عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 05:28 AM   #62
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل
في الإيمان
فصل
ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين (1) والإيمان (2)................................
(1) "الدين" هو ما يدان به الإنسان ، أو يدين به؛ فيطلق عل العمل ويطلق على الجزاء.
ففي قوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ)(يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)(الانفطار: 18-1) ؛ فالمراد بالدين في هذه الآية : الجزاء.
وفي قوله تعالى: )وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً )(المائدة: من الآية3)؛ أي : عملاً تتقربون به إلى الله .
ويقال : كما تدين تدان ؛ أي : كما تعمل تجازى
والمراد بالدين في كلام المؤلف : العمل.
(2) *(الإيمان)؛ أكثر أهل العلم يقولون: إن الإيمان في اللغة التصديق.
ولكن في هذا نظر ؛ لأن الكلمة إذا كانت بمعنى الكلمة؛ فإنها تتعدى بتعديتها ، ومعلوم أن التصديق بنفسه، والإيمان لا يتعدى بنفسه؛ فتقول مثلاً: صدقته، ولا تقول : آمنته! بل تقول : آمنت به: أو : آمنت له . فلا يمكن أن نفسر فعلاً لازماً لا يتعدى إلا بحرف الجر بفعل متعد ينصب المفعول به نفسه، ثم إن كلمة (صدقت) لا تعطي معنى كلمة (آمنت)؛ فإن (آمنت) تدل على طمأنينة بخبره أكثر من (صدقت).
ولهذا ؛ لو فسر الإيمان بالإقرار ؛ لكان أجود ؛ فنقول : الإيمان : الإقرار ، ولا إقرار إلا بتصديق ؛ فتقول : أقر به ؛ كما تقول : آمن به، وأقر به؛ كما تقول : آمن له. هذا في اللغة.
قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح (1)...................................
(1) وأما في الشرع ؛ فقال المؤلف : " قول وعمل"
وهذا تعريف مجمل فصله المؤلف بقوله :" قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح".
· فجعل المؤلف للقلب قولاً وعملاً، وجعل للسان قولاً وعملاً.
- أما قول اللسان؛ فالأمر فيه واضح ، وهو النطق، وأما عمله ؛ فحركاته ، وليست هي النطق، بل النطق ناشئ عنها إن سلمت من الخرس.
- وأما قول القلب ؛ فهو اعترافه وتصديقه .وأما عمله ؛ فهو عبارة عن تحركه وإرادته؛ مثل الإخلاص في العمل؛ فهذا عمل قلب، وكذلك التوكل والرجاء والخوف؛ فالعمل ليس مجرد الطمأنينة في القلب، بل هناك حركة في القلب.
- وأما عمل الجوارح ؛ فواضح ركوع، وسجود ، وقيام ، وقعود، فيكون عمل الجوارح إيماناً شرعاً؛ لأن الحامل لهذا العمل هو الإيمان.
- فإذا قال قائل: أين الدليل على أن الإيمان يشمل هذه الأشياء؟
قلنا: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره[287] "فهذا قول القلب . أما عمل القلب واللسان والجوارح ؛ فدليله قول النبي صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها : قول : لا أله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" [288]فهذا قول اللسان وعمله وعمل الجوارح ، والحياء عمل قلبي، وهو انكسار يصيب الإنسان ويعتريه عند وجود ما يستلزم الحياء .
- فتبين بهذا أن الإيمان يشمل هذه الأشياء كلها شرعاً.
- ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم)(البقرة: من الآية143)؛ قال المفسرون: إي : صلاتكم إلى بيت المقدس؛ فسمى الله تعالى الصلاة إيماناً؛ مع أنها عمل جوارح وعمل قلب وقول لسان.
- هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
· وشموله لهذه الأشياء الأربعة لا يعني أنه لا يتم إلا بها ، بل قد يكون الإنسان مؤمناً مع تخلف بعض الأعمال ، لكنه ينقص إيمانه بقدر ما نقص من عمله.
· وخالف أهل السنة في هذا طائفتان بدعيتان متطرفتان:
· الطائفة الأولى: المرجئة يقولون: إن الإيمان هو الإقرار بالقلب ، وما عدا ذلك ؛ فليس من الإيمان.
ولهذا كان ا لإيمان لا يزيد ولا ينقص عندهم ؛ لأنه إقرار القلب ، والناس فيه سواء ؛ فالإنسان الذي يعبد الله آناء الليل والنهار كالذي يعصي الله آناء الليل والنهار عندهم، ما دامت معصيته لا تخرجه من الدين!!
فلو وجدنا رجلاً يزني ويسرق ويشرب الخمر ويعتدي على الناس، ورجلاً آخر متقياً لله بعيداً عن هذه الأشياء كلها ؛ لكانا عند المرجئة في الإيمان والرجاء سواء؛ كل منهما لا يعذب؛ لأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان.
الطائفة الثانية: الخوارج والمعتزلة؛ قالوا: إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وإنها شرط في بقائه، فمن فعل معصيته من الكبائر خرج من الإيمان . لكن الخوارج يقولون: إنه كافر، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين منزلتين؛ فلا نقول : مؤمن ، ولا نقول : كافر ، بل نقول: خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، وصار في منزلة بين منزلتين.
هذه أقوال الناس في الإيمان.
وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية (1)............................................... ..........
(1)هذا معطوف على قوله :" أن الدين..." الخ... أي: أن من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.
ويستدلون لذلك بأدلة من الكتاب والسنة
فمن الكتاب : قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)(التوبة: من الآية124)، وقوله تعالى : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا)(المدثر: من الآية31)، وهذا صريح في ثبوت الزيادة.
وأما النقص؛ قد ثبت في "الصحيحين"[289] أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ النساء وقال لهن:" ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من أحدكن" فأثبت نقص الدين.
ثم لو فرض أنه لم يوجد نص في ثبوت النقص؛ فإن إثبات الزيادة مستلزم للنقص؛ فنقول : كل نص يدل على زيادة الإيمان؛ فإنه متضمن للدلالة على نقصه.
وأسباب زيادة الإيمان أربعة:
الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ؛ فإنه كلما ازداد الإنسان معرفة بالله وأسمائه وصفاته؛ أزداد إيمانه.
الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية:
قال الله تعالى: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية:17-20)
وقال تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101)
وكلما ازداد الإنسان علماً بما أودع الله تعالى في الكون من عجائب المخلوقات ومن الحكم البالغات ؛ ازداد إيماناً بالله عز وجل، كذلك النظر في آيات الله الشرعية يزداد الإنسان إيماناً بالله عز وجل ؛ لأنك إذا نظرت إلى الآيات الشرعية، وهي الأحكام التي جاءت بها الرسل؛ وجدت فيها ما يبهر العقول من الحكم البالغة والأسرار العظيمة التي تعرف بها أن هذه الشريعة نزلت من عند الله ، وأنها مبنية على العدل والرحمة، فتزداد بذلك إيماناً.
الثالث: كثرة الطاعات وإحسانها؛ لأن الأعمال داخلة في الإيمان وإذا كانت داخلة فيه؛ لزم من ذلك أن يزيد بكثرتها.
السبب الرابع: ترك المعصية تقرباً إلى الله عز وجل؛ فإن الإنسان يزداد بذلك إيماناً بالله عز وجل.
· أسباب نقص الإيمان أربعة:
الأول : الإعراض عن معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته.
الثاني: الإعراض عن النظر في الآيات الكونية والشرعية؛ فإن هذا يوجب الغفلة وقسوة القلب.
الثالث: قلة العمل الصالح، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".
قالوا : يا رسول الله ! كيف نقصان دينها؟ قال :" أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟"[290]
الرابع: فعل المعاصي؛ لقوله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14).
· وخالف أهل السنة والجماعة في القول بالزيادة والنقصان طائفتان: الطائفة الأولى المرجئة، والطائفة الثانية: الخوارج والمعتزلة.
الطائفة الأولى: المرجئة : قالوا : إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الأعمال ليست من الإيمان، حتى يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها ؛ فالإيمان هو إقرار القلب، والإقرار لا يزيد ولا ينقص.
ونحن نرد عليهم فنقول:
أولاً: إخراجكم الأعمال من الإيمان ليس بصحيح ؛ فإن الأعمال داخلة في الإيمان ، وقد سبق ذكر الدليل.
ثانياً : قولكم : إن الإقرار بالقلب يقبل التفاضل؛ فإقرار القلب بخبر الواحد ليس كإقراره بخبر اثنين، وإقراره بما سمع ليس كإقراره بما شاهد ألم تسمعوا قول إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة: من الآية260)؛ فهذا دليل على أن الإيمان الكائن في القلب يقبل الزيادة والنقص.
ولهذا قسم العلماء درجات اليقين ثلاثة أقسام : علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين؛ قال الله تعالى: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ)(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر: 5-7)، وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) (الحاقة:51) .
الطائفة الثانية المخالفة لأهل السنة طائفة الوعيدية، وهم الخوارج والمعتزلة، وسمعوا وعيدية؛ لأنهم يقولون بأحكام الوعيد دون أحكام الوعد؛ أي : يغلبون نصوص الوعيد على نصوص الوعد ، فيخرجون فاعل الكبيرة من الإيمان، لكن الخوارج يقولون: إنه خارج من الإيمان داخل الكفر، والمعتزلة يقولون: خارج من الإيمان غير داخل في الكفر، بل هو في منزلة بين منزلتين.
ومناقشة هاتين الطائفتين المرجئة والوعيدية في الكتب المطولات.
وهم منع ذلك (1) لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر (2) كما يفعله الخوارج (3) بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه في آية القصاص: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ )(2).............................................. ...............................................
(1) أي: مع قولهم : إن الإيمان قول وعمل.
(2)* أهل القبلة هم المسلمون، وإن كانوا عصاة ؛ لأنهم يستقبلون قبلة واحدة ، وهي الكعبة.
· فالمسلم عند أهل السنة والجماعة لا يكفر بمطلق المعاصي والكبائر.
· وتأمل قول المؤلف :" بمطلق المعاصي"، ولم يقل : بالمعاصي والكبائر؛ لأن المعاصي منها ما يكون كفراً ، وأما مطلق المعصية؛ فلا يكون كفراً.
والفرق بين الشيء المطلق ومطلق الشيء: أن الشيء المطلق يعني الكمال، ومطلق الشيء؛ يعني : أصل الشيء.
فالمؤمن الفاعل للكبيرة عنده مطلق الإيمان؛ فأصل الإيمان موجود عنده لكن كماله مفقود.
فكلام المؤلف رحمه الله دقيق جداً.
(3) يعني: الذين يقولون : إن فاعل الكبيرة كافر، ولهذا خرجوا على المسلمين ، واستباحوا دماءهم وأموالهم .
(4) يعني : أن الأخوة بين المؤمنين ثابتة ول مع المعصية ؛ فالزاني أخ للعفيف، والسارق أخ للمسروق منه، والقاتل أخ للمقتول، ثم استدل المؤلف لذلك فقال:" كما قال سبحانه في آية القصاص: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوف)(البقرة: من الآية178).
* آية القصاص هي قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى..........)(إلى قوله( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء)الآية والمراد ب "أخيه" هو المقتول.
ووجه الدلالة من هذه الآية على أن فاعل الكبيرة لا يكفر أن الله سمى المقتول أخاً للقاتل، مع أن قتل المؤمن كبيرة من كبائر الذنوب.
وقال : ()وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(1).................................. .........................................
(1) هذا دليل آخر لقول أهل السنة: إن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان.
* (اقتتلوا) جمع، و ( بينهما ) مثنى، و (طائفتان) مثنى؛ فكيف يكون مثنى وجمع ومثنى آخر والمرجع واحد؟!
نقول : لأن قوله : "طائفتان": الطائفة عدد كبير من الناس، فيصح أن أقول : اقتتلوا، وشاهد هذا قوله تعالى:( وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ )(النساء: من الآية102) ، ولم يقل : لم تصل. فالطائفة أمة وجماعة، ولهذا عاد الضمير إليها جمعاً فيكون الضمير في قوله " اقتتلوا" عائداً على المعنى، وف يقوله : " بينهما" عائداً على اللفظ.
فهاتان الطائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، وحمل السلاح بعضهم على بعض، وقتال المؤمن للمؤمن كفر، ومع هذا قال الله تعالى بعد أن أمر بالصلح بينهما للطائفة الثالثة التي لم تدخل القتال )وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات 9-10)، فجعل الله تعالى الطائفة المصلحة إخوة للطائفتين المقتتلتين.
وعلى هذا ؛ ففي الآية دليل على أن الكبائر لا تخرج من الإيمان.
وعلى هذا؛ لو مررت بصاحب كبيرة؛ فإني أسلم عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من حقوق المسلم على المسلم" إذا لقيته فسلم عليه" [291]، وهذا الرجل ما زال مسلماً، فأسلم عليه ؛ إلا إذا كان في هجرة مصلحة؛ فحينئذ أهجره للمصلحة؛ كما جرى لكعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فهجرهم المسلمون خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم "[292].
· وهل نحبه على سبيل الإطلاق أو نكرهه على سبيل الإطلاق ؟
نقول : لا هذا ولا هذا؛ نحبه بما معه من الإيمان ، ونكرهه بما معه من المعاصي، وهذا هو العدل.
ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية (1)............................................... .............
(1) "الفاسق" هو الخارج عن الطاعة.
· والفسق- كما أشرنا غليه سابقاً – ينقسم إلى فسق أكبر مخرج عن الإسلام ، ومنه قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ )(السجدة: من الآية20)، وفسق أصغر ليس مخرجاً عن الإسلام؛ كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) (الحجرات:6)
· والفاسق الذي لا يخرج من الإسلام هو الفاسق المالي، وهو من فعل كبيرة، أو أصر على صغيرة.
ولهذا قال المؤلف : "الملي"؛ يعني: المنتسب إلى الملة الذي لم يخرج منها.
فأهل السنة والجماعة لا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية؛ فلا يمكن أن يقولوا : إن هذا ليس بمسلم ، لكن يمكن أن يقولوا: إن هذا ناقص الإسلام أو ناقص الإيمان.
ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة(1) بل الفاسق يدخل في أسم الإيمان المطلق(2) كما في قوله تعالى : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )(3 )................................................. .......................
(1) قوله: لا يخلدونه في النار): معطوف على قوله : "ولا يسلبون ": وعلى هذا يكون قوله :" كما تقول المعتزلة": عائداً للأمرين؛ لأن المعتزلة يسلبونه الإسلام ويخلدونه في النار، وإن كانوا لا يطلقون عليه الكفر.
(2) مراد المؤلف ب " المطلق" هنا ؛ يعني: إذا أطلق الإيمان ؛ فالوصف يعود إلى الاسم لا إلى الإيمان؛ كما سيتبين من كلام المؤلف رحمه الله ؛ فيكون المراد به مطلق الإيمان الشامل للفاسق والعدل.
(3) قوله :" كما في قوله : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )(النساء:92)؛ فإن المؤمنة هنا يدخل فيه الفاسق.
فلو أن إنساناً اشترى رقيقاً فاسقاً وأعتقه في كفارة؛ أجزئه؛ مع أن الله قال: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)؛ فكلمة (مؤمنة) تشمل الفاسق وغيره.
وقد لا يدخل في أسم الإيمان المطلق (1) كما في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناًَ) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن (3)............................................... .........................
(1)أي : في مطلق أسم الإيمان.
قوله :" كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً)(الأنفال:2) ؛ ف ( إنما) أداة حصر؛ يعني : ما المؤمنون إلا هؤلاء، والمراد بالمؤمنين ؛ يعني : ذوي الإيمان المطلق الكامل.
فلا يدخل في المؤمنين هنا الفساق؛ لأن الفاسق لو تلوت عليه آيات الله ؛ ما زادته إيماناً، ولو ذكرت الله له ؛ لم يوجل قلبه.
فبين المؤلف أن الإيمان قد يراد به مطلق الإيمان، وقد يراد به الإيمان المطلق.
فإذا رأينا رجلاً : إذا ذكر الله ؛ لم يؤجل قلبه، وإذا تليت عليه آياته؛ لم يزدد إيماناً؛ فيصح أن نقول : إنه مؤمن ، ويصح أن نقول : ليس بمؤمن؛ فنقول : مؤمن ؛ أي : معه مطلق الإيمان؛ يعني: أصله، وليس بمؤمن؛ أي: ليس معه الإيمان الكامل.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس