الموضوع
:
سحرة فرعون وسحر السيمياء ـ تفسير المنار .
عرض مشاركة واحدة
#
1
21 Jul 2015, 03:57 AM
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا
لوني المفضل
Cadetblue
رقم باحث :
2783
تاريخ التسجيل :
May 2008
فترة الأقامة :
5859 يوم
أخر زيارة :
24 Apr 2024 (02:36 PM)
المشاركات :
3,116 [
+
]
التقييم :
11
معدل التقييم :
بيانات اضافيه [
+
]
سحرة فرعون وسحر السيمياء ـ تفسير المنار .
الكتب
»
تفسير المنار
»
سورة الأعراف
»
تفسير قوله تعالى وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين
إ
مسألة:
الجزء التاسع
التحليل الموضوعي
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
.
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ
أَيْ : وَجَاءَ
فِرْعَوْنَ
السَّحَرَةُ الَّذِينَ حَشَرَهُمْ لَهُ أَعْوَانُهُ وَشُرْطَتُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ وَلَا الرَّسُولُ الْمَعْصُومُ عَدَدَهُمْ ؛ إِذْ لَا فَائ
ِدَةَ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِيهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ فَهُوَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا عِنْدَنَا ، وَلَا فِي ال
تَّوْرَاةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا
لِفِرْعَوْنَ
إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا عَظِيمًا يُكَافِئُ مَا يُطْلَبُ مِنَّا مِنَ الْعَمَلِ الْعَظِيمِ إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ
لِمُوسَى
، ذُكِرَ قَوْلُهُمْ هُنَا بِأُسْلُوبِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ كَأَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ مَاذَا قَالُوا ؟ وَجَاءَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بِصِيغَةِ الشَّ
رْطِ وَالْجَزَاءِ :
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ
( 26 : 41 )
وَهُوَ تَفَنُّنٌ فِي الْعِبَارَةِ ، قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ
وَنَافِعٌ
وَحَفْصٌ
، عَنْ
عَاصِمٍ
إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ ، قِيلَ : إِنَّهُ عَلَى الْإِخْبَارِ الدَّالِّ عَلَى إِيجَابِ الْأَجْرِ ، وَكَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَقِيلَ : إِنَّه
ُ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ وَالْمُخْتَارُ لِيُوَافِقَ قِرَاءَةَ
ابْنِ عَامِرٍ
بِإِثْبَاتِهَا هُنَا وَهُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ .
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
أَيْ : قَالَ
فِرْعَوْنُ
مُجِيبًا لَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا : نَعَمْ ؛ إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا
[
ص:
56 ]
عَظِيمًا وَإِنَّكُمْ مَعَ ذَلِكَ الْأَجْرِ الْمَالِيِّ وَالْمَادِّيِّ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ جَانِبِنَا السَّامِي ، فَيَجْتَمِعُ لَكُمُ الْمَالُ وَالْجَا
هُ ، وَذَلِكَ مُنْتَهَى الدُّنْيَا وَمَجْدِهَا ، أَكَّدَ لَهُمْ نَيْلَ مَا طَلَبُوهُ مِنْهُ ، وَمَا زَادَهُمْ عَلَيْهِ تَأْكِيدًا بَعْدَ تَأْكِيدٍ ؛ لِاهْتِمَامِ
هِ بِهَذَا الْأَمْرِ ، وَخَوْفِهِمْ مِنْ عَاقِبَتِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ : نَعَمْ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا ؛ لَأَفَادَ إِجَابَةَ طَلَبِهِمْ ، وَلَوْ قَا
لَ فِي مِنْحَةِ الْقُرْبَى : وَتَكُونُونَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، لَكَفَى ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِـ ( إِنَّ ) وَ
بِتَحْلِيَةِ الْخَبَرِ بِاللَّامِ ، وَبِعَطْفِ التَّلْقِينِ ؛ أَيْ عَطْفِ : "
وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
"
عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُقَدَّرَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا حَرْفُ الْإِيجَابِ " نَعَمْ " وَهِيَ " إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا " الْحَالَةُ وَهِيَ كَوْنُكُمْ أَنْتُمُ الْغ
َالِبِينَ دُونَ
مُوسَى
لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
( 26 : 42 )
وَحَذْفُهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهَا مَرَّةً دُونَ أُخْرَى فَأَفَادَ أَنَّهُ كَرَّرَ لَهُمُ الْإِجَابَةَ وَالْوَعْدَ وَذَلِكَ تَأْ
كِيدٌ آخَرُ .
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَنَظَائِرِهِ ؛ أَيْ : قَالَ الْسَّحَرَةُ
لِمُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمْ
فِرْعَوْنُ
مَا وَعَدَهُمْ : إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ مَا عِنْدَكَ أَوَّلًا ، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ لِمَا عِنْدَنَا مِنْ دُونِكَ ، أَمَّا تَخْيِيرُهُمْ إِيَّا
هُ فَلِثِقَتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَاعْتِدَادِهِمْ بِسِحْرِهِمْ ، وَإِرْهَابًا لَهُ ، وَإِظْهَارًا لِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُت
َأَخِّرَ يَكُونُ أَبْصَرَ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى مُنْتَهَى شَوْطِ خَصْمِهِ ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ التَّخْيِيرِ مُرَاعَاةُ ا
لْأَدَبِ لَا وَجْهَ لَهُ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ مَقَامُهُمْ بِحَضْرَةِ مَلِكِهِمُ الَّذِي يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ فِيهِمْ ، وَمَا طَلَبُوهُ مِنْ
هُ ، وَمَا وَعَدَهُمْ إِيَّاهُ - كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَحْتَقِرُوا خَصْمَهُ لَا أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ كَمَا يَتَأَدَّبُ أَهْلُ الصِّنَاعَةِ الْوَاحِدَةِ بَ
عْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ إِذَا تَلَاقَوْا لِلْمُبَارَاةِ ، وَهُوَ مَا وَجَّهَ
الزَّمَخْشَرِيُّ
بِهِ التَّعْلِيلَ ، وَمَا قَالَهُ
الْبَيْضَاوِيُّ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ عِلَّتَهُ إِظْهَارُ التَّجَلُّدِ فَضَعِيفٌ ، إِذْ لَمْ يَرَوْا مِنْ
مُوسَى
شَيْئًا بِأَعْيُنِهِمْ يَقْتَضِيهِ ، وَإِنَّمَا سَمِعُوا أَنَّهُ أَلْقَى عَصَاهُ بِحَضْرَةِ
فِرْعَوْنَ
فَصَارَتْ ثُعْبَانًا فَاسْتَعَدُّوا لِمُقَابَلَتِهِ بِعِصِيٍّ وَحِبَالٍ كَثِيرَةٍ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ وَإِلَى كُلِّ نَاظِرٍ أَنَّهَا ثَعَابِينُ تَسْعَى فَيُبْط
ِلُونَ سِحْرَهُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ كَمَا قَالَ مَلِكُهُمْ :
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ
( 20 : 58 ) .
وَذَهَبَ
الزَّمَخْشَرِيُّ
وَمَنْ تَبِعَهُ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ عَنْ إِلْقَائِهِمْ يَدُلُّ عَلَى رَغْبَتِهِمْ فِي الْبَدْءِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ تَغْيِيرُهُمْ لِلنَّظْمِ بِتَع
ْرِيفِ الْخَبَرِ وَتَوْسِيطِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ " نَحْنُ " وَتَوْكِيدِ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ بِهِ ، وَفِي سُورَةِ طَهَ :
إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى
( 20 : 65 )
وَفِيهِ مِنَ التَّوْكِيدِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الْأَوَّلِيَّةِ الَّتِي صَرَّحُوا بِذِكْرِهَا هُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرَيْنِ فِي الْمَع
ْنَى ، فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِجَعْلِ الِاخْتِلَافِ اللَّفْظِيِّ فِي الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ "
ثَالِثُهَا " وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ : أَنَّهُ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ فِيمَا لَا يَخِلُّ بِأَدَاءِ الْمَعْنَى ، وَلَا يُنَافِي الْبَلَاغَةَ الْعُلْيَا ، فَكَي
ْفَ إِذَا كَانَ مَزِيدَ تَفَنُّنٍ قَدْ يَصِلُ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْدِيَةَ دَقَائِقِ الْمَعْنَى مُكَرَّرَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِف
َةٍ فِي مُنْتَهَى الْعُسْرِ ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ مُتَعَذِّرًا ، فَلَوْ لَمْ يُؤَكَّدِ
[
ص:
57 ]
الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ هَاهُنَا بِالضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ " نَحْنُ " لَمَا أَفَادَ مَعْنَى الرَّغْبَةِ فِي أَوَّلِيَّةِ الْإِلْقَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي سُو
رَةِ طَهَ ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْفَاصِلَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ الَّذِي وَحَّدَ بَيْنَهُمَا بِجَعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَالًّا عَلَى رَغْ
بَةِ السَّحَرَةِ فِي التَّقَدُّمِ وَالْأَوَّلِيَّةِ ، فَأَيُّ خَطِيبٍ أَوْ كَاتِبٍ يَقْدِرُ عَلَى إِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى بِأُسْلُوبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي
اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ ، وَأَيُّ مُتَرْجِمٍ تُرْكِيٍّ أَوْ إِفْرِنْجِيٍّ يَفْقَهُ هَذَا وَيُؤَدِّيهِ فِي تَرْجَمَتِهِ لِلْقُرْآنِ ؟
قَالَ أَلْقُوا
وَفِي سُورَةِ طَهَ :
قَالَ بَلْ أَلْقُوا
( 20 : 66 )
وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى رَغْبَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَبْقِهِمْ لِلْإِلْقَاءِ ، وَلَعَلَّهُ نَطَقَ أَوَّلًا بِمَا فِيهِ الْإِضْرَابُ فَقَالَ : بَلْ أَلْقُوا أ
َنْتُمْ مِنْ دُونِي ثُمَّ أَعَادَ كَلِمَةً ( أَلْقُوا ) وَحْدَهَا ؛ لِتَأْكِيدِ رَغْبَتِهِ ، وَالْإِيذَانِ بِعَدَمِ مُبَالَاتِهِ ، وَفِي سُورَتَيْ يُونُسَ وَالشُّ
عَرَاءِ :
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ
، فَأَظْهَرَ اسْمَ
مُوسَى
الَّذِي أَضْمَرَهُ هُنَا ، وَفِي سُورَةِ طَهَ ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِخِطَابِهِمْ إِيَّاهُ بِاسْمِهِ بِالتَّخْيِيرِ ، فَالْمَقَامُ فِيهَا مَقَامُ الْإِضْمَارِ حَت
ْمًا ، وَأَمَّا إِظْهَارُهُ فِي سُورَتَيْ يُونُسَ وَالشُّعَرَاءِ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِنِدَاءِ السَّحَرَةِ إِيَّاهُ وَتَخْيِيرِهِمْ لَهُ
، فَأَوَّلُ آيَةِ يُونُسَ :
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا
( 10 : 80 )
وَقَبْلَهَا
طَلَبُ
فِرْعَوْنَ
لِلسَّحَرَةِ ، وَمَجِيئُهُمْ وَسُؤَالُهُمْ إِيَّاهُ الْأَجْرَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ
، وَإِجَابَتُهُ إِيَّاهُمْ ، فَهِيَ أَوْلَى مِنْ آيَةِ يُونُسَ بِمَا ذَكَرَ ، وَأَمَّا زِيَادَةُ
مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ
فَإِنَّهَا فَائِدَةٌ نَافِلَةٌ ذَاتُ شَأْنٍ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِمَا يُلْقُونَ مَهْمَا عَظُمَ أَمْرُهُ وَكَانَ مَجْهُولًا عِنْدَهُ ، وَهِيَ لَا ت
ُنَافِي عَدَمَ ذِكْرِهَا فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا .
وَقَدْ قِيلَ : كَيْفَ أَمَرَهُمْ
مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِلْقَاءِ مَا عِنْدَهُمْ وَهُوَ مِنَ السِّحْرِ الْمُنْكَرِ ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِفِعْلِ السِّحْرِ ابْتِدَاءً ، وَإِنَّمَا
أَمَرَ بِأَنْ يَتَقَدَّمُوهُ فِيمَا جَاءُوا لِأَجْلِهِ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ ، وَأَرَادَ التَّوَسُّلَ بِهِ إِلَى إِظْهَارِ بُطْلَانِ السِّحْرِ لَا إِثْبَات
ِهِ ، وَإِلَى بِنَاءِ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَى بُطْلَانِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَسِيلَةٌ لِإِبْطَالِهِ إِلَّا ذَلِكَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا حَكَاهُ تَعَالَ
ى عَنْهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ :
قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَ
لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
( 10 : 81
، 82 ) وَمِثْلُهُ تَوَسُّلُ
إِبْرَاهِيمَ
ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِمَا إِلَى إِظْهَارِ حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ لِعَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ مِنْ قَوْمِهِ لَمَّا رَأَى كُ
لًّا مِنَ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ بَازِغًا
قَالَ هَذَا رَبِّي
( 6 : 77 )
ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَبًّا ، وَإِسْمَاعُهُ إِيَّاهُمْ بَعْدَ إِبْطَالِ رُبُوبِيَّتِهَا ، كُلُّهَا حَقِيقَةُ
التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ :
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
( 6 : 79 ) .
[
ص:
58 ]
فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
أَيْ : فَلَمَّا أَلْقَوْا مَا أَلْقَوْا مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ كَمَا فِي سُورَتَيِ الشُّعَرَاءِ وَطَهَ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ الْحَاضِرِينَ ، وَمِنْ
هُمْ
مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَفِي سُورَةِ طَهَ :
فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى
( 20 : 66 )
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ أَيْ : أَوْقَعُوا فِي قُلُوبِهِمُ الرَّهْبَ وَالْخَوْفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى
( 20 : 67
، 68 ) وَأَصْلُ الِاسْتِرْهَابِ مُحَاوَلَةُ الْإِرْهَابِ وَطَلَبُ وُقُوعِهِ بِأَسْبَابِهِ ، وَقَدْ قَصَدُوا ذَلِكَ فَحَصَلَ
وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
أَيْ : مَظْهَرُهُ كَبِيرٌ ، وَتَأْثِيرُهُ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ . قَالَ الْحَافِظُ
ابْنُ كَثِيرٍ
:
أَيْ ؛ خَيَّلُوا إِلَى الْأَبْصَارِ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مُجَرَّدَ صَنْعَةٍ وَخَيَالٍ . ثُمَّ ذُكِرَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ
ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُمْ أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طِوَالًا " قَالَ " فَأَقْبَلَتْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ، ثُ
مَّ ذُكِرَ عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ
أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَاحِرٍ ، وَأَنَّ الْحَيَّاتِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا بِخَيَالِ سِحْرِهِمْ كَانَتْ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ قَدْ مَ
لَأَتِ الْوَادِي ، وَعَنِ
السُّدِّيِّ
أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَعَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ
70
أَلْفًا ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّهْوِيلِ ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ ، وَإِنَّمَا
هِيَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْبَاطِلَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ
الْيَهُودِ
كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَوْرَاتِهِمْ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنْهَا أَنَّ
فِرْعَوْنَ
دَعَا الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ " فَفَعَلَ عَرَّافُو
مِصْرَ
أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذَلِكَ : طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ الْعِصِيُّ ثَعَابِينَ ، وَلَكِنْ عَصَا
هَارُونَ
ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ " .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ سِرَّ صِنَاعَتِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمَا أَرَاهُ اسْتِنْبَاطًا عِلْمِيًّا لَا نَقْلًا تَارِيخِيًّا ، قَالَ الْإِمَامُ
الْجَصَّاصُ
فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ
يَعْنِي مَوَّهُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ تَسْعَى . وَقَالَ :
يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى
فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا ظَنُّوهُ سَعْيًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ سَعْيًا ، وَإِنَّمَا كَانَ تَخَيُّلًا ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا كَانَتْ عِصِيًّا مُجَوَّفَةً قَدْ مُلِئَ
تْ زِئْبَقًا ، وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ كَانَتْ مَعْمُولَةً مِنْ أُدْمٍ ؛ أَيْ : جِلْدٍ ، مَحْشُوَّةً زِئْبَقًا ، وَقَدْ حَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَ الْمَوَاضِعِ أ
َسْرَابًا ، وَجَعَلُوا أَزْوَاجًا مَلَئُوهَا نَارًا فَلَمَّا طُرِحَتْ عَلَيْهِ ، وَحَمِيَ الزِّئْبَقُ حَرَّكَهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الزِّئْبَقِ إِذَا أَصَابَ
تْهُ النَّارُ أَنْ يَطِيرَ ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُمَوَّهًا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِضَرْبٍ مِنَ الْحُلِيِّ : مَسْحُورٌ
؛ أَيْ : مُمَوَّهٌ عَلَى مَنْ رَآهُ مَسْحُورًا بِهِ ا هـ .
فَعَلَى هَذَايَكُونُ سِحْرُهُمْ لِأَعْيُنِ النَّاسِ عِبَارَةً عَنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ الصِّنَاعِيَّةِ إِذَا صَحَّ خَبَرُهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحِيلَ
ةٍ أُخْرَى كَإِطْلَاقِ أَبْخِرَةٍ أَثَّرَتْ فِي الْأَعْيُنِ فَجَعَلَتْهَا تُبْصِرُ ذَلِكَ أَوْ يَجْعَلُ الْعِصِيَّ وَالْحِبَالَ عَلَى صُورَةِ الْحَيَّاتِ ، وَت
َحْرِيكَهَا بِمُحَرِّكَاتٍ خَفِيَّةٍ سَرِيعَةٍ لَا تُدْرِكُهَا أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ مِنَ الصِّنَاعَاتِ وَتُسَمَّى السِّيمِي
َاءَ .
http://library.islamweb.net/newlibra...no=7&ayano=113
آخر تعديل طالب علم يوم 21 Jul 2015 في
04:05 AM
.
زيارات الملف الشخصي :
435
إحصائية مشاركات »
طالب علم
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل : 0.53 يوميا
طالب علم
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى طالب علم
البحث عن المشاركات التي كتبها طالب علم