عرض مشاركة واحدة
قديم 10 Dec 2011, 08:18 PM   #3
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مصطلح التنوير: مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث



أنواع التنوير في العالم الاسلامي الحديث:
لعلني أجتهد في ذلك وأصنف هذه الاتجاهات والتيارات في صنفين رئيسيين:
% الصنف الأول: وأسميه التنوير التغريبي العلماني التحريفي.
% الصنف الثاني: وأسميه التنوير الإسلامي التجديدي الأصيل.

التنويرالتغريبي العلماني التحريفي:
وينقسم إلى اتجاهين هما:
1. التنوير التغريبي العقلاني الوضعي الراديكالي.
2. التنوير التغريبي العصراني التحريفي.

التنوير الإسلامي التجديدي الأصيل:
ونقسمه إلى اتجاهين اثنين هما:
1. التنوير الإسلامي التجديدي التحديثي.
2. التنوير الإسلامي التجديدي المحافظ.

أولاً: التنوير التغريبي العقلاني الوضعي الراديكالي:

وهذا الاتجاه يكاد أن يكون انعكاساً للتنوير الغربي في أوروبا في منطلقاته وأهدافه ومن حيث اتباع المنهج الوضعي المادي التجريبي وما أدى استخدامه إلى الإلحاد أو إنكار الوحي أو العلمانية الدنيوية أو الدعوة إلى تجاوز الإيمان بالغيبيات والأخلاق الدينية ومتابعة مقررات الحضارة الغربية المادية، وكان أكثر من تبع هذا الاتجاه ودعا إليه في المرحلة الأولى أناسٌ من غير المسلمين نذكر منهم على سبيل المثال طائفة من المثقفين والصحفيين الموارنة أو الأقباط:
(أمين شميل 1828- 1897) وهو أول دعاة استبدال العامية بالفصحى، و(شبلي شميل 1860 - 1917) المبشر بالإلحاد عن طريق الداروينية والفلسفة الوضعية والمادية. و(فرح أنطون 1874-1922) داعية العلمانية والمفسر لفلسفة ابن رشد تفسيراً مادياً، و(يعقوب صروف 1852-1927)، و(فارس نمر 1856 - 1951)، و(شاهين مكاريوس 1853 -1910) الذين أصدروا مجلة "المقتطف" لتدسّ الشك واللاأدرية والإلحاد بواسطة النظريات العلمية الغربية ذات الخلفية الفلسفية الوضعية والمادية، و(سلامة موسى 1888 1958)، و(لويس عوض) و(غالي شكري) وغيرهم...

ويمكن أن يدرج ضمن هذا الاتجاه بعض المسلمين عن وعي وقصد أو عن غير وعي وقصد، منهم على سبيل المثال: د.زكي نجيب محمود، د.فؤاد زكريا، د.جابر عصفور الكاتب المصري المعاصر الذي يقود اليوم حملة إحياء حركة التنوير بالمفهوم التغريبي حيث يأسى اليوم على مصيرها بعد مائة عام ويسمي ذلك "محنة التنوير"، ومنهم أيضاً الدكتور محمد أركون، والدكتور صادق جلال العظم، والدكتور الطيب التيزيني، والدكتور عاطف العراقي وغيرهم.

والحقيقة أن التنوير في محنة وأزمة ولكن ليس عندنا فقط بل عند الأوروبيين والغربيين عامة أيضاً، ولكنها محنة التنوير العقلاني المادي الوضعي وأزمته الناشئة عن تناقضاته الداخلية ونتائجه العبثية اللاإنسانية، وهناك كثير من المفكرين اليوم أصبحوا أكثر جرأة في انتقاد حركة الاستنارة العقلية المادية المتطرفة وما قادت اليه الغرب، والعالم وراءه، من ضياع وصراعات وانتكاس في الغايات والممارسات، وانسداد في أفق المعرفة والمصير الانساني الى درجة القول بأن منطق الاستنارة المضيئة والتنوير المشرق يقودنا بالضرورة الى الاستنارة المظلمة والتنويرالظلامي (انظر التحليل الرائع الذي كتبه المفكر الألمعي الأستاذ الدكتور عبدالوهاب المسيري في كتابه: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، ج1 ص/181 ومابعدها، وكذلك ص/286 ومابعدها).

والحقيقة أن قلة قليلة من المفكرين المسلمين تصرح بهذا النوع من التنوير بمفهومه المادي الوضعي الراديكالي لأن ذلك يعني إنكار الأصل الإلهي للدين وإنكار الوحي الإلهي والأخذ بمفهوم الإنسان الطبيعي والدين الطبيعي والأخلاق الطبيعية، والنظر إلى الدين على أنه إنتاج إنساني اجتماعي تاريخي.
على أن هناك كثيراً من المتنورين الوضعيين الماديين يخفون مواقفهم الحقيقية ويتسترون وراء أنواع واتجاهات أخرى من التنوير خوفاً من التصريح والمواجهة وما يترتب عليهما، ولتعرفنَّهم في لحن القول!!

ثانياً: التنوير التغريبي العصراني التحريفي:

وهو اتجاه نشأ في العالم الإسلامي في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، يسعى إلى محاولة إيجاد مواءمة بين الإسلام وبين الفكر الغربي المعاصر، عن طريق إعادة النظر في تعاليم الإسلام ونصوصه وتأويلها تأويلاً جديداً ينسجم مع المعارف والأوضاع العصرية السائدة. إنه اتجاه يسعى إلى محاولة التوفيق بين الدين والعصر الحديث بإعادة تأويل الدين وتفسير تعاليمه في ضوء المعارف العصرية السائدة. وقد تناول عدد من الباحثين هذه الظاهرة بالعرض والتحليل واستعمل بعضهم مصطلح "العصرانية"“modernisme” لوصفها وإن كان عدد من الكتاب قد فضل استعمال لفظ "التجدد" أو "التطوير" أو " التحديث" أحياناً وأحياناً لفظ "التجديد".
والعصرانية لا تعني مجرد الانتماء إلى العصر، بل تعني وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة، ولو أدى ذلك إلى تطويع مبادئ الدين وأحكامه لقيم الحضارة الغربية ومفاهيمها وإخضاعها لتصوراتها ووجهة نظرها في شؤون الحياة.

أما في العالم الإسلامي فقد كان رائد العصرانية فيه هو (سيد أحمد خان" 1232- 1315"هـ - 1817-1898م)، فقد كان "سيد خان" أول رجل في الهند الحديثة ينادي بضرورة وجود تفسير جديد للإسلام: تفسير تحرري وحديث وتقدمي، وقد وصف الأستاذ العلاّمة السيد "أبو الحسن علي الحسني الندوي" مدرسته التي أنشأها بأنها قامت ((على أساس تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية، واقتباس العلوم العصرية بحذافيرها وعلى علاّتها، وتفسير الإسلام والقرآن تفسيراً يطابق ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في القرن التاسع عشر المسيحي، ويطابق هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم والاستهانة بما لا يثبته الحس والتجربة ولا تقرره علوم الطبيعة في بادئ النظر من الحقائق الغيبية)) "الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية" للأستاذ الندوي، صفحة 65 طبعة دار القلم بالكويت- طبعة 5 عام 1405هـ 1985م.

ولم يكن "سيد خان" أول ممثل للنزعة العصرانية فحسب، بل كان نموذجاً كاملاً لها، وكل الذين جاؤوا من بعده لم يضيفوا شيئاً جديداً بل كانوا يعيدون صياغة أفكاره بصورة أو بأخرى.
وقد حدث اضطراب واختلاف كبيران في تصنيف بعض رواد هذا الاتجاه وتحديدهم توسيعاً أو تضييقا ً، وتغليباً لجانب من جوانب آرائهم واجتهاداتهم أو لموقف معين في بعض مسائل الفقه أو الأصول، وقد وجدنا من يسلك ضمن هذا الاتجاه علماء وشخصيات متباينة في مقاصدها ومناهجها: منهم تلامذة "سيد أحمد خان" نفسه، وأشهرهم: شراغ علي، وسيد أمير علي، وخدا بخش الشاعر، وغلام أحمد برويز، وخليفة عبد الحكيم، ومولانا محمد علي أحد قادة حركة الأحمدية القاديانية، وهناك من يضع المفكر الإسلامي الكبير "محمد إقبال" ضمن هذا الاتجاه بسبب بعض الأخطاء والتناقضات والآراء الخاصة التي لا يخلو منها مفكر مجتهد، وإنما العبرة بمنهجه العام وخطته المتكاملة.

وهناك كثيرون يدرجون علماء وروداً آخرين مثل: رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ الإمام محمد عبده وبعض تلامذته كالأستاذ قاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين وأحمد لطفي السيد وسعد زغلول ومحمد حسين هيكل باشا، وفي الفترة المعاصرة: محمد أسد ومحمد فتحي عثمان ومحمود الشرقاوي والشيخ عبد الله العلايلي (لبناني) ومحمد أحمد خلف الله وأخيراً حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور وغيرهم، ضمن قائمة التنوير التغريبي العصراني التحريفي.

وقد حاول بعض دعاة الاتجاه الأول من اتجاهات التنوير وهو اتجاه التغريب العلماني الوضعي الراديكالي أن يسحبوا إلى معسكرهم شخصيات من هذا الاتجاه الثاني وأن يؤكدوا أنهم حملة التنوير ورموزه في العصر الحديث، وهم يقصدون التنوير التغريبي اللاديني أو المعادي للدين، وواضح أن هناك خلطاً وتلبيساً يقتربان من التزوير والانتحال الكاذب، وأن القضية أدق من ذلك وأعمق، وأن كلمة التنوير تستخدم بمعانٍ مختلفة ينبغي تحديدها والتمييز بينها والاحتراس عند استخدامها.

ثم إنّ الحكم على كل شخصية من هذه الشخصيات وعلى انتمائها أو اندراجها تحت هذا النوع أو ذاك، يتقرر طبقاً للقواعد الأربع التالية:

1. مدى التزامها بالإسلام وبالفكر الديني عموماً.
2. مدى التزامها بالمرجعية الإسلامية في أصول الإسلام وقواعده الأساسية.
3. النظر إلى إنتاج هذه الشخصية بشكل كامل دون اجتزاء بعضها وإهمال البعض الآخر الذي قد يكون أصدق تعبيراً عن مقاصدها.
4. النظر إلى حياة كل شخصية على أنها حياة متطورة وليست جامدة، ولا يجوز الحكم عليها من خلال مرحلة من مراحلها دون نظر إلى بقية المراحل، والعبرة بما استقرت عليه هذه الشخصية في مراحل حياتها الأخيرة، والعبرة بالخواتيم كما نقول.

وعلى كل حال فقد يكون من المستحسن أن نقدم طائفة من ملامح هذا الاتجاه، نذكر منها:

% اعتبار القرآن الكريم وحده الأساس لفهم الإسلام، وعدم الاعتماد على الأحاديث.
% الاعتماد في فهم القرآن الكريم على نص القرآن وحده وعلى المعارف والتجارب الذاتية في كل عصر.
% الاعتماد على مفهوم المحكم والمتشابه في القرآن الكريم لتفسيره تفسيراً عصرياً موافقاً لقوانين الطبيعة وتجارب الشعوب.
% هناك في القرآن الكريم معانٍ ثانوية وفرعية ليست مقصودة من تنزيل القرآن الكريم وهـي مأخوذة من بيئة العرب ومعارفهم وظروفهم التاريخية، وبالتالي فإنّ ذكر القرآن الكريم لها لا يعني أنها حقائق مسلّمة.
% لا يقبل من الأحاديث إلا ما يتفق مع نص القرآن وروحه وما يتفق مع العقل والتجربة البشرية وما لا يناقض حقائق التاريخ الثابتة.
% لا يعترف هذا الاتجاه بالإجماع مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، ويرفض الأخذ بإجماعات الصحابة.
% الدعوة إلى الاجتهاد في جميع المجالات وإطلاق العنان للعقل والتجربة والقوانين الاجتماعية والطبيعية في عملية تفسير القرآن الكريم واستنباط الأحكام، وعدم التحرج من أن يؤدي ذلك إلى فوضى فكرية بسبب كثرة الأخطاء، لأن تباين وجهات النظر والحرية الواسعة في الفهم والاجتهاد هي الوسيلة الوحيدة لتقدم الأمة كما يدّعون.
% عدم تقديس التراث، وإعادة النظر فيه من كل جوانبه وبدون أي تحفظ.
% اعتبار التجديد الديني تطوراً واعتبار التطور الديني قمة التجديد الحق.
% التطور يشمل الدين في جوانبه المختلفة: العقائد والعبادات والمعاملات، فليست فيه أحكام تبقى مع بقاء الزمن ولا ينالها أي تغيير.(أمين الخولي، المجددون "ص 58").

وتندرج تحت هذا الاتجاه جميع محاولات التفسير الحديثة والمعاصرة وجميع محاولات التطوير والتغيير التي لا تلتزم بالمرجعية الإسلامية ابتداءً ولا تلتزم بذاتية الإسلام وتميزه، وتتبنّى، في فهم النص وتفسيره، أدوات وآليات غريبة عن طبيعة الوحي ومصدره الإلهي وبعيدة عن قواعد وأصول التفسير والاستنباط المعتمدة في اللغة العربية والتي تجعل من النص دليلاً هادياً ومرجعاً ضابطاً وموجهاً.

ونقصد بتلك المحاولات جميع المشروعات التي تنتهي تحت اسم تطوير الفهم والتفسير، وتثوير النص، ودراسته كمعطى مغفل، وتطبيق المناهج الدلالية الحديثة عليه، إلى الالتفاف على النص كمعطى إلهي متعال، وبالتالي إلى تطويعه أو تفريغه أو تعطيله أو تحييده، بحيث يصبح النص قطعة للزينة والتمويه ويستخدم أداة "شرعية" مخادعة لإسقاط جميع الآراء والأهواء والمصالح أو المفاسد عليه، تحت ذريعة أن القرآن حمّال أوجه، وهذا أخطر ملامح التنوير التغريبي التحريفي وأخبثها بامتياز.

إنّ هذا التنوير التحريفي سينتهي بنا بالضرورة إلى إسلام آخر، إسلام غريب الملامح والقسمات، بل إلى إسلام "كاريكاتوري"مضحك الشكل والصورة كالذي نراه من أشكالنا وصورنا في المرايا المحدّبة، فلا نكاد نعرف فيه طعم الإسلام ولا لونه ولا روحه أو رائحته وهذه قمة البهلوانية والتهريج باسم التثوير والتنوير، بل قد يكون ذلك شكلاً من أشكال الباطنية الحديثة.



 

رد مع اقتباس