عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 05:05 AM   #35
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


صفة العفو والمغفرة والرحمة والعزة
وقوله: )إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (1) . . . ........................
ذكر المؤلف رحمه الله أربع آيات في صفة العفو والقدرة والمغفرة والرحمة والعزة:
الآية الأولى: في العفو والمقدرة : قوله: )إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) {النساء: 149}.
يعني : إن تفعلوا خيراً ، فتبدوه ؛ أي : تظهروه للناس ، (أو تخفوه) ؛ يعني: عن الناس فإن الله تعالى يعلمه، ولا يخفى عليه شيء.
وفي الآية الثانية: )إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) {الأحزاب: 54} ، وهذا أعم يشمل الخير والشر وما ليس بخير ولا شر .
ولكل آية مكانها ومناسبتها لمن تأمل .
وقوله : (أو تعفوا عن سوء) : العفو: هو التجاوز عن العقوبة؛
فإذا أساء إليكم إنسان فعفوت عنه ؛ فإن الله سبحانه وتعالى يعلم ذلك. ولكن العفو يشترط للثناء على فاعله أن يكون مقروناً بالإصلاح ؛ لقوله تعالى : ) فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(الشورى: من الآية40) ، وذلك أن العفو قد يكون سبباً للزيادة في الطغيان والعدوان ، وقد يكون سبباً للانتهاء عن ذلك، وقد لا يزيد المعتدي ولا ينقصه.
1- فإذا كان سبباً للزيادة في الطغيان ؛ كان العفو هنا مذموماً ، وربما يكون ممنوعاً ؛ مثل أن نعفوا عن هذا المجرم ، ونعلم - أو يغلب على الظن أنه يذهب فيجرم إجراماً أكبر ؛ فهنا لا يمدح العافي ؛ عنه ، بل يذم.
2-وقد يكون العفو سبباً للانتهاء عن العدوان ؛ بحيث يخجل ويقول : هذا الذي عفا عني لا يمكن أن أعتدي عليه مرة أخرى، ولا على أحد غيره. فيخجل أن يكون هو من المعتدين ، وهذا الرجل من العافين ؛ فالعفو محمود ومطلوب وقد يكون واجباً.
3-وقد يكون العفو لا يؤثر ازدياداً ولا نقصاً ؛ فهو أفضل لقوله تعالى :(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَ)(البقرة: من الآية237) .
وهنا يقول تعالى: ) أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً)؛ يعني: إذا عفوتم عن السوء ؛ عفا الله عنكم ، ويؤخذ هذا الحكم من الجواب: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) ؛ يعني : فيعفو عنكم مع قدرته على الانتقام منكم ، وجمع الله تعالى هنا بين العفو والقدير؛ لأن كمال العفو أن يكون عن قدرة . أما العفو الذي يكون عن عجز ؛ فهذا لا يمدح فاعله ؛ لأنه عاجز عن الأخذ بالثأر . وأما العفو الذي لا يكون مع قدرة ؛ فقد يمدح لكنه ليس عفواً كاملاً، بل العفو الكامل ما كان عن قدرة.
ولهذا جمع الله تعالى بين هذين الاسمين ( العفو) و ( التقدير ) :
فالعفو: هو المتجاور عن سيئات عباده، والغالب أن العفو يكون عن ترك الواجبات، و المغفرة عن فعل المحرمات.
والقدير: ذو القدرة يتمكن بها الفاعل من الفعل بدون عجز.
وهذان الاسمان يتضمنان صفتين، وهما العفو، والقدرة.
) وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النور :22).
الآية الثانية: في المغفرة والرحمة: قوله: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم )النور: 22].
· هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، وذلك أن مسطح بن أثاثه رضي الله عنه كان ابن خالة أبي بكر، وكان ممن تكلموا في الإفك.
وقصة الإفك[124] ان قوماً من المنافقين تكلموا في عرض عائشة رضي الله عنها، وليس والله قصدهم عائشة، لكن قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يدنسوا فراشه، وأن يلحقوه العار والعياذ بالله! ولكن الله - ولله الحمد - فضحهم، وقال: ] والذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم [ [ النور: 11].
تكلموا فيها، وكان أكثر من تكلم فيها المنافقون، وتكلم فيها نفر من الصحابة رضي الله عنهم معروفون بالصلاح، ومنهم مسطح بن أثاثة، فلما تكلم فيها، وكان هذا من أكبر القطيعة قطعية الرحم أن يتكلم إنسان في قريبه بما يخدش كرامته، لا سيما وأن ذلك في أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقسم أبو بكر إلا ينفق عليه، وكان أبو بكر هو الذي ينفق عليه، فقال الله تعالى : )وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وكل هذه الأوصاف ثابتة في حق مسطح، فهو قريب ومسكين ومهاجر (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم) [ النور: 22]، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بلى والله، نحب أن يغفر الله لنا! فرد عليه النفقة.
هذا هو ما نزلت فيه الآية:
· أما تفسيرها، فقوله: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ) : اللام لامر الأمر، وسكنت لأنها أتت بعد الواو، ولام الأمر تسكن إذا وقعت بعد الواو كما هنا أو بعد الفاء أو بعد ( ثم ) : قال الله تعالى:) وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)(الطلاق: من الآية7) [ الطلاق: 7] وقال تعالى: ()ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)(الحج: من الآية29) [ الحج: 29]، هذا إذا كانت لام أمر، أما إذا كانت لام تعليل، فإنها تبقي مكسورة، لا تسكن ، وإن وليت هذه الحروف.
· قوله: ]وليعفوا[، يعني: يتجاوزوا عن الأخذ بالذنب.
·]وليصفحوا[، يعني: يعرضوا عن هذا الأمر، ولا يتكلموا فيه، مأخوذ من صفحة العنق، وهي جانبه، لأن الإنسان إذا أعرض، فالذي يبدو منه صفحة العنق.
والفرق بين العفو والصفح: أن الإنسان قد يعفو ولا يصفح، بل يذكر هذا العدوان وهذه الإساءة، لكنه لا يأخذ بالندب، فالصفح أبلغ من مجرد العفو.
· وقول:) أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يعفو الله لكم ): (ألا ): للعرض، والجواب: بلى نحب ذلك، فإذا كنا نحب أن يغفر الله لنا، فلنتعرض لأسباب المغفرة.
· ثم قال: (والله غفور رحيم ) : (غفور) هذه إما أن تكون اسم فاعل للمبالغة، وإما أن تكون صفة مشبهة، فإذا كانت صفة مشبهة، فهي دالة على الوصف اللازم الثابت، هذا هو مقتضى الصفة المشبهة، وإن كانت اسم فاعل محولاً إلي صيغة التكثير، كانت دالة على وقوع المغفرة من الله بكثرة.
وبعد هذا نقول: إنها جامعة بين الأمرين، فهي صفة مشبهة، لأن المغفرة صفة دائمة لله عز وجل، وهي أيضاً فعل يقع بكثرة، فما أكثر مغفرة الله عز وجل وما أعظمها.
· وقوله: ( رحيم ): هذه أيضاً اسم فاعل محول إلي صيغة المبالغة، وأصل اسم الفاعل من رحم: راحم، لكن حول إلى رحيم لكثرة رحمة الله عز وجل وكثرة من يرحمهم الله عز وجل.
والله سبحانه وتعالى يقرن بين هذين الاسمين، لأنهما دالان على معنى متشابه، ففي المغفرة زوال المكروب و آثار الذنب، وفي الرحمة حصول المطلوب، كما قال الله تعالى للجنة: " أنت رحمتي أرحم بك من أشاء[125]
وقوله: ) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (1)..........................
(1) الآية الثالثة: في العزة، وهي قوله:) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )[المنافقون:8].
· هذه الآية نزلت في مقابلة قول المنافقين:) لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ )[ المنافقون: 8]، يريدون أنهم الأعز، وأن رسول الله والمؤمنين الأذلون، فبين الله تعالى أنه لا عزة لهم، فضلاً عن أن يكونوا هم الأعزون، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
ومقتضى قول المنافقين أن الرسول صلى الله وعلى آله وسلم والمؤمنين هم الذين يخرجون المنافقين، لأنهم أهل العزة، والمنافقين أهل الذلة، ولهذا كانوا يحسبون كل صيحة عليهم، وذلك لذلهم وهلعهم، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا، قالوا: آمنا، خوفاً وجبناً، وإذا خلوا إلي شياطينهم ، قالوا: إنا معكم، إنما نحن مستهزئون ! وهذا غاية الذل.
أما المؤمنون، فكانوا أعزاء بدينهم، قال الله عنهم في مجادلة أهل الكتاب:)ِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(آل عمران:64]، فيعلنونها صريحة، لا يخافون في الله لومه لائم.
وفي هذه الآية الكريمة إثبات العزة لله سبحانه وتعالى.
وذكر أهل العلم أن العزة تنقسم إلي ثلاثة أقسام: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع:
فعزة القدر: معناه أن الله تعالى ذو قدر عزيز، يعني: لا نظير له.
2. وعزة القهر: هي عزة الغلبة، يعني: أنه غالب كل شيء، قاهر كل شيء، ومنه قوله تعالي:) فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)[ ص: 23]، يعني: غلبني في الخطاب. فالله سبحانه عزيز لا غالب له بل هو غالب كل شيء.
3. وعزة الامتناع: وهي أن الله تعالى يمتنع أن يناله سوء أو نقص، فهو مأخوذ من القوة والصلابة، ومنه قولهم: أرض عزاز، يعني قوية شديدة.
هذه معاني العزة التي أثبتها الله تعالى لنفسه، وهي تدل على كمال قهره وسلطانه، وعلى كمال صفاته، وعلى تمام تنزهه عن النقص.
تدل على كمال قهره وسلطانه في عزة القهر.
وعلى تمام صفاته وكمالها وأنه لا مثيل لها في عزة القدر.
وعلى تمام تنزهه عن العيب والنقص في عزة الامتناع.
قوله: ] ولرسوله وللمؤمنين[، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، له عزة، وللمؤمنين أيضاً عزة وغلبة.
· ولكن يجب أن نعلم أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كعزة الله، فإن عزة الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين قد يشوبها ذلة، لقوله تعالى:)وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ )[ آل عمران: 123]، وقد يغلبون أحياناً لحكمة يريدها الله عز وجل، ففي أحد لم يحصل لهم تمام العزة، لأنهم غلبوا في النهاية لحكم عظيمة، وكذلك في حنين ولوا مدبرين، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم، من أثني عشر ألفاً إلا نحو مائة رجل. هذا أيضاً فقد للعزة، لكنه مؤقت. أما عزة الله عز وجل، فلا يمكن أبداً أن تفقد.
وبهذا عرفنا أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كالعزة التي أثبتها لنفسه.
وهذا أيضاً يمكن أن يؤخذ من القاعدة العامة، وهي أنه: لا يلزم من اتفاق الاسمين أن يتماثل المسميان، ولا من اتفاق الصفتين أن يتماثل الموصوفان.
وقوله عن إبليس: ) فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (1) ....................
(1) الآية الرابعة: في العزة أيضاً، وهي قوله عن إبليس: ) فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)[ ص: 82].
· الباء هنا للقسم، لكنه اختار القسم بالعزة دون غيرها من الصفات لأن المقام مقام مغالبة، فكأنه قال: بعزتك التي تغلب بها من سواك لأغوين هؤلاء وأسيطر عليهم يعني: بني آدم حتى يخرجوا من الرشد إلى الغي.
ويستثنى من هذا عباد الله المخلصون، فإن إبليس لا يستطيع أن يغويهم، كما قال تعالى: )إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )( الحجر: 42].
ففي هاتين الآيتين إثبات العزة لله.
وفي الآية الثالثة إثبات أن الشيطان يقر بصفات الله!
فكيف نجد من بني آدم من ينكر صفات الله أو بعضها، أيكون الشيطان أعلم بالله وأعقل مسلكاً من هؤلاء النفاة؟!
ما نستفيده من الناحية المسلكية:
في العفو والصفح: هو أننا إذا علمنا أن الله عفو، وأنه قدير، أوجب لنا ذلك أن نسأله العفو دائماً، وأن نرجو منه العفو عما حصل منا من التقصير في الواجب.
أما العزة أيضاً: نقول: إذا علمنا أن الله عزيز، فإننا لا يمكن أن نفعل فعلاً نحارب الله فيه.
مثلاً الإنسان المرابي معاملته مع الله المحاربة:)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )[ البقرة: 279]. إذا علمنا أن الله ذو عزة لا يغلب، فإنه لا يمكننا أن نقدم على محاربة الله عز وجل.
قطع الطريق محاربة:)إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة: 33]، فإذا علمنا أن قطع الطريق محاربة لله، وأن العزة لله، امتنعنا عن العمل، لأن الله هو الغالب.
ويمكن أن نقول فيها فائدة من الناحية المسلكية أيضاً، وهي أن الإنسان المؤمن ينبغي له أن يكون عزيزاً في دينه، بحيث لا يذل أمام أحد من الناس، كائناً من كان، على المؤمنين، فيكون عزيزاً على الكافرين، ذليلاً على المؤمنين.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس