عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Mar 2010, 06:43 AM   #168
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


55 - ومن فوائد الآية: إثبات هذا الاسم من أسماء الله - وهو { عليم }؛ وإثبات ما دلّ عليه من الصفة - وهي العلم.
56 - ومنها: إثبات عموم علم الله؛ لقوله تعالى: { وهو بكل شيء عليم }.
57 - ومنها: الرد على القدرية سواء الغلاة منهم، أو غيرهم؛ فإن غلاتهم يقولون: إن الله لا يعلم شيئاً من أفعال العباد حتى يقع؛ يقول شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية: إن هؤلاء قليل - وهذا في عهده؛ ولا ندري الآن هل زادوا، أم نقصوا؛ لكن في الآية ردّ حتى على غير الغالية منهم - وهم الذين يقولون: إن الله يعلم؛ لكنه لم يُرد أفعال الإنسان، وأن الإنسان مستقل بإرادته، وفعله؛ وجه ذلك ما قاله الشافعي - رحمه الله: «ناظروهم بالعلم؛ فإن أقروا به خُصموا، وإن أنكروه كفروا»؛ وعلى هذا نقول: في هذه الآية الكريمة دليل على أن أفعال العباد مرادة لله عز وجل؛ لأنها إن لم تكن مرادة فهي إما أن تقع على وفق علمه، أو على خلافه؛ فإن كان على خلافه فهو إنكار لعلمه؛ وإن كان على وفقه فلا بد أن تكون مرادة له؛ لأنه أراد أن تقع على حسب علمه.

القرآن
)وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (البقرة:283)
التفسير:
{ 283 } قوله تعالى: { وإن كنتم على سفر } أي مسافرين؛ وذلك كقوله تعالى في آية الصيام: {ومن كان مريضاً أو على سفر} [البقرة: 185] ؛ وأتى بكلمة: { على } لتحقق هذا الأمر - وهو السفر؛ لأن { على } تدل على الاستعلاء؛ فكأنه متمكن من السفر، كالراكب على الراحلة؛ و «السفر» مفارقة الوطن؛ وبعضهم قال: مفارقة محل الإقامة؛ لأن الإنسان قد لا يستوطن؛ ولكن يقيم دائماً؛ والمفارقة قد تكون طويلة - ويسمى سفراً طويلاً؛ وقد تكون قصيرة - ويسمى سفراً قصيراً.
قوله تعالى: { ولم تجدوا كاتباً } أي يكتب بينكم؛ وهذا كما سبق يحتاج إليه فيما إذا تداينا بدين إلى أجل مسمى؛ فيكون المعنى: إن كنتم على سفر، وتداينتم بدَين إلى أجل مسمى ولم تجدوا كاتباً { فرهان مقبوضة}.
قوله تعالى: { فرهان مقبوضة } فيها قراءاتان؛ القراءة الأولى: { فرِهان } بكسر الراء، ومدّ الهاء؛ والثانية: { فرُهُن } بضم الراء، والهاء بدون مدّ؛ ولهذا تكتب بالألف في خط المصحف لكي تصلح للقراءتين؛ ومعنى { فرهان } أي فعليكم رهن؛ أو فالوثيقة رهن - أو رهان؛ وعلى هذا فتكون إما مبتدأ خبره محذوف؛ وإما خبر مبتدأ محذوف؛ والجملة في محل جزم على أنها جواب الشرط؛ وقرنت بالفاء؛ لأنها جملة اسمية؛ وإذا كان جواب الشرط جملة اسمية فإنه يقترن بالفاء وجوباً؛ ولا تحذف إلا شذوذاً، أو اضطراراً؛ ومن حذفها قول الشاعر:
(من يفعل الحسنات الله يشكرها) ........ ولم يقل: فالله يشكرها؛ ولكن هذا على سبيل الضرورة، أو الندرة، والشذوذ.
و «الرهان» جمع رهْن؛ و«الرهن» في اللغة الحبس؛ ومنه قوله تعالى: { كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38] أي محبوسة بما عملت؛ ولكنه في اصطلاح الفقهاء: توثقة دَين بعين يمكن استيفاؤه، أو بعضِهِ منها، أو من بعضها، مثل ذلك: زيد مدين لعمرو بعشرة آلاف ريال، فأرهنه سيارة تساوي عشرين ألف ريال؛ هنا يمكن استيفاء الدَّين من بعضه؛ لأن الرهن أكثر من الدَّين؛ مثال آخر: زيد مدين لعمرو بعشرين ألف ريال؛ فأرهنه سيارة تساوي عشرة آلاف ريال؛ فهنا يمكن استيفاء بعضه منها؛ لأن الدَّين أكثر من الرهن؛ فإذا كان الدَّين مساوياً للرهن، كما لو كان دينه عشرة آلاف ريال؛ فأرهنه سيارة تساوي عشرة آلاف ريال؛ فهنا يمكن استيفاء الدَّين كله من كل الرهن.
وقوله تعالى: { مقبوضة } أي يقبضها من يتوثق بها - وهو الطالب - من المطلوب الذي هو الراهن؛ والطالب الذي قبض الرهن يسمى مرتهناً؛ فهنا راهن، ومرتهن، ورهن، ومرهون به؛ فالرهن: العين؛ والراهن: معطي الرهن؛ والمرتهن؛ آخذ الرهن؛ والمرهون به: الدين؛ فأركان الرهن أربعة.
ولم يبين سبحانه وتعالى كيف القبض؛ فيرجع في ذلك إلى العرف؛ ومعناه: أن يكون الشيء في قبضة الإنسان، وتحت سيطرته.
قوله تعالى: { فإن أمن بعضكم بعضاً } أي اتخذه أميناً؛ بمعنى أنه وثق منه أن لا ينكر، ولا يبخس، ولا يغير؛ والجملة شرطية جوابها قوله تعالى: { فليؤد الذي اؤتمن أمانته }؛ والفاء في { فليؤد } رابطة لجواب الشرط؛ وهو قوله تعالى: { إن أمن... }؛ وجاءت الفاء رابطة مع أن جواب الشرط فعل مضارع؛ لأنه مقترن بلام الأمر الدالة على الطلب؛ ومتى كانت الجملة الجزائية طلبية وجب اقترانها بالفاء؛ واللام هنا جاءت ساكنة لوقوعها بعد الفاء؛ ولام الأمر تقع ساكنة إذا وقعت بعد الفاء، أو الواو، أو «ثم»؛ بخلاف لام التعليل فإنها تكون مكسورة على كل حال؛ و{ اؤتمن } فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله؛ و{ أمانته } أي ما ائتمن عليه.
قوله تعالى: { وليتق الله ربه }؛ «يتق» مجزومة بحذف حرف العلة - وهو الياء؛ والكسرة دليل عليها - وهنا أردف الاسم الأعظم: { الله } بقوله تعالى: { ربه } تحذيراً من المخالفة؛ لأن «الرب» هو الخالق المالك المدبر؛ فاخشَ هذا الرب الذي هو إلهك أن تخالف تقواه.
قوله تعالى: { ولا تكتموا الشهادة }؛ { لا } ناهية؛ و «الكتمان» الإخفاء؛ و «الشهادة» ما شهد به الإنسان؛ أي لا تخفوا ما شهدتم به لا في أصله، ولا في وصفه؛ في أصله بأن ينكر الشهادة رأساً؛ وفي وصفه بأن يزيد فيها، أو ينقص.
قوله تعالى: { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } أي من يخفيها أصلاً، أو وصفاً، فقد وقع قلبه في الإثم؛ وإنما أضاف الإثم إلى القلب؛ لأن الشهادة أمر خفيّ؛ فالإنسان قد يكتمها، ولا يُعْلَم بها؛ فالأمر هنا راجع إلى القلب؛ ولأن القلب عليه مدار الصلاح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب»(210).
قوله تعالى: { والله بما تعملون عليم }؛ «ما» هذه موصولة تفيد العموم، وتشمل كل ما يعمله الإنسان من خير أو شر في القلب، أو في الجوارح؛ وقَدّم { بما تعملون } على متعلّقها لقوة التحذير، وشدته؛ فكأنه حصر علمه فيما نعمل؛ فيكون هذا أشد في بيان إحاطته بما نعمل؛ فيتضمن قوة التحذير؛ وليس مقتضاه حصر العلم على ما نعمل فقط.

الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أنه إذا لم يجد كاتباً في السفر فإنه يوثق الحق بالرهن المقبوض.
2 - ومنها: عناية الله عز وجل بحفظ أموال عباده؛ يعني أنه سبحانه وتعالى ذكر حتى هذه الصورة: أن الإنسان إذا داين غيره، ولم يجد كاتباً فإنه يرتهن رهناً حفظاً لماله، وخوفاً من النزاع، والشقاق في المستقبل.
3 - ومنها: جواز الرهن؛ لقوله تعالى: { فرهان }؛ ولكن ذلك مشروط - حسبما في الآية - بالسفر سواء كان قصيراً، أو طويلا؛ وبألا نجد كاتباً؛ فهل هذا الشرط معتبر؟ الجواب: دلت السنة على عدم اعتباره: فقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين صاعاً من الشعير لأهله، ورهن درعه عند يهودي حتى مات(211)؛ وهذا يدل على جواز الرهن في الحضر حتى مع وجود الكاتب.
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر هكذا فما الجواب عن الآية؟ فالجواب عن الآية أن الله عز وجل ذكر صورة إذا تعذر فيها الكاتب فإن صاحب الحق يتوثق لحقه بالرهن المقبوض؛ فذكر هذه الصورة لا على أنها شرط للحكم؛ يعني كأنه قال: إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه؛ وإن كنتم في السفر، وليس عندكم كاتب فرهان مقبوضة.
4 - ومن فوائد الآية: أن بعض العلماء استدل بهذه الآية على لزوم القبض في الرهن؛ وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن قبض الرهن شرط لصحته؛ لأن الله جعل القبض وصفاً في الرهن؛ والوصف لازم للموصوف.
والقول الثاني: أن القبض شرط للزوم الرهن - لا لصحته؛ وعلى هذا القول يكون الرهن صحيحاً - وإن لم يُقبَض - لكنه ليس بلازم؛ فللراهن أن يتصرف فيه بما شاء.
والقول الثالث: أن القبض - أعني قبض الرهن - ليس بشرط لا للصحة، ولا للزوم؛ وإنما ذكر الله القبض في هذه الحال؛ لأن التوثق التام لا يحصل إلا به لكون المتعاقدين في سفر؛ وليس ثمة كاتب، فلا يحصل تمام التوثقة بالرهن إلا بقبضه؛ وهذا القول هو الراجح؛ وعليه فالرهن لازم صحيح بمجرد عقده - وإن لم يقبض؛ لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] ، وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} [الإسراء: 34] ؛ وعلى هذا القول عمل الناس: فترى الرجل يكون راهناً بيته وهو ساكن فيه، أو راهناً سيارته وهو يستعملها؛ ولا تستقيم حال الناس إلا بذلك.
5 - ومن فوائد الآية: أنه إذا حصل الائتمان من بعضنا لبعض لم يجب رهن، ولا إشهاد، ولا كتابة؛ لقوله تعالى: { فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته }؛ ولهذ قال كثير من العلماء: إن هذه ناسخة لما سبق في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282] ، وقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282] ، وقوله تعالى: { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة }؛ والصحيح أنها ليست ناسخة؛ بل مخصِّصة لما سبق.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس