عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 01:22 AM   #10
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


من ههُنا"، وأشار بيده إلى أرضِ الحبشةِ، وكانت أُمُّ سلمةَ وأسماءُ لَدَّتاهُ، فقالوا: يا رسولَ الله؛ خشِينَا أن يكون بكَ ذاتُ الجنب. قال: "فَبِمَ لَدَدْتُمُونى" ؟ قالوا: بالعُودِ الهندىِّ، وشىءٍ من وَرْسٍ وقَطِرَاتٍ من زيت. فقال: "ما كان اللهُ لِيَقْذِفَنِى بذلك الدَّاءِ"، ثم قال: "عَزَمْتُ عليكم أنْ لا يَبْقى فى البيتِ أحدٌ إلا لُدَّ



ص -90- إلا عَمِّىَ العَبَّاس".
وفى "الصحيحين" عن عائشةَ رضى الله تعالى عنها قالت: لَدْدنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأشار أن لا تَلُدُّونِى، فقلنا: كراهِيةُ المريض للدواءِ، فلما أفاق قال: "ألم أنْهَكُمْ أن تَلُدُّونِى، لا يَبْقَى منكم أحدٌ إلا لُدَّ غَيْرَ عَمِّى العباس، فإنَّه لَمْ يَشْهَدْكُم".
قال أبو عبيد عن الأصمعىِّ: اللَّدُودُ: ما يُسقى الإنسان فى أحد شِقَّى الفم، أُخِذ من لَدِيدَى الوادى، وهما جانباه. وأما الوَجُورُ: فهو فى وسط الفم.
قلت: واللَّدود بالفتح: هو الدواءُ الذى يُلَدَّ به. والسَّعوطُ: ما أُدخل من أنفه.
وفى هذا الحديث من الفقه معاقبةُ الجانى بمثل ما فعل سواء، إذا لم يكن فِعلُه محرماً لحق الله، وهذا هو الصوابُ المقطوع به لبضعةَ عشر دليلاً قد ذكرناها فى موضع آخر، وهو منصوص أحمد، وهو ثابت عن الخلفاء الراشدين، وترجمة المسألة بالقِصاص فى اللَّطمة والضربة، وفيها عدةُ أحاديث لا مُعارِضَ لها ألبتة، فيتعين القولُ بها.


فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج الصُّدَاع والشقيقة

فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج الصُّدَاع والشقيقة
روى ابن ماجه فى "سننه" حديثاً فى صحته نظر: أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صُدِع، غَلَّفَ رأسَه بالحنَّاءِ، ويقول: "إنَّهُ نافعٌ بإذنِ الله من الصُّداعِ".
والصُّدَاع: ألم فى بعض أجزاء الرأس أو كله، فما كان منه فى أحد شِقَّى الرأس لازماً يُسمَّى شقيقةً؛ وإن كان شاملاً لجميعه لازماً، يسمى بَيضْةً وخُودَةً تشبيهاً بِبَيْضَة السلاح التى تشتمل على الرأس كلِّه، وربما كان فى مؤخَّر الرأس أو فى مقدمه.
وأنواعه كثيرة، وأسبابه مختلفة. وحقيقة الصُّداع: سخونةُ الرأس، واحتماؤه لما دار فيه مِن البخار يطلُب النفوذ من الرأس، فلا يجد منفذاً، فيصدَعُه كما يصدع الوَعىُ إذا حمى ما فيه وطلب النفوذ، فكل شىء رطب إذا حمى، طلب مكاناً أوسع من



ص -91- مكانه الذى كان فيه، فإذا عرض هذا البخار فى الرأس كله بحيث لا يمكنه التَّفَشِّى والتحلل، وجال فِى الرأس، سمى: السَّدرَ.
والصُّداع يكون عن أسباب عديدة:
أحدها: من غلبة واحد من الطبائع الأربعة.
والخامس: يكون من قروح تكون فى المعدة، فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس بالمعدة.
والسادس: من ريح غليظة تكون فى المعدة، فتصعَدُ إلى الرأس فتصدعه.
والسابع: يكون من ورم فى عروق المعدة، فيألمُ الرأسُ بألم المعدة للاتصال الذى بينهما.
والثامن: صُداع يحصل من امتلاء المعدة من الطعام، ثم ينحدر ويبقى بعضُه نيئاً، فيصدَع الرأس ويثقله.
والتاسع: يعرض بعد الجِمَاع لتخلخل الجسم، فيصل إليه مِن حر الهواء أكثرُ من قدر.
والعاشر: صداع يحصُل بعد القىء والاستفراغ، إما لغلبة اليبس، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه.
والحادى عشر: صُداع يعرِضُ عن شدة الحر وسخونة الهواء.
والثانى عشر: ما يَعْرِضُ من شدة البرد، وتكاثفِ الأبخرة فى الرأس وعدم تحَلُّلها.
والثالث عشر: ما يحدُث مِن السهر وعدم النوم.
والرابع عشر: ما يحدُث مِن ضغط الرأس وحمل الشىء الثقيل عليه.
والخامس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الكلام، فتضعف قوةُ الدماغ لأجله.
والسادس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الحركة والرياضة المفرطة.
والسابع عشر:ما يحدُث من الأعراض النفسانية، كالهموم، والغموم، والأحزان، والوساوس، والأفكار الرديئة.
والثامن عشر: ما يحدُث من شدة الجوع، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه.
والتاسع عشر: ما يحدُث عن ورم



ص -92- فى صِفاق الدماغ، ويجد صاحبُه كأنه يُضْرَب بالمطارق على رأسه.
والعشرون: ما يحدُث بسبب الحُمَّى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم.. والله أعلم.
فصل
وسبب صُداع الشقيقة مادة فى شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها، أو مرتقية إليها، فيقبلُها الجانب الأضعف من جانبيه، وتلك المادةُ إما بُخارية، وإما أخلاط حارة أو باردة، وعلامتُها الخاصة بها ضرَبان الشرايين، وخاصة فى الدموى. وإذا ضُبِطت بالعصائب، ومُنِعت من الضَّربَان، سكن الوجع.
وقد ذكر أبو نعيم فى كتاب "الطب النبوى" له: أنَّ هذا النوع كان يُصيب النبى صلى الله عليه وسلم، فيمكث اليوم واليومين، ولا يخرج.
وفيه: عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عَصَبَ رأسه بعِصَابةٍ.
وفى "الصحيح": أنه قال فى مرض موته: "وَارَأْسَاهُ". وكان يُعصِّبُ رأسه فى مرضه، وعَصْبُ الرأس ينفع فى وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.
فصل
وعِلاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه، فمنه ما علاجُه بالاستفراغ، ومنه ما علاجُه بتناول الغذاء، ومنه ما عِلاجُه بالسُّكون والدَّعة، ومنه ما عِلاجُه بالضِّمادات، ومنه ما علاجُه بالتبريد، ومنه ما علاجُه بالتسخين، ومنه ما عِلاجُه بأن يجتنب سماعَ الأصواتِ والحركات.
إذا عُرِفَ هذا، فعِلاجُ الصُّداع فى هذا الحديث بالحِنَّاء، هو جزئى لا كُلِّى، وهو علاج نوع من أنواعِه، فإن الصُّداع إذا كان من حرارة ملهبة، ولم يكن من مادةٍ يجب استفراغها، نفع فيه الحِنَّاء نفعاً ظاهراً، وإذا دُقَّ وضُمِّدَتْ به الجبهةُ مع الخل، سكن الصُّداع، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، سكنت أوجاعُه، وهذا لا يختصُّ بوجع الرأس، بل يعُمُّ الأعضاءَ، وفيه قبض تُشَدُّ به الأعضاء، وإذا ضُمِّدَ به موضعُ الورم الحار والملتهب، سكَّنه.
وقد روى البخارى فى "تاريخه"، وأبو داود فى "السنن" أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما شَكا إليه أحدٌ وجَعاً فى رأسِهِ إلا قال له: "احْتَجِمْ"، ولا شَكى إليه وجَعاً فى رجلَيْه إلا قال له:



ص -93- "اخْتَضِبْ بالحِنَّاء".
وفى الترمذى: عن سَلْمَى أُمِّ رافعٍ خادمِة النبى صلى الله عليه وسلم قالتْ: كان لا يُصيبُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قرحةٌ ولا شَوْكةٌ، إلا وَضَع عليها الحِنَّاءَ
فصل
والحِنَّاءُ باردٌ فى الأُولى، يابسٌ فى الثانية، وقوةُ شجر الحِنَّاء وأغصانها مُركَّبةٌ من قوة محللة اكتسبتْها من جوهر فيها مائى، حار باعتدال، ومِن قوة قابضة اكتسبتْها من جوهر فيها أرضى بارد.
ومن منافعه أنه محلِّلٌ نافع من حرق النار، وفيه قوةٌ موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، وينفع إذا مُضِغ من قُروح الفم والسُّلاق العارض فيه. ويبرىءُ القُلاع الحادث فى أفواه الصبيان، والضِّماد به ينفعُ مِن الأورام الحارة الملهبة، ويفعَلُ فى الجراحات فِعل دم الأخوَين، وإذا خُلِطَ نَوْرُه مع الشمع المصفَّى، ودُهن الورد، ينفع من أوجاع الجنب.
ومن خواصه أنه إذا بدأ الجُدرِىُّ يخرج بصبى، فخُضِبَت أسافل رجليهِ بحنَّاءٍ، فإنه يُؤمَنُ على عينيه أن يخرُج فيها شىء منه، وهذا صحيح مُجرَّب لا شك فيه. وإذا جُعِل نَوْرُه بين طى ثياب الصوف طيَّبها، ومنع السوس عنها، وإذا نُقِعَ ورقُه فى ماءٍ عذب يغمُره، ثم عُصِرَ وشُرِبَ من صفوه أربعين يوماً كلَّ يوم عشرون درهماً مع عشرة دراهم سكر، ويُغذَّى عليه بلحم الضأن الصغير، فإنه ينفع من ابتداء الجُذام بخاصيةٍ فيه عجيبة.
وحُكى أنَّ رجلاً تشقَّقَتْ أظافيرُ أصابِع يده، وأنه بذل لمن يُبرئه مالاً، فلم يجد، فوصفت له امرأة، أن يشرب عشرة أيام حِناء، فلم
يُقْدِم عليه، ثم نقعه بماء وشربه، فبرأ ورجعت أظافيرُه إلى حسنها.
والحِنَّاء إذا أُلزِمَتْ به الأظفار معجوناً حسَّنها ونفعها، وإذا عُجِنَ بالسمن وضُمِّدَ به بقايا الأورام الحارة التى تَرْشَحُ ماءً أصفر نفعها، ونفع من الجرَب المتقرِّح المزمن



ص -94- منفعة بليغة، وهو يُنْبت الشعرَ ويقويه، ويُحَسِّنه، ويُقوِّى الرأس، وينفع من النَّفَّاطات، والبُثور العارضة فى الساقين والرِّجْلين، وسائر البدن.

فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب، وأنهم لا يُكرَهون على تناولهما

فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب، وأنهم لا يُكرَهون على تناولهما
روى الترمذى فى "جامعه"، وابنُ ماجه، عن عقبة بن عامر الجُهَنِى، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْرِهوا مَرضاكُم عَلَى الطَّعامِ والشَّرابِ، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يُطْعِمُهُم ويَسْقِيهمْ".
قال بعضُ فضلاء الأطباء: ما أغزرَ فوائدَ هذه الكلمة النبوية المشتملة على حِكم إلهية، لا سِيَّما للأطباء، ولمن يُعالِج المرضى، وذلك أنَّ المريضَ إذا عاف الطعامَ أو الشراب، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض،
أو لسقوط شهوته، أو نُقْصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها، وكيفما كان، فلا يجوز حينئذ إعطاءُ الغِذاء فى هذه الحالة.
واعلم أنَّ الجوعَ إنما هو طلبُ الأعضاء للغذاء لتُخلِفَ الطبيعة به عليها عِوضَ ما يتحلل منها، فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا حتى ينتهىَ الجذبُ إلى المعدة، فيُحِسُّ الإنسان بالجوع، فيطلبُ الغِذاء، وإذا وُجِدَ المرض، اشتغلت الطبيعةُ بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء، أو الشراب، فإذا أُكْرِهَ المريضُ على استعمال شىء من ذلك، تعطلَّتْ به الطبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه، فيكون ذلك سبباً لضرر المريض، ولا سِيَّما فى أوقات البُحْران، أو ضعفِ الحار الغريزى أو خمودِه، فيكون ذلك زيادةً فى البلية، وتعجيل النازلة المتوقَّعةَ. ولا ينبغى أن يُستعمل فى هذا الوقتِ والحال إلا ما يحفظُ عليه قوَّته ويُقويها مِن غير استعمال مزعج للطبيعة ألبتة، وذلك يكونُ بما لَطُفَ قِوامه من الأشربة والأغذية، واعتدلَ مِزاجه كشراب اللَّينوفر، والتفاح، والورد الطَّرِى، وما أشبه ذلك،ومن



ص -95- الأغذية مرق الفراريج المعتدلة الطيبة فقط، وإنعاش قواه بالأراييح العَطِرَة الموافقة، والأخبار السارة، فإنَّ الطبيبَ خادمُ الطبيعة، ومعينها لا معيقها.
واعلم أنَّ الدم الجيد هو المُغَذِّى للبدن، وأنَّ البلغم دم فج قد نضج بعضَ النضج، فإذا كان بعض المرضى فى بدنه بلغم كثير، وعُدِم الغذاءُ، عطفت الطبيعةُ عليه، وطبخته، وأنضجته، وصيَّرته دماً، وغَذَّت به الأعضاء، واكتفت به عما سواه، والطبيعةُ هى القوة التى وكلها الله سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته، وحراسته مدة حياته.
واعلم أنه قد يُحتاج فى النَّدرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب، وذلك فى الأمراض التى يكون معها اختلاطُ العقل، وعلى هذا فيكونُ الحديثُ من العامِّ المخصوص، أو من المُطْلَقِ الذى قد دلَّ على تقييده دليلٌ، ومعنى الحديث: أنَّ المريضَ قد يعيش بلا غذاء أياماً لا يعيش الصحيحُ فى مثلها.
وفى قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ الله يُطعِمُهم ويَسْقِيهِم" معنى لطيفٌ زائد على ما ذكره الأطباءُ لا يعرفُه إلا مَن له عناية بأحكام القُلوب والأرواح، وتأثيرها فى طبيعة البَدن، وانفعالِ الطبيعة عنها، كما تنفعل هى كثيراً عن الطبيعة، ونحن نُشير إليه إشارةً، فنقول: النَّفْسُ إذا حصل لها ما يشغَلُها مِن محبوبٍ أو مكروهٍ أو مَخُوف، اشتغلَتْ به عن طلب الغِذاء والشراب، فلا تُحِسُّ بجوع ولا عطش، بل ولا حر ولا برد، بل تشتغل به عن الإحساس المؤلم الشديد الألم، فلا تُحِسُّ به، وما من أحد إلا وقد وجدَ فى نفسه ذلك أو شيئاً منه، وإذا اشتغلتْ النفس بما دهمها، وورد عليها، لم تُحِسَّ بألم
من ههُنا"، وأشار بيده إلى أرضِ الحبشةِ، وكانت أُمُّ سلمةَ وأسماءُ لَدَّتاهُ، فقالوا: يا رسولَ الله؛ خشِينَا أن يكون بكَ ذاتُ الجنب. قال: "فَبِمَ لَدَدْتُمُونى" ؟ قالوا: بالعُودِ الهندىِّ، وشىءٍ من وَرْسٍ وقَطِرَاتٍ من زيت. فقال: "ما كان اللهُ لِيَقْذِفَنِى بذلك الدَّاءِ"، ثم قال: "عَزَمْتُ عليكم أنْ لا يَبْقى فى البيتِ أحدٌ إلا لُدَّ



ص -90- إلا عَمِّىَ العَبَّاس".
وفى "الصحيحين" عن عائشةَ رضى الله تعالى عنها قالت: لَدْدنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأشار أن لا تَلُدُّونِى، فقلنا: كراهِيةُ المريض للدواءِ، فلما أفاق قال: "ألم أنْهَكُمْ أن تَلُدُّونِى، لا يَبْقَى منكم أحدٌ إلا لُدَّ غَيْرَ عَمِّى العباس، فإنَّه لَمْ يَشْهَدْكُم".
قال أبو عبيد عن الأصمعىِّ: اللَّدُودُ: ما يُسقى الإنسان فى أحد شِقَّى الفم، أُخِذ من لَدِيدَى الوادى، وهما جانباه. وأما الوَجُورُ: فهو فى وسط الفم.
قلت: واللَّدود بالفتح: هو الدواءُ الذى يُلَدَّ به. والسَّعوطُ: ما أُدخل من أنفه.
وفى هذا الحديث من الفقه معاقبةُ الجانى بمثل ما فعل سواء، إذا لم يكن فِعلُه محرماً لحق الله، وهذا هو الصوابُ المقطوع به لبضعةَ عشر دليلاً قد ذكرناها فى موضع آخر، وهو منصوص أحمد، وهو ثابت عن الخلفاء الراشدين، وترجمة المسألة بالقِصاص فى اللَّطمة والضربة، وفيها عدةُ أحاديث لا مُعارِضَ لها ألبتة، فيتعين القولُ بها.


فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج الصُّدَاع والشقيقة

فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج الصُّدَاع والشقيقة
روى ابن ماجه فى "سننه" حديثاً فى صحته نظر: أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صُدِع، غَلَّفَ رأسَه بالحنَّاءِ، ويقول: "إنَّهُ نافعٌ بإذنِ الله من الصُّداعِ".
والصُّدَاع: ألم فى بعض أجزاء الرأس أو كله، فما كان منه فى أحد شِقَّى الرأس لازماً يُسمَّى شقيقةً؛ وإن كان شاملاً لجميعه لازماً، يسمى بَيضْةً وخُودَةً تشبيهاً بِبَيْضَة السلاح التى تشتمل على الرأس كلِّه، وربما كان فى مؤخَّر الرأس أو فى مقدمه.
وأنواعه كثيرة، وأسبابه مختلفة. وحقيقة الصُّداع: سخونةُ الرأس، واحتماؤه لما دار فيه مِن البخار يطلُب النفوذ من الرأس، فلا يجد منفذاً، فيصدَعُه كما يصدع الوَعىُ إذا حمى ما فيه وطلب النفوذ، فكل شىء رطب إذا حمى، طلب مكاناً أوسع من



ص -91- مكانه الذى كان فيه، فإذا عرض هذا البخار فى الرأس كله بحيث لا يمكنه التَّفَشِّى والتحلل، وجال فِى الرأس، سمى: السَّدرَ.
والصُّداع يكون عن أسباب عديدة:
أحدها: من غلبة واحد من الطبائع الأربعة.
والخامس: يكون من قروح تكون فى المعدة، فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس بالمعدة.
والسادس: من ريح غليظة تكون فى المعدة، فتصعَدُ إلى الرأس فتصدعه.
والسابع: يكون من ورم فى عروق المعدة، فيألمُ الرأسُ بألم المعدة للاتصال الذى بينهما.
والثامن: صُداع يحصل من امتلاء المعدة من الطعام، ثم ينحدر ويبقى بعضُه نيئاً، فيصدَع الرأس ويثقله.
والتاسع: يعرض بعد الجِمَاع لتخلخل الجسم، فيصل إليه مِن حر الهواء أكثرُ من قدر.
والعاشر: صداع يحصُل بعد القىء والاستفراغ، إما لغلبة اليبس، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه.
والحادى عشر: صُداع يعرِضُ عن شدة الحر وسخونة الهواء.
والثانى عشر: ما يَعْرِضُ من شدة البرد، وتكاثفِ الأبخرة فى الرأس وعدم تحَلُّلها.
والثالث عشر: ما يحدُث مِن السهر وعدم النوم.
والرابع عشر: ما يحدُث مِن ضغط الرأس وحمل الشىء الثقيل عليه.
والخامس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الكلام، فتضعف قوةُ الدماغ لأجله.
والسادس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الحركة والرياضة المفرطة.
والسابع عشر:ما يحدُث من الأعراض النفسانية، كالهموم، والغموم، والأحزان، والوساوس، والأفكار الرديئة.
والثامن عشر: ما يحدُث من شدة الجوع، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه.
والتاسع عشر: ما يحدُث عن ورم



ص -92- فى صِفاق الدماغ، ويجد صاحبُه كأنه يُضْرَب بالمطارق على رأسه.
والعشرون: ما يحدُث بسبب الحُمَّى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم.. والله أعلم.
فصل
وسبب صُداع الشقيقة مادة فى شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها، أو مرتقية إليها، فيقبلُها الجانب الأضعف من جانبيه، وتلك المادةُ إما بُخارية، وإما أخلاط حارة أو باردة، وعلامتُها الخاصة بها ضرَبان الشرايين، وخاصة فى الدموى. وإذا ضُبِطت بالعصائب، ومُنِعت من الضَّربَان، سكن الوجع.
وقد ذكر أبو نعيم فى كتاب "الطب النبوى" له: أنَّ هذا النوع كان يُصيب النبى صلى الله عليه وسلم، فيمكث اليوم واليومين، ولا يخرج.
وفيه: عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عَصَبَ رأسه بعِصَابةٍ.
وفى "الصحيح": أنه قال فى مرض موته: "وَارَأْسَاهُ". وكان يُعصِّبُ رأسه فى مرضه، وعَصْبُ الرأس ينفع فى وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.
فصل
وعِلاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه، فمنه ما علاجُه بالاستفراغ، ومنه ما علاجُه بتناول الغذاء، ومنه ما عِلاجُه بالسُّكون والدَّعة، ومنه ما عِلاجُه بالضِّمادات، ومنه ما علاجُه بالتبريد، ومنه ما علاجُه بالتسخين، ومنه ما عِلاجُه بأن يجتنب سماعَ الأصواتِ والحركات.
إذا عُرِفَ هذا، فعِلاجُ الصُّداع فى هذا الحديث بالحِنَّاء، هو جزئى لا كُلِّى، وهو علاج نوع من أنواعِه، فإن الصُّداع إذا كان من حرارة ملهبة، ولم يكن من مادةٍ يجب استفراغها، نفع فيه الحِنَّاء نفعاً ظاهراً، وإذا دُقَّ وضُمِّدَتْ به الجبهةُ مع الخل، سكن الصُّداع، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، سكنت أوجاعُه، وهذا لا يختصُّ بوجع الرأس، بل يعُمُّ الأعضاءَ، وفيه قبض تُشَدُّ به الأعضاء، وإذا ضُمِّدَ به موضعُ الورم الحار والملتهب، سكَّنه.
وقد روى البخارى فى "تاريخه"، وأبو داود فى "السنن" أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما شَكا إليه أحدٌ وجَعاً فى رأسِهِ إلا قال له: "احْتَجِمْ"، ولا شَكى إليه وجَعاً فى رجلَيْه إلا قال له:



ص -93- "اخْتَضِبْ بالحِنَّاء".
وفى الترمذى: عن سَلْمَى أُمِّ رافعٍ خادمِة النبى صلى الله عليه وسلم قالتْ: كان لا يُصيبُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قرحةٌ ولا شَوْكةٌ، إلا وَضَع عليها الحِنَّاءَ
فصل
والحِنَّاءُ باردٌ فى الأُولى، يابسٌ فى الثانية، وقوةُ شجر الحِنَّاء وأغصانها مُركَّبةٌ من قوة محللة اكتسبتْها من جوهر فيها مائى، حار باعتدال، ومِن قوة قابضة اكتسبتْها من جوهر فيها أرضى بارد.
ومن منافعه أنه محلِّلٌ نافع من حرق النار، وفيه قوةٌ موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، وينفع إذا مُضِغ من قُروح الفم والسُّلاق العارض فيه. ويبرىءُ القُلاع الحادث فى أفواه الصبيان، والضِّماد به ينفعُ مِن الأورام الحارة الملهبة، ويفعَلُ فى الجراحات فِعل دم الأخوَين، وإذا خُلِطَ نَوْرُه مع الشمع المصفَّى، ودُهن الورد، ينفع من أوجاع الجنب.
ومن خواصه أنه إذا بدأ الجُدرِىُّ يخرج بصبى، فخُضِبَت أسافل رجليهِ بحنَّاءٍ، فإنه يُؤمَنُ على عينيه أن يخرُج فيها شىء منه، وهذا صحيح مُجرَّب لا شك فيه. وإذا جُعِل نَوْرُه بين طى ثياب الصوف طيَّبها، ومنع السوس عنها، وإذا نُقِعَ ورقُه فى ماءٍ عذب يغمُره، ثم عُصِرَ وشُرِبَ من صفوه أربعين يوماً كلَّ يوم عشرون درهماً مع عشرة دراهم سكر، ويُغذَّى عليه بلحم الضأن الصغير، فإنه ينفع من ابتداء الجُذام بخاصيةٍ فيه عجيبة.
وحُكى أنَّ رجلاً تشقَّقَتْ أظافيرُ أصابِع يده، وأنه بذل لمن يُبرئه مالاً، فلم يجد، فوصفت له امرأة، أن يشرب عشرة أيام حِناء، فلم
يُقْدِم عليه، ثم نقعه بماء وشربه، فبرأ ورجعت أظافيرُه إلى حسنها.
والحِنَّاء إذا أُلزِمَتْ به الأظفار معجوناً حسَّنها ونفعها، وإذا عُجِنَ بالسمن وضُمِّدَ به بقايا الأورام الحارة التى تَرْشَحُ ماءً أصفر نفعها، ونفع من الجرَب المتقرِّح المزمن



ص -94- منفعة بليغة، وهو يُنْبت الشعرَ ويقويه، ويُحَسِّنه، ويُقوِّى الرأس، وينفع من النَّفَّاطات، والبُثور العارضة فى الساقين والرِّجْلين، وسائر البدن.

فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب، وأنهم لا يُكرَهون على تناولهما

فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب، وأنهم لا يُكرَهون على تناولهما
روى الترمذى فى "جامعه"، وابنُ ماجه، عن عقبة بن عامر الجُهَنِى، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْرِهوا مَرضاكُم عَلَى الطَّعامِ والشَّرابِ، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يُطْعِمُهُم ويَسْقِيهمْ".
قال بعضُ فضلاء الأطباء: ما أغزرَ فوائدَ هذه الكلمة النبوية المشتملة على حِكم إلهية، لا سِيَّما للأطباء، ولمن يُعالِج المرضى، وذلك أنَّ المريضَ إذا عاف الطعامَ أو الشراب، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض،
أو لسقوط شهوته، أو نُقْصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها، وكيفما كان، فلا يجوز حينئذ إعطاءُ الغِذاء فى هذه الحالة.
واعلم أنَّ الجوعَ إنما هو طلبُ الأعضاء للغذاء لتُخلِفَ الطبيعة به عليها عِوضَ ما يتحلل منها، فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا حتى ينتهىَ الجذبُ إلى المعدة، فيُحِسُّ الإنسان بالجوع، فيطلبُ الغِذاء، وإذا وُجِدَ المرض، اشتغلت الطبيعةُ بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء، أو الشراب، فإذا أُكْرِهَ المريضُ على استعمال شىء من ذلك، تعطلَّتْ به الطبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه، فيكون ذلك سبباً لضرر المريض، ولا سِيَّما فى أوقات البُحْران، أو ضعفِ الحار الغريزى أو خمودِه، فيكون ذلك زيادةً فى البلية، وتعجيل النازلة المتوقَّعةَ. ولا ينبغى أن يُستعمل فى هذا الوقتِ والحال إلا ما يحفظُ عليه قوَّته ويُقويها مِن غير استعمال مزعج للطبيعة ألبتة، وذلك يكونُ بما لَطُفَ قِوامه من الأشربة والأغذية، واعتدلَ مِزاجه كشراب اللَّينوفر، والتفاح، والورد الطَّرِى، وما أشبه ذلك،ومن



ص -95- الأغذية مرق الفراريج المعتدلة الطيبة فقط، وإنعاش قواه بالأراييح العَطِرَة الموافقة، والأخبار السارة، فإنَّ الطبيبَ خادمُ الطبيعة، ومعينها لا معيقها.
واعلم أنَّ الدم الجيد هو المُغَذِّى للبدن، وأنَّ البلغم دم فج قد نضج بعضَ النضج، فإذا كان بعض المرضى فى بدنه بلغم كثير، وعُدِم الغذاءُ، عطفت الطبيعةُ عليه، وطبخته، وأنضجته، وصيَّرته دماً، وغَذَّت به الأعضاء، واكتفت به عما سواه، والطبيعةُ هى القوة التى وكلها الله سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته، وحراسته مدة حياته.
واعلم أنه قد يُحتاج فى النَّدرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب، وذلك فى الأمراض التى يكون معها اختلاطُ العقل، وعلى هذا فيكونُ الحديثُ من العامِّ المخصوص، أو من المُطْلَقِ الذى قد دلَّ على تقييده دليلٌ، ومعنى الحديث: أنَّ المريضَ قد يعيش بلا غذاء أياماً لا يعيش الصحيحُ فى مثلها.
وفى قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ الله يُطعِمُهم ويَسْقِيهِم" معنى لطيفٌ زائد على ما ذكره الأطباءُ لا يعرفُه إلا مَن له عناية بأحكام القُلوب والأرواح، وتأثيرها فى طبيعة البَدن، وانفعالِ الطبيعة عنها، كما تنفعل هى كثيراً عن الطبيعة، ونحن نُشير إليه إشارةً، فنقول: النَّفْسُ إذا حصل لها ما يشغَلُها مِن محبوبٍ أو مكروهٍ أو مَخُوف، اشتغلَتْ به عن طلب الغِذاء والشراب، فلا تُحِسُّ بجوع ولا عطش، بل ولا حر ولا برد، بل تشتغل به عن الإحساس المؤلم الشديد الألم، فلا تُحِسُّ به، وما من أحد إلا وقد وجدَ فى نفسه ذلك أو شيئاً منه، وإذا اشتغلتْ النفس بما دهمها، وورد عليها، لم تُحِسَّ بألم



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس