عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 04:15 AM   #4
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


أن اختار أن يكون محبوسا مسجونا باختياره فكانت هذه أعظم في محنته وكان صبره هنا صبرا اختياريا اقترن به التقوى بخلاف صبره على ظلمهم فإن ذلك كان من باب المصائب التي من لم يصبر عليها صبر الكرام سلا سلو البهائم . والصبر الثاني أفضل الصبرين ؛ ولهذا قال : { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } . وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن لم يفعل أوذي وعوقب فاختار الأذى والعقوبة على فراق دينه : إما الحبس وإما الخروج من بلده كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين وكانوا يعذبون ويؤذون . وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبرا اختياريا فإنه إنما يؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره وكان هذا أعظم من صبر يوسف : لأن يوسف إنما طلب منه الفاحشة وإنما عوقب إذا لم يفعل بالحبس والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه وأهون ما عوقب به الحبس فإن المشركين حبسوه وبني هاشم بالشعب مدة ثم لما مات أبو طالب اشتدوا عليه فلما بايعت الأنصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الخروج ويحبسونه هو وأصحابه عن ذلك ولم يكن أحد يهاجر إلا سرا إلا عمر بن الخطاب ونحوه فكانوا قد ألجئوهم إلى الخروج من ديارهم ومع هذا منعوا من منعوه منهم عن ذلك وحبسوه . فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف لا من جنس التفريق بينه وبين أبيه وهذا أشرف النوعين وأهلها أعظم درجة - وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه وتكفر عنه الذنوب بمصائبه - فإن هذا أصيب وأوذي باختياره طاعة لله يثاب على نفس المصائب ويكتب له بها عمل صالح . قال تعالى : { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين } . بخلاف المصائب التي تجري بلا اختيار العبد كالمرض وموت العزيز عليه وأخذ اللصوص ماله فإن تلك إنما يثاب على الصبر عليها لا على نفس ما يحدث من المصيبة ؛ لكن المصيبة يكفر بها خطاياه فإن الثواب إنما يكون على الأعمال الاختيارية وما يتولد عنها . والذين يؤذون على الإيمان وطاعة الله ورسوله ويحدث لهم بسبب ذلك حرج أو مرض أو حبس أو فراق وطن وذهاب مال وأهل أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال هم في ذلك على طريقة الأنبياء وأتباعهم كالمهاجرين الأولين فهؤلاء يثابون على ما يؤذون به ويكتب لهم به عمل صالح كما يثاب المجاهد على ما يصيبه من الجوع والعطش والتعب وعلى غيظه الكفار وإن كانت هذه الآثار ليست عملا فعله يقوم به لكنها متسببة عن فعله الاختياري وهي التي يقال لها متولدة . وقد اختلف الناس هل يقال إنها فعل لفاعل السبب أو لله أو لا فاعل لها والصحيح أنها مشتركة بين فاعل السبب وسائر الأسباب ولهذا كتب له بها عمل صالح . والمقصود أن " الحسد " مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس ولهذا يقال : ما خلا جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه . وقد قيل للحسن البصري : أيحسد المؤمن ؟ فقال ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك ولكن عمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدا ولسانا . فمن وجد في نفسه حسدا لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر . فيكره ذلك من نفسه وكثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود فلا يعينون من ظلمه ولكنهم أيضا لا يقومون بما يجب من حقه بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك ؛ لا معتدون عليه وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضا في مواضع ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب . ومن اتقى الله وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه : كما جرى لزينب بنت جحش - رضي الله عنها - فإنها كانت هي التي تسامي عائشة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسد النساء بعضهن لبعض كثير غالب لا سيما المتزوجات بزوج واحد فإن المرأة تغار على زوجها لحظها منه فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها . وهكذا الحسد يقع كثيرا بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطا من ذلك وفات الآخر ؛ ويكون بين النظراء لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه كحسد إخوة يوسف كحسد ابني آدم أحدهما لأخيه فإنه حسده لكون أن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان هذا ؛ فحسده على ما فضله الله من الإيمان والتقوى - كحسد اليهود للمسلمين - وقتله على ذلك ؛ ولهذا قيل أول ذنب عصي الله به ثلاثة : الحرص والكبر والحسد . فالحرص من آدم والكبر من إبليس والحسد من قابيل حيث قتل هابيل . وفي الحديث { ثلاث لا ينجو منهن أحد : الحسد والظن والطيرة . وسأحدثكم بما يخرج من ذلك إذا حسدت فلا تبغض وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض } رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة . وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم { دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء وهي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين } فسماه داء كما سمى البخل داء في قوله : { وأي داء أدوأ من البخل } فعلم أن هذا مرض وقد جاء في حديث آخر { أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء } فعطف الأدواء على الأخلاق والأهواء . فإن " الخلق " ما صار عادة للنفس وسجية . قال تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } قال ابن عباس وابن عيينة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم عنهم : على دين عظيم وفي لفظ عن ابن عباس : على دين الإسلام . وكذلك قالت عائشة - رضي الله عنها - : كان خلقه القرآن . وكذلك قال الحسن البصري : أدب القرآن هو الخلق العظيم . وأما " الهوى " فقد يكون عارضا والداء هو المرض وهو تألم القلب والفساد فيه وقرن في الحديث الأول الحسد بالبغضاء ؛ لأن الحاسد يكره أولا فضل الله على ذلك الغير ؛ ثم ينتقل إلى بغضه ؛ فإن بغض اللازم يقتضي بغض الملزوم فإن نعمة الله إذا كانت لازمة وهو يحب زوالها وهي لا تزول إلا بزواله أبغضه وأحب عدمه والحسد يوجب البغي كما أخبر الله تعالى عمن قبلنا : أنهم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فلم يكن اختلافهم لعدم العلم بل علموا الحق ولكن بغى بعضهم على بعض كما يبغي الحاسد على المحسود . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تحاسدوا ولا تباغضوا ؛ ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال : يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام } وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من رواية أنس أيضا { والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } . وقد قال تعالى : { وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا } { ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } . فهؤلاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها بل أحبوا أن يكون لهم منها حظ فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم أو شر دنيوي ينصرف عنهم إذا كانوا لا يحبون الله ورسوله والدار الآخرة ولو كانوا كذلك لأحبوا إخوانهم وأحبوا ما وصل إليهم من فضله وتألموا بما يصيبهم من المصيبة ومن لم يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوء المؤمنين فليس منهم . ففي الصحيحين عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد . إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه } . والشح مرض والبخل مرض والحسد شر من البخل كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار } وذلك أن البخيل يمنع نفسه والحسود يكره نعمة الله على عباده وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه بخل بلا حسد لغيره والشح أصل ذلك . وقال تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا } وكان عبد الرحمن بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه يقول : اللهم قني شح نفسي فقال له رجل : ما أكثر ما تدعو بهذا فقال : إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة . والحسد يوجب الظلم .

فصل فالبخل والحسد مرض يوجب بغض النفس لما ينفعها بل وحبها لما يضرها ولهذا يقرن الحسد بالحقد والغضب وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها وقد يقترن به بغضها لما ينفعها والعشق مرض نفساني وإذا قوي أثر في البدن فصار مرضا في الجسم إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا ؛ ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك . والمقصود هنا " مرض القلب " فإنه أصل محبة النفس لما يضرها كالمريض البدن الذي يشتهي ما يضره وإذا لم يطعم ذلك تألم وإن أطعم ذلك قوي به المرض وزاد . كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعا بل ويضره التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك فإن منع من مشتهاه تألم وتعذب وإن أعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببا لزيادة الألم . وفي الحديث : { أن الله يحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب } وفي مناجاة موسى المأثورة عن وهب التي رواها الإمام أحمد في ( كتاب الزهد " { يقول الله تعالى : إني لأذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الهلكة . وإني لأجنبهم سكونها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة وما ذلك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لم تكلمه الدنيا ولم يطفئه الهوى } . وإنما شفاء المريض بزوال مرضه بل بزوال ذلك الحب المذموم من قلبه . والناس في العشق على قولين : قيل إنه من باب الإرادات وهذا هو المشهور . وقيل : من باب التصورات وأنه فساد في التخييل حيث يتصور المعشوق على ما هو به قال هؤلاء : ولهذا لا يوصف الله بالعشق ولا أنه يعشق ؛ لأنه منزه عن ذلك ولا يحمد من يتخيل فيه خيالا فاسدا . وأما الأولون فمنهم من قال : يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة ؛ والله يحب ويحب وروي في أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال : { لا يزال عبدي يتقرب إلي يعشقني وأعشقه } وهذا قول بعض الصوفية . والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ في حق الله ؛ لأن العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذي ينبغي والله تعالى محبته لا نهاية لها فليست تنتهي إلى حد لا تنبغي مجاوزته . قال هؤلاء : والعشق مذموم مطلقا لا يمدح لا في محبة الخالق ولا المخلوق لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحمود و ( أيضا فإن لفظ " العشق " إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والوطن والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم : إما بمحبة امرأة أجنبية أو صبي يقترن به النظر المحرم واللمس المحرم وغير ذلك من الأفعال المحرمة . وأما محبة الرجل لامرأته أو سريته [ محبة ] تخرجه عن العدل بحيث يفعل لأجلها ما لا يحل ويترك ما يجب كما هو الواقع كثيرا حتى يظلم ابنه من امرأته العتيقة ؛ لمحبته الجديدة وحتى يفعل من مطالبها المذمومة ما يضره في دينه ودنياه مثل أن يخصها بميراث لا تستحقه أو يعطي أهلها من الولاية والمال ما يتعدى به حدود الله أو يسرف في الإنفاق عليها أو يملكها من أمور محرمة تضره في دينه ودنياه وهذا في عشق من يباح له وطؤها . فكيف عشق الأجنبية والذكران من العالمين ؟ ففيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه ثم قد تفسد عقله ثم جسمه . قال تعالى : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } . ومن في قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة متى خضع المطلوب طمع المريض والطمع الذي يقوي الإرادة والطلب ويقوي المرض بذلك بخلاف ما إذا كان آيسا من المطلوب فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف الإرادة فيضعف الحب فإن الإنسان لا يريد أن يطلب ما هو آيس منه فلا يكون مع الإرادة عمل أصلا بل يكون حديث نفس إلا أن يقترن بذلك كلام أو نظر ونحو



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس