عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 04:31 AM   #8
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


المحدث بنفسه كما يمتنع أن يخلق الإنسان نفسه وهذا من أظهر المعارف الضرورية ; فإن الإنسان بعد قوته ووجوده لا يقدر أن يزيد في ذاته عضوا ولا قدرا فلا يقصر الطويل ولا يطول القصير ولا يجعل رأسه أكبر مما هو ولا أصغر وكذلك أبواه لا يقدران على شيء من ذلك . ومن المعلوم بالضرورة أن الحادث بعد عدمه لا بد له من محدث وهذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة حتى للصبيان ; فإن الصبي لو ضربه ضارب وهو غافل لا يبصره لقال : من ضربني ؟ فلو قيل له : لم يضربك أحد ; لم يقبل عقله أن تكون الضربة حدثت من غير محدث ; بل يعلم أنه لا بد للحادث من محدث ; فإذا قيل : فلان ضربك ; بكى حتى يضرب ضاربه ; فكان في فطرته الإقرار بالصانع وبالشرع الذي مبناه على العدل ولهذا قال تعالى : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } . " وفي الصحيحين { عن جبير بن مطعم أنه لما قدم في فداء أسارى بدر قال : وجدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور قال : فلما سمعت هذه الآية { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } ؟ أحسست بفؤادي قد انصدع } . وذلك أن هذا تقسيم حاصر ذكره الله بصيغة استفهام الإنكار ليبين أن هذه المقدمات معلومة بالضرورة لا يمكن جحدها يقول : { أم خلقوا من غير شيء } أي : من غير خالق خلقهم ; أم هم خلقوا أنفسهم وهم يعلمون أن كلا النقيضين باطل ; فتعين أن لهم خالقا خلقهم سبحانه وتعالى . وهنا طرق كثيرة مثل أن يقال : الوجود إما قديم وإما محدث والمحدث لا بد له من قديم والموجود إما واجب وإما ممكن والممكن لا بد له من واجب ونحو ذلك . وعلى كل تقدير فقد لزم أن الوجود فيه موجود قديم واجب بنفسه وموجود ممكن محدث كائن بعد أن لم يكن . وهذان قد اشتركا في مسمى الوجود وهو لا يعقل موجودا في الشاهد إلا جسما ; فلزمه ما ألزمه لغيره من التشبيه والتجسيم الذي ادعاه . فعلم أن من نفى شيئا من صفات الله بمثل هذه الطريقة فإن نفيه باطل ولو لم يرد الشرع بإثبات ذلك ولا دل أيضا عليه العقل . فكيف ينفى بمثل ذلك ما دل الشرع والعقل على ثبوته فيتبين أن كل من نفى شيئا من الصفات - لأن ذلك يستلزم التشبيه والتجسيم - لزمه ما ألزم به غيره وحينئذ فيكون الجواب مشاركا . وأيضا فإذا كان هذا لازما على كل تقدير ; علم أن الاستدلال به على نفي الملزوم باطل فإن الملزوم موجود لا يمكن نفيه بحال ; ولهذا لا يوجد الاستدلال بمثل هذا في كلام أحد من سلف الأمة وأئمتها وإنما هو مما أحدثته الجهمية والمعتزلة وتلقاه عنهم كثير من الناس : ينفي عن الرب ما يجب نفيه عن الرب ; مثل أن ينفي عنه النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها : كالجهل والعجز والحاجة وغير ذلك . وهذا تنزيه صحيح ; ولكن يستدل عليه بأن ذلك يستلزم التجسيم والتشبيه فيعارض بما أثبته ; فيلزمه التناقض . ومن هنا دخلت " الملاحدة الباطنية " على المسلمين حتى ردوا عن الإسلام خلقا عظيما صاروا يقولون لمن نفى شيئا عن الرب - مثل من ينفي بعض الصفات أو جميعها أو الأسماء الحسنى - ألم تنف هذا ؟ لئلا يلزم التشبيه والتجسيم فيقول : بلى فيقول : وهذا اللازم يلزمك فيما أثبته ; فيحتاج أن يوافقهم على النفي شيئا بعد شيء حتى ينتهي أمره إلى أن لا يعرف الله بقلبه ; ولا يذكره بلسانه ولا يعبده ولا يدعوه وإن كان لا يجزم بعدمه بل يعطل نفسه عن الإيمان به وقد عرف تناقض هؤلاء . وإن التزم تعطيله وجحده موافقة لفرعون ; كان تناقضه أعظم ; فإنه يقال له : فهذا العالم الموجود إذا لم يكن له صانع كان قديما أزليا واجبا بنفسه - ومن المعلوم أن فيه حوادث كثيرة كما تقدم - وحينئذ ففي الوجود قديم ومحدث وواجب وممكن وحينئذ فيلزمك أن يكون ثم موجودان : أحدهما قديم واجب . والآخر محدث ممكن ; فيلزمك ما فررت منه من التشبيه والتجسيم بل هذا يلزمك بصريح قولك فإن العالم المشهود جسم تقوم به الحركات فإن الفلك جسم وكذلك الشمس والقمر والكواكب أجسام تقوم بها الحركات والصفات ; فجحدت رب العالمين لئلا تجعل القديم الواجب جسما تقوم به الصفات والحركات ثم في آخر أمرك جعلت القديم الأزلي الواجب الوجود بنفسه أجساما متعددة تشبه غيرها من وجوه كثيرة تقوم بها الصفات والحركات مع ما فيها من الافتقار والحاجة . فإن الشمس والقمر والكواكب محتاجة إلى محالها التي هي فيها ومواضعها التي تحملها وتدور بها والأفلاك كل منها محتاج إلى ما سواه إلى غير ذلك من دلائل نقصها وحاجتها . والمقصود هنا : أن هذا الذي فر من أن يجعل القديم الواجب موجودا - وموصوفا بصفات الكمال لئلا يلزم ما ذكره من التشبيه والتجسيم وجعل نفي هذا اللازم دليلا على نفي ما جعله ملزوما له - لزمه في آخر الأمر ما فر منه من جعله الموجود الواجب جسما يشبه غيره مع أنه وصفه بصفات النقص التي يجب تنزيه الرب عنها ومع أنه جحد الخالق جل جلاله ; فلزمه مع الكفر الذي هو أعظم من كفر عامة المشركين فإنهم كانوا يقرون بالصانع مع عبادتهم لما سواه ولزمه مع هذا أنه من أجهل بني آدم وأفسدهم عقلا ونظرا وأشدهم تناقضا . وهكذا يفعل الله بالذين يلحدون في أسمائه وآياته - مع دعوى النظر والمعقول والبرهان والقياس كفرعون وأتباعه - قال الله تعالى : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين } { إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب } { فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال } { وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد } { وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } { يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } { وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } { مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد } { ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } { يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد } { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب } { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } { وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب } { أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب } . وقال تعالى : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس