عرض مشاركة واحدة
قديم 23 Jan 2010, 08:16 PM   #2
اللهم اشفني
باحث ذهبي


الصورة الرمزية اللهم اشفني
اللهم اشفني غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 7875
 تاريخ التسجيل :  Oct 2009
 أخر زيارة : 25 Jul 2015 (12:54 PM)
 المشاركات : 370 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


رؤية الرسول ربه ليلة المعراج:
وبعد اتفاق أهل السنة والجماعة على أن الله تعالى لا يراه أحد في الدنيا يقظة اختلفوا في رؤية نبينا - صلى الله عليه وسلم -ربه ليلة المعراج خاصة في السماء لا في الأرض، هل رأى ربه بعيني رأسه؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -رأى ربه بعيني رأسه، واحتجوا لذلك بما جاء عن ابن عباس وبعض الصحابة.

وهذا القول هو اختيار ابن خزيمة في كتاب التوحيد حيث قال -رحمه الله-: "باب ذكر الأخبار المأثورة في إثبات رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - خالقه العزيز العليم المحتجب عن أبصار بريته قبل اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت يوم الحسرة والندامة"[13] ثم سرد الأدلة على ذلك، وهو أيضاً ما فُهم من كلام الإمام أحمد في كتاب السنة.

قال الحافظ: "وجنح ابن خزيمة في كتاب (التوحيد) إلى ترجيح الإثبات، وأطنب في الاستدلال له بما يطول ذكره، وحمل ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤيا وقعت مرتين، مرة بعينه، ومرة بقلبه، وفيما أوردته من ذلك مقنع"[14] وقال الحافظ أيضاً: "وممن أثبت الرؤية لنبينا - صلى الله عليه وسلم - الإمام أحمد، فروى الخلاف في كتاب (السنة) عن المروزي قلت لأحمد: إنهم يقولون: إن عائشة قالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، فبأي شيء يُدفع قولها؟ قال: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيت ربي))[15]، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر من قولها"[16]

إلا أن ابن القيم أنكر في (الهدي) على من زعم أن أحمد يقول: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بعيني رأسه، حيث قال -رحمه الله-: "ولكن لم يقل أحمد -رحمه الله-: إنه رآه بعيني رأسه يقظةً، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة: رآه، ومرة قال: رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك"[17]، ومعنى كلام ابن القيم: أن بعض المتأخرين غلطوا عن أحمد حيث حكوا عنه أنه قال: رآه بعيني رأسه، فإنه لم يقل ذلك، وإنما قال: رأى ربه، والرؤيا عامة تشمل رؤية البصر والفؤاد، وإنما هذا من تصرف الحاكي؛ لأن نصوصه موجودة، وليس فيها التصريح بأنه رآه بعيني رأسه.

والقول الثاني: أنه رآه بعين قلبه لا بعين رأسه، فهي على هذا رؤية بالروح والبصيرة لا بالبصر، رؤية قلب وفؤاد، وليست رؤية عين، والمراد بالرؤية بعين القلب: العلم الزائد عن العلم العادي لا مجرد حصول العلم، فإن العلم بالله عنده - صلى الله عليه وسلم - موجود باستمرار، كما قال ابن حجر: " ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالماً بالله على الدوام"[18].

وهذا القول هو الراجح -والله أعلم-، وهو الذي عليه جماهير الصحابة والتابعين، للأدلة الآتية:
1- لما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنه لما سألها مسروق: هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قفّ شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب[19].

2- ولما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم -لما سُئل هل رأيت ربك؟ قال: ((نورٌ أنىّ أراه))[20] بتنوين (نورٌ) وبفتح الهمزة في (أنى) وتشديد النون المفتوحة،و(أَراه) بفتح الهمزة، هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول والروايات كما قال النووي في شرح مسلم.
وقال الماوردي: "الضمير في (أراه) عائد على الله تعالى"[21]، والمعنى غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من رؤيته،كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار، ومنعها من إدراك ما حال بين الرائي وبينه،ودل على هذا المعنى الرواية الأخرى: ((رأيتُ نوراً))[22].
قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد: "وقوله: ((نورٌ أنى أراه؟)) يحتمل معنيين: أحدهما نفي، أي كيف أراه وهو نور؟ والمعنى الثاني: أي كيف رأيته وأين رأيته وهو نور؟! لا تدركه الأبصار إدراك ما تدركه الأبصار من المخلوقين، كما قال عكرمة: إن الله إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء"[23].
وصحف بعضهم هذا الحديث إلى: (نور إني أراه) على أنها ياء المتكلم، وهو خطأ ظاهر، قال ابن القيم: "وقد أعضل أمر هذا الحديث على كثير من الناس حتى صحفه بعضهم فقال: ((نور إنّي أراه)) على أنها ياء النسب، والكلمة كلمة واحدة، وهذا خطأ لفظاً ومعنىً، وإنما أوجب لهم هذا الإشكال والخطأ أنهم لما اعتقدوا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رأى ربه، وكان قوله: ((أنَّى أراه)) كالإنكار للرؤية حاروا في الحديث، وردّه بعضهم باضطراب لفظه، وكل هذا عدول عن موجب الدليل"[24].
وروي: ((نوراني أراه)) بفتح الراء، وكسر النون، وتشديد الياء، ذكر هذه الرواية صاحب أضواء البيان نقلاً عن الإمام أبي عبد الله المازري[25]، وذكرها أيضاً صاحب البحر المديد[26].

3- وأما كلام ابن عباس عن الرؤية فهو إما مجمل فيحمل على رؤية الفؤاد، فهو لم يقل: بعينيه، بل الألفاظ الواردة عنه مطلقة، مثل: "رآه محمد"، و"رأى محمد ربه"، أو مقيدة بالفؤاد، مثل: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين"، وكذلك كلام الإمام أحمد -رحمه الله-.

4- وأيضاً لم يصرح القرآن بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه، بل بين رؤيته - صلى الله عليه وسلم -لآيات ربه، ولو كان رأى ربه سبحانه لكان ذلك أولى بالذكر، كما قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]، وقوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [(18) سورة النجم].

وهذا القول هو اختيار صدر الدين علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية في العقيدة السلفية حيث قال: "((فأنى أراه؟)) أي فكيف أراه والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته؟! فهذا صريح في نفي الرؤية، والله أعلم"[27].

بل حكى الدارمي إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج، قال ابن القيم: "وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له: إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك، وشيخنا يقول: ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل: رآه بعيني رأسه، وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال: إنه - صلى الله عليه وسلم -رآه -عز وجل-، ولم يقل: بعيني رأسه، ولفظ أحمد لفظ ابن عباس -رضي اللّه عنهما-، ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: ((حجابه النور)) فهذا النور هو -والله أعلم- النور المذكور في حديث أبي ذر -رضي اللّه عنه-: ((رأيت نوراً))"[28].

وهو ما رجحه أيضاً شيخ الإسلام في الفتاوى، قال -رحمه الله-: "ولم يتنازعوا إلا في النبي - صلى الله عليه وسلم -خاصة مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا، وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -والصحابة وأئمة المسلمين، ولم يثبت عن ابن عباس ولا عن الإمام أحمد وأمثالهما أنهم قالوا: إن محمداً رأى ربه بعينه، بل الثابت عنهم إما إطلاق الرؤية، وإما تقييدها بالفؤاد، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة أنه رآه بعينه، وقوله: ((أتاني البارحة ربي في أحسن صورة))[29] الحديث الذي رواه الترمذي وغيره إنما كان بالمدينة في المنام هكذا جاءمفسراً"[30].

واختاره الشيخ سفر الحوالي في شرح العقيدة الطحاوية حيث قال: "بل حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لم يرَ ربه بعينه كما في حديث أبي ذر لما سأله: هل رأيت ربك يا رسول الله؟ فقال: ((نور أنَّى أراه؟)) وفي الحديث الآخر يقول: ((حجابه النور)) فهو محتجب بالنور -سبحانه وتعالى-، فلم يره النبي - صلى الله عليه وسلم -بالعين، وإن من قال: إنه رآه كابن عباس -رضي الله عنهما- مقصوده: أنه رآه بفؤاده أي: رآه بقلبه"[31].

القول الثالث: التوقف، وهو ما رجحه القرطبي في المفهم، حيث قال: "وذهبت طائفة من المشايخ إلى الوقف، وقالوا: ليس عليه قاطع نفيًا ولا إثباتًا، ولكنه جائز عقلاً، وهذا هو الصحيح.... وغاية المستدل على نفي ذلك أو إثباته التمسّك بظواهر متعارضة معرضة للتأويل، والمسألة ليست من باب العمليات فيكتفى فيها بالظنون، وإنما هي من باب المعتقدات، ولا مدخل للظنون فيها؛ إذ الظنّ من باب الشك؛ لأن حقيقته تغليب أحد الْمُجَوَّزَيْن، وذلك يناقض العلم والاعتقاد"[32].

وذكر الحافظ في الفتح أن القرطبي عزا هذا القول -وهو القول بالوقف- إلى جماعة من المحققين حيث قال: "وقد رجح القرطبي في (المفهم) قول الوقف في هذه المسألة، وعزاه لجماعة من المحققين، وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع، وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، قال: وليست المسألة من العمليات، فيكتفى فيها بالأدلة الظنية، وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي"[33].



 

رد مع اقتباس