعصوا ربهم فقاتلتهم الملائكة حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا أبو سعيد اليحمدي إسماعيل ابن إبراهيم حدثنا سوار بن أبي الجعد عن شهر بن حوشب قوله كان من الجن قال كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء حدثني علي بن الحسين حدثنا أبو نصر أحمد ابن محمد الخلال حدثنا سهيل بن داود حدثنا هشيم أنبأنا عبد الرحمن ابن يحيى عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد عن سعد بن مسعود قال كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيرا وكان مع الملائكة فتعبد معها فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا وأبى إبليس فلذلك قال الله تعالى “ إلا إبليس كان من الجن “ قال أبو جعفر وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله تعالى “ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن “ ففسق عن أمر ربه وجائز أن يكون فسوقه عن أمر ربه كان من أجل أنه كان من الجن وجائز أن يكون من أجل إعجابه بنفسه لشدة اجتهاده في عبادة ربه وكثرة علمه وما كان أوتي من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنان وجائز أن يكون كان ذلك لأمر من الأمور ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر تقوم به الحجة ولا خبر بذلك عندنا والاختلاف في أمره ما حكيناه ورويناه

وقد قيل إن سبب هلاكه كان من أجل أن الأرض كان فيها من قبل آدم الجن فبعث الله تعالى إبليس قاضيا يقضي بينهم فلم يزل يقضي بينهم بالحق ألف سنة حتى سمي حكما وسماه الله به وأوحى إليه اسمه فعند ذلك دخله الكبر فتعظم وتكبر وألقى بين الذين كان الله بعثه اليهم حكما البأس والعداوة والبغضاء فاقتتلوا عند ذلك في الأرض ألفي سنة فيما زعموا حتى أن خيولهم تخوض في دمائهم قالوا فذلك قول الله “ أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد “ وقول الملائكة “ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء “ فبعث الله تعالى عند ذلك نارا فأحرقتهم قالوا فلما رأى إبليس ما نزل بقومه من العذاب عرج إلى السماء فأقام عند الملائكة يعبد الله تعالى في السماء مجتهدا لم يعبده شيء من خلقه مثل عبادته فلم يزل مجتهدا في العبادة حتى خلق الله تعالى آدم فكان من أمره ومعصيته ربه ما كان فلما أراد الله تعالى إطلاع الملائكة على ما قد علم من انطواء إبليس على الكبر وإظهار أمره لهم حين دنا أمره للبوار وملكه وسلطانه للزوال قال “ إني جاعل في الأرض خليفة “ فأجابوه “ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
روى عن ابن عباس أن الملائكة قالت ذلك لما كانوا عهدوا من أمر إبليس وأمر الجن الذين كانوا فيها فكانوا يسفكون الدماء فيها ويفسدون في الأرض ويعصونك “ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك “ فقال “ إني أعلم ما لا تعلمون “ من انطواء إبليس على التكبر وعزمه على خلاف أمري وتسويل نفسه له بالباطل واعتزازه وأنا مبد ذلك لكم لتروا ذلك منه عيانا

حدثنا موسى بن هارون بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قالت الملائكة ما قالت وقال الله تعالى “ إني أعلم ما لا تعلمون “ يعني من شأن إبليس فبعث الله جبريل عليه الصلاة والسلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني أو تشينني فرجع فلم يأخذ منها شيئا وقال يا رب إنها عاذت فأعذتها فبعث الله تعالى ميكائيل فعاذت منه فأعاذها فرجع فقال كما قال جبريل عليه الصلاة والسلام فبعث اليها ملك الموت فعاذت منه فقال وأعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره فأخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ولذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به قبل التراب حتى عاد طينا لازبا واللازب الذي يلتزق بعضه ببعض ثم ترك حتى تغير وأنتن وذلك حين يقول حمأ مسنون قال منتن حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب العمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال بعث رب العزة إبليس فأخذ من آديم الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم ومن ثم سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ومن ثم قال إبليس “ أأسجد لمن خلقت طينا “ أي هذه الطينة أنا جئت بها حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال أمر الله تعالى بتربة آدم فرفعت فخلق آدم من طين لازب من حمأ مسنون قال وإنما كان مسنونا بعد التراب قال فخلق منه آدم بيده فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل أي يصوت قال فهو قوله تعالى “ من صلصال كالفخار “ يقول كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت قال ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويدخل من دبره ويخرج من فيه ثم يقول لست شيئا للصلصلة ولشيء ما خلقت ولئن سلطت عليك لأهلكتك ولئن سلطت على لأعصينك.

حدثنا موسى بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى للملائكة “ إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين “ فخلقه تعالى بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه ليقول أتتكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه فخلقته بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة فذلك حين يقول “ من صلصال كالفخار “ ويقول لأمر ما خلقت ودخل فيه وخرج من دبره فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف ولئن سلطت عليه لأهلكنه.

حدثنا موسى بن هارون بسنده قالوا فلما بلغ آدم الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت الملائكة قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال الله يرحمك ربك يا آدم فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل إلى جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول “ خلق الإنسان من عجل “ فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين قال الله تعالى “ ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك “ قال “ أنا خير منه “ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين قال الله عز وجل له “ اخرج منها “ فما يكون لك أن تتكبر فيها يعني فما ينبغي لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين

ولبعض هذا السياق وما قبله من حديث السدي شاهد من الأحاديث وإن كان كثير منه متلقى من الإسرائيليات وقوله تعالى لإبليس اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها وقوله “ اخرج منها “ دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها والخروج من المنزلة والمكانة التي كان نالها بعبادته وتشبهه بالملائكة ثم سلب ذلك فاهبط إلى الأرض مذموما مدحورا

قال ابن جرير حدثنا كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر ابن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال فلما نفخ الله تعالى فيه يعني في آدم من روحه أتت النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من حسنه فذهب لينهض فلم يقدر فهو قول الله تعالى “ خلق الإنسان من عجل “ وقوله تعالى “ وكان الإنسان عجولا “ قال ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء قال فلما نمت النفخة في جسده عطس.

فقال الحمد لله رب العالمين بإلهام الله له فقال الله تعالى له يرحمك الله تعالى يا آدم قال ثم قال للملائكة الذين كانوا من إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات “ اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر “ لما كان حدث به نفسه من كبره واغتراره فقال لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا “ خلقتني من نار وخلقته من طين “ يقول إن النار أقوى من الطين قال فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله أي أيأسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته وهذا الذي ذكره ابن جرير فيه انقطاع وفي السياق نكارة وقد رجحه بعض المتأخرين والجمهور على أن المراد بالملائكة المأمورين بالسجود جميع الملائكة لا الملائكة الذين كانوا في الأرض مع إبليس وهو الذي دل عليه عموم الآيات وهو الذي يظهر من السياقات ويدل عليه الحديث وقوله وأسجد لك ملائكته وهذا عموم أيضا.

قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن محمد بن اسحاق قال فيقال والله اعلم أنه لما انتهى الروح إلى رأسه عطس فقال الحمد لله فقال له ربه يرحمك ربك ووقع الملائكة حين استوى سجودا له حفظا لعهد الله الذي عهد اليهم وطاعة لأمره الذي أمرهم به وقام عدو الله إبليس فلم يسجد متكبرا متعظما بغيا وحسدا فقال له يا إبليس “ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي “ إلى قوله “ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين “ قال فلما فرغ الله تعالى من إبليس ومعاتبته وأبى إلا المعصية أوقع عليه اللعنة وأخرجه من الجنة قال الله تعالى “ فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين “ استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقصة لآدم وازدراءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئا فكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة الإسراء “ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم “ إلى قوله “ وكفى بربك وكيلا “ قال ابن جرير حدثنا موسى بن هارون بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما خرج إبليس من الجنة حين لعن وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وحشيا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله تعالى من ضلعه فسألها ما انت فقالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إليى قالت له الملائكة ينظرون ما مبلغ علمه ما اسمها قال حواء قالوا لم سميت حواء قال لأنها خلقت من شيء حي قال الله عز وجل “ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما

وهذا الذي ساقه ابن جرير من حديث موسى بن هارون منتزع من نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب وسياق الآيات وظاهرها يقتضى أن خلق حواء كان قبل دخول آدم عليه السلام إلى الجنة كقوله “ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة “ وهذا قد صرح به ابن اسحاق وذكر ابن اسحاق عن ابن عباس ان حواء خلقت من ضلعه الأقصر وهو نائم ولثم مكانه لحم ومصداق هذا في قوله تعالى “ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها “ وقوله تعالى “ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها “ قال ابن جرير لما أسكن الله تعالى آدم وزوجه جنته أطلق الله لهما تبارك اسمه أن يأكلا كل ما شاء أكله من كل ما فيها من ثمارها غير ثمرة شجرة واحدة ابتلاء منه لهما بذلك وليمضي قضاء الله فيهما وفي ذريتهما كما قال تعالى “ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما “ أكل ما نهاهما ربها عن أكله من ثمر تلك الشجرة وحسن لهما حتى أكلا منها فبدا لهما من سوآتهما ما كان توارى عنهما منها وكان وصول عدو الله إبليس إلى تزيين ذلك ما ذكر في الخبر الذي حدثني موسى بن هارون حدثنا عمرو بن حماد حدثنا اسباط عن السدي في خبر ذكره عن ابي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن اناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما قال الله تعالى لآدم “ اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين

أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فمنعته الخزنة فأتى الحية هي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله في فمها حتى يدخل إلى آدم فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة فدخلت وهم لا يعلمون ما أراد الله تعالى من الامر فكلمه من فمها فلم ينل كلامه فخرج إليه فقال “ يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى “ يقول هل أدلك على شجرة إذا أكلت منها كنت ملكا وتكون من الخالدين فلا تموت أبدا وحلف لهما بالله “ إني لكما لمن الناصحين “ وإنما أراد بذلك ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما يهتك لباسهما وكان قد علم أن لهما سوآت لما كان يقرأ من كتاب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وكان لباسهما الظفر فأبى آدم أن يأكل منها فتقدمت حواء فأكلت منها ثم قالت يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضرني فلما أكل آدم بدت لهما سوآتهما فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة طفقا أقبلا أي جعلا يلصقان عليهما من ورق التين حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن ليث بن أبي سليم عن طاوس اليماني عن ابن عباس قال إن عدو الله إبليس عرضه نفسه على دواب الارض أيها يحمله حتى يدخل به معه حتى يكلم آدم وزوجته فكل الدواب أبى ذلك عليه حتى كلم الحية فقال لها امنعك من بني آدم فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني الجنة فجعلته بين نابين من أنيابها ثم دخلت به فكلمهما من فيها وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم فأعراها الله تعالى وجعلها تمشي على بطنها قال يقول ابن عباس اقتلوها حيث وجدتموها اخفروا ذمة عدو الله تعالى فيها قال ابن جرير حدثت عن عمار بن الحسن حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال حدثني محدث أن الشيطان دخل الجنة في صورة دابة ذات قوائم فكان يرى أنه البعير قال فلعن فسقطت قوائمه فصار حية قال الربيع وحدثني أبو العالية أن من الإبل ما كان ولها من الجن

حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثنا محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم أن آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من الكرامة وما اعطاه الله منها قال لو أن لي خلدا فيها فاغتنم منه إبليس لما سمعها منه فأتاه من قبل الخلد قال ابن اسحاق حدثت أن أول ما ابتدأهما به من كيده إياهما أنه ناح عليهما نياحة حزنتهما حين سمعاها فقالا له ما يبكيك قال أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك في أنفسهما ثم أتاهما فوسوس إليهما فقال “ يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى “ “ وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين “ أي تكونا ملكين أو تخلدان إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة فلا تموتان قال الله تعالى “ فدلاهما بغرور “ قا ل ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب قال قال أبو زيد وسوس الشيطان إلى حواء في شجرة حتى أتى بها إليها ثم حسنها في عينها ثم حسنها في عين آدم قال فدعاها آدم لحاجة قالت لا إلا أن تأتي ههنا فلما أتى قالت لا إلا أن تأكل من هذه الشجرة فأكل منها فبدت لهما سوآتهما قال وذهب آدم هاربا في الجنة فناداه ربه يا آدم مني تفر قال لا يا رب ولكن حياء منك قال يا آدم أني أتيت قال من قبل حواء يا رب فقال تعالى فإن لها على أن أدميها في كل شهر مرة وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا قال أبو زيد ولولا البلية التي أصابت حواء لكان نساء الدنيا لا يحضن وكن حليمات وكن يحملن يسرا ويضعن يسرا فلما أكل آدم وحواء من الشجرة أخرجهما الله من الجنة وسلبهما كل ماكانا فيه من النعمة والكرامة وأهبطهما وعدويهما إبليس والحية فقال تعالى “ اهبطوا بعضكم لبعض عدو “ وهذا قول ابن عباس وابن مسعود في آخرين من الصحابة وغيرهم من التابعين في قوله تعالى “ اهبطوا بعضكم لبعض عدو “ لآدم وحواء وإبليس والحية قال ابن مسعود وابن عباس وأناس من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلعن الحية وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها وجعل رزقها في التراب

الاختلاف على جنة آدم
فصل اختلف المفسرون في الجنة التي ادخلها آدم هل هي في السماء أو في الأرض وإذا كانت في السماء هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى فالجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى “ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة “ والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي وإنما تعود على معهود ذهني وهو المستقر شرعا من جنة المأوى وكقول موسى لآدم عليهما الصلاة والسلام اخرجتنا ونفسك من الجنة وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي واسمه سعد بن طارق عن أبي حازم سلمة بن دينار عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل اخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ورواه مسلم أيضا من حديث أبي مالك عن ربعي عن حذيفة وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى وقال آخرون بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد لأنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة ولأنه نام فيها وأخرج منها ودخل عليه إبليس فيها وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى وهذا القول محكي عن أبي بن كعب وعبد الله بن عباس ووهب ابن منبه وسفيان بن عيينة واختاره ابن قتيبة في المعارف والقاضي منذر ابن سعيد البلوطي في تفسيره وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي عن أبي القاسم وأبي مسلم الأصبهاني ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية وحكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في الملل والنحل وأبو محمد بن عطية في تفسيره وأبو عيسى الرماني في تفسيره وحكى عن الجمهور الأول وأبو القاسم الراغب والقاضي الماوردي في تفسيره فقال واختلف في الجنة التي أسكنها يعني آدم وحواء على قولين أحدهما إنها جنة الخلد والثاني أنها جنة أعدها الله تعالى لهما وجعلها دار ابتلاء وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء ومن قال بهذا القول اختلفوا على قولين أحدهما إنها في السماء لأنه أهبطهما منها وهذا قول الحسن والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار وهذا قول ابن يحيى وكان ذلك بعد أمر إبليس بالسجود لآدم والله أعلم بصواب ذلك هذا كلامه فقد تضمن كلامه حكاية ثلاثة أقوال وكلامه مشعر بالوقوف ولهذا حكى الرازي في تفسيره أربعة أقوال وجعل الوقف هو الرابع وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى عن أبي علي الجبائي وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلى جواب فقالوا لا شك أن الله تعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكنه مخالفته وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع ولهذا قال “ فاخرج منها فإنك رجيم “ والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة وأيا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدرا في المكان الذي طرد عنه وأبعد منه لا على سبيل الاستقرار ولا على المرور والاجتياز قالوا ومعلوم من سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله “ هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى “ وبقوله “ ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة “ إلى قوله “ بغرور “ وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما وأجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور لا على سبيل الاستقرار بها أو أنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء وفي الثالثة نظر والله أعلم ومما احتج به أصحاب هذه المقالة ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات عن هدبة ابن خالد عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري عن يحيى بن ضمرة عن أبي بن كعب قال إن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الملائكة فقالوا أين تريدون يا بني آدم فقالوا إنا أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة فقالوا لهم ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل عليه الصلاة والسلام والملائكة وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم في موتاكم قالوا فلولا أن الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكنا لما ذهبوا يتطلبون ذلك فدل على أنها في الأرض لا في السماء والله أعلم قالوا والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله “ اسكن أنت وزوجك الجنة “ لم يتقدم معهود يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام فإن آدم عليه الصلاة والسلام خلق من الأرض ولم ينقل أنه رفع إلى السماء وخلق ليكون في الأرض وبها أعلم الرب سبحانه الملائكة حيث قال تعالى “ إني جاعل في الأرض خليفة “ قالوا وهذا كقوله تعالى “ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة “ فالألف واللام ليست للعموم ولم يتقدم معهود لفظي وانما هو المعهود الذهني الذي دل عليه الساق وهو البستان قالوا وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء قال الله تعالى “ قيل يا نوح اهبط بسلام منا “ وإنما كان في السفينة حتى استقرت على الجودى ونضب الماء عن وجه الأرض أمر أن اهبط اليها هو ومن كان مباركا عليه وقال “ اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم “ وقال تعالى “ وإن منها لما يهبط من خشية الله “ وهذا كثير في الأحاديث واللغة قالوا ولا مانع بل هو الواقع إن الجنة التي أسكنها الله آدم كانت مرتفعة على سائر بقاع الأرض ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور كما قال تعالى “ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى “ أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى “ وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى “ أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس ولهذا قرن بين هذا وهذا لما بينهما من المقابلة فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهى عنها أهبط إلى أرض الشقاء والتعب والسعي والنصب والكدوالنكد والابتلاء والاختبار والامتحان واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا وتعودا وإرادات كما قال تعالى “ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين “ ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال تعالى “ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا “ ومعلوم أنهم كانوا في الأرض لم يكونوا في السماء الاختلاف على شجرة ادم.

فصل
واختلف المفسرون في الشجرة التي نهى آدم وحواء
عنها فقيل هي الكرم روى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي وجعدة بن هبيرة ومحمد بن قيس والسدي ورواه عن ابن عباس وابن وابن مسعود وأناس من الأصحاب كذا قال السدي وتزعم يهود أنها الحنطة وهذا مروي عن ابن عباس والحسن البصري ووهب بن منبه وعطية الصوفي وأبي مالك ومحارب بن دثار وعبد الرحمن بن أبي ليلى قال وهب الحبة منها في الجنة ككلى البقر والخبز منه ألين من الزبد وأحلى من العسل وقال الثوري عن حصين عن أبي مالك هي النخلة وقال ابن جريج عن مجعد هي التينة وبه قال قتادة وابن جريج وقال أبو العالية كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي الضحاك عن أبي هريرة سمعته يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها شجرة الخلد وكذا رواه أيضا عن غندر وحجاج عن شعبة رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به قال غندر قلت لشعبة هي شجرة الخلد قال ليس فيها شك تفرد به احمد وهذا الخلاف قريب وقد أبهم الله تعالى ذكرها وتعيينها ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها

تعليق
فصل
بقي مما ينبه عليه في هذه القصة على سبيل الطرد وإن يكن من شرط كتابنا قوله تعالى “ وعلم آدم الأسماء كلها “ قال ابن عباس هي هذه الأسماء التي يتعارف الناس بها إنسان ودابة وأرض وسهل وجبل وبحر وجمل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها وقال مجاهد علمه اسم الصحفة والفدر حتى الفسوة والفسية وقال مجاهد علمه اسمى كل دابة وكل طير وكل شيء وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد وقال الربيع علمه أسماء الملائكة وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذريته والصحيح أنه علمه أسماء الدواب وأفعالها مكبرها ومصغرها كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما وذكر البخاري ههنا ما رواه هو ومسلم من طريق سعيد وهشام عن قتادة عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أب البشر خلقه الله بيد واسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فتعليمه أسماء كل شيء أحد التشريفات الأربع والثاني خلقه له بيده الكريمة والثالث نفخه فيه من روحه والرابع امر ملائكته له بالسجود وكذا قال له موسى لما تناظرا وكذا يقول له أهل المحشر والله أعلم .
من كتاب : آكام المرجان فى احكام الجان للشبلي



 
 توقيع : طالب علم



رد مع اقتباس