عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 04:14 AM   #3
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


والمرض باق ؛ فإن بغضه لنعمة الله على عبده مرض فإن تلك النعمة قد تعود على المحسود وأعظم منها وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود . والحاسد ليس له غرض في شيء معين ؛ لكن نفسه تكره ما أنعم به على النوع . ولهذا قال من قال : إنه تمني زوال النعمة فإن من كره النعمة على غيره تمنى زوالها بقلبه . و ( النوع الثاني : أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدا في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : { لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ورجل آتاه الله مالا وسلطه على هلكته في الحق } هذا لفظ ابن مسعود . ولفظ ابن عمر { رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه في الحق آناء الليل والنهار } رواه البخاري من حديث أبي هريرة ولفظه : { لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه الليل والنهار فسمعه رجل فقال : يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل : يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا } فهذا الحسد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا في موضعين هو الذي سماه أولئك الغبطة وهو أن يحب مثل حال الغير ويكره أن يفضل عليه . فإن قيل : إذا لم سمي حسدا وإنما أحب أن ينعم الله عليه ؟ . قيل مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهته أن يتفضل عليه ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يتفضل عليه الغير كان حسدا ؛ لأنه كراهة تتبعها محبة وأما من أحب أن ينعم الله عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس فهذا ليس عنده من الحسد شيء . ولهذا يبتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني وقد تسمى المنافسة فيتنافس الاثنان في الأمر المحبوب المطلوب كلاهما يطلب أن يأخذه وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر والتنافس ليس مذموما مطلقا بل هو محمود في الخير . قال تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } { على الأرائك ينظرون } { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } { يسقون من رحيق مختوم } { ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } فأمر المنافس أن ينافس في هذا النعيم لا ينافس في نعيم الدنيا الزائل وهذا موافق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نهى عن الحسد إلا فيمن أوتي العلم فهو يعمل به ويعلمه ومن أوتي المال فهو ينفقه فأما من أوتي علما ولم يعمل به ولم يعلمه أو أوتي مالا ولم ينفقه في طاعة الله فهذا لا يحسد ولا يتمنى مثل حاله فإنه ليس في خير يرغب فيه بل هو معرض للعذاب ومن ولي ولاية فيأتيها بعلم وعدل أدى الأمانات إلى أهلها وحكم بين الناس بالكتاب والسنة فهذا درجته عظيمة ؛ لكن هذا في جهاد عظيم كذلك المجاهد في سبيل الله . والنفوس لا تحسد من هو في تعب عظيم فلهذا لم يذكره وإن كان المجاهد في سبيل الله أفضل من الذي ينفق المال ؛ بخلاف المنفق والمعلم فإن هذين ليس لهم في العادة عدو من خارج فإن قدر أنهما لهما عدو يجاهدانه . فذلك أفضل لدرجتهما وكذلك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي والصائم والحاج ؛ لأن هذه الأعمال لا يحصل منها في العادة من نفع الناس الذي يعظمون به الشخص ويسودونه ما يحصل بالتعليم والإنفاق . والحسد في الأصل إنما يقع لما يحصل للغير من السؤدد والرياسة وإلا فالعامل لا يحسد في العادة ولو كان تنعمه بالأكل والشرب والنكاح أكثر من غيره بخلاف هذين النوعين فإنهما يحسدان كثيرا ولهذا يوجد بين أهل العلم الذين لهم أتباع من الحسد ما لا يوجد فيمن ليس كذلك وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله فهذا ينفع الناس بقوت القلوب وهذا ينفعهم بقوت الأبدان والناس كلهم محتاجون إلى ما يصلحهم من هذا وهذا . ولهذا ضرب الله سبحانه " مثلين " : مثلا بهذا ومثلا بهذا فقال : { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون } { وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم } . و ( المثلان ضربهما الله سبحانه لنفسه المقدسة ولما يعبد من دونه ؛ فإن الأوثان لا تقدر لا على عمل ينفع ولا على كلام ينفع فإذا قدر عبد مملوك لا يقدر على شيء وآخر قد رزقه الله رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوي هذا المملوك العاجز عن الإحسان وهذا القادر على الإحسان المحسن إلى الناس سرا وجهرا وهو سبحانه قادر على الإحسان إلى عباده وهو محسن إليهم دائما فكيف يشبه به العاجز المملوك الذي لا يقدر على شيء حتى يشرك به معه وهذا مثل الذي أعطاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار . و ( المثل الثاني إذا قدر شخصان أحدهما أبكم لا يعقل ولا يتكلم ولا يقدر على شيء وهو مع هذا كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير فليس فيه من نفع قط بل هو كل على من يتولى أمره وآخر عالم عادل يأمر بالعدل ويعمل بالعدل فهو على صراط مستقيم . وهذا نظير الذي أعطاه الله الحكمة فهو يعمل بها ويعلمها الناس . وقد ضرب ذلك مثلا لنفسه ؛ فإنه سبحانه عالم عادل قادر يأمر بالعدل وهو قائم بالقسط على صراط مستقيم . كما قال تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } وقال هود : { إن ربي على صراط مستقيم } . ولهذا كان الناس يعظمون دار العباس كان عبد الله يعلم الناس وأخوه يطعم الناس فكانوا يعظمون على ذلك . ورأى معاوية الناس يسألون ابن عمر عن المناسك وهو يفتيهم فقال : هذا والله الشرف أو نحو ذلك . هذا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه نافس أبا بكر رضي الله عنه الإنفاق كما ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي قال : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا } . فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة ؛ لكن حال الصديق رضي الله عنه أفضل منه وهو أنه خال من المنافسة مطلقا لا ينظر إلى حال غيره . وكذلك { موسى صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي ؛ لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي } أخرجاه في الصحيحين وروي في بعض الألفاظ المروية غير الصحيح { مررنا على رجل وهو يقول ويرفع صوته : أكرمته وفضلته قال : فرفعناه إليه فسلمنا عليه فرد السلام فقال : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : هذا أحمد قال : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته قال : ثم اندفعنا فقلت من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا موسى بن عمران قلت : ومن يعاتب ؟ قال : يعاتب ربه فيك قلت : ويرفع صوته على ربه قال إن الله عز وجل قد عرف صدقه } . وعمر رضي الله عنه كان مشبها بموسى ونبينا حاله أفضل من حال موسى فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك . وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه كانوا سالمين من جميع هذه الأمور فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة وإن كان ذلك مباحا ولهذا استحق أبو عبيدة رضي الله عنه أن يكون أمين هذه الأمة فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته ؛ ولهذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان ويؤتمن على الولاية الصغرى من يعرف أنه لا يزاحم على الكبرى ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض في أخذ شيء منه وإذا اؤتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم فلا يقدر أن يؤدي الأمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما اؤتمن عليه . وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن { أنس رضي الله عنه قال : كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة قال : فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوء قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم اتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال : نعم قال أنس رضي الله عنه فكان عبد الله يحدث أنه بات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا ؛ غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم إلى صلاة الفجر فقال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما فرغنا من الثلاث وكدت أن أحقر عمله قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بذلك فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت غير أنني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله إياه قال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق } . فقول عبد الله بن عمرو له هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الحسد . وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار فقال : { ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } أي مما أوتي إخوانهم المهاجرون قال المفسرون لا يجدون في صدورهم حاجة أي حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون ثم قال بعضهم من مال الفيء وقيل من الفضل والتقدم فهم لا يجدون حاجة مما أوتوا من المال ولا من الجاه والحسد يقع على هذا . وكان بين الأوس والخزرج منافسة على الدين فكان هؤلاء إذا فعلوا ما يفضلون به عند الله ورسوله أحب الآخرون أن يفعلوا نظير ذلك فهو منافسة فيما يقربهم إلى الله كما قال : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } .

وأما الحسد المذموم كله فقد قال تعالى في حق اليهود : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } يودون أي يتمنون ارتدادكم حسدا فجعل الحسد هو الموجب لذلك الود من بعد ما تبين لهم الحق ؛ لأنهم لما رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل ؛ بل ما لم يحصل لهم مثله حسدوكم وكذلك في الآية الأخرى : { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } { فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا } وقال تعالى : { قل أعوذ برب الفلق } { من شر ما خلق } { ومن شر غاسق إذا وقب } { ومن شر النفاثات في العقد } { ومن شر حاسد إذا حسد } . وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها ( نزلت بسبب حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه : سحره لبيد بن الأعصم اليهودي فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلا فيما يقربه إلى الله فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطي مما يقربه إلى الله فهذا لا بأس به وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل . ثم هذا الحسد إن عمل بموجبه صاحبه كان ظالما معتديا مستحقا للعقوبة إلا أن يتوب وكان المحسود مظلوما مأمورا بالصبر والتقوى فيصبر على أذى الحاسد ويعفو ويصفح عنه كما قال تعالى : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } وقد ابتلي يوسف بحسد إخوته له حيث قالوا : { ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين } فحسدوهما على تفضيل الأب لهما ولهذا قال يعقوب ليوسف : { لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين } . ثم إنهم ظلموه بتكلمهم في قتله وإلقائه في الجب وبيعه رقيقا لمن ذهب به إلى بلاد الكفر فصار مملوكا لقوم كفار ثم إن يوسف ابتلي بعد أن ظلم بمن يدعوه إلى الفاحشة ويراود عليها ويستعين عليه بمن يعينه على ذلك فاستعصم واختار السجن على الفاحشة وآثر عذاب الدنيا على سخط الله فكان مظلوما من جهة من أحبه لهواه وغرضه الفاسد . فهذه المحبة أحبته لهوى محبوبها شفاؤها وشفاؤه إن وافقها وأولئك المبغضون أبغضوه بغضة أوجبت أن يصير ملقى في الجب ثم أسيرا مملوكا بغير اختياره فأولئك أخرجوه من إطلاق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره وهذه ألجأته إلى



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس