عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 04:25 AM   #3
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الذهن ; وإلا فلا تكون الموجودات في أنفسها إلا معينة مخصوصة متميزة عن غيرها . فليتدبر العاقل هذا المقام الفارق فإنه زل فيه خلق من أولي النظر الخائضين في الحقائق حتى ظنوا أن هذه المعاني العامة المطلقة الكلية تكون موجودة في الخارج كذلك ; وظنوا أنا إذا قلنا : إن الله عز وجل موجود حي عليم والعبد موجود حي عليم ; أنه يلزم وجود موجود في الخارج يشترك فيه الرب والعبد وأن يكون ذلك الموجود بعينه في العبد والرب بل وفي كل موجود ولا بد أن يكون للرب ما يميزه عن المخلوق فيكون فيه جزءان :
( أحدهما) : لكل مخلوق وهو القدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات .
و ( الثاني) : يختص به وهو المميز له عن سائر الموجودات ثم لا يذكرون فيما يختص به إلا ما يلزم فيه مثل ذلك . فإذا قالوا : يمتاز بذاته أو بحقيقته أو ماهيته أو نحو ذلك ; كان ذلك بمنزلة قولهم يمتاز بوجوده ; فإن الذات والحقيقة والماهية تستعمل مطلقا ومعينا كلفظ الوجود سواء . وهذا المقام حار فيه طوائف من أئمة النظار حتى قال طائفة : إن لفظ الوجود وغيره مقول بالاشتراك اللفظي فقط وحكوا ذلك عن كل من قال بنفي الأحوال - وهم عامة أهل الإثبات - فصار مضمون نقلهم أن مذهب عامة أهل الإسلام ومتكلمة الإثبات - كابن كلاب والأشعري وابن كرام وغيرهم بل ومحققي المعتزلة : كأبي الحسين البصري وغيره - أن لفظ الموجود وغيره - مما يسمى الله به ويسمى به المخلوق - إنما يقال بالاشتراك اللفظي فقط من غير أن يكون بين المسميين معنى عام : كلفظ المشتري إذا سمي به المبتاع والكوكب ولفظ سهيل المقول على الكوكب والرجل وهذا النقل غلط عظيم عمن نقلوه عنه فإن هؤلاء متفقون على أن هذه الأسماء عامة متواطئة - كالتواطؤ العام الذي يدخل فيه المشكك - تقبل التقسيم والتنويع وذلك لا يكون إلا في الأسماء المتواطئة كما نقول : الموجود ينقسم إلى قديم ومحدث وواجب وممكن . بل هؤلاء الناقلون بأعيانهم : كأبي عبد الله الرازي وأمثاله من المتأخرين يجمعون في كلامهم بين دعوى الاشتراك اللفظي فقط وبين هذا التقسيم في هذه الأسماء ; مع قولهم إن التقسيم لا يكون إلا في الألفاظ المتواطئة المشتركة لفظا ومعنى لا يكون في المشترك اشتراكا لفظيا . ومن جملتها التي يسمونها المشككة لا يكون التقسيم في الأسماء التي ليس بينها معنى مشترك عام . فهذا تناقض هؤلاء الذين هم من أشهر المتأخرين - بالنظر والتحقيق للفلسفة والكلام قد ضلوا في هذا النقل - وهذا البحث في مثل هذا الأصل ضلال لا يقع فيه أضعف العوام - وذلك لما تلقوه عن بعض أهل المنطق من القواعد الفاسدة التي هي عن الهدى والرشد حائدة ; حيث ظنوا أن الكليات المطلقة ثابتة في الخارج جزءا من المعينات ; وأن ذلك يقتضي تركيب المعين من ذلك الكلي المشترك ومما يختص به ; فلزمهم على هذا القول أن يكون الرب تعالى الواجب الوجود مركبا من الوجود المشترك ومما يختص به من الوجوب أو الوجود أو الماهية . مع أنه من المشهور عند أهل المنطق أن الكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان . ومن هداه الله تعالى يعلم أن الموجودات لا تشترك في شيء موجود فيها أصلا ; بل كل موجود متميز بنفسه وبما له من الصفات والأفعال وأنا إذا قلنا : إن هذا الإنسان حي متكلم أو حيوان ناطق ونحو ذلك ; لم يكن ما له من الحيوانية أو الناطقية أو النطق والحياة مشتركا بينه وبين غيره بل له ما يخصه ولغيره ما يخصه ولكن تشابها وتماثلا بحسب تشابه حيوانيتهما ونطقيتهما وغير ذلك من صفاتهما . ومن قال : إن الإنسان مركب مما به الاشتراك : وهو الحيوانية وما به من الامتياز : وهو النطق ; فإن أراد بذلك أن هذا تركيب ذهني - فإنا إذا تصورنا في أذهاننا حيوانا ناطقا ; كان الحيوان جزء هذا المعنى الذهني والنطق جزأه الآخر وكان الحيوان جزءا له أشباه أكثر من أشباه الناطق . وإذا تصورنا مسمى حيوان ومسمى ناطق ; كان مسمى الحيوان يعم الإنسان وغيره وكان مسمى الناطق يخصه - فدعوى التركيب في هذه المعاني الذهنية صحيح لكن ليس هذا ضابطا . بل هو بحسب ما يتصوره الإنسان سواء كان تصوره حقا أو باطلا . ومتى أريد بجزء الماهية الداخل فيها ما يدخل في هذا التصور وبجزئها الخارج عنها اللازم لوجودها ما يدل عليه هذا اللفظ بالتضمن والالتزام وأراد بتمام الماهية ما يدل عليه هذا بالمطابقة ; فهذا صحيح لكن هذا لا يقتضي أن تكون الحقائق الموجودة في الخارج مركبة من الصفات الخاصة والعامة ولا أن يكون بعض صفاتها اللازمة داخلة في الحقيقة ذاتيا لها وبعضها خارجا عن الحقيقة عارضا لها ; كما يزعمه أهل المنطق اليوناني . وهذا الموضع مما ضلوا فيه وضل بسبب ضلالهم فيه الطوائف الذين اتبعوهم في ذلك من النظار وقلدهم في ذلك من لم يفهم حقيقة قولهم ولوازمه ولم يتصوره تصورا تاما . وإن أرادوا بالتركيب أنه موصوف بالحياة والنطق - وإحدى الصفتين يوجد نظيرها في سائر الحيوان والأخرى مختصة بالإنسان - فهذا معنى صحيح . وإن أرادوا به أن حيوانيته مشتركة بينه وبين غيره فقد غلطوا فإن حيوانية كل حيوان كناطقية كل ناطق وذلك مختص بمحله . وكذلك إن أرادوا بالتركيب أن هنا موجودا موصوفا بأنه حيوان غير الموجود الموصوف بأنه ناطق وصاهل وأن الإنسان مركب من هذا الموجود وهذا الموجود والفرس مركب من هذا الموجود وهذا الموجود ; فقد غلطوا بل لا موجود إلا هذا الإنسان الموصوف بأنه حيوان ناطق وهذا الفرس الموصوف بأنه حيوان صاهل وكذلك سائر الحيوانات والموجودات . فقول القائل : الإنسان مركب من هذا وهذا إذا أريد به أن هنا شيئا مركبا وأن له جزأين متباينين هو مركب منهما ; كان جاهلا بل هو شيء واحد موصوف بصفتين لا يوجد إلا بصفتيه ولا توجد صفتاه إلا به . وهذا المعنى صحيح : وهو أن الإنسان موصوف بأنه حيوان وأنه ناطق حقيقة وأنه ذات مستلزمة لصفاتها لا يوجد الموصوف بدون صفته اللازمة له . لكن هذا ليس في الخارج تركيبا , وليس في الخارج صفة لازمة ذاتية وأخرى عرضية لازمة للماهية وأخرى لازمة لوجوده بل ليس في الخارج إلا الموجود المعين وصفاته تنقسم إلى : لازمة له وعارضة وهو لا يوجد بدون شيء من صفاته اللازمة ; فليس فيها ما هو لازم للذات الموجودة في الخارج ولكن ليس بلازم لها بل لازم للموجود في الخارج ; كما يظن ذلك من يظنه من المنطقيين . وأصل خطئهم أنه اشتبه عليهم ما يتصور في الأذهان بما يوجد في الأعيان فإن الذهن يتصور المثلث قبل وجوده في الخارج وظنوا أن الماهية مغايرة للوجود وهو صحيح إذا فسرت الماهية بما يتصوره الذهن . وأما أن يكون في الخارج مثلث : له ماهية ثابتة في الخارج غير الشيء الموجود في الخارج ; فهذا غلط بين . فإذا فهم هذا في صفة المخلوق ; فالخالق أبعد عما سماه هؤلاء تركيبا . فإذا قيل : إن الله سبحانه وتعالى حي عليم قدير ; فهو موصوف بأنه الحي العليم



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس