عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 18 Dec 2014, 09:47 AM
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا
طالب علم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل : May 2008
 فترة الأقامة : 5841 يوم
 أخر زيارة : 24 Apr 2024 (02:36 PM)
 المشاركات : 3,116 [ + ]
 التقييم : 11
 معدل التقييم : طالب علم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
سحر عقد الشيطان اليومي الليلي للمسلمين



مسألة :
باب عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ :
1091 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ
التحليل الموضوعي :-
قَوْلُهُ : ( بَابُ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ ) قَالَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ : قَوْلُهُ : " إِذَا لَمْ يُصَلِّ : " ؛ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ ، لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَعْقِدُ عَلَى رَأْسِ مَنْ صَلَّى ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ ، لَكِنْ مَنْ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ تَنْحَلُّ عُقَدُهُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ . وَأَجَابَ ابْنُ رَشِيدٍ بِأَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ : بَابُ بَقَاءِ عُقَدِ الشَّيْطَانِ . . إِلَخْ ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ : " عَقْدِ " بِلَفْظِ الْفِعْلِ وَبِلَفْظِ الْجَمْعِ ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْإِيرَادَ بِعَيْنِهِ لِلْمَازِرِيِّ ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ مَنْ يُسْتَدَامُ الْعَقْدُ عَلَى رَأْسِهِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَكَأَنَّهُ قَدَّرَ مَنِ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ ، كَأَنْ لَمْ تُعْقَدْ عَلَيْهِ ، انْتَهَى . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الْمَنْفِيَّةُ فِي التَّرْجَمَةِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ ، فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ : إِذَا لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ ، فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ نَامَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، بِخِلَافِ مَنْ صَلَّاهَا ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْجَمَاعَةِ ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِهِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ عَقِبِ هَذَا الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ : " وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ " . وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا كَوْنُهُ أَوْرَدَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ فِي تَضَاعِيفِ صَلَاةِ اللَّيْلِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ دَفْعَ تَوَهُّمِ مَنْ يَحْمِلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ ، لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ سَمُرَةَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْمَكْتُوبَةِ ، وَالْوَعِيدُ عَلَامَةُ الْوُجُوبِ ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى خَطَأِ مَنِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ اللَّيْلِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ . ثُمَّ وَجَدْتُ مَعْنَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لِلشَّيْخِ وَلِيِّ الدِّينِ الْمَلَوِيِّ ، وَقَوَّاهُ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى التَّوْفِيقِ لِذَلِكَ . وَيُقَوِّيهِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ . ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى قِيَامِ اللَّيْلِ يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ بِقِيَامِ بَعْضِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ أَنَّهُ قَامَ اللَّيْلَ ، وَالْعُقَدُ الْمَذْكُورَةُ تَنْحَلُّ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَصَارَ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ [ ص: 31 ] كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ فِي حَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ . وَخَفِيَتِ الْمُنَاسَبَةُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ ، فَقَالَ : وَرَفْضُ الْقُرْآنِ لَيْسَ هُوَ تَرْكُ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ . وَيُتَعَجَّبُ مِنْ إِغْفَالِهِ آخِرَ الْحَدِيثِ ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ : وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( الشَّيْطَانِ ) كَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ هُوَ الْقَرِينُ أَوْ غَيْرُهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ رَأْسُ الشَّيَاطِينِ وَهُوَ إِبْلِيسُ ، وَتَجُوزُ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِهِ الدَّاعِيَ إِلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي " بَابِ صِفَةِ إِبْلِيسَ " مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ .

قَوْلُهُ : ( قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ) أَيْ مُؤَخَّرُ عُنُقِهِ . وَقَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ مُؤَخَّرُهُ ، وَمِنْهُ قَافِيَةُ الْقَصِيدَةِ ، وَفِي النِّهَايَةِ : الْقَافِيَةُ الْقَفَا ، وَقِيلَ : مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ ، وَقِيلَ : وَسَطُهُ . وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : " أَحَدِكُمْ " التَّعْمِيمُ فِي الْمُخَاطَبِينَ ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَمَنْ وَرَدَ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَالْأَنْبِيَاءِ ، وَمَنْ تَنَاوَلَهُ قَوْلُهُ : إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ، وَكَمَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ نَوْمِهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَفِيهِ بَحْثٌ سَأَذْكُرُهُ فِي آخِرِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَوْلُهُ : ( إِذَا هُوَ نَامَ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي : " إِذَا هُوَ نَائِمٌ " ؛ بِوَزْنِ فَاعِلٍ ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ .

قَوْلُهُ : ( يَضْرِبُ عَلَى مَكَانِ كُلِّ عُقْدَةٍ ) كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي ، وَلِبَعْضِهِمْ بِحَذْفِ : " عَلَى " ، ولِلكُشْمِيهَنِيِّ بِلَفْظِ : " عِنْدَ مَكَانِ " . وَقَوْلُهُ : " يَضْرِبُ " ؛ أَيْ بِيَدِهِ عَلَى الْعُقْدَةِ تَأْكِيدًا وَإِحْكَامًا لَهَا قَائِلًا ذَلِكَ ، وَقِيلَ : مَعْنَى يَضْرِبُ : يَحْجُبُ الْحِسَّ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ؛ أَيْ حَجَبْنَا الْحِسَّ أَنْ يَلِجَ فِي آذَانِهِمْ فَيَنْتَبِهُوا ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : " مَا أَحَدٌ يَنَامُ إِلَّا ضُرِبَ عَلَى سِمَاخِهِ بِجَرِيرٍ مَعْقُودٍ . أَخْرَجَهُ الْمُخَلِّصُ فِي فَوَائِدِهِ ، وَالسِّمَاخُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرِهِ مُعْجَمَةٌ ، وَيُقَالُ : بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ السِّينِ ، وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : مَا أَصْبَحَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِ وِتْرٍ إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى رَأْسِهِ جَرِيرٌ قَدْرَ سَبْعِينَ ذِرَاعًا .

قَوْلُهُ : ( عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ ) كَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالرَّفْعِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فِي الْمُوَطَّأِ ، عَنْ مَالِكٍ : " عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا " . وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ ، قَالَ عِيَاضٌ : رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَنْ مُسْلِمٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ ، أَيْ بَاقٍ عَلَيْكَ ، أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ ؛ أَيْ بَقِيَ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : الرَّفْعُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهُ الْأَمْكَنُ فِي الْغُرُورِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُخْبِرُهُ عَنْ طُولِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالرُّقَادِ بِقَوْلِهِ : " فَارْقُدْ " ، وَإِذَا نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ طُولِ الرُّقَادِ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ : " فَارْقُدْ " ضَائِعًا ، وَمَقْصُودُ الشَّيْطَانِ بِذَلِكَ تَسْوِيفُهُ بِالْقِيَامِ وَالْإِلْبَاسُ عَلَيْهِ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ ، فَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَأَنَّهُ كَمَا يَعْقِدُ السَّاحِرُ مَنْ يَسْحَرُهُ ، وَأَكْثَرُ مَنْ يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ ؛ تَأْخُذُ إِحْدَاهُنَّ الْخَيْطَ ، فَتَعْقِدُ مِنْهُ عُقْدَةً وَتَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بِالسِّحْرِ ، فَيَتَأَثَّرُ الْمَسْحُورُ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ، وَعَلَى هَذَا ، فَالْمَعْقُودُ شَيْءٌ عِنْدَ قَافِيَةِ الرَّأْسِ ، لَا قَافِيَةُ الرَّأْسِ نَفْسُهَا ، وَهَلِ الْعُقَدُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ ؟ الْأَقْرَبُ الثَّانِي ؛ إِذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ شَعْرٌ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ عَلَى رَأْسِ كُلِّ آدَمِيٍّ حَبْلًا ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ حَبْلٌ فِيهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ عُقِدَ عَلَى رَأْسِهِ بِجَرِيرٍ . [ ص: 32 ] وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا : مَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى إِلَّا عَلَى رَأْسِهِ جَرِيرٌ مَعْقُودٌ حِينَ يَرْقُدُ . الْحَدِيثَ ، وَفِي الثَّوَابِ لِآدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ نَحْوُهُ . وَالْجَرِيرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْحَبْلُ ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعُقَدَ لَازِمَةٌ ، وَيَرُدُّهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا تَنْحَلُّ بِالصَّلَاةِ ، فَيَلْزَمُ إِعَادَةُ عَقْدِهَا ، فَأُبْهِمَ فَاعِلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَفُسِّرَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ . وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْمَجَازِ ، كَأَنَّهُ شَبَّهَ فِعْلَ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ بِفِعْلِ السَّاحِرِ بِالْمَسْحُورِ ، فَلَمَّا كَانَ السَّاحِرُ يَمْنَعُ بِعَقْدِهِ ذَلِكَ تَصَرُّفَ مَنْ يُحَاوِلُ عَقْدَهُ ، كَانَ هَذَا مِثْلَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِلنَّائِمِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ عَقْدُ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمُهُ عَلَى الشَّيْءِ ، كَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ لَهُ بِأَنَّهُ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلَةِ قِطْعَةٌ طَوِيلَةٌ فَيَتَأَخَّرُ عَنِ الْقِيَامِ . وَانْحِلَالُ الْعُقَدِ كِنَايَةٌ عَنْ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ فِيمَا وَسْوَسَ بِهِ . وَقِيلَ : الْعُقَدُ كِنَايَةٌ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ لِلنَّائِمِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ ، وَمِنْهُ عَقَدْتُ فُلَانًا عَنِ امْرَأَتِهِ ؛ أَيْ مَنَعْتُهُ عَنْهَا ، أَوْ عَنْ تَثْقِيلِهِ عَلَيْهِ النَّوْمَ ، كَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شِدَادًا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ . الْمُرَادُ بِالْعُقَدِ الثَّلَاثِ : الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَكْثَرَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ كَثُرَ نَوْمُهُ . وَاسْتَبْعَدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُقَدَ تَقَعُ عِنْدَ النَّوْمِ . فَهِيَ غَيْرُهُ ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثِ أَنَّ أَغْلَبَ مَا يَكُونُ انْتِبَاهُ الْإِنْسَانِ فِي السَّحَرِ ، فَإِنِ اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى النَّوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تَنْقَضِ النَّوْمَةُ الثَّالِثَةُ إِلَّا وَقَدْ ذَهَبَ اللَّيْلُ . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ إِمَّا لِلتَّأْكِيدِ ، أَوْ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : الذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، فَكَأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ عَقَدَهَا عَلَى رَأْسِهِ ، وَكَأَنَّ تَخْصِيصَ الْقَفَا بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْوَهْمِ وَمَجَالَ تَصَرُّفِهِ ، وَهُوَ أَطَوْعُ الْقُوَى لِلشَّيْطَانِ ، وَأَسْرَعُهَا إِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ . وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْمَلَوِيِّ أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى خِزَانَةِ الْإِلَهِيَّاتِ مِنَ الْحَافِظَةِ ، وَهِيَ الْكَنْزُ الْمُحَصَّلُ مِنَ الْقُوَى ، وَمِنْهَا يَتَنَاوَلُ الْقَلْبُ مَا يُرِيدُ التَّذَكُّرَ بِهِ .

. قَوْلُهُ : ( انْحَلَّ عُقَدُهُ ) بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي الْبُخَارِيِّ ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِالْإِفْرَادِ ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا ، قِيلَ : فَإِنَّ فِيهَا : فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ أُطْلِقَتِ الثَّانِيَةُ ، فَإِنْ صَلَّى أُطْلِقَتِ الثَّالِثَةُ . وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ، وَهُوَ مَنْ يَنَامُ مُضْطَجِعًا ، فَيَحْتَاجُ إِلَى الْوُضُوءِ إِذَا انْتَبَهَ ، فَيَكُونُ لِكُلِّ فِعْلٍ عُقْدَةٌ يَحِلُّهَا ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا سَيَأْتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ : " عُقَدُهُ كُلُّهَا " . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ : " انْحَلَّتِ الْعُقَدُ " . وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعُقَدَ تَنْحَلُّ كُلُّهَا بِالصَّلَاةِ خَاصَّةً ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الطَّهَارَةِ ، كَمَنْ نَامَ مُتَمَكِّنًا مَثَلًا هَذَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَالصَّوَابُ أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوضُوءَ ، وَإِنْ كَانَ النَّائِمُ مُتَمَكِّنًا ؛ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ : " لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ " . فَتَنَبَّهْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ انْتَبَهَ فَصَلَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَذْكُرَ أَوْ يَتَطَهَّرَ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُهُ فِي حَلِّ الْعُقَدِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ وَتَتَضَمَّنُ الذِّكْرَ ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ : فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا . ؛ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْوُضُوءِ ، فَظَاهِرٌ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، فَالْمَعْنَى انْحَلَّتْ بِكُلِّ عُقْدَةٍ ، أَوِ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا بِانْحِلَالِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ انْحِلَالُ الْعُقَدِ . وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ : فَإِنْ قَامَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ وَاحِدَةٌ ، فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ أُطْلِقَتِ الثَّانِيَةُ ، فَإِنْ صَلَّى أُطْلِقَتِ الثَّالِثَةُ . وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ، وَهُوَ مَنْ يَنَامُ مُضْطَجِعًا ، فَيَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ اسْتِيقَاظِهِ فَيَكُونُ لِكُلِّ فِعْلٍ عُقْدَةٌ يَحِلُّهَا .

[ ص: 33 ] قَوْلُهُ : ( طَيِّبَ النَّفْسِ ) أَيْ لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَبِمَا وَعَدَهُ مِنَ الثَّوَابِ ، وَبِمَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ . كَذَا قِيلَ ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ سِرًّا فِي طِيبِ النَّفْسِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرِ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ ، وَكَذَا عَكْسُهُ ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً ، ثُمَّ عَادَ إِلَى النَّوْمِ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالْعَقْدِ الْمَذْكُورِ ثَانِيًا ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ - مِمَّنْ يَقُومُ وَيَذْكُرُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي - مَنْ لَمْ يَنْهَهُ ذَلِكَ عَنِ الْفَحْشَاءِ ، بَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْلِعَ ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْإِقْلَاعِ ، وَبَيْنَ الْمُصِرِّ .

قَوْلُهُ : ( وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ ) ؛ أَيْ بِتَرْكِهِ مَا كَانَ اعْتَادَهُ أَوْ أَرَادَهُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ ، كَذَا قِيلَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ .

وَقَوْلُهُ : ( كَسْلَانَ ) غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْوَصْفِ وَلِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ : " وَإِلَّا أَصْبَحَ " ؛ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَجْمَعِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ دَخَلَ تَحْتَ مَنْ يُصْبِحُ خَبِيثًا كَسْلَانَ ، وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، لَكِنْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْقُوَّةِ وَالْخِفَّةِ ، فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ - مَثَلًا - كَانَ فِي ذَلِكَ أَخَفَّ مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ أَصْلًا . وَرَوَيْنَا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنَ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ الْمَخَلِّصِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ : فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ كُلُّهُنَّ ، وَإِنِ اسْتَيْقَظَ ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ، وَلَمْ يُصَلِّ أَصْبَحَتِ الْعُقَدُ كُلُّهَا كَهَيْئَتِهَا . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا الذَّمُّ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَمْ يَقُمْ إِلَى صَلَاتِهِ وَضَيَّعَهَا ، أَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ إِلَى النَّافِلَةِ بِاللَّيْلِ ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ ، وَنَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ . وَقَالَ أَيْضًا : زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُعَارِضُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي . ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ عَنْ إِضَافَةِ الْمَرْءِ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ كَرَاهَةً لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَقَعَ ذَمًّا لِفِعْلِهِ ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ وَجْهٌ ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ : لَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ اخْتِلَافٌ ، لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى النَّفْسِ - لِكَوْنِ الْخُبْثِ بِمَعْنَى فَسَادِ الدِّينِ - وَوَصْفُ بَعْضِ الْأَفْعَالِ بِذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنْهَا وَتَنْفِيرًا . قُلْتُ : تَقْرِيرُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى النَّفْسِ ، فَكُلُّ مَا نُهِيَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يُضِيفَهُ إِلَى نَفْسِهِ نُهِيَ أَنْ يُضِيفَهُ إِلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ ، وَقَدْ وَصَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَرْءَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَيَلْزَمُ جَوَازُ وَصْفِنَا لَهُ بِذَلِكَ لِمَحَلِّ التَّأَسِّي ، وَيَحْصُلُ الِانْفِصَالُ فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَامِلٌ عَلَى الْوَصْفِ بِذَلِكَ كَالتَّنْفِيرِ وَالتَّحْذِيرِ .

( تَنْبِيهَاتٌ ) : الْأَوَّلُ ذِكْرُ اللَّيْلِ فِي قَوْلِهِ : " عَلَيْكَ لَيْلٌ " ، ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِنَوْمِ اللَّيْلِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، لَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَجِيءَ مِثْلُهُ فِي نَوْمِ النَّهَارِ كَالنَّوْمِ حَالَةَ الْإِبْرَادِ مَثَلًا ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى تَفْسِيرِ الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ .

ثَانِيهَا ، ادَّعَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْمَأَ هُنَا إِلَى وُجُوبِ صَلَاةِ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ : " يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ " . وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ فِي خَامِسِ تَرْجَمَةٍ مِنْ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ : " مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ " . وَأَيْضًا فَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِنْ أَنَّهُ حَمْلُ الصَّلَاةِ هُنَا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ يَدْفَعُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا ، وَلَمْ أَرَ النَّقْلَ فِي الْقَوْلِ بِإِيجَابِهِ إِلَّا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : شَذَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ ، فَأَوْجَبَ قِيَامَ اللَّيْلِ ، وَلَوْ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ، وَالَّذِي وَجَدْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ مَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ اسْتَظْهَرَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ إِنَّمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ؟ فَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ هَذَا ؟ إِنَّمَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ . فَقِيلَ لَهُ : [ ص: 34 ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَوْ قَدْرَ خَمْسِينَ آيَةٍ . وَكَانَ هَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ مَنْ نَقَلَ عَنِ الْحَسَنِ الْوُجُوبَ . وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا قِيَامُ اللَّيْلِ عَلَى أَصْحَابِ الْقُرْآنِ ، وَهَذَا يُخَصِّصُ مَا نُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ ، وَهُوَ أَقْرَبُ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا .

ثَالِثُهَا : قَدْ يُظَنُّ أَنَّ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثِ الْآتِي فِي الْوَكَالَةِ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ : أَنَّ قَارِئَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ نَوْمِهِ لَا يَقْرَبُهُ الشَّيْطَانُ . - مُعَارَضَةً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ ، وَالْقُرْبَ عَلَى الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ ، وَكَذَا الْعَكْسُ ، فَلَا إِشْكَالَ ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سِحْرِهِ إِيَّاهُ مَثَلًا أَنْ يَمَاسَّهُ ، كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ مُمَاسَّتِهِ أَنْ يَقْرَبَهُ بِسَرِقَةٍ أَوْ أَذًى فِي جَسَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَإِنْ حُمِلَا عَلَى الْمَعْنَوِيَّيْنِ ، أَوِ الْعَكْسِ ، فَيُجَابُ بِادِّعَاءِ الْخُصُوصِ فِي عُمُومِ أَحَدِهِمَا . وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمَخْصُوصَ حَدِيثُ الْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ تَخْصِيصُهُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْقِيَامَ ، فَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : يَخْتَصُّ بِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

رَابِعُهَا : ذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي " شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّ السِّرَّ فِي اسْتِفْتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى حَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ ، وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْحَلَّ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَمَامِ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا ، لَمْ يُسَاوِ مَنْ أَتَمَّهَا ، وَكَذَا الْوُضُوءُ . وَكَأَنَّ الشُّرُوعَ فِي حَلِّ الْعُقَدِ يَحْصُلُ بِالشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ وَيَنْتَهِي بِانْتِهَائِهَا . وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِصَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَانْدَفَعَ إِيرَادُ مَنْ أَوْرَدَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ إِنَّمَا وَرَدَتَا مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرِدِ الْأَمْرُ بِذَلِكَ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ : يُحْمَلُ فِعْلُهُ ذَلِكَ عَلَى تَعْلِيمِ أُمَّتِهِ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَا يَحْفَظُهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ . وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ : " فَحُلُّوا عُقَدَ الشَّيْطَانِ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ " .

خَامِسُهَا : إِنَّمَا خَصَّ الْوُضُوءَ بِالذِّكْرِ ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ ، وَإِلَّا فَالْجُنُبُ لَا يَحُلُّ عُقْدَتَهُ إِلَّا الِاغْتِسَالُ ، وَهَلْ يَقُومُ التَّيَمُّمُ مَقَامَ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ لِمَنْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ ؟ مَحَلُّ بَحْثٍ . وَالَّذِي يَظْهَرُ إِجْزَاؤُهُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي مُعَانَاةِ الْوُضُوءِ عَوْنًا كَبِيرًا عَلَى طَرْدِ النَّوْمِ لَا يَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ .

سَادِسُهَا : لَا يَتَعَيَّنُ لِلذِّكْرِ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ ، بَلْ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ أَجْزَأَ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ ، وَقِرَاءَةُ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ ، وَأَوْلَى مَا يُذْكَرُ بِهِ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ فِي " بَابِ فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ " . وَيُؤَيِّدُهُ مَا عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ : " فَإِنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَذَكَرَ اللَّهَ " .
http://library.islamweb.net/newlibra...k_no=52&ID=736




 توقيع : طالب علم



آخر تعديل طالب علم يوم 18 Dec 2014 في 09:53 AM.
رد مع اقتباس