عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 05:01 AM   #47
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


كون الله خالقا للمخلوقات . ثم نفاة الصفات يقولون : رجح بمجرد القدرة وكذلك أصل القدرية . والمعتزلة جمعت بين الأمرين . وأما المثبتة كالكلابية والكرامية فيدعون أنه رجح بمشيئة قديمة أزلية . وكلا القولين مما ينكره جمهور العقلاء . ولهذا صار كثير من المصنفين في هذا الباب كالرازي ومن قبله من أئمة الكلام والفلسفة - كالشهرستاني ومن قبله من طوائف الكلام والفلسفة - لا يوجد عندهم إلا العلة الفلسفية أو القادرية المعتزلية أو الإرادية الكلابية . وكل من الثلاثة منكر في العقل والشرع ; ولهذا كانت بحوث الرازي في مسألة القادر المختار في غاية الضعف من جهة المسلمين وهي على قول الدهرية أظهر دلالة . واحتج أهل الكلام المبتدع بأنه يمتنع وجود حوادث لا أول لها ويقولون : لو وجدت حوادث لا أول لها ; لكنا إذا قدرنا ما وجد قبل الطوفان وما وجد قبل الهجرة وقابلنا بينهما ; فإما أن يتساويا - وهو ممتنع - لأنه يكون الزائد مثل الناقص وإما أن يتفاضلا فيكون فيما لا يتناهى تفاضلا وهو ممتنع . ويذكرون حججا أخرى قد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع . وقد تكلم الناس في هذه " الحجة " ونحوها وبينوا فسادها ; بأن التفاضل إنما يقع من الطرف المتناهي لا من الطرف الذي لا يتناهى وبأن هذا منقوض بالحوادث المستقبلة ; فإن كون الحادث ماضيا أو مستقبلا أمر إضافي ; ولهذا منع أئمة هذا القول - كجهم والعلاف - وجود حوادث لا تتناهى في المستقبل وقال جهم بفناء الجنة والنار وقال العلاف بفناء الحركات وهذا كله مبسوط في موضع آخر . وصار " طائفة أخرى " قد عرفت كلام هؤلاء وكلام هؤلاء - كالرازي والآمدي وغيرهما - يصنفون الكتب الكلامية فينصرون فيها ما ذكره المتكلمون المبتدعون عن أهل الملة من " حدوث العالم " بطريقة المتكلمين المبتدعة هذه وهو امتناع حوادث لا أول لها ثم يصنفون الكتب الفلسفية كتصنيف الرازي " المباحث الشرقية " ونحوها ; ويذكر فيها ما احتج به المتكلمون على امتناع حوادث لا أول لها وأن الزمان والحركة والجسم لها بداية ثم ينقض ذلك كله ويجيب عنه ويقرر حجة من قال : إن ذلك لا بداية له . وليس هذا تعمدا منه لنصر الباطل ; بل يقول بحسب ما توافقه الأدلة العقلية في نظره وبحثه . فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح به في كلام الفلاسفة قدح به فإن من شأنه البحث المطلق بحسب ما يظهر له فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له أنه قادح فيه من كلام هؤلاء وكذلك يصنع بالآخرين ومن الناس من يسيء به الظن وهو أنه يتعمد الكلام الباطل ; وليس كذلك بل تكلم بحسب مبلغه من العلم والنظر والبحث في كل مقام بما يظهر له وهو متناقض في عامة ما يقوله ; يقرر هنا شيئا ثم ينقضه في موضع آخر ; لأن المواد العقلية التي كان ينظر فيها من كلام أهل الكلام المبتدع المذموم عند السلف ومن كلام الفلاسفة الخارجين عن الملة يشتمل على كلام باطل - كلام هؤلاء وكلام هؤلاء : - فيقرر كلام طائفة بما يقرر به ثم ينقضه في موضع آخر بما ينقض به . ولهذا اعترف في آخر عمره فقال : لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق " طريقة القرآن " اقرأ في الإثبات : { الرحمن على العرش استوى } { إليه يصعد الكلم الطيب } واقرأ في النفي { ليس كمثله شيء } { ولا يحيطون به علما } ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي . والآمدي تغلب عليه الحيرة والوقف في عامة الأصول الكبار حتى إنه أورد على نفسه سؤالا في تسلسل العلل وزعم أنه لا يعرف عنه جوابا وبنى إثبات الصانع على ذلك ; فلا يقرر في كتبه لا إثبات الصانع ولا حدوث العالم ولا وحدانية الله ولا النبوات ولا شيئا من الأصول التي يحتاج إلى معرفتها . والرازي - وإن كان يقرر بعض ذلك - فالغالب على ما يقرره أنه ينقضه في موضع آخر لكن هو أحرص على تقرير الأصول التي يحتاج إلى معرفتها من الآمدي . ولو جمع ما تبرهن في العقل الصريح من كلام هؤلاء وهؤلاء لوجد جميعه موافقا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ووجد صريح المعقول مطابقا لصحيح المنقول . لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول وحصل اضطراب في المعقول به ; فحصل نقص في معرفة السمع والعقل وإن كان هذا النقص هو منتهى قدرة صاحبه لا يقدر على إزالته فالعجز يكون عذرا للإنسان في أن الله لا يعذبه إذا اجتهد الاجتهاد التام . هذا على قول السلف والأئمة في أن من اتقى الله ما استطاع إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذب به . وأما من قال من الجهمية ونحوهم : إنه قد يعذب العاجزين ومن قال من المعتزلة ونحوهم من القدرية : إن كل مجتهد فإنه لا بد أن يعرف الحق وإن من لم يعرفه فلتفريطه لا لعجزه فهما قولان ضعيفان وبسببهما صارت الطوائف المختلفة من أهل القبلة يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا . فيقال " لأرسطو وأتباعه " ممن رأى دوام الفاعلية ولوازمها : العقل الصريح لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم : لا فلك ولا غيره ; وإنما يدل على أن الرب لم يزل فاعلا . وحينئذ فإذا قدر أنه لم يزل يخلق شيئا بعد شيء كان كل ما سواه مخلوقا محدثا مسبوقا بالعدم ولم يكن من العالم شيء قديم وهذا التقدير ليس معكم ما يبطله فلماذا تنفونه ونفس قدر الفعل هو المسمى بالزمان فإن الزمان إذا قيل : إنه مقدار الحركة كان جنس الزمان مقدار جنس الحركة لا يتعين في ذلك أن يكون مقدار حركة الشمس أو الفلك .
وأهل الملل متفقون على أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام وخلق ذلك من مادة كانت موجودة قبل هذه السموات والأرض وهو الدخان الذي هو البخار كما قال تعالى : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } وهذا الدخان هو بخار الماء الذي كان حينئذ موجودا كما جاءت بذلك الآثار عن الصحابة والتابعين وكما عليه أهل الكتاب كما ذكر هذا كله في موضع آخر . وتلك الأيام لم تكن مقدار حركة هذه الشمس وهذا الفلك ; فإن هذا مما خلق في تلك الأيام بل تلك الأيام مقدرة بحركة أخرى . وكذلك إذا شق الله هذه السموات وأقام القيامة وأدخل أهل الجنة الجنة قال تعالى : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } . وقد جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه تبارك وتعالى يتجلى لعباده المؤمنين يوم الجمعة وأن أعلاهم منزلة من يرى الله تعالى كل يوم مرتين وليس في الجنة شمس ولا قمر ولا هناك حركة فلك بل ذلك الزمان مقدر بحركات كما جاء في الآثار أنهم يعرفون ذلك بأنوار تظهر من جهة العرش . وإذا كان مدلول الدليل العقلي أنه لا بد أنه قديم تقوم به الأفعال شيئا بعد شيء فهذا إنما يناقض قول المبتدعة من أهل الملل الذين ابتدعوا الكلام المحدث - الذي ذمه السلف والأئمة - الذين قالوا : إن الرب لم يزل معطلا عن الفعل والكلام . فصار ما علمته العقلاء من أصناف الأمم من الفلاسفة وغيرهم بصريح المعقول هو عاضد وناصر لما جاء به الرسول



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس