فإذا كان كذلك فإن الذي يقيم الحجة وينظر في الشروط والموانع هو المؤهل لها شرعاً، وهم القضاة الذين عندهم معرفة بما فيه التأويل وما ليس فيه التأويل، وما يكون من أحوال الناس، وبعض طلبة العلم قد لا يحسن منه الدخول في هذا؛ لعدم معرفته بوسائل الإثبات والبينات، وما يحصل به إثبات الشيء من عدمه شرعاً، ومسائل القضاء هي التي تترتب عليها الأحكام، وهذه تحتاج فيها إلى حكم قاضي يثبت فيه الكفر على المعين؛ لأنه إذا ثبت الكفر على معين فإنها ستترتب آثار الردة عليه وهي كثيرة.
إذا تبين هذا، فإن أعظم من يحذر من النيل من إيمانه والنيل من صحة إسلامه وصحة اعتقاده هم علماء أهل السنة والجماعة، القائمون بأمر الله، فالعلماء المسلمون عموماً هم القائمون بأمر الديانة وهم الذين يؤخذ عنهم الدين وهم الذين يبصرون الناس بالحق من غيره، ومن توجه إليهم بالتكفير فأول ما يتجه له قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما ) (1) ولا بد إما أن يبوء بها القائل أو يبوء بها الآخر، هذا خطر عظيم على قائل تلك الكلمة، خطر عظيم جداً على دينه؛ لأنه إما أن يكون الآخر كما قال، وإما أن ترجع عليه بهذا الحكم، وهذا يوجب الحذر الشديد من مثل هذه الكلمة .
__________
(1) أخرجه البخاري في الصحيح( 10/514 رقم 6104 - فتح ) ومسلم في الصحيح ( 2/65 رقم 60 - نووي ).