عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 05:26 AM   #59
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


تنبيه:
قوله: " الأنبياء ؛ آدم ونوح…" إلى آخره: جزم المؤلف رحمه الله بأن آدم نبي ن وهو كذلك ؛ لأن الله تعالى أوحى إليه بشرع أمره ونهاه.
وروى ابن حبان في " صحيحه" : أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هل كان آدم نبياً؟ قال : " نعم".
فيكون آدم أول الأنبياء الموحى إليهم ، وأما أول الرسل ؛ فنوح ؛ كم هو صريح في حديث الشفاعة وظاهر القرآن في قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ )(النساء: من الآية163)، وقوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)(الحديد: من الآية26).
وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة (1)……………………………………
(1)وذلك أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط؛ وقفوا على قنطرة، فيقتص لبعضهم من بعض
، فيقتص لبعضهم من بعض، وهذا القصاص غير القصاص الذي كان في عرصات القيامة، بل هو قصاص أخص، يطهر الله فيه القلوب، ويزيل ما فيا ن أحقاد وضغائن؛ فإذا هُذبوا ونُقوا ؛ إذن لهم في دخول الجنة.
ولكنهم إذا أتوا إلى الجنة؛ لا يجدونها مفتوحة كما يجد ذلك أهل النار؛ فلا تفتح الأبواب ، حتى يشفع النبي صلى الله علي وسلم لأهل الجنة أن يدخلوها، فيدخل كل إنسان من باب العمل الذي يكون أكثر اجتهاداً فيه من غيره، وإلا ؛ فإن المسلم قد يدعى من كل الأبواب.
وهو صريح فيما رواه مسلم [264] عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما ؛ قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم ، فيقولون: يا أبانا ! استفتح لنا الجنة..." وذكر الحديث ، وفيه:" فيأتون محمداً، فيقوم فيؤذن له.." الحديث.
وهاتان الشفاعتان (1) خاصتان له (2)............................................... ...................
(1) يعني : الشفاعة في أهل الموقف أن يقضى بينهم، والشفاعة في دخول الجنة.
(2) أي : للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولذلك يعتذر عنهما آدم وأولو العزم من الرسل .
وهناك أيضاً شفاعة ثالثة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لا تكون لغيره، وهي الشفاعة في عمه أبي طالب، وأبو طالب – كما في " الصحيحين"[265] وغيرهما- مات على الكفر. فأعمام الرسول عليه الصلاة والسلام عشرة؛ وغيرهما ادرك الإسلام منهم أربعة؛ فبقي اثنان على الكفر وأسلم اثنان:
فالكافران هما:
أبو لهب: وقد أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم إساة عظيمة وأنزل الله تعالى فيه وفي امرأته حمالة الحطب سورة كاملة في ذمهما ووعيدهما.
والثاني: أبو طالب ، وقد أحسن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إحساناً كبيراً مشهوراً ، وكان من حكمة الله عز وجل أن بقي على كفره؛ لأنه لو لا كفره؛ ما حصل هذا الدفاع عن الرسول عليه الصلاة ، بل كان يؤذي كما يؤذى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن بجاهه العظيم عند قريش وبقائه على دينهم صاروا يعظمونه وصار للنبي علي الصلاة والسلام جانب من الحماية بذلك.
واللذان أسلما هما العباس وحمزة ، وهو افضل من العباس ، حتى لقبه الرسول عليه الصلاة والسلام أسد الله ، وقتل شهيداً في أحد رضي الله عنه وأرضاه ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء.
فأبو طالب أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشفع فيه ، مع أنه كافر، فيكون هذا مخصوصاً من قوله تعالى (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48) ، ولكنها شفاعة لم تخرجه من النار، بل كان في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه؛ قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" ولولا أنا ؛ لكان في الدرك الأسفل من النار"[266]، وليس هذا من أجل شخصية أبي طالب، لكن من أجل ما حصل من دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه.
وأما الشفاعة الثالثة، فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم ، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها (1)..................................
(1) قوله :" وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن استحق النار" ؛ أي: من عصاة المؤمنين.
وهذه لها صورتان : يشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ، وفيمن دخلها أن يخرج منها.
أما فيمن دخلها أن يخرج منها ؛ فالأحاديث ي هذا كثيرة جداً ، بل متواترة.
وأما فيمن استحقها أن لا يدخلها ؛ فهذه قد تستفاد من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالمغفرة والرحمة على جنائزهم؛ فإنه من لازم ذلك أن لا يدخل النار؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :" اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين...." الحديث[267].
*لكن هذه شفاعة في الدنيا؛ كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ما من رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً؛ إلا شفعهم الله فيه [268].
*وهذه الشفاعة ينكرها من أهل البدع طائفتان؛ المعتزلة والخوارج لأن المعتزلة والخوارج مذهبهما في فاعل الكبيرة أنه مخلد في نار جهنم ، فيرون من زنى كمن أشرك بالله؛ لا تنفعه الشفاعة، ولن يأذن الله لأحد بالشفاعة له.
وقولهن مردود بما تواترت به الأحاديث في ذلك.
*قوله :" وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم "؛ فليشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها ، يعني : أنها ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسل م، بل تكون للنبيين ؛ حيث يشفعون في عصاة قومهم، وللصديقين يشفعون في عصاة اقاربهم وغيرهم من المؤمنين، وكذلك تكون لغيرهم من الصالحين، حتى يشفع الرجل في أهل ه وفي جيرانه وفيما أشبه ذلك .
ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة ، بل بفضله ورحمته (1)......................................
(1)يعني : أن الله تعالى يخرج من عصاة المؤمنين من شاء بغير شفاعة ، وهذا من نعمته؛ فإن رحمته سبقت غضبه، فيشفع الأنبياء والصالحون والملائكة وغيرهم، حتى لا يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج من النار من يخرج بدون شفاعة ، حتى لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أصحاب النار، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أن الله تعالى يقول : شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط؛ قد عادوا حمماً........." الحديث[269]
· * *
(1)الأمر الثاني عشر مما يكون يوم القيامة:
وهو ما ذكره المؤلف بقوله :" ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا".
الجنة عرضها السماوات والأرض، وهذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض يدخلها أهلها ، ولكن لا تمتلئ
وقد تكلف الله عز وجل للجنة وللنار لكل واحدة ملؤها:
-"فالنار لا تزال يلقى فيها وهي تقول : هل من مزيد؟ فلا تمتلئ، فيضع الله عز وجل عليها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول : قط قط"[270]
- وأما الجنة؛ فينشئ لها أقواماً، فيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته:
- ثبت ذلك في " الصحيحين" [271]من حديث انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيه وسلم وعلى آله وسلم، وهذا مقتضى قوله تعالى: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )(الأنعام: من الآية54)، وقول النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام يما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى :" إن رحمتي سقبت غضبي"[272]
ولهذا قال المؤلف :" فينشئ الله لها أقواماً ، فيدخلهم الجنة".
(1)الأصناف : الأنواع.
(2)سبق معنى الحساب.
(3)الثواب: جزاء الحسنات ؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
(4)العقاب : جزاء السيئات، ومن جاء بالسيئة ؛ فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون.
(5)الجنة : هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر؛(َلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17) ؛ أي : لا تعلم حقيقته وكنهه.
والجنة موجودة الآن؛ لقوله تعالى : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، والأحاديث في هذا المعنى متواترة.
ولا تزال باقية أبد الآبدين؛ لقوله تعالى: )وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود:108)، وقوله (خَالِدِينَ فِيهَا أبدا) ؛ في آيات متعددة.
والنار (1) وتفاصيل ذلك مذكور في الكتب المنزلة من السماء(2) والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء (3)......
(1)النار: هي الدار التي أعدها الله تعالى لأعدائه، وفيها من أنواع العذاب والعقاب ما لا يطيق.
وهي موجودة الآن ؛ لقوله تعالى : ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)(آل عمران: من الآية131)، والأحاديث في هذا المعنى مستفيضة مشهورة.
وأهلها خالدون فيها أبداً؛ لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (الأحزاب:64-65)
وقد ذكر الله خلودهم أبداً في ثلاث آيات من القرآن ؛ هذه أحدها ، والثانية في آخر سورة النساء، والثالثة في سورة الجن، وهي ظاهرة في أن النار لا تزال باقية أبد الآبدين.
(2)يعني: مثل التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى وغيرها من الكتب المنزلة؛ فقد ذكر فيها ذلك مبيناً مفصلاً لحاجة الناس، بل ضرورتهم إلى بيانه وتفصيله؛ إذ لا يمكنهم الاستقامة إلا بالإيمان باليوم الآخر الذي يجازي فيه كل عامل بما عمل من خير وشر.
(3) اعلم أن العلم المأثور عن الأنبياء قسمان:
القسم الأول: قسم ثبت بالوحي، وهو ما ذكر في القرآن والسنة الصحيحة، وهذا لا شك في قبوله واعتقاد مدلوله.
القسم الثاني: قسم أتى عن طريق النقل غير الوحي، وهذا هو الذي دخل فيه الكذب والتحريف والتبديل والتغيير.
ولهذا لا بد من أن يكون الإنسان حذراً مما ينقل بهذه الطريقة عن الأنبياء السابقين، حتى قال الرسول صلى عليه الصلاة والسلام :" إذا حدثكم أهل الكتاب؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، قولوا : آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم [273]، لأنك إن صدقت؛ قد تصدق بباطل، وإن كذبته؛ قد تكذب بحق؛ فلا تصدق ولا تكذب؛ قل: إن كان هذا من عند الله ؛ فقد آمنت به.
وقد قسم العلماء ما أثر عمن سبق ثلاثة أقسام:
الأول: ما شهد شرعنا بصدقه.
الثاني: ما شهد شرعنا بكذبه.
والحكم في هذين واضح.
الثالث: ما لم يحكم بصدقه ولا كذبه.
فهذا مما يجب فيه التوقف؛ لا يصدق ولا يكذب.
وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي (1)...................
(1) العلم الموروث عن محمد صلوات الله وسلامه عليه سواء في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عيه وسلم فيه من ذلك ما يشفي ويكفي.
فلا حاجة إلى أن نبحث عن مواعظ ترقق القلوب من غير الكتاب والسنة، بل نحن في غنى عن هذا كله؛ ففي العلم الموروث عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشفي ويكفي في كل أبواب العلم والإيمان.
ثم المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الوعظ والفضائل ترغيباً أو ترهيباً ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صحيح مقبول ، وضعيف ، وموضوع؛ فليس كله صحيحاً مقبولاً، ونحن في غنى عن الضعيف والموضوع.
- فالموضوع اتفق العلماء رحمهم الله على أنه لا يجوز ذكره ونشره بين الناس؛ لا في باب الفضائل والترغيب والترهيب، ولا في غيره ؛ إلا من ذكره ليبين حاله.
- والضعيف اختلف فيه العلماء ، والذين قالوا بجواز نشره ونقله اشترطوا ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن لا يكون الضعف شديداً
الشرط الثاني: أن يكون أصل العمل الذي رتب عليه الثواب أو العقاب ثاباً بدليل صحيح.
الشرط الثالث: أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسل مقاله، بل يكون متردداً غير جازم ، لكنه راج في باب الترغيب ، خائفٌ في باب الترهيب.
أما صيغة عرضه ؛ فلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يقول: روي عن رسول الله، أو ذكر عنه .... وما أشبه ذلك .
فإن كنت في عوام لا يفرقون بين ذكر وقيل وقال؛ فلا تأت به أبداً؛ لأن العامي يعتقد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قاله؛ فما قيل في المحراب؛ فهو عنده الصواب!
تنبيه:
هذا الباب – أي : باب اليوم الآخر وأشراط الساعة- ذكرت في أحاديث كثيرة فيها ضعف وفيها وضع، وأكثر ما تكون هذه في كتب الرقائق والمواعظ؛ فلذلك يجب التحرز منها، وأن نحذر العامة الذين يقع في أيديهم مثل هذه الكتب.
فمن ابتغاه وجده (1)............................................... .............................
قوله :" فمن ابتغاه" ؛ أي : طلبه:" وجده".
وهذا صحيح ؛ فالقرآن بين أيدينا ، وكتب الأحاديث بين أيدينا ، لكنها تحتاج إلى تنقيح وبيان الصحيح منها والضعيف، حتى يبني الناس ما يعتقدونه في هذا الباب على أساس سليم.
* * *





فصل
في الإيمان بالقدر
فصل
وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة (1) بالقدر (2)..............................................
(1) "الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة": سبق تعريفعها والكلام عنها في أول الكتاب
(2) القدر في اللغة؛ بمعنى: التقدير ؛ قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، وقال تعالى (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) (المرسلات:23) .
- أما القضاء؛ فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل : هذا قدر الله ؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعاً؛ فلكل واحد مهما معنى.
- فالتقدير : هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.
- وأما القضاء؛ هو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقاً.
- فإن قال قائل: متى ؟ قلنا : إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2)؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
- إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
- ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون ، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (طـه:70) ؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
- أو أن نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية؛ إي خلقه على قدر معين؛ كقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (الأعلى:2) ؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تماماً لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) ؛ فلا إشكال.
*والإيمان بالقدر واجب، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل حين قال: ما الإيمان؟ قال:" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره"[274]
وللإيمان بالقدر فوائد؛ منها:
أولاً: أنه من تمام الإيمان ، ولا يتم الإيمان إلا بذلك .
ثانياً: أنه من تمام الإيمان بالربوبية ؛ لأن قدر الله من أفعاله.
ثالثاً: رد الإنسان أموره إلى ربه؛ لأنه إذا علم أن كل شيء بقضائه وقدره؛ فإنه سيرجع إلى الله في دفع الضراء ورفعها، ويضيف السراء إلى الله ، ويعرف أنها من فضل الله عليه.
رابعاً: أن الإنسان يعرف قدر نفسه ، ولا يفخر إذا فعل الخير.
خامساً: هون المصائب على العبد؛ لأن الإنسان إذا علم أنها من عند الله ؛ هانت عليه المصيبة؛ كما قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )(التغابن: من الآية11)؛ قال علقمة رحمه الله :" هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم".
سادساً: إضافة النعم إلى مُسديها؛ لأنك إذا لم تؤمن بالقدر ؛ أضفت النعم إلى من باشر الإنعام، وهذا يوجد كثيراً في الذين يتزلفون إلى الملوك والأمراء والوزراء؛ فإذا أصابوا منهم ما يريدون؛ جعلوا الفضل إليهم، ونسوا فضل الخالق سبحانه.
صحيح أنه يجب على الإنسان أن يشكر الناس؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:" من صنع إليكم معروفاً؛ فكافئوه"[275]
، ولكن يعلم أن الأصل كل الأصل هو فضل الله عز وجل جعله على يد هذا الرجل.
سابعاً: أن الإنسان يعرف به حكمة الله عز وجل ؛ لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث في تغيرات باهرة؛ عرف بهذا حكمة الله عز وجل؛ بخلاف من نسي القضاء والقدر؛ فإنه لا يستفيد هذه الفائدة.
خيره وشره (1)............................................... ......................................
(1) الخير: ما يلائم طبيعة الإنسان ؛ بحيث يحصل هل به خير أو ارتياح وسرور ، وكل ذلك من الله عز وجل.
- والشر في القدر : ما لا يلائم طبيعة الإنسان ؛ بحيث يحصل له به أذية أو ضرر.
· ولكن ؛ إن قيل : كيف يقال : إن في قدر الله شراً؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" الشر ليس إليه"؟[276]
·فالجواب على ذلك أن يقال: الشر في القدر ليس باعتبار تقدير الله له، لكنه باعتبار المقدور له ؛ لأن لدينا قدراً هو التقدير ومقدوراً؛ كما أن هناك خلقاً ومخلوقاً وإرادة ومراداً؛ فباعتبار تقدير الله له ليس بشر؛ بل هو خير، حتى وإن كان لا يلائم الإنسان ويؤذيه ويضره، لكن باعتبار المقدور؛ فنقول: المقدور إما خير وإما شر؛ فالقدر خير وإما شر؛ فالقدر خيره وشره يراد به المقدور خيره وشره.
ونضرب لهذا مثلاً في قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا )(الروم: من الآية41).
ففي هذه الآية بين الله عز وجل ما حدث من الفساد وسببه والغاية منه؛ فالفساد شر وسببه عمل الإنسان السيئ، والغاية منه ) لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم: من الآية41).
فكون الفساد يظهر في البر والبحر فيه حكمة ؛ فهو نفسه شر، لكن لحكمة عظيمة، بها يكون تقديره خيراً.
كذلك المعاصي والكفر شر، هو من تقدير الله، لكن لحكمة عظيمة، لولا ذلك لبطلت الشرائع، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً.
* والإيمان بالقدر خيره وشره لا يتضمن الإيمان بكل مقدور، بل المقدور ينقسم إلى كوني وإلى شرعي:
- فالمقدور الكوني: إذا قدر الله عليك مكروهاً؛ فلا بد أن يقع؛ رضيت أم أبيت.
- والمقدور الشرعي قد يفعله الإنسان وقد لا يفعله، ولكن باعتبار المرضى به فيه تفصيل:
إن كان طاعة لله وجب الرضى به، وإن كان معصية؛ وجل سخطه وكراهته والقضاء عليه؛ كما قال الله عز وجل : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) .
وعلى هذا؛ يجب علينا الإيمان بالمقضي كله ؛ من حيث كونه قضاء لله عز وجل ، أما من حيث كونه مقضياً؛ فقد نرضى به وقد لا نرضى ؛ فلو وقع الكفر من شخص فلا نرضى بالكفر مه، لكن نرضى بكون الله أوقعه.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس