أصناف الناس في مسألة دخول الجني في الإنسي
أصناف الناس في مسألة دخول الجني في الإنسي
(... والناس
في هذا الباب ثلاثة أصناف: قوم يكذبون بدخول الجني في الإنس، وقوم يدفعون ذلك بالعزائم المذمومة؛ فهؤلاء يكذبون بالموجود، وهؤلاء يعصون بل يكفرون بالمعبود، والأمة الوسط تصدق بالحق الموجود وتؤمن بالإله الواحد المعبود وبعبادته ودعائه وذكره وأسمائه وكلامه، فتدفع شياطين الإنس والجن.
وأما سؤال الجن وسؤال من يسألهم؛ فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسؤول؛ فهو حرام، كما ثبت في ((صحيح مسلم)) وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي؛
قال:
قلت: يا رسول الله! أموراً كنا نصنعها في الجاهلية: كنا نأتي الكهان. قال: ((فلا تأتوا الكهان))(1).
وفي ((صحيح مسلم)) أيضاً عن عبيدالله، عن نافع، عن صفية، عن بعض أزواج النبي ، عن النبي ؛ قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً))(2).
وأما إن كان يسأل المسؤول ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه؛ فهذا جائز كما ثبت في ((الصحيحين)): ((أن النبي سأل ابن صياد، فقال: ((ما يأتيك؟)). فقال: يأتيني صادق وكاذب. قال: ((ما ترى؟)). قال: أرى عرشاً على الماء. قال: ((فإني قد خبأت لك خبيئاً)). قال: الدخ الدخ. قال: ((اخسأ؛ فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان))(1).
وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه ويخبرون به عن الجن كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار ليعرفوا ما عندهم فيعتبروا به، وكما يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت؛ فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة؛ كما قال تعالى: {إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا}(2)، وقد ثبت في ((صحيح البخاري)) عن أبي هريرة: أن أهل
الكتاب كانوا يقرأون التوراة ويفسرونها بالعربية، فقال النبي : ((إذا حدثكم أهل الكتاب؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه،
وقولوا: {آمَنَّا باللهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وإلهُنا وإلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمونَ}(3))(4)؛ فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه ولم يصدقوه ولم يكذبوه.
وقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر وكان هناك امرأة لها قرين من الجن، فسأله عنه، فأخبره أنه ترك عمر يَسم إبل الصدقة(1)، وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشاً، فقدم شخص إلى المدينة، فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم وشاع الخبر، فسأل عمر عن ذلك، فذكر له، فقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن، وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك. فجاء بعد ذلك بعدة أيام(2))
المصدر : كتاب المنتخب من كتب شيخ الاسلام ابن تيمية
(هــــــم درجــــــــــات عنــــد الــــلــــــــه)
|