عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 02:42 AM   #16
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# وأيضا فإنه قد صرح في أجل كتبه وهو نهاية العقول أن المجسمة القائلين بالجهة وغيرها ليسوا مشبهة وكذلك رد على من كفرهم لكونهم مشبهة فتبين ن التشبيه إن كان المراد به إثبات مثل لله عز وجل فهم لا يقولون بذلك وإن كان المراد إثبات وصف مشترك فهذا لازم لجميع الناس وهذا قول أئمته في المجسمة # قال أبو المعالي باب نفي المثل والتشبيه عن الله من صفات نفس القديم تعالى مخالفة للحوادث فالرب سبحانه وتعالى لا يشبه شيئا من الحوادث ولا يشبهه شيء منها والكلام في هذا الباب من أعظم أركان الدين فقد غلت طائفة في النفي فعطلت وغلت طائفة بالإثبات فشبهت وألحدت فأما الغلاة في النفي فقالوا الإشراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه وقالوا على هذا القديم سبحانه لا يوصف بالوجود بل يقال ليس بمعدوم فكذلك لا يوصف بأنه حي عالم بل يقال ليس بعاجز ولا جاهل ولا ميت وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية وأما الغلاة في الإثبات فاعتقدوا ما يلزمهم القول بمماثلة القديم سبحانه الحوادث فإنهم أثبتوا له الصورة والجوارح والاختصاص بالجهات والتركيب والأقدار والنهايات ومن غلاتهم من يثبت للقديم تعالى عن قولهم اللحم والدم والهيئة ويقولون بقدم الأرواح وصاروا إلى أنها من ذات القديم سبحانه وإنها تحل الأشخاص # فإن قال قائل ما معنى التشبيه قلنا قد يطلق التشبيه والمراد منه اعتقاد المشابهة ويطلق والمراد منه الإخبار عن تشابه المتشابهين ويطلق ويراد به إثبات فعل على مثال فعل فإن قيل فهل تسمون غلاة المجسمة مشبهة قلنا

قال أبو الحسن في بعض كتبه نسميهم مشبهة وإن لم يصرحوا بلفظ التشبيه بل أبوه وامتنعوا منه فإن الأمة مجمعة على أن من أثبت لله الجوارح والأعضاء والصورة واللحم والدم والتأليف فقد شبه ربه بخلقه فلا ينفعه بعد ذلك نفي سمة التشبيه عن نفسه بالقول بأنه جسم وشخص بلا كيف أو أنه على صورة الإنسان بلا كيف # وقال في بعض كتبه المشبهة من يعترف بالتشبيه ويلتزمه وأما من ينكره فلا نسميه مشبها إذ حقيقة المثلين المشتبهان في جميع صفات النفس وليس كلما يلزم صاحب مذهب نظرا يجوز وصفه ابتداءا # فإن قيل هل تكفرون الغلاة منهم قلنا القول في التكفير سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وبالجملة كل من شبهه فيما يطلقه من القول أو يعتقده بظاهر من الكتاب والسنة ولم يرد على ما ورد التعبد به ولا يفسره بما يوهم السامع تشبيها مع اعتقاد التقديس والتنزيه عن سمات الحدث فالأمر فيه قريب # هذا كله كلام أبي المعالي وأصحابه فقد ذكر في تسمية غلاة المجسمة مشبهة قولين لأبي الحسن والمنصور عندهم هو القول الثاني وإن لازم المذهب ليس بمذهب فأما المجسمة غير الغلاة فلا يسمون مشبهة على القولين ومعلوم أن القائلين بالعلو على العرش بل بالجهة ليسوا بذلك من الغلاة بلا نزاع سواء صرحوا بأنه جسم غير مركب أو قالوا بالتركيب أو نفوهما جميعا إذ القول بأن الله تعالى نفسه فوق العالم هو قول الصفاتية من الكلابية والكرامية وأئمة الأشعرية مع جميع طوائف المسلمين فيمتنع إطلاق اسم المشبهة على هؤلاء وإنما يطلقه عليهم الجهمية من المعتزلة ونحوهم وغلاة المجسمة عنده الذين ذكر

فيهم قولين هم الذين يثبتون مع التجسيم صورة الإنسان أو يثبتون له اللحم والدم كما ذكره # ومع هذا كله فالأسماء التي تعلق بها الشريعة المدح والذم والحب والبغض والموالات والمعادات والطاعة والمعصية والبر والفجور والعدالة والفسق والإيمان والكفر هي الأسماء الموجودة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فأما سوى ذلك من الأسماء فإنما تذكر للتعريف كأسماء الشعوب والقبائل فلا يجوز تعليق الأحكام الشرعية بها بل ذلك كله من فعل أهل الأهواء والتفرق والاختلاف الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كحال من يعلق الموالات والمعاداة بأسماء القبائل أو البلدان أو المذاهب المتبوعة في الإسلام كالحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والمشايخ ونحوهم # وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر يذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولكن تكلم طائفة من السلف مثل عبدالرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونعيم بن حماد وغيرهم بذم المشبهة وبينوا المشبهة الذين ذموهم أنهم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه فكان ذمهم لما في قولهم من مخالفة الكتاب والسنة إذ دخلوا في التمثيل إذ لفظ التشبيه فيه إجمال واشتراك وإيهام بخلاف لفظ التمثيل الذي ذل عليه القرآن ونفى موجبه عن الله عز وجل # الوجه الثاني أن هذه الحجة يحتج بها طوائف من متكلميهم من الكرامية وغيرهم وإلا فجمهورهم لا يحتاجون إلى قياس شمولي في هذا الباب

بل عندهم أن علو الله على العرش معلوم بالفطرة الضرورية وقد تواطأت عليه الآثار النبوية واتفق عليه خير البرية ويقولون نفي ذلك تعطيل للصانع معلوم بالضرورة العقلية فلو فرض أن هذا القياس عارضه ما أبطله لم يبطل ما علموه بالفطرة الضرورية من أن الله فوق خلقه وأنه يمتنع كونه لا داخل العالم ولا خارجه ولا يلزم من كون العبد مضطرا إلى العلم بحكم الشيء المعين أن يجعل نقيض ذلك قضية عامة كلية فإن العلم بالمعين الموجود يلزمه نفي النقيض وذلك شيء غير العلم بنفي المطلق الكلي وطوائف من أهل الفطرة الصحيحة والأثبات للشريعة يعلمون أن الله تعالى فوق العالم ولا يخطر بقلوبهم تقدير وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه حتى ينفوه إذ الأقوال المنافية للإيمان لا يجب أن تخطر لكل مؤمن لكن لما حدث من ابتدع هذا النفي تكلم المسلمون في رده تارة ببيان أن الله تعالى فوق خلقه من غير تعرض لغيره وتارة ببيان استحالة نقيض ذلك وتارة ببيان استحالة وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه ومن علم أن الله عز وجل فوق العالم نفى أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه وأما هل يمكن وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فقد يخطر بقلبه وقد لا يخطر # الوجه الثالث أن هذه الحجة المذكورة ليست نظير ما ذكره من حجة الدهرية وذلك أن هؤلاء قالوا الخالق والمخلوق موجودان فكل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما داخلا في الآخر أو خارجا منه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما متصلا بالآخر مقارنا له أو منفصلا عنه بائنا منه ثم قالوا وليس هو فيه فوجب أن يكون خارجا منه وهذا مقصودهم فنظيره أن يقال الباري والعالم موجودان وكل موجودين فإما أن يكون وجودهما معا وهما متقارنان وإما

أن يكون أحدهما قبل الآخر وليس مع العالم مقارنا له فوجب أن يكون متقدما عليه وهذا حق فهذا تمام الموازنة والمعادلة بين الحجتين # فالأولى دلت أن الباري تعالى خارج عن العالم ليس فيه وهذه دلت على أن الباري سابق للعالم لم يقارنه العالم وكذلك قال سبحانه ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ 6057 وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة كما أن التقدم على الشيء قد يقال إنه بمجرد الرتبة كما يكون بالمكان مثل تقدم العالم على الجاهل وتقدم الإمام على المأموم فتقدم الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو قبله حقيقة فكذلك العلو على العالم قد يقال إنه يكون بمجرد الرتبة كما يقال العالم فوق الجاهل وعلو الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو عال عليه علوا حقيقيا وهو العلو المعروف والتقدم المعروف فهذا هو الذي يدل عليه ما ذكره من الموازنة والمقابلة وكلاهما حق يقولون به فعلم أن الحجة عليه لا له # الوجه الرابع أن هذه المعارضة قد أخذها الرازي ممن احتج بها قبله كأبي المعالي وذويه فإنهم ذكروها في مسألة حدوث العالم وذكروها في مسألة الجهة لما أورد عليهم كل واحدة من الطائفتين ما عارضهم به من القضيتين الفطريتين فظنوا أنهم بهذا الإلزام يخلصون من معارضة الطائفتين ويجعلون ذلك دليلا على أنها من حكم الوهم ومع هذا لم يخلصوا بذلك من معارضة الطائفتين بل ادعوا ما يخالف العقل الصريح وكان ذلك مما سلط

عليهم الفلاسفة الدهرية رأوا احتجاجهم بهذه الحجة الضعيفة وكان ذلك مما سلط عليهم المسلمون المثبتون وهذا كما ذكره الإمام أحمد في مناظرة جهم للسمنية # فهكذا أجاب أهل الكلام الذين تكلموا في مناظرة الكفار وأهل الأهواء في المذاهب والحجج بما ليس موافقا للشريعة وما ينكره العقل الصريح فصاروا كمن جاهد الكفار جهادا ظلمهم به وخرج فيه عن الشريعة وظلم فيه المؤمنين جميعا حتى كان مضرة ذلك الجهاد على المسلمين وعلى أنفسهم وعلى عدوهم أكثر من منفعته وقد بسطنا الكلام في أمثال هذا في غير هذا الموضع # ثم غاية ذلك أنه جواب إلزامي لا علمي وهو لا ينفع لا للناظر ولا للمناظر وذلك أن المثبت إذا قال لهم كل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه كان من المعروف بنفسه أن هذا حكم الفطرة الإنسانية الموجودة لبني آدم وهذه الفطرة الضرورية لا تندفع بمعارضة ولا جدل فإذا قالوا هذا من حكم الوهم الباطل وبمنزلة قول الدهرية من الفلاسفة وغيرهم كل موجودين فإما أن كون أحدهما متقدما على الآخر أو مقارنا قيل له هب أن الأمر كذلك فهذا الذي مثلت به هو حق أيضا تقبله الفطرة وتحكم به فإذا قال هذا من حجة الدهرية القائلين بقدم العالم فإذا صححناه لزمنا القول بقدم العالم وهو باطل وما استلزم الباطل فهو باطل قيل له هذه القضية معلومة بينة بنفسها فطرية ضرورية وأما كونها مستلزمة للقبول بقدم العالم فهذا ليس بين

ولا معلوم بل أنت تقوله وقد يكون هذا من ضعف جوابك عن دعوى التلازم فلما عجزت عن الجواب سلمت التلازم # الوجه الخامس أن يقول هب أنا نفرض تلازمهما فالعلم بهذه القضية التي ألزمتموني نفيها لأنفي معها الأولى التي إثباتها أبين في العقول من كون العالم الذي هو عندكم جميع الأجسام وصفاتها محدث ليس شيء منها بقديم فالاحتجاج على بطلان هذه المقدمة ببطلان هذا اللازم الذي هو أخفى منها عكس الواجب بل إن صح هذا التلازم كان بعض قول الفلاسفة أصح من قولكم يا معشر المناظرين لهم والله تعالى لم يأمرنا أن ندفع الأقوال الباطلة من أقوال الكفار وغيرها بالأقوال الباطلة بل أمرنا أن نكون قوامين بالقسط شهداء لله وأن لا نقول على الله إلا الحق ولا نقفوا ما ليس لنا به علم قال الله تعالى ^ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ^ وقال تعالى ^ وإذا قلتم فاعدلوا ^ وقال تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ^ وقال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال تعالى ^ ولا تقف ما ليس لك به علم ^ وقال تعالى ^ ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ^ وقال تعالى ^ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ^ وقال تعالى ^ ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ^ وقال تعالى ^ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ^ وقال تعالى ^ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ^ وقال تعالى ^ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ^ وقال تعالى ^ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ^

وليس من الأحسن أن يدفع الباطل بالباطل أو أن نرد ما علمناه بالفطرة والضرورة لظننا أن المبطل يدفع به الحق وقال تعالى ^ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ^ فذم الله من جادل في الحق بعد ما تبين ومن حاج فيما ليس له به علم ومن أبين الحق ما كان معلوما بالفطرة فكيف يجوز أن يجادل أحد فيه فيدفعه وإن كان هذا مشتبها على أحد كان ما ليس له به علم وليس لأحد أن يحاج فيما ليس له به علم وهذا أصل عظيم ومن أعظم ما ذم به السلف والأئمة أهل الكلام والجدل وإن جادلوا الكفار وأهل البدع أنهم يجادلون بالباطل في الحجج وفي الأحكام فتدبر هذا واحترس منه فإنه من توقاه الله تخلصت له السنة من البدعة والحق من الباطل والحجج الصحيحة من الفاسدة ونجا من ضلال المتفلسفين وحيرة المتكلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم # الوجه السادس إن كل واحدة من الطائفتين تقول لهم إذا عارضهم بمذهب الآخرين ما يبطل هذه المعارضة فيقول المثبت للعلو من المسلمين وسائر أهل الملل والفلاسفة الصابئين والمشركين وغيرهم أنا أعلم بفطرتي أن الموجود إما أن يكون محايثا لغيره أو مباينا له وقولك إن هذا مثل قول الفيلسوف الدهري الموجودان إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله هو أيضا معلوم لي وقولك إن هذا يستلزم تقدم العالم أنا لا أجزم بهذه الملازمة نفيا ولا إثباتا # وقد يقول أيضا أنا لا أنظر في هذه المعارضة وسواء جزمت بثبوت الملازمة أو انتفائها أو لم أجزم بشيء فأقول لا يخلو إما أن يكون ما ذكرته مستلزما للقول بقدم جسم من الأجسام أو لا يكون فإن لم يكن مستلزما بطلت المعارضة وإن كان مستلزما لقدم جسم من الأجسام فليس علمي بحدوث الأجسام الذي

تسميه حدوث العالم أبين عندي من العلم بهذه القضية إذ هذه المقدمة ضرورية فطرية وتلك تحتاج إلى مقدمات طويلة خفية وفيها نزاع كثير # ولا أيضا دلالة الكتاب والسنة على حدوث جميع الأجسام بأظهر من دلالة الكتاب والسنة على أن الله تعالى فوق العالم بل القرآن مملوء بما يدل على أن الله تعالى فوق العالم وهو دال على أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولكن هو يذكر مع ذلك أنه استوى على العرش والذي نطق به القرآن في جميع الآيات لا يمكن أن يستدل به على أن جميع الأجسام محدثة إلا بتوسط مقدمات مستنبطة بأن يبين أن هذا المذكور في القرآن هو الأجسام وأن لا جسم إلا ما أخبر بخلقه وأما دلالة القرآن على العلو فلا تحتاج إلى مقدمات مستنبطة فإذا كان العلم بأن الله تعالى فوق العالم أبين في الفطرة والشرعة من كون الأجسام كلها محدثة لم يجب علي أن أترك ذلك المعلوم البين في الفطرة خوفا أن يلزمني إنكار هذا الذي ليس هو مثله في ذلك وهذا الجواب بين ظاهر # وملخصه أن هذه الملازمة التي ذكرها وهو أن هذا يستلزم أن يقال هذا مثل حجة الفلاسفة المستلزمة قدم الزمان إما أن تكون حقا في نفس الأمر أو باطلا فإن كانت باطلا بطلت المعارضة وإن كانت حقا لزم إما ثبوت اللازم وإما انتفاء الملزوم لا يلزم انتفاء الملزوم عينا وإذا كان كذلك فليس العلم بانتفاء اللازم بأظهر من العلم بثبوت الملزوم بل ثبوت الملزوم أبين في الشرع والعقل فلا يجوز على هذا التقدير انتفاء اللازم فلا تصح المعارضة وهكذا يقول الفيلسوف وذلك يظهر # بالوجه السابع وهو أن الفيلسوف يقول وعلمي بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله علم بديهي فطري وأما قولك إن هذا مثل قول المجسم

الموجودان إما أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو بائنا عنه أقول لا يخلو إما أن تكون هذه المماثلة حقا أو باطلا فإن كانت باطلا لم يرد علي وإن كانت حقا وجب علي التزام المماثلة وذلك يقتضي أن أقول بثبوت النقيضين جميعا أو انتفائهما جميعا لا يقتضي أن أثبت الزمانية وأنفي المكانية فإذا كنت قد فرقت بينهما بإثبات هذه ونفي الأخرى أكون مخطئا في هذا التفريق لم يتعين خطأي في المكانية حتى أنفيها وأسوي الأخرى بها في النفي بل إذا سويت بينهما في الإثبات يلزمني أن أقول إن واجب الوجود مباين للعالم وإذا سويت بينهما في النفي وسلم أن ذلك يبطل دلالة هذه الحجة على قدم العالم كان غاية ما يلزمني إما بطلان القول بقدم العالم وإما بطلان دليل معين يدل على قدمه ولا ريب أن قدم العالم أو صحة هذه الحجة أخفى وأبعد عن المعلوم من كون واجب الوجود تعالى فوق العالم فإن الإقرار بهذا ثابت في الفطرة وقد تواتر عن الأنبياء والرسل القول به فإذا كان على أحد التقديرين أخالف المعلوم بفطرتي من العلوم الضرورية فأنفي كل واحد من القضيتين وأخالف الأنبياء والمرسلين وعلى الآخر إنما أخالف الحجج الدالة على قدم العالم وأبطل هذه الحجة المعينة كانت مخالفة هذه أولى في عقل كل عاقل وهذا لكلام في غاية الإنصاف والبيان # فعلم أن ما ذكروه من المعارضة لم يندفع به واحدة من الطائفتين لا في المناظرة ولا في نظر الإنسان بينه وبين ربه تعالى ولكن أوهموا هؤلاء بهؤلاء وهؤلاء بهؤلاء والتزموا مخالفة الفطرة الضرورية العقلية التي اتفق عليها العقلاء في كل من الإيهامين مع ما في ذلك من مخالفة الكتب والرسل ببعض ما قالوه في كل واحدة من المسألتين مسألة حدوث الأجسام ومسألة علو الله تعالى على خلقه

هذا كله إذا لم يكن في الفلاسفة من يقول بالجهة ولا في المسلمين من يقول بقدم بعض الأجسام فكيف والمثبت للجهة يقول ما يقال في # الوجه الثامن وهو أن يقول غاية ما ألزمتني به من حجة الدهرية أن يقال بقدم بعض الأجسام إذ القول بقدم الأجسام جميعها لم يقل به عاقل والقول بخلق السموات والأرض لم تدل هذه الحجة على نفيه وإنما دلت إن دلت على قدم ما هو جسم أو مستلزم لجسم وهذا مما يمكنني التزامه فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف فالقول بحدوث ذلك يستلزم القول بحدوث كل موجود وموصوف وقائم بنفسه وذلك يستلزم بأن الله تعالى محدث # وهؤلاء يقولون لمناظريهم نحن نبين أن القول بحدوث كل ما يدخل في المعنى الذي تسمونه جسما يستلزم حدث الباري تعالى ونبين أن قولكم أن الله تعالى ليس بجسم يستلزم حدوث الباري أكثر مما تبينون أن القول بثبوته يستلزم حدوث الباري كما سنبين أن نفي الجهة يستلزم القول بعدم الباري وهذا أمر قد بين في غير هذا الموضع وبين أنما ذكره النفاة من حدوث كل جسم حجة باطلة مبتدعة حتى ذكر أبو الحسن الأشعري أن هذه الحجة مخالفة لحجج الأنبياء والرسل وأتباعهم وأنها محرمة عندهم # وإذا كان كذلك فتقول لهم مثبتة الجهة إذا كان تصحيح هاتين المقدمتين الفطريتين يستلزم مع كون الباري تعالى فوق العالم مباينا له أن يكون

من الأجسام ما هو قديم أمكنني التزام ذلك على قول طوائف من أهل الكلام بل على قول كثير منهم ولم أكن في ذلك موافقا للدهرية الذين يقولون إن الأفلاك قديمة أزلية حتى يقال هذا مخالف للكتاب والسنة أو هذا كفر بل الذي نطق به الكتاب والسنة واتفق عليه المسلمون من خلق المخلوقات وحدوث المحدثات أقول به وأما كون الباري جسما أو ليس بجسم حتى يقال الأجسام كلها محدثة فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم تنطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسم ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة ولا عن الشريعة بخلاف قولي بأن الله تعالى ليس فوق العالم وأنه موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإن فيه من مخالفة الفطرة والشرعة ما هو بين لكل أحد وهو قول لم يقله إمام من أئمة المسلمين بل قالوا نقيضه فكيف التزم خلاف المعقول الفطري وخلاف الكتاب والسنة والإجماع القديم خوفا أن أقول قولا لم أخالف فيه كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا معقولا فطريا # بل يقول في الوجه التاسع هذه المعارضة تؤكد مذهبي وتقوية وتكون حجة ثانية لي على صحة قولي فإن احتججت علي بأن الله تعالى مباين للعالم بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو محايثا له فقلتم هذا معارض بقول الفيلسوف إن الموجودين إما أن يكون أحدهما متقدما على العالم أو مقارنا له وذلك يستلزم القول بقدم الزمان المستلزم للقول بقدم بعض الأجسام فأقول إذا كانت هذه الحجة التي عارضتموني بها مستلزمة لكون بعض الأجسام قديمة من غير أن تعين جسما أمكن أن يكون ذلك الذي يعنونه بأنه الجسم القديم هو الله سبحانه وتعالى كما يقوله المثبتون وأن ذلك هو ملازم لقولنا إنه موصوف وقائم بنفسه ونحو ذلك فتكون هذه الحجة التي عارضتم بها دليلا على أن الله

تعالى جسم بالمعنى الذي ذكرتموه الذي تقول إنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه وإن نازعتم في الملازمة وذلك يدل على صحة الحجة الأولى بالاتفاق فإن الجسم وما يقوم به إما أن يكون مباينا لغيره وإما أن يكون محايثا له أو حالا فيه وهذا متفق عليه فإنكم لا تنازعون في أن الجسم أو ما يقوم به إما مباينا لغيره أو محايثا له وإذا كان موجب الحجة التي ألزمتموني إياها يلزمني أن أقول هو جسم وذلك يستلزم أن يكون مباينا للعالم كان هذا الذي ألزمتموني به حجة ثانية على أنه مباين للعالم فأردتم معارضة كل حجة بالأخرى ليكون ما قلتموه من تناقض الحجتين نافيا لكونه مباينا للعالم ولكون كل جسم محدثا فتبين أن الحجتين متعاونتان متصادقتان وأن كل واحدة منهما تدل على أنه تعالى مباين للعالم # ويقول في الوجه العاشر إذا كانت إحدى هاتين المقدمتين الضرورتين تستلزم أنه مباين للعالم والأخرى تستلزم أنه جسم فقد ثبت بموجب هاتين المقدمتين صحة قول القائلين بالجهة وقول القائلين بأنه جسم وكونه جسما يستلزم القول بالجهة كما توافقون عليه وقول القائلين بالجهة يستلزم أيضا القول بالجسم كما تقولون أنتم وأكثر العقلاء خلاف ما يقوله قدماء أصحابكم إن نفي الجسم مستلزم لنفي الجهة والعلو على العرش وأن ثبوت العلو على العرش يستلزم ثبوت الجسم فإذا تكون كل واحدة من هاتين المقدمتين الفطريتين دليل على كل واحد من هذين المطلوبين وكل من المطلوبين دليلا على الآخر فصار على كل واحد من هذين المطلوبين أربع حجج وهي مبنية على مقدمات فطرية فقد بين هذا أن ما ذكرتموه معارضة للنفاة لتبطلوا به حجتهم هو من أعظم الحجج على صحة قولهم

# وكذلك أيضا قول الفيلسوف في # الوجه الحادي عشر وهو أن يقول هذا الذي عارضتموني به في مسألة الزمان أكثر ما يوجب علي أن أقول بالجهة والقول بالجهة هو قول أئمة الفلاسفة كما ذكرناه فيما مضى عن القاضي أبي الوليد ابن رشد الفيلسوف الذي هو من أتبع الناس لأقوال آرسطو وذويه وأنه قال القول في الجهة وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله قال وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ ومثل قوله ^ وسع كرسيه السموات والأرض ^ ومثل قوله ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ ومثل قوله ^ يدبر الأمر من السماء إلى لأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ^ ومثل قوله ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ ومثل قوله ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ^ إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا متشابها لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله تعالى في السماء وأن منها تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين وأن من السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى قال وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية # وقد تقدم ذكرنا لبقية كلامه بألفاظه وأنه قرر أن ما فوق العالم

وهو الجهة ليس مكانا على اصطلاح الفلاسفة إذ المكان عند آرسطو هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي إلى أن قال وقد قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة إن ذلك الموضع هو مسكن الروحانيين يريدون الله والملائكة إلى أن قال فقد ظهر من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل وأنه الذي جاء به الشرع وابتنى عليه فإن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع فقد حكى اتفاق الحكماء على إثبات الجهة قال وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء وأن مما قيل في الآراء السالفة والشرائع الغابرة إن ذلك الموضع يعني ما فوق العالم هو مسكن الروحانيين يريدون الله تعالى والملائكة وتصريحهم في هذا بلفظ المسكن يشبه ما ذكره الأشعري أن المسلمين جميعا إذا نابتهم نائبة يقولون يا ساكن العرش # فقد ظهر بهذا أنما ذكره من التناقض على المجسمة والفلاسفة لا يرد على واحدة منهما بل يمكنهم نفي هذا التناقض
فصل # لفظ الظرف فيه اشتراك غلط بسببه أقوام فإن الظرف في اللغة قد يعنى به الجسم الذي يوعى فيه غيره فيظن إذا استعملت هذه الأدوات في حق الله تعالى أنه محل المخلوقات تكون في جوفه وأنها محل له يكون في جوفها وهذا مما يعلم قطعا أن هذه الأدوات لم تدل على ذلك في حق الله تعالى البتة بل النحاة سموا الألفاظ التي يعبر بها العرب عن المعاني التي هي أعم من ذلك بالظروف حتى يدخل في ذلك ما لا يحيط بالمظروف وأنواع متعددة وقد قال تعالى ^ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ^ وقال تعالى ^ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ^ وقال تعالى ^ إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ^ وقال تعالى ^ فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل

والنهار وهم لا يسأمون ^ وقال تعالى ^ في مقعد صدق عند مليك مقتدر ^ وقال تعالى ^ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ^ وقال تعالى ^ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ^ وقال تعالى ^ ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ^ وقال تعالى ^ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ^ وقال تعالى ^ إن الله عنده علم الساعة ^ # ولفظ مع من الظروف وقد أضيف اسم الله إليه فيما شاء الله من المواضع وإضافته إلى الظرف أبلغ من إضافة الظرف إليه قال تعالى ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ وقال ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ وقال ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ # وحق لمن يكون هذا وأمثاله كلامه إذا أراد الله رحمته أن يتوب منه كما قال أبو المعالي عند الموت لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا أموت على عقيدة أمي وروي على عقيدة عجائز نيسابور ولهذا يقول مثل هؤلاء عليكم بدين العجائز فإن تلك العقيدة الفطرية التي للعجائز خير من هذه الأباطيل التي هي من شعب الكفر والنفاق وهم يجعلونها من باب التحقيق والتدقيق
فصل # أبو عبدالله الرازي فيه تجهم قوي ولهذا يوحد ميله إلى الدهرية أكثر من ميله إلى السلفية الذين يقولون إنه فوق العرش وربما كان يوالي أولئك أكثر من هؤلاء ويعادي هؤلاء أكثر من أولئك مع اتفاق المسلمين على أن الدهرية كفار وأن المثبتة للعلو فيهم من خيار المسلمين من لا يحصيه إلا الله تعالى وقد صنف على مذهب الدهرية المشركين والصابئين كتبا حتى قد صنف في السحر

وعبادة الأصنام وهو الجبت والطاغوت وإن كان قد أسلم من هذا الشرك وتاب من هذه الأمور فهذه الموالاة والمعادات لعلها في تلك الأوقات ومن كان بتلك الأحوال فهو قبل الإسلام والتوبة ومن فعل هذا كان له نصيب من قوله تعالى ^ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا إلى قوله ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ^ إلى آخر الآيات # يقرر ذلك أنه احتج في مقدمة هذا العلم الشريف بكلام آرسطو معلم المشائين من الدهرية ولم يكن عنده من أثارة الأنبياء والمرسلين ما يقدمه على كلام الدهرية واحتج أيضا بما نقله عن أبي معشر البلخي والمنجم وهو من أتباع الصابئين بل كان تارة من المشركين عباد الشمس والقمر وعبد القمر مدة كما أخبر بذلك عن نفسه وصنفها صنف في ذلك وجواب الدهرية أنه قبل العالم وما فيه من الزمان وقولهم والعلم الضروري حاصل بأن هذه القبلية لا تكون إلا بالزمان والمدة



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس