عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 03:01 AM   #30
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وقد جرت سنة الله سبحانه في خلقه أنه عند ظهور الزنى يغضب الله سبحانه وتعالى ويشتد غضبه فلابد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة فقال: عبد الله بن مسعود"ما ظهر الربا والزنا في قرية إلاّ أذن الله بإهلاكها"ورأى بعض أحبار بنى إسرائيل ابنا له يغامز امرأة فقال مهلا يا بني فصرع الأب عن سريره فأنقطع نخاعه وأسقطت امرأته وقيل له"هكذا غضبك لي؟ لا يكون في جنسك خير أبدا".
وخص سبحانه حد الزنى من بين سائر الحدود بثلاث خصائص:
أحدها القتل فيه بأشنع القتلات وحيث خففه فجمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.



ص -194- الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمتعهم من إقامة الحد عليهم فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه العقوبة فهو أرحم بكم منكم بهم ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره.
وهذا -وإن كان عاما في سائر الحدود- ولكن ذكر في حد الزنى خاصة لشدة الحاجة إلى ذكره فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلطة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم من أرباب الجرائم والوقائع والواقع شاهد بذلك فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حد الله عز وجل.
وسبب هذه الرحمة: أن هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط والأراذل وفي النفوس أقوى الدواعي إليه والمشارك فيه كثير وأكثر أسبابه العشق والقلوب مجبولة على رحمة العاشق وكثير من الناس يعد مساعدته طاعة وقرية وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليها ولا يستنكر هذا الأمر: فهو مستقر عند من شاء الله من أشباه الأنعام ولقد حكى لنا من ذلك شيء كثيرا كثرة عن ناقصي العقول كالخدام والنساء.
وأيضا فإن هذا ذنب غالب ما يقع مع التراضي من الجانبين فلا يقع فيه من العدوان والظلم والاغتصاب ما تنفر النفوس منه وفيها شهوة غالبة له فتصور ذلك لنفسها فتقوم بها رحمة تمنع إقامة الحد وهذا كله من ضعف الإيمان, وكمال الإيمان أن تقوم به قوة يقيم أمر الله ورحمة يرحم بها المحدود فيكون موافقا لربه سبحانه في أمره ورحمته.
الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين فلا يكون في خلوة حيث لا يراهما أحد وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر وحد





ص -195- الزاني المحصن مشتق من عقوبة الله تعالى لقوم لوط بالقذف بالحجارة وذلك لاشتراك الزنى واللواط في الفحش وفي كل منهما فساد يناقض حكمة الله في خلقه وأمره فإن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد ولأن يقتل المفعول به خير له من أن يؤتي فإنه يفسد فسادا لا يرجى له بعده صلاح أبدا ويذهب خيره كله وتمص الأرض ماء الحياء من وجهه فلا يستحي بعد ذلك لا من الله ولا من خلقه وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن.
وقد اختلف الناس: هل يدخل الجنة مفعول به؟ على قولين سمعت شيخ الإسلام رحمه الله يحكيهما.
والذين قالوا لا يدخل الجنة احتجوا بأمور:
منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يدخل الجنة ولد زنا"فإذا كان هذا حال ولد الزنى مع أنه لا ذنب له في ذلك ولكنه مظنة كل شر وخبث وهو جدير أن لا يجيء منه خيرا أبدا لأنه مخلوق من نطفة خبيثة وإذا كان الجسد الذي تربى على الحرام النار أولى به فكيف بالجسد المخلوق من النطفة الحرام؟.
قالوا: والمفعول به شر من ولد الزنى وأخزى وأخبث وأوسخ وهو جدير أن لا يوفق للخير وأن يحال بينه وبينه وكلما عمل خيرا قيض الله ما يفسده عقوبة له وقل أن ترى من كان كذلك في صغره إلاّ وهو في كبره شر مما كان ولا يوفق ولا لعلم نافع ولا عمل الصالح ولا توبة نصوح.
والتحقيق في هذه المسألة أن يقال: إن تاب المبتلى بهذا البلاء وتاب ورزق توبة نصوحا وعملا صالحا وكان في كبره خيرا منه في صغره وبدل سيئآته بحسنات وغسل عار ذلك عنه بأنواع الطاعات والقربات وغض بصره وحفظ فرجه عن المحرمات وصدق الله في معاملته فهذا مغفور له وهو من






ص -196- أهل الجنة فإن الله يغفر الذنوب جميعا وإذا كانت التوبة تمحو كل ذنب حتى الشرك بالله وقتل أنبيائه وأوليائه والسحر والكفر وغير ذلك فلا تقصر عن محو هذا الذنب وقد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا"أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له"وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا أنه يبدل سيئاته حسنات وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب وقد قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ولكن هذا في حق التائبين خاصة.
وأما مفعول به إن كان في كبره شرا مما كان في صغره: لم يوفق لتوبة نصوحا ولا لعمل صالح ولا استدرك ما فات ولا أبدل السيئات بالحسنات فهذا بعيد أن يوفق عند الممات لخاتمة يدخل بها الجنة عقوبة له على عمله فإن الله سبحانه وتعالى يعاقب على السيئة بسيئة أخرى وتتضاعف عقوبة السيئات بعضها ببعض كما يثيب على الحسنة بحسنة أخرى فتضاعف الحسنات.
وإذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبة لهم على أعمال السيئة.
قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الاشبيلي رحمه الله:"وأعلم أن لسوء الخاتمة -أعاذنا الله منها- أسباب ولها طرق وأبواب أعظمها الإنكباب على الدنيا وطلبها والحرص عليها والإعراض عن الأخرى والإقدام معاصي الله عز وجل وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية وجانب من الإعراض ونصيب من الجرأة والإقدام فملك قلبه وسبى عقله وأطفأ نوره وأرسل عليه حجبه فلم تنفع فيه تذكرة ولا نجحت فيه موعظة فربما جاءه الموت على ذلك فسمع النداء من مكان بعيد فلم يتبين له المراد ولا علم ما أراد وإن كرر عليه الداعي وأعاد.




ص -197- ولا أعلم ما أراد وإن كرر عليه الداعي وأعاد.
قال: ويروي أن بعض رجال الناصر نزل به الموت فجعل ابنه يقول له: قل لا إله إلاّ الله فقال الناصر مولاي فأعاد عليه القول فقال مثل ذلك أصابته غشية فلما أفاق قال: الناصر مولاي وكان هذا دأبه كلما له قيل لا إله إلاّ الله قال: الناصر مولاي ثم قال: لابنه يا فلان الناصر إنما يعرفك بسيفك والقتل القتل ثم مات على ذلك. قال: عبد الحق رحمه الله -وقيل لآخر ممن أعرفه- قل لا إله إلاّ الله فجعل يقول الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا والبستان الفلاني افعلوا فيه كذا.
وقال: وفيما أذن أبو طاهر السلفي أن أحدث به عنه أن رجلا نزل به الموت فقيل له: قل لا إله إلاّ الله فجعل يقول بالفارسية: ده يازده ده وزداه تفسيره: عشر بإحدى عشر. وقيل لآخر: قل لا إله إلاّ الله فجعل يقول: أين الطريق إلى حمام منجاب؟.
قال: وهذا الكلام له قصة وذلك أن رجلا كان واقفا بإزاء داره وكان بابها يشبه باب هذا الحمام فمرت به جارية لها منظر فقالت: أين السلام إلى حمام منجاب؟ فقال هذا حمام منجاب فدخلت الدار ودخل وراءها. فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه. وقالت له: خدعة منها له وتحيلا لتتخلص مما أوقعها فيه وخوفا من فعل الفاحشة يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقربه عيوننا فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت ولم تخنه في شيء فهام الرجل وأكثر الذكر لها وجعل يمشي في الطرق والأزقة ويقول:

يارب قائلة يوما وقد تعبت أين الطريق إلي حمام منجاب

فبينما يقول ذلك وإذا بجاريته أجابته من طاق:

ص -198- هل لا جعلت سريعا إذ ظفرت بها حرزا على الدار أو قفلا على الباب

فازداد هيمانه واشتد هيجانه ولم يزل كذلك حتى كان هذا البيت آخر كلامه من الدنيا.
ولقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفا من الذنوب؟ فأخذ تنبة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذه وإنما أبكى خوفا من"سوء"الخاتمة.
وهذا من أعظم الفقه: أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى.
وقد ذكر الإمام أحمد عن أبى الدرداء أنه لما احتضر جعل يغمى عليه ثم يفيق ويقرأ {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
فمن هذا خاف السلف من الذنوب أن تكون حجابا بينهم وبين الخاتمة الحسنى.
قال: وأعلم أن سوء الخاتمة- أعاذنا الله تعالى منها- لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ما سمع بهذا ولا علم به ولله الحمد وإنما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة وإقدام على العظائم فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطلم قبل الإنابة فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله.
قال: ويروي أنه كان بمصر رجل يلزم المسجد للأذان والصلات فيه وعليه بهاء الطاعة وأنور العبادة فرقى يوما المنارة على عادته للأذان وكان تحت المنارة دارا لنصراني فاطلع فيها فرأي إبنة صاحب الدار فافتن بها فترك الأذان

ص -199- ونزل إليها ودخل الدار عليها فقالت له: ما شأنك وما تريد؟ قال: أريدك. قالت: لماذا؟ قال: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي. قالت: لا أجيبك إلى ريبة أبدا. قال: أتزوجك. أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك. قال: أتنصر. قالت: إن فعلت أفعل فتنصر الرجل ليتزوجها وأقام معهم في الدار فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات فلم يظفر بها وفاته دينه.
وقال: ويروى أن رجلا عشق شخصا فاشتد كلفه به وتمكن حبه من قلبه حتى وقع ألما به ولزم الفراش بسببه وتمنع ذلك الشخص عليه واشتد نفاره عنه فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده فأخبر بذلك الناس. ففرح واشتد سروره وانجلى غمه وجعل ينتظر الميعاد الذي ضربه له فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال: أنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع فرغبت إليه وكلمته فقال: أنه ذكرني وفرح بي ولا أدخل مداخل الريب ولا أعرض نفسي لمواقع التهم فعاودته فأبى وانصرف فلما سمع البائس ذلك أسقط في يده إلى أشد مما كان به وبدت عليه علائم الموت فجعل يقول في تلك الحال:

أسلم يا راحة العليل ويا شفاء المدنف النحيل

رضاك أشهى إلي فؤادي من رحمة الخالق الجليل

فقلت: له يا فلان اتق الله قال: قد كان فقمت عنه فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت فعياذا بالله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة.
فصل:
ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات.

ص -200- وقد أختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنى أو الزنى أغلظ عقوبة منه أو عقوبتهما سواء؟ على ثلاثة أقوال:
فذهب أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وخالد بن زيد وعبد الله بن معمر والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك وإسحق بن راهويه والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنى وعقوبته القتل على كل حال محصنا كان أو غير محصن.
وذهب عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والأوزاعى والشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه وأبو يوسف ومحمد إلى أن عقوبته وعقوبة الزانى سواء.
وذهب الحاكم والإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزانى وهي التعزير.
قالوا: لأنه معصية من المعاصي لم يقدر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فيه حدا مقدرا فكان فيه التعزير كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير.
قالوا: ولأنه وطأ في محل لا تشتهيه الطبائع بل ركبها الله تعالى على النفرة منه حتى الحيوان البهيم فلم يكن فيه حد كوطء الأتان وغيرها.
قالوا: ولأنه لا يسمى زانيا لغة ولا شرعا ولا عرفا فلا يدخل في النصوص من الدلالة على حد الزانيين.
قالوا: وقد رأينا قواعد الشريعة أن المعصية إذا كان الوازع عنها طبعيا اكتفى بذلك الوازع من الحد وإذا كان في الطبائع تقاضيها جعل فيها الحد بحسب اقتضاء الطبائع لها ولهذا جعل الحد في الزنى والسرقة وشرب المسكر دون أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.
قالوا: وطرد هذا أنه في وطيء البهيمة ولا الميتة وقيل: جبل الله





ص -201- سبحانه الطبائع على النفرة من وطيء الرجل"رجلا"مثله أشد نفرة كما جبلها على النفرة من استدعاء الرجل من يطؤه بخلاف الزنى فإن الداعي فيه من الجانبين.
قالوا: ولأن أحد النوعين إذا استمتع بشكله لم يجب عليه الحد كما لو تساحقت المرأتان واستمتعت كل واحدة منهما بالأخرى.
قال أصحاب القول الأول وهم جمهور الأمة وحكاه غير واحد إجماعا للصحابة: ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط وهي تلي مفسدة الكفر وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
قالوا: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحدا غيرهم وجمع عليهم أنواعا من العقوبات من الإهلاك وقلب ديارهم عليهم والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء وطمس



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس