عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 05:24 AM   #57
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (1)............................................... ............
(1) (فمن ) شرطية وجواب الشرط جملة: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وأتت الجملة الجزائية جملة أسمية بصفة الحصر (فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار.
وجاءت باسم الإشارة الدال على البعد (فَأُولَئِكَ ) ، ولم يقل : فهم المفلحون: إشارة إلى علو مرتبتهم.
وجاءت بصفة الحصر في قوله (هم)، وهو ضمير فصل يفيد الحصر والتوكيد، والفصل بين الخبر والصفة.
والمفلح: هو الذي فاز بمطلوبه ونجا من مرهوبه؛ فحصل له السلامة مما يكره، وحصل له ما يحب.
والمراد بثقل الموازين رجحان الحسنات على السيئات.
وقوله: ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فيه إشكال من جهة العربية؛ فإنة(مَوَازِينُهُ) الضمير فيه مفرد، و(فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فيه جمع.
وجوابه: أن (من) الشرطية صالحة للإفراد والجمع؛ فباعتبار اللفظ يعود الضمير إليها مفرداً، وباعتبار المعنى يعود الضمير إليها جمعاً.
وكما جاءت (من) فإنه يجوز أن تعيد الضمير إليها بالإفراد أو بالجمع ، وهذا كثير في القرآن، قل الله تعالى ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً)(الطلاق: من الآية11)؛ فتجد الأية الكريمة فيها مراعاة اللفظ ثم المعنى ثم اللفظ.
* * *




(وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(1) ) فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (2)............................
(1)الإشارة هنا للبعد؛ لا نحطاط مرتبتهم، لا لعلو مرتبتهم.
قوله : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) : الكافر قد خسر نفسه وأهله وماله: ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(الزمر: من الآية15)بينما المؤمن العامل للصالحات قد ربح نفسه وأهله وماله وانتفع به.
فهؤلاء الكفار خسروا أنفسهم ؛ لأنهم لم يستفيدوا من وجودهم في الدنيا شيئاً، بل ما استفادوا إلا الضرر، وخسروا أموالهم ، لأنهم لم ينتفعوا بها ، حتى ما أعطوه للخلق لينتفع به؛ فإنه لا ينفعهم؛ كما قال تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)(التوبة: من الآية54)، وخسروا أهليهم؛ لأنهم في النار؛ فصاحب النار لا يأنس بأهله، بل إنه مغلق عليه في تابوت، ولا يرى أ أحداً أشد منه عذاباً.
والمراد بخفة الموازين: رجحان السيئات على الحسنات، أو فقدان الحسنات أو فقدان الحسنات بالكلية، إن قلنا بأن الكفار توزن أعمالهم ؛ كما هو ظاهر هذه الآية الكريمة وأمثالها وهو أحد القولين لأهل العلم.
والقول الثاني : أن الكفار لا توزن أعمالهم؛ لقوله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً) (103)(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (104)(أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً) (الكهف:103-105). والله أعلم.

· * *
وتنشر الدواوين (1) وهي صحائف الأعمال (2)............................................... ..........
(1) الأمر السادس مما يكون يوم القيامة:
وهو ما ذكره المؤلف بقوله :" وتنشرُ الدواوينُ"
*"وتنشر" أي : تفرق وتفتح لقارئها.
*و " الدواوين": جمع ديوان، وهو السجل الذي تكتب فيه الأعمال ، ومنه دواوين بيت المال، وما أشبه ذلك.
(2) يعني: التي كتبتها الملائكة الموكلون بأعمال بني آدم؛ قال الله تعالى:(كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ)(9)(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ)(10)(كِرَاماً كَاتِبِينَ) (11)(يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)(الانفطار:9-12).
فيكتب هذا العمل ويكون لازما للإنسان في عنقه؛ فإذا كان يوم القيامة؛ أخرج الله هذا الكتاب.
قال تعالى (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً) (الإسراء:13) (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء:13-14).
قال بعض السلف: لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك.
والكتابة في صحائف الأعمال : أما للحسنات ، وأما للسيئات، والذي يكتب من الحسنات ما عمله الإنسان، وما نواه، وما هم به ؛ فهذه ثلاثة أشياء:
فأما ما عمله ؛ فظاهر أنه يكتب.
وأما ما نواه؛ فإنه يكتب له، لكن يكتب هل أجر النية فقط كاملاً؛ كما في الحديث الصحيح في قصة الرجل الذي كان له مال ينفقه في سبل الخير، فقال الرجل الفقير: لو أن عندي مالاً؛ لعملت فيه بعمل فلان؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم" فهو بنيته؛ فأجرهما سواء"[235]
ويدل على أنهما ليسا سواء في الأجر من حيث العمل: أن فقراء المهاجرين لما أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله ! إن أهل الدثور سبقونا فقال لهم صلى الله عليه وسلم :" تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" فلما سمع الأغنياء بذلك ؛ فعلو مثله، فرجع الفقراء يشكون إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لهم :" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء[236] ولم يقل : إنكم أدركتم عملهم.
ولأن هذا هو العدل ؛ فرجل لم يعمل لا يكون كالذي عمل ، لكن يكون مثله في أجر النية فقط.
وأما الهم ؛ فنقسم إلى قسمين:
الأول: أن يهم بالشيء ويفعل ما يقدر عليه منه، ثم يحال بينه وبين إكماله.
فهذا يكتب له الأجر كاملاً؛ لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:100) .
وهذه بشرى لطلبة العلم إذا نوى الإنسان إنه يطلب العلم وهو يريد أن ينفع الناس بعلمه ويذب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وينشر دين الله في الأرض، ثم لم يقدر له ذلك ؛ بأن مات مثلاً، وهو في طلبه ؛ فإنه يكتب له أجر ما نواه وسعى إليه.
بل إن الإنسان إذا كان من عادته العمل، وحيل بينه وبينه لسبب ؛ فإنه يكتب له أجره ، قال النبي عليه الصلاة والسلام: " إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً"[237]
القسم الثاني:: أن يهم بالشيء ويتركه مع القدرة عليه ؛ فيكتب له به حسنة كاملة؛ لنيته.
وأما السيئات؛ فإنه يكتب على الإنسان ما عمله ويكتب عليه ما أراده وسعى فيه ولكن عجز عنه، ويكتب عليه ما نواه وتمناه.
فالأول : واضح.
والثاني: يكتب عليه كاملاً ؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:" إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار". قالوا: يا رسول الله ! هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟! قال:" لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه"[238] ومثله من هم أن يشرب الخمر، ولكن حصل له مانع ؛ فهذا يكتب عليه الوزر كاملاً؛ لأنه سعى فيه.
والثالث الذي نواه وتمناه يكتب عليه ، لكن بالنية، ومنه الحديث الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل أعطاه الله مالاً فكان يتخبط فيه ، فقال رجل فقير: لو أن لي مالاً ؛ لعملت فيه بعمل فلان. قال النبي عليه الصلاة والسلام:" فهو بنيته؛ فوزرهما سواء"[239]
ول هم بالسيئة، ولكن تركها؛ فهذا على ثلاث أقسام:
1- إن تركها عجزا ؛ فهو كالعامل إذا سعى فيها.
2- وإن تركها لله ؛ كان مأجوراً.
3- وإن تركها لأن نفسه عزفت عنها،أو لم تطرأ على باله؛ فهذا لا إثم عليه ولا أجر.
والله عز وجل يجزي بالحسنات أكثر من العمل، ولا يجزي بالسيئات إلا مثل العمل ؛ قال تعالى : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160)، وهذا من كرمه عز وحل ومن كون رحمته سبقت غضبه.
فآخذ كتابه بيمينه (1) وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره (1).......................................
(1)قوله: " فآخذ كتابه بيمينه": "آخذ" مبتدأ ، وخبره محذوف والتقدير : فمنهم آخذ.
وجاز الابتداء به وهو نكرة؛ لأنه في مقام التفصيل؛ أي أن الناس ينقسمون؛ فمنهم من يأخذ كتابه بيمينه، وهم المؤمنون، وهذا إشارة إلى أن لليمنى الإكرام ، ولكذلك يأخذ المؤمن كتابه بها، والكافر يأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره؛ كما قال المؤلف:" وآخذ كتابه بشماله".
(2)وقوله :" أو من وراء ظهره" "أو " للتنويع، وليست للشك.
فظاهر كلام المؤلف أن الناس يأخذون كتبهم على ثلاثة أوجه: باليمين، وبالشمال، ومن وراء الظهر.
ولكن الظاهر أن هذا الاختلاف اختلاف صفات ؛ فالذي يأخذ كتابه من وراء ظهره هو الذي يأخذ كتابه بشماله؛ فيأخذ بالشمال، وتجعل يده من الخلف؛ فكونه يأخذه بالشمال؛ لأنه من أهل الشمال، وكونه من وراء ظهره ؛ لأنه لما استدبر كتاب الله ، وولي ظهره إياه في الدنيا ؛ صار من العدل أن يجعل كتاب أعماله يوم القيامة خلف ظهره؛ فعلى هذا ؛ تخلع اليد الشمال حتى تكون من الخلف. والله أعلم
كما قال سبحانه وتعالى(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَه(1)في عُنُقِهِ(2)نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كتاباً يلقاه منشوراً(3) اقرأ كتابك(4) كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً(5)………………………………………
(1)طائره) أي عمله؛ لأن الإنسان يتشاءم به أو يتفاءل به، ولأن الإنسان يطير به فيعلو أو يطير به فينزل.
(2) (في عنقه) ؛ أي : رقبته، وهذا أقوى ما يكون تعلقاً بالإنسان ؛ حيث يربط ي العنق؛ لأنه لا يمكن أن ينفصل آي إذا هلك الإنسان؛ فهذا يلزم عمله.
(3)وإذا كان يوم القيامة؛ كان الأمر كما قال الله تعالى (نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كتاباً يلقاه منشوراً)؛ أي مفتوحاً؛ لا يحتاج إلى تعب ولا إلى مشقة في فتحه.
(4)ويقال له (أقرأ كتابك) وانظر ما كتب عليك فيه.
(5)( كفي بنفسك اليوم عليك حسيباً): وهذا من تمام العدل والإنصاف: أن يوكل الحساب إلى الإنسان نفسه.
والإنسان العاقل لابد أن ينظر ماذا كتاب في هذا الكتاب الذي سوف يجده يوم القيامة مكتوباً.
ولكن، نحن أمامنا باب يمكن أن يقضي على كل السيئات، وهو التوبة، وإذا تاب العبد إلى الله مهما عظم ذنبه؛ فإن الله يتوب عليه، وحتى لو تكرر الذنب منه، وهو يتوب؛ فإن الله يتوب عليه ؛ فما دام الأمر بأيدينا الآن؛ فعلينا أن نحرص على أن يكتب في هذا الكتاب إلا العمل الصالح.
* * *
(1)الأمر السابع مما يكون يوم القيامة.
وهو ما ذكره المؤلف بقوله: (ويحاسب الله الخلائق):
المحاسبة: إطلاع العباد على أعمالهم يوم القيامة.
وقد دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
- أما الكتاب؛ فقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)(فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً) (الانشقاق:7-8)، )وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)(فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً)(فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً) (الانشقاق:11)(وَيَصْلَى سَعِيراً) (الانشقاق:10-12).
- أما السنة؛ فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام بعدة أحاديث أن الله تعالى يحاسب الخلائق.
- وأما الإجماع ؛ فإنه متفق عليه بين الأمة: أن الله تعالى يحاسب الخلائق.
- وأما العقل ؛ فواضح ؛ لأننا كلفنا بعمل فعلاً وتكراً وتصديقاً، والعقل والحكمة تقتضيان أن من كلف بعمل ؛ فإنه يحاسب عليه ويناقش فيه.
- وقول المؤلف :" الخلائق" جمع خليقة؛ يشمل كل مخلوق.
إلا أنه يستثني من ذلك من يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ؛ كما ثبت ذلك في الصحيحين": أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أمته ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون[240].
وقد روي الإمام أحمد بسند جيد : أن مع كل واحد سبعين ألفاً[241].
فتضرب سبعين ألفاً بسبعين ألفاً ويزاد سبعون ألفاً. وهؤلاء فتضرب سبعين ألفاً بسبعين ألفاً، ويزداد سبعون ألفاً؛ هؤلاء كلهم يدخلون الجنة لا حساب ولا عذاب.
وقوله :" الخلائق" يشمل أيضاً الجن؛ لأنهم مكلفون ، ولهذا يدخل كافرهم النار بالنص والإجماع؛ كما قال تعالى (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ )(لأعراف: من الآية38)، ويدخل مؤمنهم الجنة على قول جمهور أهل العلم، وهو الصحيح؛ كما يدل عليه قوله تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان(46) إلى قوله : (....لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) (الرحمن:46-56).
وهل تشمل المحاسبة البهائم؟
أما القصاص؛ فيشمل البهائم؛ لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام" أنه يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" [242]، وهذا قصاص ، لأنها لا تحاسب حساب تكليف وإلزام؛ لأن البهائم ليس لها ثواب ولا عقاب.
ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه (1) كما وصف ذلك في الكتاب والسنة (2) وأما الكفار؛ فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته؛ فإنهم لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها ويخزون[243] بها (3)............................................... .............................
(1)قوله :" ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه":
وهذا صفة حساب المؤمن:
يخلو الله به عز وجل دون أن يطلع عليه أحد، ويقرره بذنوبه؛ أي : يقول له : عملت كذا، وعملت كذا... حتى يقر ويعترف، ثم يقول: " سترها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم[244]" .
ومع ذلك ؛ فإنه سبحانه وتعالى يضع عليك ستره؛ بحيث لا يراه أحد، ولا يسمعه أحد، وهذا من فضل الله عز وجل على المؤمن؛ فإن الإنسان إذا قررك بجناياتك أما الناس وإن سمح عنك؛ ففيه شيء من الفضيحة لكن إذا كان ذلك وحدك ؛ فإن ذلك ستر منه عليك.
(2) "ذلك" المشار إليه الحساب؛ يعنى: كما وصف الحساب في الكتاب والسنة، لأن هذا من الأمور الغيبية المتوقفة على الخبر المحض، فوجب الرجوع فيه إلى ما وصف في الكتاب والسنة.
(3)هكذا جاء معناه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما ذكر حساب الله تعالى لعبده المؤمن، وأنه يخلو به، ويقرره بذنوبه. قال " وأما الكفار المنافقون ؛ فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين". متفق عليه[245]"
وفي "صحيح مسلم" [246]، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفي حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فيلقى العبد، لأي يلقى الله العبد إي المنافق، فيقول : يا فل، أي : يا فلان، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟! فيقول : بلى ، قال : فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فيسأله فيجيب كما أجاب الأول، فيقول الله ، فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك ، فيقول الله ، فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك ، فيقول : يا رب آمنت بلك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول : ههنا إذن، قال : ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك، ويفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه ، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي ، فتنطق بعمله، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس