كيف تتعرف على الملائكة وتؤمن بهم؟؟
الملائكة عالم غير عالم الإنس وعالم الجن ، وهو عالم كريم ، كله طهر وصفاء ونقاء ،
وهم كرام أتقياء ، يعبدون الله حق العبادة ، ويقومون بتنفيذ ما يأمرهم به ،
ولا يعصون الله أبداً .
وسنرى عبر نصوص الكتاب والسنة صفاتهم التي حدثتنا بها النصوص .
والملك أصله : أَلكَ ، والمألكة ، والمألكُ : الرسالة . ومنه اشتق الملائك ؛ لأنهم رسل الله .
وقيل : اشتق من ( لَ أ ك ) والملأكة : الرسالة ، وألكني إلى فلان ؛ أي : بلغه عني ،
والملأك : الملك ؛ لأنه يبلغ عن الله تعالى .
وقال بعض المحققين : الملك من الملك . قال : والمتولي من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له مَلَك ،
ومن البشر مَلِك . (1)
والإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان ، لا يصح إيمان عبد ما لم يؤمن بهم ، قال تعالى :
( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) [ البقرة : 285 ] .
كيف يكون الإيمان بالملائكة
نقل السيوطي عن البيهقي في كتابه ( شعب الإيمان ) : " أن الإيمان بالملائكة ينتظم في معانٍ :
أحدهما : التصديق بوجودهم .
الثاني :
إنزالهم منازلهم ، وإثبات أنهم عباد الله وخلقه ، كالإنس والجن مأمورون مكلفون ،
لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه ، والموت عليهم جائز ،
ولكنّ الله تعالى جعل لهم أمداً بعيداً ، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه ،
ولا يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم بالله تعالى ،
ولا يدعون آلهة كما دعتهم الأوائل .
الثالث
: الاعتراف بأنّ منهم رسلاً يرسلهم الله إلى من يشاء من البشر ،
وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض ، ويتبع ذلك الاعتراف بأنّ منهم حملة العرش ،
ومنهم الصافّون ، ومنهم خزنة الجنّة ، ومنهم خزنة النار ، ومنهم كتبة الأعمال ،
ومنهم الذين يسوقون السحاب ، فقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره " . (2)
وهذا الكتاب فيه تفصيل لما جاءَت به النصوص في الإيمان بالملائكة .
(1)راجع : بصائر ذوي التمييز ، للفيروزآبادي : 4/524 .
(2) الحبائك في أخبار الملائك ، للسيوطي : ص 10 .
وانظر مختصر شعب الإيمان : 1/405-406
صفاتهم وقدراتهم
سنحاول أن نتبين من خلال النصوص الصحيحة صفات الملائكة الخَلقية والُخلُقية ،
ثم نتحدث عن القدرات التي وهبهم الله إياها .
المبحث الأول
الصفات الخلقية وما يتعلق بها
المطلب الأول
مادة خلقهم ووقته
إنّ المادة التي خلقوا منها هي النور ؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ،
وخلق آدم مما وصف لكم ) . (1)
ولم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نور هذا الذي خلقوا منه ،
ولذلك فإننا لا نستطيع أن نخوض في هذا الأمر لمزيد من التحديد ؛
لأنه غيب لم يرد فيه ما يوضحه أكثر من هذا الحديث .
وما روي عن عكرمة أنه قال : ( خلقت الملائكة من نور العزة ، وخلق إبليس من نار العزة ) ،
وما روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال : ( خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر ) ،
لا يجوز الأخذ به ، وعلى فرض صحته عن هؤلاء العلماء الأفاضل فهم غير معصومين ،
ولعلهم قد استقوه من الإسرائيليات .
(2)وأما ما ذكره ولي الله الدهلوي من : " أن الملأ الأعلى ثلاثة أقسام :
قسم علم الحقُّ أن نظام الخير يتوقف عليهم ، فخلق أجساماً نورية بمنزلة نار موسى ،
فنفخ فيها نفوساً كريمة .وقسم اتفق حدوث مزاج في البخارات اللطيفة من العناصر
استوجب فيضان نفوس شاهقة شديدة الرفض ؛ ( أي الترك ) للألواث البهيمية .
وقسم هم نفوس إنسانية قريبة المأخذ من الملأ الأعلى ، ما زالت تعمل أعمالاً منجية تفيد اللحوق بهم ،
حتى طرحت عنها جلايب أبدانها ، فانسلكت في سلكهم ، وعدّت منهم "
(3) . فلا يوجد دليل صحيح يدل على صحة هذا التقسيم بهذا التفصيل والتحديد .
ولا ندري متى خُلقوا ، فالله – سبحانه – لم يخبرنا بذلك ، ولكننا نعلم أنّ خلقهم
سابق على خلق آدم أبي البشر ، فقد أخبرنا الله أنه أعلم ملائكته أنه جاعل في الأرض خليقة :
( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة ) [ البقرة : 30 ] ،
والمراد بالخليفة آدم عليه السلام ، وأمرهم بالسجود له حين خلقه :
( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ الحجر : 29 ] .
رؤية الملائكة :
ولما كانت الملائكة أجساماً نورانية لطيفة ، فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم ،
خاصة أن الله لم يعط أبصارنا القدرة على هذه الرؤية .
ولم ير الملائكة في صورهم الحقيقية من هذه الأمة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلقه الله عليها ،
وقد دلت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة ،
إذا تمثل الملائكة في صورة بشر .
--------------------------------
(1) صحيح مسلم : 4/2294 . ورقمه : 2996 . وبعض الذين ينسبون إلى العلم
يردون هذا الحديث وأمثاله زاعمين أنه حديث آحاد ،
وأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة ، وقد ناقش أ . د . عمر الأشقر هذا
القول وبين بطلانه في رسالة بعنوان : ( أصل الاعتقاد ) .
(2) راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة : 1/197 .
(3) الحجة البالغة : ص 33 .