موضع آخر فان أعياك ذلك فعليك بالسنة فانها شارحةللقرآن وموضحة له بل قد قال الامام أبو عبدالله محمد بن ادريس الشافعى كل ما حكم بهرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن قال الله تعالى انا انزلنااليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما وقالتعالى وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون وقال تعالى وماأنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ولهذاقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انى أوتيت القرآن ومثله معه يعنىالسنة
والسنة أيضا تنزل عليه بالوحى كما ينزلالقرآن لا أنها تتلى كما يتلى وقد استدل الامام الشافعى وغيره من الأئمة على ذلكبأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك
والغرض انك تطلب تفسير القرآن منه فان لمتجده فمن السنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه الى اليمن بمتحكم قال بكتاب الله قال فان لم تجد قال بسنة رسول الله قال فان لم تجد قال أجتهدرأيى قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صدره وقال الحمد لله الذى وفق رسولالله صلى الله عليه وسلم لما يرضى رسول الله وهذا الحديث فى المساند والسنن باسنادجيد
وحينئذ اذا لم نجد التفسير فى القرآن ولافى السنة رجعنا فى ذلك الى أقوال الصحابة فانهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآنوالأحوال التى اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لاسيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين مثلعبدالله بن مسعود قال الامام ابو جعفر محمد بن جرير الطبرى حدثنا أبو كريب قالانبأنا جابر بن نوح أنبأنا الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق قال قال عبدالله يعنى ابنمسعود والذى لا اله غيره ما نزلت آية من كتاب الله الا وأنا اعلم فيمن نزلت وايننزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناوله المطايا لاتيته وقال الأعمشايضا عن أبى وائل عن ابن مسعود قال كان الرجل منا اذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتىيعرف معانيهن والعمل بهن
ومنهم الحبر البحر عبدالله بن عباس ابن عمرسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليهوسلم له حيث قال اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل وقال ابن جرير حدثنا محمد بنبشار أنبأنا وكيع أنبأنا سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال قال عبدالله يعنىابن مسعود نعم ترجمان القرآن ابن عباس ثم رواه عن يحيى بن داود عن اسحاق الازرق عنسفيان عن الأعمش عن مسلم بن صبيح أبى الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال نعمالترجمان للقرآن ابن عباس ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به كذلك فهذااسناد صحيح الى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة وقد مات ابن مسعود فىسنة ثلاث وثلاثين على الصحيح وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين فما ظنك بما كسبه منالعلوم بعد ابن مسعود وقال الأعمش عن أبى وائل استخلف على عبدالله بن عباس علىالموسم فخطب الناس فقرأ فى خطبته سورة البقرة وفى رواية سورة النور ففسرها تفسيرالو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا
ولهذا غالب ما يرويه اسماعيل بن عبدالرحمنالسدى الكبير فى تفسيره عن هذين الرجلين ابن مسعود وابن عباس ولكن فى بعض الأحيانينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التى أباحها رسول الله صلى الله عليهوسلم حيث قال بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج ومن كذب على متعمدافليتبوأ مقعده من النار رواه البخارى عن عبدالله بن عمرو ولهذا كان عبدالله بن عمروقد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذاالحديث من الاذن فى ذلك
ولكن هذه الأحاديث الاسرائيلية تذكرللاستشهاد لا للاعتقاد فانها على ثلاثة أقسام
أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهدله بالصدق فذاك صحيح
والثانى ما علمنا كذبه بما عندنا ممايخالفه
والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيلولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لافائدة فيه تعود الى أمر دينى ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب فى مثل هذا كثيرا ويأتىعن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون فى مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهموعدتهم وعصا موسى من أى الشجر كانت وأسماء الطيور التى أحياها الله لابراهيم وتعيينالبعض الذى ضرب به القتيل من البقرة ونوع الشجرة التى كلم الله منها موسى الى غيرذلك مما أبهمه الله فى القرآن مما لا فائدة فى تعيينه تعود على المكلفين فى دنياهمولا دينهم ولكن نقل الخلاف عنهم فى ذلك جائز كما قال تعالى سيقولون ثلاثة رابعهمكلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربىاعلم بعدتهم ما يعلمهم الا قليل فلا تمار فيهم الامراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهمأحدا
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب فىهذا المقام وتعليم ما ينبغى فى مثل هذا فانه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعفالقولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته اذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثمارشد الى الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فيقال فى مثل هذا قل ربى أعلم بعدتهم فانهما يعلم بذلك الا قليل من الناس ممن اطلعه الله عليه فلهذا قال فلا تمار فيهمالامراء ظاهرا أى لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لايعلمون من ذلك الا رجم الغيب
فهذا أحسن ما يكون فى حكاية الخلاف أنتستوعب الأقوال فى ذلك المقام وان ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل وتذكر فائدةالخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فيشتغل به عن الاهمفأما من حكى خلافا فى مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص اذ قد يكونالصواب فى الذى تركه أو يحكى الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهوناقص أيضا فان صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب أو جاهلا فقد أخطأ كذلك من نصبالخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها الى قول أوقولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبى زور والله الموفقللصواب فصل
اذا لم تجد التفسير فى القرآن ولا فى السنةولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة فى ذلك الى أقوال التابعين
كمجاهد ابن جبر فانه كان آية فى التفسيركما قال محمد بن اسحاق حدثنا ابان بن صالح عن مجاهد قال عرضت المصحف على ابن عباسثلاث عرضات من فاتحته الى خاتمته أوقفه عند كل آية منه واسأله عنها وبه الى الترمذىقال حدثنا الحسين بن مهدى البصرى حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال ما فىالقرآن آية الا وقد سمعت فيها شيئا وبه اليه قال حدثنا ابن أبى عمر حدثنا سفيان بنعيينة عن الأعمش قال قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم احتج أن أسأل ابنعباس عن كثير من القرآن مما سألت وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب قال حدثنا طلق بنغنام عن عثمان المكى عن ابن أبى مليكة قال رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسيرالقرآن ومعه الواحه قال فيقول له ابن عباس اكتب حتى سأله عن التفسير كله ولهذا كانسفيان الثورى يقول اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به
وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاءبن أبى رباح والحسن البصرى ومسروق بن الاجدع وسعيد بن المسيب وأبى العالية والربيعبن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم فتذكرأقوالهم فى الآية فيقع فى عباراتهم تباين فى الالفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافافيحكيها أقوالا وليس كذلك فان منهم من يعبر عن الشىء بلازمه أو نظيره ومنهم من ينصعلى الشىء بعينه والكل بمعنى واحد فى كثير من الاماكن فليتفطن اللبيب لذلك واللهالهادى
وقال شعبة بن الحجاج وغيره أقوال التابعينفى الفروع ليست حجة فكيف تكون حجة فى التفسير يعنى أنها لا تكون حجة على غيرهم مماخالفهم وهذا صحيح اما اذا أجمعوا على الشىء فلا يرتاب فى كونه حجة فان اختلفوا فلايكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ويرجع فى ذلك الى لغة القرآن أو السنةأو عموم لغة العرب أو اقوال الصحابة فى ذلك
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأى فحرام حدثنامؤمل حدثنا سفيان حدثنا عبد الاعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار حدثنا وكيعحدثنا سفيان عن عبدالاعلى الثعلبى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار وبه الىالترمذى قال حدثنا عبد بن حميد حدثنى حسان بن هلال قال حدثنا سهيل أخو حزم القطعىقال حدثنا أبو عمران الجونى عن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالفى القرآن برايه فاصاب فقد أخطأ قال الترمذى هذا حديث غريب وقد تكلم بعض أهل الحديثفى سهيل بن أبى حزم
وهكذا روى بعض أهل العلم من اصحاب النبىصلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا فى أن يفسر القرآن بغير علم وأما الذى روى عنمجاهد وقتادة وغيرهما من اهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا فىالقرآن وفسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم وقد روى عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لميقولوا من قبل انفسهم بغير علم فمن قال فى القرآن برايه فقد تكلف ما لا علم له بهوسلك غير ما امر به فلو أنه اصاب المعنى فى نفس الأمر لكان قد أخطأ لأنه لم يأتالامر من بابه كمن حكم بين الناس على جهل فهو فى النار وان وافق حكمه الصواب فى نفسالأمر لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ والله أعلم وهكذا سمى الله تعالى القذفة كاذبينفقال فاذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون فالقاذف كاذب ولو كان قدقذف من زنى فى نفس الأمر لأنه أخبر بما لا يحل له الاخبار به وتكلف ما لا علم له بهوالله أعلم
ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به كما روى شعبة عن سليمان عن عبدالله بن مرة عن أبى معمر قال قال أبو بكر الصديق أى أرض تقلنى وأى سماء تظلنى اذا قلت فى كتاب الله ما لم أعلم وقال أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا محمود بن يزيد