عرض مشاركة واحدة
قديم 18 May 2016, 03:01 AM   #2
بالقرآن نرتقي
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية بالقرآن نرتقي
بالقرآن نرتقي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8317
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Dec 2023 (11:50 PM)
 المشاركات : 3,065 [ + ]
 التقييم :  18
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: الصحة النفسية مطلب شرعي للأستاذة أناهيد السميري حفظها الله



استهدي الله واطلب منه الهداية، هذا غالبًا يأتي بعدم الصحة النفسية وهذه النقطة مهمة لأن كثير من الأمراض النفسية تأتي من هذا. الذي يصاب بشبهة في قلبه بمسألة تتصل بدينه أحيانا كثيرة يرى أن الخلاص أن ينتحر ويموت! وهو لو كان صحيحًا نفسيًا لقال لنفسه: كل هذه الاضطرابات والأشياء التي تنقص كي أصدر أمامها عبادة وطاعة.
نضرب مثال على ابن تيمية، ذُكر عنه أنه -رحمه الله- لما يشتبه عليه المعتزلة والأشاعرة المخالفين ويستصعب عليه المسألة ويشبه عليه وهو يريد أن يبيّن الحق للمسلمين ويريد أن يجيب على شبهتهم، ذُكر عنه أنه يخرج خارج المدينة ويعفّر وجهه في التراب ساجدًا لله، ويستغيث ويطلب من الله ليفتح عليه، وها هو ميراثه اليوم يستقي منه الناس[1].
ما أتتك الحاجة لتكون حزينًا ولا لتكون مكتئابًا ولا لتكون متوترًا ولا لتقول أنا إنسان قلقل، تأتيك الحاجة لتري الله من نفسك توكلًا واستهداءً واعتماد وثقة وحسن ظن، لا أن تري الله منك عدم الثقة به وعدم اليقين أنه سينجيك! مع أنه أمس نجاك، وقبله نجاك، كل شهر تعيش نفس المشكلة يضيق عليك ثم يأتيك الرزق من حيث لا تحتسب! وأنت تقرأ: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[2] تحسب وتحسب فتكتئب! يرزقك من حيث لا تحتسب ويطمئنك، ثم يأتي الشهر الثاني وتكتئب مرة ثانية! عيب عليك! من رزقك أول الشهر يرزقك هذا الشهر، عيب أن يأتي أحد ويقول أنا في آخر حياتي وسن التقاعد وخائف من أولادي يهملوني ويرموني لازم أُؤَمٍّن حياتي الباقية! مَن حفظك وأنت في بطن أمك وأخرجك من بطن أمك سيحفظك إلى آخر حياتك! أحسن الظن بالله. يقول انظر مثال هنا وهنا! نقول: من يحسن الظن بالله لا يخذله الله أبدًا! ليس لنا بالأمس لنا بما يحمله القلب، فيكون صغير ويحمل هم مستقبله ويخوفه الناس ولا توجد وظائف وما في أموال! بهذه الطريقة وكأن المال مخزونة عند الخلق! (الملك) الله خزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار، لكن لماذا يضيق عليك؟ ليستخرج منك الطاعة، لم الأمور ضيقة؟ لم تجوع؟ لتطلب منه الطعام، فلما تشبع تقول الحمد لله ((إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا))[3] فنجوع ونعطش ونعرى حتى تكون عندنا هذه الأشياء حاجات لتكون عندنا صحة نفسية لا أن تكون حاجة تسبب لنا الاكتئاب.
تأتيك الحاجات لتصمد إلى الصمد الواحد، وهذه من الراحة أن تصمد إلى واحد سيّد قد كمُل في سؤدده، فالواحد الذي تلجأ إليه سيّد فوق هؤلاء، ملك فوق الملوك، سيد عالم فوق العالمين، سيد قريب فوق القريبين، فلما أقرأ كل يوم سورة الصمد تكون عندك صحة نفسية تقول لك لا تقلق، لما يكون عندي غدًا مشوار أريد أن أقوم به أو لقاء ألقى به الناس أضع كل مخاوفي عند بابه وأقول ثقة بك لا أقلق! ينتظرون الوظيفة ويعتقدون أن الحصول عليها بدون كبد حتى لو حصلت على الوظيفة ففيها كبد وترقيتك فيها كبد ليس كل الناس يصلحون لدخول جنات النعيم.
هذه الدنيا كل حاجة تنشأ فيها ليس من أجل أن تتعذب إنما من أجل أن تسأل الله
· يصيبك الصداع ليس من أجل أن تتعذب بل من أجل أن تسأل الله أن يشفيك وتعيش تحت اسمه (الشافي).
· تجوع فتستطعمه.
· تحتاج مال فتطلب من (الرزاق).
· تحتاج الأولاد فتطلب منه أن يهبك فتعيش تحت اسمه (الوهاب).
· ينكسر قلبك من المؤذين فيجبره فتعيش تحت اسمه (الجبار).
· تقع في خطأ فتطلب منه أن يسترك فتعيش تحت اسمه (الستير).
وهكذا الحياة هي للقيام بالوظيفة و الوظيفة هي العبادة، وهي في حقيقتها حاجة وتقابلها طاعة فكلما احتجت أطعت فتعيش تحت الحاجة.ويظهر لك في الطاعة من هو الله، كلما احتجت وأطعت عرفت من هو الله، عرفت أنه قريب ويسمعك، عرفت أنه ملك، أنه الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء، فكلهم إن اتفقوا على أن لا يعطوك فالله هو الظاهر الذي جاءك من حيث لا تحتسب ولا يحتسبون.
تأتي في موقف الزوج يمارس عليك سلطته ويمنعك من الخروج هذه حاجتك فلن يكون هو قبلة القلب، ظهرت الحاجة جاءت العبادة، يوجد الليل والدعاء والذل والانكسار بين يدي الله، فلا تكلميه ولا تفكري فيه، إنما فكري فيمن يملكك ويملكه ومن ثم نجد أن كل حاجة تأتي بطاعة وعبادة، ما أصح هذه النفس التي ترى العقبة إنما يخرج منها الإنسان ويجوزها بعون الله! لذلك يقول الله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[4]فالدنيا كلها كبد وعقبات وهذا كله من أجل أن تحصل الطاعات فالحاجات من أجل أن تدفعك للطاعات، وإذا كنت لست مستقيمًا كما ينبغي فأنت صحيح نفسيًا بحسب ذلك، فأنت تكون صحيح نفسيًا إذا كنت تنظر لكل شيء كما نظر إليها عمر بن عبد العزيز: "أَصْبَحْتُ وَمَالِي سُرُورٌ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ"! سروري أن أنظر لمواطن قدر الله وأن أتصرف مع مواطن قدر الله كما يرضي الله، وليس معنى ذلك أن تكون مكفوف اليدين، ولكن أن تعلم أن هذا يحتاج منك جهد ودعاء، يحتاج منك صبر وسلوان، وهنا يحتاج منك أن تشفع أن تُصلح، فكل الحاجات التي جاءت ما جاءت إلا من أجل الوصول إلى العبادات والطاعات.

القاعدة الثالثة: الطمأنينة بمناجاة الله واستهدائه عند المخاوف.
من الأشياء المزعجة في الحياة: الملجأ، الخوف، التيه، من الأشياء التي تخيفنا الخوف من الضياع، يخيفنا كثيرا ويسبب لنا أزمات نفسية كيف نختار لما تأتينا اختيارات؟ كيف نصل لأحسن الأوضاع؟ فالتيه شيء مخوف، الاختيار شيء مخوف، هذا الشأن الناس كلهم يشتركون فيه وهو يعتبر جزء من أهم حاجات الحياة.
مثلًا شابة صغيرة تقول أتزوج هذا أو لا أتزوجه؟ أدخل هذه الكلية أو هذه؟ أصاحب هؤلاء أم لا أصاحبهم؟ تكبر ويكبر التيه، أشتري هذا أم لا أشتري؟ فتبقى في كل مرة في حيرة أمام الاختيارات، يكبرون يزيد الخوف ولا ينقص! وكلما كبرنا كان الخيار أكبر، نختار عن أنفسنا وعن غيرنا، قرارنا لصغارنا ومن نربي، فتزيد مشاعر الخوف في نفوسنا.
أحد أهم أسباب الاكتئاب، إحساس الإنسان بأنه بحاجة إلى ركن شديد، يخاف الإنسان فيحتاج إلى ركن شديد، هذا الكلام من الكلام الذي مضى لكنه خاص، وهو حاجة عند الناس كلهم.
فالصحيح نفسيًا في كل الطريق يستهدي، ليس تائهًا، يعتقد أن له ركن شديد يلجأ إليه في كل حالة خوف، إذًا معناه هذا كيف سيفكر في الحياة؟ الناس يفكرون أنه لو حصلت اضطرابات سياسة سأودع أموالي في دول كذا وكذا، والثاني يقول أبني بيوت في كذا وكذا، والثالث يقول أنا أُؤمن نفسي وأشتري بضاعة، فكل الناس يفترضون حلولًا من عندهم وأحيانًا كثيرة ما تصيب هذه الحلول ولا تسد الثغرات ويأتي مايعوقها، لماذا يفعل الناس ذلك؟ لأن أحد الأشياء التي تخيفهم غدًا من سيكون معي؟ غدًا من سيشد من أزري؟ غدًا من سيعطيني؟ فيمرض هؤلاء وينسون ركنهم الشديد! وينسون أنهم ما يتوهون مادام أنهم مع الله.
يأتي مثلًا في اتخاذ قرار يقول غدًا الناس يلومونني ويبقى في هاجس طويل يخاف أن يتخذ فيه قرار وينسى أن ربه مالك الملك العليم الذي وصفه أنه بكل شيء عليم فلو استخاره واستهداه سكنت نفسه، فللعبد عند كل مخاوف ركن شديد يؤمنه، الإنسان المؤمن نفسه ما تخاف أن يخذلها الله، فإذا خافت مباشرة يكون مأمنها هو الله بمعنى لا نقول على المؤمن أنه ما يخاف، هو يخاف من الأحوال لكن لا يخاف أن يخذله الله.
مثل موسى عليه السلام، أول ما خاف توكل على الله، اعتمد على الله، ولذلك لما قال فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ }[5]، قال موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[6]. فالخوف طبيعة بشرية لا يمكن أن تندفع بنفسها لكنه مباشرة لما يحصل الخوف يعوذ يلجأ يطلب من الله يدعو يستعيذ بالله، فإذا كان أمر قد مضى يدعو، وإذا كان أمر مستقبلي يستعيذ بالله. مثلا يقال لشخص أنتم عندكم مرض وراثي مادام في سلسلة عائلتكم كذا فهذا المرض وراثي، هذا الكلام ماذا يفعل له؟ يخاف، هذا الخوف طبيعي، لكنه عندما خاف وسوس له الشيطان وأصبح لا ينام الليل وكل شهر يعمل فحص لدرجة أنه يميت نفسه قبل أن يأتيه حتى المرض! الصحيح نفسيًّا يستعيذ بالله من شر هذا المرض، فلا نقول عنه أنه لا يخاف، يخاف لكنه إذا خاف يلجأ إلى الله.



وبهذا يذهب أهم أسباب الاكتئاب وهو الخوف، يفكر في مستقبل أو يخاف من شيء فيصبح رهين هذا الخوف.
مثلًا يُقال لشابة ما أظنك ستتزوجين! فتأخذها كأنها قاعدة وكأن القائل قد اطلع على قدر الله! كأنه يقال لها أنت أسباب زواجك ضعيفة، وتكتئب لنفترض أنه وقع في القلب الخوف من هذا الشيء فهذا لا يأتي بالاكتئاب، بل يأتي بالدعاء واللجوء وسؤاله ويأتي الثقة بالله والاستعاذة بالله من ضد ذلك.
فإذًا من علامات الصحة النفسية مقابل الخوف (الثقة أن هناك ركن شديد).


فالصحيح يتصور أن الدنيا ليست يسيرة وأن كل الحاجات وجدت من أجل أن تحصل الطاعات وهذا العسر الذي في الدنيا يجعل الإنسان يعيش دائمًا فزعًا إلى الله وكلما تعرض لمخاوف وقربت منه المهالك كان مطمئنًا أن عنده من يرشده وعنده من يطمئنه فهو في صحة نفسية لأنه واثق بالله.

القاعدة الرابعة: من علامات الصحة النفسية الاستفادة من التجارب السابقة وتصور أن الله يرقي العبد في الابتلاءات ليزداد قوة نفسية.
وهذا الأمر كثيرًا ما يُفهم خطأ يأتي أحد يقول أنا لي عشرين سنة وأنا صابر! ماذا بقي له من بعد العشرين سنة؟! كأنه يقول: لماذا أنا فقط التي أُبتلىفاكتأب لما رأى تاريخه كله بلاءات! يُقال له الله عز وجل من سنته في معاملة الخلق أنه إذا أراد رفعة أحد كيف يُعامله؟ يُبتلى بلاءً فيقوي قلبه ثم يُبتلى بلاء أعلى منه ثم يُبتلى فيكون قلبه قد أصبح أقوى:
· أقوى في اللجوء إلى الله.
· أقوى في الصبر والاحتمال.
· أقوى في معالجة المسألة وتقليبها.
لا تجعل الشيطان بعد أن مشيت شوطًا طويلًا في الصبر ومعرفة الحق واللجوء إلى الله يجعلك تقول أنا تعبت وضعفت، بالعكس نفسك تزداد صحة لما تزداد بلاءً؛ لأن الله من لطفه بالخلق أن يعليهم مراتب في هذه المسائل.
انظر لحياة النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج من بلده التي يحبها مع صاحبه، يدخل الغار ويأتي المشركين ويسمع طرق نعالهم وقلبه وقلب الصديق -رضي الله عنه- يشعران بهم تمامًا، فيقول لصاحبه: }لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}[7] هذه مرحلة، ثم تكبر المسائل وتعظم البلاءات ويصبحوا صفين ويقاتل صلى الله عليه وسلم المشركين وتعظم البلاءات ويقع المنافقون في عرضه ويصبر صلى الله عليه وسلم، وترى المنازل في البلاءات تتعلى، وهو يزداد تجملًا!
من رحمة الله أن لا تقع المصائب مرة واحدة، إنما يلطف به لينزله منزلة تصلُح بها نفسه، فالمفروض لما يكثُر علينا نوع البلاء لا يلعب بنا الشيطان ويحصل الملل بل يكون موقفي في المرة الثانية لما يأتي البلاء أو مايشبهه أقوى من موقفي في المرة الأولى، لا تأتي المسألة بالعكس ونقول خارت قوانا!
القوى تعظم كلما زاد الإنسان إيمانًا كلما وقعت عليه البلاءات وعامل الله بما يصح معاملته
[1] روي أنه إذا أشكلت عليه مسألة أو صعب فهم آية التجأ إلى جامع في مكان موحش ووضع جبهته على التراب و ردد قوله : يا معلم إبراهيم فهمني " (العقود الدرية)، ويقول العلامة الذهبي: "لم أر مثله في ابتهاله واستغاثته وكثرة توجهه"، و يقول ابن تيمية: "إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل علىّ فاستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينجلي إشكال ما أشكل".

[2] الطلاق: 3.

[3] رواه مسلم.

[4] سورة البلد11

[5] سورة غافر26

[6] سورة غافر27

[7]سورة التوبة40



 
 توقيع : بالقرآن نرتقي





بالقرآن نرتقي


رد مع اقتباس