عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Mar 2010, 03:58 AM   #31
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (البقرة:14) )اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة:15)
التفسير:
.{ 14 } قوله تعالى: { وإذا لقوا الذين آمنوا } أي قابلوهم، أو جلسوا إليهم؛ { قالوا } أي للمؤمنين الذين لقوهم؛ { آمنا } أي كإيمانكم..
قوله تعالى: { وإذا خلوا إلى شياطينهم }؛ ضُمِّن الفعل هنا معنى "رجعوا"؛ ولذلك عُدِّي بـ{ إلى }، لكن عُدِّي بالفعل { خلوا } ليكون المعنى: رجعوا خالِين بهم؛ والمراد بـ{ شياطينهم } كبراؤهم؛ وسمي كبراؤهم بـ "الشياطين" لظهور تمردهم؛ وقد قيل: إن "الشيطان" كل مارد؛ أي كل عاتٍ من الجن، أو الإنس، أو غيرهما: شيطان؛ وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الكلب الأسود بأنه شيطان؛ وليس معناه شيطان الجن؛ بل معناه: الشيطان في جنسه: لأن أعتى الكلاب، وأشدها قبحاً هي الكلاب السود؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: "الكلب الأسود شيطان"(61) ؛ ويقال للرجل العاتي: هذا شيطان بني فلان . أي مَريدهم، وعاتيهم..
وكلمة: "شيطان" : النون فيها أصلية من "شطن" بمعنى بعُد؛ ولكونها أصلية صُرف الاسم بتنوين، كما في قوله تعالى: { ويتبع كل شيطان مريد } [الحج: 3] ؛ ولو كانت النون والألف زائدتان منعت من الصرف؛ لأن الألف والنون إذا كانتا زائدتين في عَلَم؛ أو وصف فإنه يُمنع من الصرف؛ وأما إذا كانتا زائدتين في غير علم، ولا وصف فإنه لا يمنع من الصرف..
قوله تعالى: { إنا معكم } أي صحب مقارنون لكم تابعون لكم؛ { إنما نحن مستهزئون } أي ما نحن إلا ساخرون بالمؤمنين: نظهر لهم أنا مسلمون لنخادعهم..
.{ 15 } قوله تعالى: { الله يستهزئ بهم } أي يسخر تبارك وتعالى بهم بما أملى لهم، وكفّ أيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه عن قتلهم . مع أنهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار..
قوله تعالى: { ويمدهم في طغيانهم يعمهون }؛ الطغيان مجاوزة الحد، كقوله تعالى: {إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية} [الحاقة: 11] ؛ و "العَمَه" الضلال؛ والمعنى أن الله يبقيهم ضالين في طغيانهم؛ واعلم أن بين "يَمد" الثلاثي، و"يُمد" الرباعي فرقاً؛ فالغالب أن الرباعي يستعمل في الخير، والثلاثي في الشر؛ قال الله تعالى: {ونمد له من العذاب مداً} [مريم: 79] : وهذا في الشر؛ وقال تعالى: {وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون} [الطور: 22] : وهذا في الخير؛ وهنا قال تعالى: { ويَمدهم }: فهو في الشر..
الفوائد:
.1 من فوائد الآيتين: ذلّ المنافق؛ فالمنافق ذليل؛ لأنه خائن؛ فهم { إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } خوفاً من المؤمنين؛ و{ إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم } خوفاً منهم؛ فهم أذلاء عند هؤلاء، وهؤلاء؛ لأن كون الإنسان يتخذ من دينه تَقيَّة فهذا دليل على ذله؛ وهذا نوع من النفاق؛ لأنه تستر بما يُظَن أنه خير وهو شر..
.2 ومنها: أن الله يستهزئ بمن يستهزئ به، أو برسله، أو بشرعه جزاءً وفاقاً؛ واعلم أن ها هنا أربعة أقسام:
قسم هو صفة كمال لكن قد ينتج عنه نقص: هذا لا يسمى الله تعالى به؛ ولكن يوصف الله به، مثل "المتكلم"، و"المريد"؛ فـ"المتكلم"، و"المريد" ليسا من أسماء الله؛ لكن يصح أن يوصف الله بأنه متكلم، ومريد على سبيل الإطلاق؛ ولم تكن من أسمائه؛ لأن الكلام قد يكون بخير، وقد يكون بشر؛ وقد يكون بصدق، وقد يكون بكذب؛ وقد يكون بعدل، وقد يكون بظلم؛ وكذلك الإرادة..
القسم الثاني: ما هو كمال على الإطلاق، ولا ينقسم: فهذا يسمى الله به، مثل: الرحمن، الرحيم، الغفور، السميع، البصير... وما أشبه ذلك؛ وهو متضمن للصفة؛ وليس معنى قولنا: "يسمى الله به" أن نُحْدِث له اسماً بذلك؛ لأن الأسماء توقيفية؛ لكن معناه أن الله سبحانه وتعالى تَسَمَّى به..
القسم الثالث: ما لا يكون كمالاً عند الإطلاق؛ ولكن هو كمال عند التقييد ؛ فهذا لا يجوز أن يوصف به إلا مقيداً، مثل: الخداع، والمكر، والاستهزاء، والكيد. فلا يصح أن تقول: إن الله ماكر على سبيل الإطلاق، ولكن قل: إن الله ماكر بمن يمكر به، وبرسله، ونحو ذلك..
مسألة :-
هل "المنتقم" من جنس الماكر، والمستهزئ؟
الجواب: مسألة "المنتقم" اختلف فيها العلماء؛ منهم من يقول: إن الله لا يوصف به على سبيل الإفراد، وإنما يوصف به إذا اقترن بـ"العفوّ"؛ فيقال: "العفوُّ المنتقم"؛ لأن "المنتقم" على سبيل الإطلاق ليس صفة مدح إلا إذا قُرِن بـ"العفوّ"؛ ومثله أيضاً المُذِل: قالوا: لا يوصف الله سبحانه وتعالى به على سبيل الإفراد إلا إذا قُرِن بـ"المُعِز"؛ فيقال: "المعزُّ المُذل"؛ ومثله أيضاً "الضار": قالوا: لا يوصف الله سبحانه وتعالى به على سبيل الإفراد إلا إذا قُرِن "بالنافع"؛ فيقال: "النافع الضار"؛ ويسمون هذه: الأسماء المزدوجة..
ويرى بعض العلماء أنه لا يوصف به على وجه الإطلاق . ولو مقروناً بما يقابله . أي إنك لا تقول: العفوّ المنتقم؛ لأنه لم يرد من أوصاف الله سبحانه وتعالى "المنتقم"؛ وليست صفة كمال بذاتها إلا إذا كانت مقيدة بمن يستحق الانتقام؛ ولهذا يقول عزّ وجلّ: {إنا من المجرمين منتقمون} [السجدة: 22] ، وقال عزّ وجلّ: {والله عزيز ذو انتقام} [آل عمران: 4] ؛ وهذا هو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ والحديث الذي ورد في سرد أسماء الله الحسنى، وذُكر فيه المنتقم غير صحيح؛ بل هو مدرج؛ لأن هذا الحديث فيه أشياء لم تصح من أسماء الله؛ وحذف منها أشياء هي من أسماء الله . مما يدل على أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم..
القسم الرابع: ما يتضمن النقص على سبيل الإطلاق: فهذا لا يوصف الله سبحانه وتعالى به أبداً، ولا يسمى به، مثل: العاجز؛ الضعيف؛ الأعور.... وما أشبه ذلك؛ فلا يجوز أن يوصف الله سبحانه وتعالى بصفة عيب مطلقاً..
والاستهزاء هنا في الآية على حقيقته؛ لأن استهزاء الله بهؤلاء المستهزئين دال على كماله، وقوته، وعدم عجزه عن مقابلتهم؛ فهو صفة كمال هنا في مقابل المستهزئين مثل قوله تعالى: {إنهم يكيدون كيداً * وأكيد كيداً} [الطارق:15-16} أي أعظمَ منه كيداً؛ فالاستهزاء من الله تعالى حق على حقيقته، ولا يجوز أن يفسر بغير ظاهره؛ فتفسيره بغير ظاهره محرم؛ وكل من فسر شيئاً من القرآن على غير ظاهره بلا دليل صحيح فقد قال على الله ما لم يعلم؛ والقول على الله بلا علم حرام، كما قال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33] ؛ فكل قول على الله بلا علم في شرعه، أو في فعله، أو في وصفه غير جائز؛ بل نحن نؤمن بأن الله جل وعلا يستهزئ بالمنافقين استهزاءً حقيقياً؛ لكن ليس كاستهزائنا؛ بل أعظم من استهزائنا، وأكبر، وليس كمثله شيء..



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس