عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 04:56 AM   #40
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الاستواء علو خاص فكل مستو على شيء عال عليه وليس كل عال على شيء مستو عليه . ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره إنه مستو عليه واستوى عليه ولكن كل ما قيل فيه إنه استوى على غيره ; فإنه عال عليه : والذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السموات والأرض " الاستواء " لا مطلق العلو مع أنه يجوز أنه كان مستويا عليه قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء ثم لما خلق هذا العالم كان عاليا عليه ولم يكن مستويا عليه ; فلما خلق هذا العالم استوى عليه ; فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك وأما " الاستواء " فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته ; ولهذا قال فيه : { ثم استوى } . ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر . وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع وهذا اختيار أبي محمد بن كلاب وغيره وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى وقول جماهير أهل السنة والحديث ونظار المثبتة . وهذا الباب ونحوه إنما اشتبه على كثير من الناس ; لأنهم صاروا يظنون أن ما وصف الله عز وجل به من جنس ما توصف به أجسامهم فيرون ذلك يستلزم الجمع بين الضدين ; فإن كونه فوق العرش مع نزوله يمتنع في مثل أجسامهم لكن مما يسهل عليهم معرفة إمكان هذا معرفة أرواحهم وصفاتها وأفعالها وأن الروح قد تعرج من النائم إلى السماء وهي لم تفارق البدن كما قال تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } وكذلك الساجد قال النبي صلى الله عليه وسلم { أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد } . وكذلك تقرب الروح إلى الله في غير حال السجود مع أنها في بدنه . ولهذا يقول بعض السلف : القلوب جوالة : قلب يجول حول العرش وقلب يجول حول الحش . وإذا قبضت الروح عرج بها إلى الله في أدنى زمان ثم تعاد إلى البدن فتسأل وهي في البدن . ولو كان الجسم هو الصاعد النازل لكان ذلك في مدة طويلة وكذلك ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم من حال الميت في قبره وسؤال منكر ونكير له والأحاديث في ذلك كثيرة . وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا أقعد الميت في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله فذلك قوله : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } . وكذلك في " صحيح البخاري " وغيره عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن العبد إذا وضع في قبره - وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم - أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ؟ فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقول له انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعا . وأما الكافر والمنافق فيقول : هاه هاه لا أدري كنت أقول ما يقول الناس سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيقال له : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين } . والناس في مثل هذا على " ثلاثة أقوال " منهم من ينكر إقعاد الميت مطلقا لأنه قد أحاط ببدنه من الحجارة والتراب ما لا يمكن قعوده معه وقد يكون في صخر يطبق عليه وقد يوضع على بدنه ما يكشف فيوجد بحاله ونحو ذلك . ولهذا صار بعض الناس إلى أن عذاب القبر إنما هو على الروح فقط كما يقوله ابن ميسرة وابن حزم . وهذا قول منكر عند عامة أهل السنة والجماعة . وصار آخرون إلى أن نفس البدن يقعد على ما فهموه من النصوص . وصار آخرون يحتجون بالقدرة وبخبر الصادق ولا ينظرون إلى ما يعلم بالحس والمشاهدة وقدرة الله حق وخبر الصادق حق ; لكن الشأن في فهمهم . وإذا عرف أن النائم يكون نائما وتقعد روحه وتقوم وتمشي وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالا وأمورا بباطن بدنه مع روحه ويحصل لبدنه وروحه بها نعيم وعذاب ; مع أن جسده مضطجع ; وعينيه مغمضة وفمه مطبق وأعضاءه ساكنة وقد يتحرك بدنه لقوة الحركة الداخلة وقد يقوم ويمشي ويتكلم ويصيح لقوة الأمر في باطنه ; كان هذا مما يعتبر به أمر الميت في قبره ; فإن روحه تقعد وتجلس وتسأل وتنعم وتعذب وتصيح وذلك متصل ببدنه ; مع كونه مضطجعا في قبره . وقد يقوى الأمر حتى يظهر ذلك في بدنه وقد يرى خارجا من قبره والعذاب عليه وملائكة العذاب موكلة به فيتحرك بدنه ويمشي ويخرج من قبره وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين في قبورهم وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب ومن يقعد بدنه أيضا إذا قوي الأمر لكن هذا ليس لازما في حق كل ميت ; كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم بل هو بحسب قوة الأمر . وقد عرف أن أبدانا كثيرة لا يأكلها التراب كأبدان الأنبياء وغير الأنبياء من الصديقين وشهداء أحد وغير شهداء أحد والأخبار بذلك متواترة . لكن المقصود أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من إقعاد الميت مطلقا هو متناول لقعودهم ببواطنهم وإن كان ظاهر البدن مضطجعا . ومما يشبه هذا إخباره صلى الله عليه وسلم بما رآه ليلة المعراج من الأنبياء في السموات وأنه رأى آدم وعيسى ويحيى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم وأخبر أيضا أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره ; وقد رآه أيضا في السموات . ومعلوم أن أبدان الأنبياء في القبور إلا عيسى وإدريس . وإذا كان موسى قائما يصلي في قبره ثم رآه في السماء السادسة مع قرب الزمان ; فهذا أمر لا يحصل للجسد . ومن هذا الباب أيضا نزول الملائكة صلوات الله عليهم وسلامه : جبريل وغيره . فإذا عرف أن ما وصفت به الملائكة وأرواح الآدميين من جنس الحركة والصعود والنزول وغير ذلك لا يماثل حركة أجسام الآدميين وغيرها مما نشهده بالأبصار في الدنيا وأنه يمكن فيها ما لا يمكن في أجسام الآدميين كان ما يوصف به الرب من ذلك أولى بالإمكان وأبعد عن مماثلة نزول الأجسام بل نزوله لا يماثل نزول الملائكة وأرواح بني آدم وإن كان ذلك أقرب من نزول أجسامهم . وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ " القعود والجلوس " في حق الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهما أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد .
فصل نزاع الناس في معنى " حديث النزول " وما أشبهه في الكتاب والسنة من الأفعال اللازمة المضافة إلى الرب سبحانه وتعالى مثل المجيء والإتيان والاستواء إلى السماء وعلى العرش بل وفي الأفعال المتعدية مثل الخلق والإحسان والعدل وغير ذلك هو ناشئ عن نزاعهم في أصلين : ( أحدهما : أن الرب تعالى هل يقوم به فعل من الأفعال ; فيكون خلقه للسموات والأرض فعلا



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس