عرض مشاركة واحدة
قديم 10 Dec 2011, 08:21 PM   #4
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: مصطلح التنوير: مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث



ثالثاً: التنوير الإسلامي التجديدي التحديثي:

وهو اتجاه تجديدي إسلامي يهدف إلى إحياء الإسلام نقياً صافياً من البدع والانحرافات والالتزام بأصول الدين ومصادره الأصلية، وبخاصة القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابتة، ويتجلى بالدعوة إلى مقاومة الجمود والعصبية والتقليد، وإلى فتح باب الاجتهاد طبقاً لضوابطه وشروطه، لتحديث حياة المجتمع الإسلامي وحل المشكلات الحديثة التي تطرأ بسبب تطور الأوضاع وصلة العالم الإسلامي بالعوالم الأخرى، ولكن طبقاً لمنهجية الإسلام نفسه وآليات التفسير والاستنباط المعتمدة عند علماء الأمة الإسلامية ومجتهديها مع تنّوع واختلاف هنا وهناك.

والمهم أنّ هذا الاتجاه التنويري التجديدي يلتزم بالمرجعية الإسلامية في منطلقاته وأهدافه وأدواته، ويعتبر التحديث مختلفاً جداً عن التغريب، فالمرفوض هو التغريب، أما التحديث فهو مطلب إسلامي وفطري عميق، وهاهنا مروحة كبيرة واسعة تندرج تحتها حركات إسلامية شتى، وجماعات علمية دعوية متعددة، ومدارس وجامعات، ومؤسسات مالية واقتصادية واجتماعية وخيرية، وعلماء ومفكرون وكتّاب مسلمون في كل قطر إسلامي وخارج أقطار العالم الإسلامي في الغرب أو الشرق.

وهذا الاتجاه هو بلا شك اتجاه تنويري: ولكنه اتجاه تنويري إسلامي بالدرجة الأولى، وهو اتجاه تجديدي، بمعنى أنه يسعى إلى تجديد الدين وإحيائه عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وهو اتجاه تحديثي، بمعنى أنه يريد أن يعيش العصر الحديث في إطار أصوله الثابتة الراسخة، وهو لذلك يؤمن بالتغيير والتطوير، ولكنه التغيير والتطور في الأشكال والأساليب والأدوات في إطار علاقة تأثيرية متبادلة ومتفاعلة بين الثوابت والمتحولات وبين الخالد والمؤقّت وبين الفطري الدائم والاجتماعي العارض، بحيث لا يكون التطور تحريفاً ومسخاً وانفلاتاً، ولا يكون الثبات جموداً وتحنطاً على شكل واحد وأسلوب واحد، وهي إشكالية ليست سهلة كما يُظن، بل تحتاج إلى بصيرة وفقه ودين، وهي ِمَزَلّة أقدام وَمِضَلة أفهام.

ولذلك فإننا نفهم كيف حدثت بعض الأخطاء والشطحات عند بعض ممثلي هذا الاتجاه حتى طمع في تصنيفهم بعض "التنويريين" التغريبيين في خانة التنوير الوضعي العلماني اللاديني، ونزع إلى تصنيفهم بعض التنويريين الإسلاميين المحافظين في خانة التنوير التغريبي التحريفي: وأقصد بهؤلاء شخصيات كبيرة ورموزاً شهيرة كانت ولا تزال موضع جدل وتجاذب، أمثال:
رفاعة الطهطاوي، و جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده والشيخ عبد الرحمن الكواكبي وسعد زغلول وقاسم أمين وطه حسين وعلي عبد الرازق ومحمد حسين هيكل باشا، وخير الدين التونسي، والشيخ الإمام محمدالطاهر بن عاشور صاحب "تفسير التحرير والتنوير" والكتاب العظيم الرائد "مقاصد الشريعة الإسلامية"، والأستاذ علاّل الفاسي في كتابه المشهور "مقاصد الشريعة ومكارمها".

ومن الفترة المعاصرة كتّاب ومؤلفون من أمثال: محمد أسد، ومحمد فتحي عثمان، ومحمود الشرقاوي، والشيخ عبد الله العلايلي، والشيخ أمين الخولي، وجمال الدين عطية وحسن الترابي ومحمد عمارة وفهمي هويدي وغيرهم من أمثال: د.عبد العزيز كامل، و د.أحمد كمال أبو المجد، و د.راشد الغنوشي، و د.محمد سليم العوّا وغيرهم.

ولست هنا بصدد تصنيف هؤلاء أو أولئك ووضعهم في هذا الاتجاه أو ذاك، كما أنني لست بصدد الدفاع عن بعض هؤلاء، وإيجاد التفسيرات والمسوّغات لموقف هذا أو ذاك.

ولكنني أريد أن أؤكد على عدة نقاط يمكن أن تصلح دليلاً لنا في هذا الاتجاه:
1. تجنب سوء الظن وتجنب الحكم على النوايا دون دواعٍ قوية.
2. القبول بالاختلاف والتنوع في إطار الوحدة.
3. التأكيد على الالتزام بالفكر الديني عموماً وبالإسلام كدين موحى به بشكلٍ خاص.
4. التأكيد على الالتزام بالمرجعية الإسلامية طبقاً لأصول الإسلام وقواعده الأساسية.
5. الحكم على الإنتاج الفكري لكل شخصية بشكل متكامل دون اجتزاء أو ابتسار.
6. النظر إلى حياة كل شخصية على أنها حياة متصلة ومتطورة، واعتبار ما استقرت عليه هذه الشخصية في مراحل حياتها الأخيرة هو الأساس.

وفي إطار هذه المعايير نجد مفكراً إسلامياً تنويرياً *يستعرض إنتاج عدد من رموز التنوير في العالم الإسلامي الحديث ويبين براءتهم من فكر التنوير الغربي والتحريفي، ويدافع عنهم بحسب النظرة الكلية الشاملة لحياتهم وإنتاجهم وهم: رفاعة الطهطاوي و جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده و الشيخ علي عبد الرازق والدكتور طه حسين والزعيم سعد زغلول، والدكتور محمد حسين هيكل باشا.
وأياً ما كان[1]*الأمر، فإنّ هذا الموضوع الشائك يستحق مزيداً من البحث والتأمّل والأناة ولا يجوز أن نتعامل معه بخفة وتسرّع وانفعال.

على أنّ هناك عشرات من رواد هذا الاتجاه التنويري الإسلامي على اتساع أقطار العالم الإسلامي، شهد لهم الجميع بالدين والعلم والإخلاص، وبأنهم فعلاً من رواد النهضة الإسلامية الحديثة والمعاصرة ومن رجال التنوير الإسلامي التجديدي الأصيل، وإن لم يخل بعضهم من بعض الانتقادات والتصويبات، بل والاتهامات بأنهم وقعوا في مطب المجاملة أو المسايرة أو التنازل أو تأثّروا بشكل أو بآخر، وفي القليل أو في الكثير، بمعطيات الحياة الحديثة ومظاهر الحضارة الغربية فسلكوا نزعة تحديثية تجاوزت حدود المشروع والمقبول في الفروع أو في الأصول.



*هو الدكتور محمد عمارة في محاضرته القيمة بعنوان: "فكر التنوير بين العلمانيين والإسلاميين"، وقد نشرت في رسالة خاصة في سلسلة " نحو عقلية إسلامية واعية".



 

رد مع اقتباس