عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 05:02 AM   #48
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


صلى الله عليه وسلم على من ابتدع في ملته ما يخالف أقواله . وكان ما علم بالشرع مع صريح العقل أيضا راد لما يقوله الفلاسفة الدهرية من قدم شيء من العالم مع الله بل القول " بقدم العالم " قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه ; فليس أهل الملة وحدهم تبطله بل أهل الملل كلهم وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين : مشركي العرب ومشركي الهند وغيرهم من الأمم . وجماهير أساطين الفلاسفة كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء والعرب المشركون كلهم كانوا يعترفون بأن الله خالق كل شيء وأن هذا العالم كله مخلوق والله خالقه وربه وهذه الأمور مبسوطة في موضعها . والمقصود هنا الكلام على ما يحتاج إليه من معرفة " حديث النزول " وأمثاله وهما " الأصلان المتقدمان " ومن تمام الأصل الثاني لفظ " الحركة " هل يوصف الله بها أم يجب نفيه عنه ؟ اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل وغير أهل الملل من أهل الحديث وأهل الكلام وأهل الفلسفة وغيرهم على ثلاثة أقوال . وهذه الثلاثة موجودة في أصحاب الأئمة الأربعة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم . وقد ذكر القاضي أبو يعلى الأقوال الثلاثة عن أصحاب الإمام أحمد في " الروايتين والوجهين " وغير ذلك من الكتب . وقبل ذلك ينبغي أن يعرف أن لفظ الحركة والانتقال والتغير والتحول ونحو ذلك ألفاظ مجملة ; فإن المتكلمين إنما يطلقون لفظ الحركة على الحركة المكانية وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان بحيث يكون قد فرغ الحيز الأول وشغل الثاني : كحركة أجسامنا من حيز إلى حيز وحركة الهواء والماء والتراب والسحاب من حيز إلى حيز ; بحيث يفرغ الأول ويشغل الثاني ; فأكثر المتكلمين لا يعرفون للحركة معنى إلا هذا . ومن هنا نفوا ما جاءت به النصوص من أنواع جنس الحركة ; فإنهم ظنوا أن جميعها إنما تدل على هذا وكذلك من أثبتها وفهم منها كلها هذا كالذين فهموا من نزوله إلى السماء الدنيا أنه يبقى فوقه بعض مخلوقاته فلا يكون هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء ولا يكون هو العلي الأعلى ويلزمهم أن لا يكون مستويا على العرش بحال كما تقدم . والفلاسفة يطلقون لفظ " الحركة " على كل ما فيه تحول من حال إلى حال . ويقولون أيضا : حقيقة الحركة هي الحدوث أو الحصول والخروج من القوة إلى الفعل يسيرا يسيرا بالتدريج . قالوا : وهذه العبارات دالة على معنى الحركة وقد يحدون بها الحركة . وهم متنازعون في الرب تعالى هل تقوم به جنس الحركة ؟ على قولين . وأصحاب " أرسطو " جعلوا الحركة مختصة بالأجسام ويصفون النفس بنوع من الحركة ; وليست عندهم جسما فيتناقضون . وكانت الحركة عندهم " ثلاثة أنواع " فزاد ابن سينا فيها قسما رابعا فصارت " أربعة " . ويجعلون الحركة جنسا تحته أنواع : حركة في الكيف وحركة في الكم . وحركة في الوضع وحركة في الأين . " فالحركة في الكيف " هي تحول الشيء من صفة إلى صفة ; مثل اسوداده واحمراره واخضراره واصفراره ومثل مصيره حلوا وحامضا ومثل تغير رائحته ; وكذلك في النفوس كعلم الإنسان بعد جهله وحبه بعد بغضه وإيمانه بعد كفره وفرحه بعد حزنه ورضاه بعد غضبه ; كل هذه الأحوال النفسانية حركة في الكيف وهذا مما احتج به من جوز منهم الحركة ; فإن إرادته لإحداث الشيء عندهم حركة . و " الحركة في الكم " مثل امتداد الشيء مثل كبر الحيوان بعد صغره وطوله بعد قصره ومثل امتداد الشجر والنبات وامتداد عروقه في الأرض وأغصانه في الهواء فهذا حركة في المقدار والكمية ; كما أن الأول حركة في الصفات والكيفية . وأما " الحركة في الوضع " ; فمثل دوران الشيء في موضع واحد ; كدوران " الفلك " و " المنجنون " الذي يسمى الدولاب وكحركة الرحى وغير ذلك فإنه لا ينتقل من حيز إلى حيز ; بل حيزه واحد لكن يختلف في أوضاعه فيكون الجزء منه تارة محاذيا للجهة العليا فيصير محاذيا للجهة السفلى ; أو للجهة اليمنى فيصير محاذيا للجهة اليسرى . وهذا النوع يقولون : إن ابن سينا زاده .
والرابع : الحركة في الأين وهي الحركة المكانية وهو انتقاله من حيز إلى حيز . وأما عموم أهل اللغة فيطلقون لفظ الحركة على جنس الفعل . فكل من فعل فعلا فقد تحرك عندهم ; ويسمون أحوال النفس حركة فيقولون : تحركت فيه المحبة وتحركت فيه الحمية وتحرك غضبه وتوصف هذه الأحوال بالحركة والسكون : فيقال : سكن غضبه قال تعالى : { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح } فوصف الغضب بالسكوت وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ومعاوية بن قرة وعكرمة : ( ولما سكن بالنون وعلى القراءة المشهورة ( بالتاء قال المفسرون : سكت الغضب أي سكن . وكذلك قال أهل اللغة ; الزجاج وغيره . قال الجوهري : سكت الغضب مثل سكن ; فالسكون أخص ; فكل ساكت ساكن وليس كل ساكن ساكتا وإذا وصف بالسكون دل على أنه كان متحركا ; وهذا وصف للأعراض النفسانية بالحركة والسكون . والأشعري قد استدل على أن الحركة وأنواعها لا تختص بالأجسام بما وجد من استعمالهم ذلك في الأعراض ; قال : فإنهم يقولون : جاءت الحمى وجاء البرد وجاءت العافية وجاء الشتاء وجاء الحر . ونحو ذلك مما يوصف بالمجيء والإتيان من الأعراض . ومجيء هذه الأعراض هو حدوث وتغير وتحول من حال إلى حال . فإن قيل : ما وصف بالحركة والسكون من هذه الأعراض فإنما هو لتحرك المحل الحامل لذلك العرض - وإلا فالعرض لا يقوم بنفسه ولا يفارق محله ; فإن الحمى والحر والبرد يقوم بالهواء الذي يحمل الحر والبرد . وكذلك الغضب هو غليان دم القلب لطلب الانتقام وهذا حركة الدم ; فإذا سكن غليان الدم سكن الغضب . قيل : ليس الأمر كذلك ; بل هذا يستعمل فيما يحدث من الأعراض في المحل شيئا فشيئا وإن لم يكن هناك جسم ينتقل معه كما تقدم من الحركة في الكيفيات والصفات ; فإن الماء إذا سخن حدثت فيه الحرارة وسخن الوعاء الذي فيه الماء من غير انتقال جسم حار إليه وإذا وضع الماء المسخن في المكان البارد برد من غير انتقال جسم بارد إليه . وكذلك الحمى حرارة أو برودة تقوم بالبدن من غير أن ينتقل إلى كل جزء من البدن جسم حار أو بارد . والغضب - وإن كان بعض الناس يقول : إنه غليان دم القلب فهو - صفة تقوم بنفس الغضبان غير غليان دم القلب ; وإنما ذلك أثره ; فإن حرارة الغضب تسخن الدم حتى يغلي . فإن مبدأ الغضب من النفس هي التي تتصف به أولا ثم يسري ذلك إلى الجسم وكذلك الحزن والفرح وسائر الأحوال النفسانية . والحزن يوجب دخول الدم ; ولهذا يصفر لون الحزين وهو من الأحوال النفسانية ; لكن الحزين يستشعر العجز عن دفع المكروه الذي أصابه وييأس من ذلك ; فيغور دمه والغضبان يستشعر قدرته على الدفع أو المعاقبة ; فينبسط دمه . والحركة والسكون والطمأنينة التي توصف بها النفس ليست مماثلة لما يوصف به الجسم قال تعالى



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس