عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 04:21 AM   #2
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


"لمعة الاعتقاد"

"اللمعة" تطلق في اللغة على معانٍ منها: البلغة من العيش، وهذا المعنى أنسب معنى لموضوع هذا الكتاب، فمعنى لمعة الاعتقاد هنا: البلغة من الاعتقاد الصحيح المطابق لمذهب السلف رضوان الله عليهم. والاعتقاد: الحكم الذهني الجازم، فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد.
ما تضمنته خطبة الكتاب

تضمنت خطبة المؤلف في هذا الكتاب ما يأتي:
1- البداءة بالبسملة، اقتداءً بكتاب الله العظيم، واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): أي أفعل الشيء مستعيناً ومتبركاً بكل اسم من أسماء الله تعالى الموصوف بالرحمة الواسعة. ومعنى (اللَّهِ) المألوه أي المعبود حباً وتعظيماً وتألهاً وشوقاً، و (الرَّحْمَنِ) ذو الرحمة الواسعة، و (الرَّحِيمِ) الموصل رحمته من شاء من خلقه، فالفرق بين الرحمن والرحيم أن الأول باعتبار كون الرحمة وصفاً له، والثاني باعتبارها فعلاً له يوصلها من شاء من خلقه.
2- الثناء على الله بالحمد، والحمد: ذكر أوصاف المحمود الكاملة وأفعاله الحميدة مع المحبة له والتعظيم.
3- أن الله محمود بكل لسان ومعبود بكل مكان، أي مستحق وجائز أن يحمد بكل لغة ويعبد بكل بقعة.
4- سعة علم الله بكونه، لا يخلو من علمه مكان، وكمال قدرته وإحاطته حيث لا يلهيه أمر عن أمر.
5- عظمته وكبرياؤه وترفعه عن كل شبيه وند مماثل لكمال صفاته من جميع الوجوه.
6- تنزهه وتقدسه عن كل زوجة وولد، وذلك لكمال غناه.
7- تمام إرادته وسلطانه بنفوذ قضائه في جميع العباد، فلا يمنعه قوة ملك ولا كثرة عدد ومال.
8- عظمة الله فوق ما يتصور بحيث لا تستطيع العقول له تمثيلاً ولا تتوهم القلوب له صورة؛ لأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
9- اختصاص الله بالأسماء الحسنى والصفات العلى.
10- استواء الله على عرشه وهو علوه واستقراره عليه على الوجه اللائق به.
11- عموم ملكه للسموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
12- سعة علمه، وقوة قهره، وحكمه وأن الخلق لا يحيطون به علماً لقصور إدراكهم عما يستحقه الرب العظيم من صفات الكمال والعظمة.

تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها


تنقسم نصوص الكتاب والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين:
واضح جلي، ومشكل خفي.
فالواضح: ما اتضح لفظه ومعناه، فيجب الإيمان به لفظاً، وإثبات معناه حقاً بلا رد ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل؛ لأن الشرع ورد به فوجب الإيمان به، وتلقيه بالقبول والتسليم.
وأما المشكل: فهو ما لم يتضح معناه لإجمال في دلالته، أو قصر في فهم قارئه، فيجب إثبات لفظه لورود الشرع به، والتوقف في معناه وترك التعرض له لأنه مشكل لا يمكن الحكم عليه، فنرد علمه إلى الله ورسوله.

وقد انقسمت طرق الناس في هذا المشكل إلى طريقتين:
الطريقة الأولى: طريقة الراسخين في العلم الذين آمنوا بالمحكم والمتشابه وقالوا: كل من عند ربنا، وتركوا التعرض لما لا يمكنهم الوصول إلى معرفته والإحاطة به، تعظيماً لله ورسوله وتأدباً مع النصوص الشرعية، وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)(14).
الطريقة الثانية: طريقة الزائغين الذين اتبعوا المتشابه طلباً للفتنة وصداً للناس عن دينهم وعن طريقة السلف الصالح، فحاولوا تأويل هذا المتشابه إلى ما يريدون لا إلى ما يريده الله ورسوله، وضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض، وحاولوا الطعن في دلالتها بالمعارضة والنقص ليشككوا المسلمين في دلالتها ويعموهم عن هدايتها، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله بقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ)(15).

تحرير القول في النصوص من حيث الوضوح والإشكال


إن الوضوح والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي، يختلف فيه الناس بحسب العلم والفهم، فقد يكون مشكلاً عند شخص ما هو واضح عند شخص آخر، والواجب عند الإشكال اتباع ما سبق من ترك التعرض له والتخبط في معناه. أما من حيث واقع النصوص الشرعية فليس فيها بحمد الله ما هو مشكل لا يعرف أحد من الناس معناه فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم، لأن الله وصف القرآن بأنه نور مبين، وبيان للناس، وفرقان، وأنه أنزله تبياناً لكل شيء، وهدىً ورحمة، وهذا يقتضي أن لا يكون في النصوص ما هو مشكل بحسب الواقع بحيث لا يُمكَّن أحداً من الأمة معرفة معناه.

معنى الرد، والتأويل، والتشبيه، والتمثيل، وحكم كل منها


الرد: التكذيب والإنكار. مثل أن يقول قائل: ليس لله يد لا حقيقة ولا مجازاً. وهو كفر لأنه تكذيب لله ورسوله.
والتأويل: التفسير والمراد به هنا تفسير نصوص الصفات بغير ما أراد الله بها ورسوله وبخلاف ما فسرها به الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
وحكم التأويل على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون صادراً عن اجتهاد وحسن نية بحيث إذا تبين له الحق رجع عن تأويله، فهذا معفو عنه لأن هذا منتهى وسعه، وقد قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)(16).
الثاني: أن يكون صادراً عن هوى وتعصب، وله وجه في اللغة العربية فهو فسق وليس بكفر إلا أن يتضمن نقصاً أو عيباً في حق الله فيكون كفراً.
القسم الثالث: أن يكون صادراً عن هوى وتعصب وليس له وجه في اللغة العربية، فهذا كفر لأن حقيقته التكذيب حيث لا وجه له.
والتشبيه: إثبات مشابه لله فيما يختص به من حقوق أو صفات، وهو كفر؛ لأنه من الشرك بالله، ويتضمن النقص في حق الله حيث شبهه بالمخلوق الناقص.
والتمثيل: إثبات مماثل لله فيما يختص به من حقوق أو صفات، وهو كفر؛ لأنه من الشرك بالله وتكذيب لقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(17).
ويتضمن النقص في حق الله حيث مثله بالمخلوق الناقص.
والفرق بين التمثيل والتشبيه: أن التمثيل يقتضي المساواة من كل وجه بخلاف التشبيه.

ما تضمنه كلام الإمام أحمد في أحاديث النزول وشبهها


تضمن كلام الإمام أحمد رحمه الله الذي نقله عن المؤلف ما يأتي:
1- وجوب الإيمان والتصديق بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحاديث الصفات من غير زيادة ولا نقص ولا حد ولا غاية.
2- أنه لا كيف ولا معنى أي لا نكيف هذه الصفات؛ لأن تكييفها ممتنع لما سبق، وليس مراده أنه لا كيفية لصفاته؛ لأن صفاته ثابتة حقاً، وكل شيء ثابت فلابد له من كيفية، لكن كيفية صفات الله غير معلومة لنا.
وقوله: ولا معنى أي: لا نثبت لها معنى يخالف ظاهرها كما فعله أهل التأويل وليس مراده نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها الذي فسرها به السلف فإن هذا ثابت، ويدل على هذا قوله: "ولا نرد شيئاً منها، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نعلم كيفية كنه ذلك". فإن نفيه لرد شيء منها، ونفيه لعلم كيفيتها دليل على إثبات المعنى المراد منها.
3- وجوب الإيمان بالقرآن كله محكمه، وهو ما اتضح معناه، ومتشابه وهو ما أشكل معناه، فنرد المتشابه إلى المحكم ليتضح معناه، فإن لم يتضح وجب الإيمان به لفظاً، وتفويض معناه إلى الله تعالى.

ما تضمنه كلام الإمام الشافعي

تضمن كلام الإمام الشافعي ما يأتي:
1- الإيمان بما جاء عن الله تعالى في كتابه المبين على ما أراده الله من غير زيادة، ولا نقص، ولا تحريف.
2- الإيمان بما جاء به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة ولا نقص ولا تحريف.
وفي هذا الكلام رد على أهل التأويل، وأهل التمثيل؛ لأن كل واحد منهم لم يؤمن بما جاء عن الله ورسوله على مراد الله ورسوله فإن أهل التأويل نقصوا، وأهل التمثيل زادوا.

طريق السلف الذين درجوا عليه في الصفات
الذي درج عليه السلف في الصفات هو الإقرار والإثبات لما ورد من صفات الله تعالى في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تعرض لتأويله بما لا يتفق مع مراد الله ورسوله.
والاقتداء بهم في ذلك واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح وصححه الألباني وجماعة(18).

السنة والبدعة وحكم كل منها

السنة لغة: "الطريقة".
واصطلاحاً: "ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من عقيدة أو عمل".
واتباع السنة واجب لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(19). وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا بالنواجذ"(20).
والبدعة لغة: "الشيء المستحدث".
واصطلاحاً: "ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عقيدة أو عمل".
وهي حرام لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)(21). وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"(22).
الآثار الواردة في الترغيب في السنة والتحذير من البدعة:
1- من أقوال الصحابة: قال ابن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل المتوفى سنة 32هـ عن بضع وستين سنة: (اتبعوا) أي التزموا آثار النبي صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقص (ولا تبتدعوا) لا تحدثوا بدعة في الدين (فقد كفيتم) أي كفاكم السابقون مهمة الدين حيث أكمل الله تعالى الدين لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأنزل قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم)(23). فلا يحتاج الدين إلى تكميل.
2- من أقوال التابعين: قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز المولود سنة 63هـ المتوفى سنة 101هـ قولاً يتضمن ما يأتي:
أ- وجوب الوقوف حيث وقف القوم - يعني بهم - النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما كانوا عليه من الدين عقيدة وعملاً، لأنهم وقفوا عن علم وبصيرة، ولو كان فيما حدث بعدهم خير لكانوا به أحرى.
ب-أن ما أحدث بعدهم فليس فيه إلا مخالفة هديهم والزهد في سنتهم وإلا فقد وصفوا من الدين ما يشفي وتكلموا فيه بما يكفي .
ج- أن من الناس من قصر في اتباعهم فكان جافياً، ومن الناس من تجاوز فكان غالياً، والصراط المستقيم ما بين الغلو والتقصير.
3- من أقوال تابعي التابعين: قال الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو المتوفى سنة 157هـ (عليك بآثار من سلف) الزم طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان لأنها مبنية على الكتاب والسنة (وإن رفضك الناس) أبعدوك واجتنبوك (وإياك وأراء الرجال) أحذر أراء الرجال وهي ما قيل بمجرد الرأي من غير استناد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، (وإن زخرفوه) جملوا اللفظ وحسنوه فإن الباطل لا يعود حقاً بزخرفته وتحسينه.

مناظرة جرت عند خليفة بين الأذرمي(24) وصاحب بدعة

لم أطلع على ترجمة للأذرمي ومن معه ولا أعلم نوع البدعة المذكورة، والمهم أن نعرف مراحل هذه المناظرة لنكتسب منها طريقاً لكيفية المناظرة بين الخصوم. وقد بنى الأذرمي رحمه الله مناظرته هذه على مراحل ليعبر من كل مرحلة إلى التي تليها حتى يفحم خصمه.
المرحلة الأولى: "العلم" فقد سأله الأذرمي هل علم هذه البدعة النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه؟
قال البدعي: لم يعلموها.
وهذا النفي يتضمن انتقاص النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه حيث كانوا جاهلين بما هو من أهم أمور الدين، ومع ذلك فهو حجة على البدعي إذا كانوا لا يعلمونه، ولذلك انتقل به الأذرمي إلى:
المرحلة الثانية: إذا كانوا لا يعلمونها فكيف تعلمها أنت؟ هل يمكن أن يحجب الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين علم شيء من الشريعة ويفتحه لك؟
فتراجع البدعي وقال: أقول: قد علموها، فانتقل به إلى:
المرحلة الثالثة: إذا كانوا قد علموها فهل وسعهم أي أمكنهم أن لا يتكلموا بذلك ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ فأجاب البدعي: بأنهم وسعهم السكوت وعدم الكلام
فقال له الأذرمي: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت، فانقطع الرجل وامتنع عن الجواب لأن الباب انسد أمامه.
فصوب الخليفة رأي الأذرمي، ودعا بالضيق على من لم يسعه ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه.
وهكذا كل صاحب باطل من بدعة أو غيرها فلابد أن يكون مآله الانقطاع عن الجواب.

الصفات التي ذكرها المؤلف من صفات الله تعالى


ذكر المؤلف رحمه الله من صفات الله الصفات الآتية وسنتكلم عليها حسب ترتيب المؤلف.
الصفة الأولى: "الوجه":
الوجه ثابت لله تعالى بدلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ)(25).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها" متفق عليه(26).
وأجمع السلف على إثبات الوجه لله تعالى، فيجب إثباته له بدون تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو وجه حقيقي يليق بالله.
وقد فسره أهل التعطيل بالثواب. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
الصفة الثانية: "اليدان".
اليدان من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(27).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار" إلى قوله: "بيده الأخرى القبض يرفع ويخفض". رواه مسلم والبخاري معناه(28).
وأجمع السلف على إثبات اليدين لله، فيجب إثباتهما له بدون تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهما يدان حقيقيتان لله تعالى يليقان به.
وقد فسرهما أهل التعطيل بالنعمة أو القدرة ونحوها. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة، وبوجه رابع أن في السياق ما يمنع تفسيرهما بذلك قطعاً كقوله تعالى: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)(29). وقوله صلى الله عليه وسلم: "وبيده الأخرى القبض".
الأوجه التي وردت عليها صفة اليدين وكيف نوفق بينها:
الأول: الإفراد كقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك)(30).
الثاني: التثنية كقوله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(31).
الثالث: الجمع كقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً)(32).
والتوفيق بين هذه الوجوه أن نقول: الوجه الأول مفرد مضاف فيشمل كل ما ثبت لله من يد ولا ينافي الثنتين، وأما الجمع فهو للتعظيم لا لحقيقة العدد الذي هو ثلاثة فأكثر وحينئذ لا ينافي التثنية، على أنه قد قيل: إن أقل الجمع اثنان، فإذا حمل الجمع على أقله فلا معارضة بينه وبين التثنية أصلاً.
الصفة الثالثة: "النفس".
النفس ثابتة لله تعالى بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(33). وقال عن عيسى أنه قال: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)(34).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته". رواه مسلم(35).
وأجمع السلف على ثبوتها على الوجه اللائق به، فيجب إثباتها لله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
الصفة الرابعة: "المجيء".
مجيء الله للفصل بين عباده يوم القيامة ثابت بالكتاب، والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّك)(36). و (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ)(37).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين". متفق عليه. في حديث طويل(38).
وأجمع السلف على ثبوت المجيء لله تعالى، فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى.
وقد فسره أهل التعطيل بمجيء أمره. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
الصفة الخامسة: "الرضا".
الرضا من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(39).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها"(40). رواه مسلم.
وأجمع السلف على إثبات الرضا لله تعالى فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهو رضا حقيقي يليق بالله تعالى، وقد فسره أهل التعطيل بالثواب ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
الصفة السادسة: "المحبة".
المحبة من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(41).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"(42). متفق عليه.
وأجمع السلف على ثبوت المحبة لله يُحِبُ، ويُحَب، فيجب إثبات ذلك حقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهي محبة حقيقية تليق بالله تعالى، وقد فسرها أهل التعطيل بالثواب، والرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
الصفة السابعة: "الغضب".
الغضب من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى فيمن قتل مؤمناً متعمداً: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ)(43).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتاباً عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي"(44). متفق عليه.
وأجمع السلف على ثبوت الغضب لله فيجب إثباته من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهو غضب حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بالانتقام، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع: أن الله تعالى غاير بين الغضب والانتقام فقال تعالى: (فَلَمَّا آسَفُونَا) أي أغضبونا (انْتَقَمْنَا مِنْهُم)(45). فجعل الانتقام نتيجة للغضب فدل على أنه غيره.
الصفة الثامنة: "السخط".
السخط من صفات الله الثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّه)(46).
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك"(47). الحديث رواه مسلم.
وأجمع السلف على ثبوت السخط لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهو سخط حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بالانتقام. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
الصفة التاسعة: "الكراهة".
الكراهة من الله لمن يستحقها ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُم)(48).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال"(49). رواه البخاري.
وأجمع السلف على ثبوت ذلك لله فيجب إثباته من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهي كراهة حقيقية من الله تليق به، وفسر أهل التعطيل الكراهة بالإبعاد. نرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
الصفة العاشرة: "النزول".
نزول الله إلى السماء الدنيا من صفاته الثابتة له بالسنة، وإجماع السلف.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له..."(50) الحديث متفق عليه.
وأجمع السلف على ثبوت النزول لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهو نزول حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بنزول أمره، أو رحمته، أو ملك من ملائكته، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع: أن الأمر ونحوه لا يمكن أن يقول: من يدعوني فأستجيب له... إلخ.
الصفة الحادية عشرة: "العجب".
العجب من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ)(51). على قراءة ضم التاء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة" رواه أحمد وهو في "المسند" (4/151) عن عقبة بن عامر مرفوعاً وفيه ابن لهيعة.
وأجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهو عجب حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بالمجازاة ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.
والعجب نوعان:
أحدهما: أن يكون صادراً عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهشله ويستعظمه ويتعجب منه، وهذا النوع مستحيل على الله؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء.
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره، أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب، وهذا هو الثابت لله تعالى.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس