عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Mar 2010, 01:58 AM   #9
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الأمر الحادي عشر: التثبت والثبات:
ومن أهم الآداب التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم التثبت فيما ينقل من الأخبار والتثبت فيما يصدر من الأحكام، فالأخبار إذا نقلت فلابد أن تتثبت أولاً هل صحت عمن نقلت إليه أو لا، ثم إذا صحت فتثبت في الحكم ربما يكون الحكم الذي سمعته مبنياً على أصل تجهله أنت، فتحكم أنه خطأ، والواقع أنه ليس بخطأ .
ولكن كيف العلاج في هذه الحال ؟

العلاج: أن تتصل بمن نُسب إليه الخبر وتقول نقل عنك كذا وكذا فهل هذا صحيح؟ ثم تناقشه فقد يكون استنكارك ونفور نفسك منه أول وهلة سمعته لأنك لاتدري ما سبب هذا المنقول، ويقال إذا علم السبب بطل العجب، فلابد أولاً من التثبت في الخبر والحكم، ثم بعد ذلك تتصل بمن نقل عنه وتسأله هل صح ذلك أم لا؟ ثم تناقشه: إما أن يكون هو على حق وصواب فترجع إليه أو يكون الصواب معك فيرجع إليه.
وهناك فرق بين الثبات والتثبت فهما شيئان متشابهان لفظاً مختلفان معنى.
فالثبات معناه : الصبر والمثابرة وإلا يمل ولا يضجر وإلا يأخذ من كل كتاب نتفة، أو من كل فن قطعة ثم يترك؛ لأن هذا الذي يضر الطالب، ويقطع عليه الأيام بلا فائدة، فمثلاً بعض الطلاب يقرأ في النحو : في الأجرومية ومرة في متن قطر الندى، ومرة في الألفية. وكذلك الحال في: المصطلح، مرة في النخبة، ومرة في ألفية العراقي، وكذلك في الفقه: مرة في زاد المستقنع، ومرة في عمدة الفقه، ومرة في المغني ، ومرة في شرح المهذب، وهكذا في كل كتاب، وهلم جرا ، هذا في الغالب لا يحصلُ علماً، ولو حصل علماً فإنه يحصل مسائل لا أصولاً ، وتحصيل المسائل كالذي يتلقط الجراد واحدة بعد الأخرى، لكن التأصيل والرسوخ والثبات هو المهم، فكن ثابتاً بالنسبة للكتب التي تقرأ أو تراجع وثابتاً بالنسبة للشيوخ الذين تتلقى عنهم، لا تكون ذواقاً كل أسبوع عند شيخ، كل شهر عن شيخ ، قرر أولاً من ستتلقى العلم عنده، ثم إذا قررت ذلك فاثبت ولا تجعل كل شهر أو كل أسبوع لك شيخا ، ولا فرق بين أن تجعل لك شيخاً في الفقه وتستمر معه في الفقه، وشيخا آخر في النحو وتستمر معه في النحو، وشيخاً آخر في العقيدة والتوحيد وتستمر معه، المهم أن تستمر لا أن تتذوق، وتكون كالرجل المطلاق كما تزوج امرأة وجلس عندها أياماً طلقها وذهب يطلب أخرى.
أيضاً التثبت أمر مهم؛ لأن الناقلين تارة تكون لهم نوايا سيئة، ينقلون ما يشوه سمعته المنقول عنه قصداً وعمداً ، وتارة لا يكون عندهم نوايا سيئة ولكنهم يفهمون الشيء على خلاف معناه الذي أريد به، ولهذا يجب التثبت، فإذا ثبت بالسند ما نٌقل أتى دور المناقشة مع صاحبه الذي نقل عنه قبل أن تحكم على القول بأنه خطأ أو غير خطأ، وذلك لأنه ربما يظهر لك بالمناقشة أن الصواب مع هذا الذي نٌقل عنه الكلام.
والخلاصة أنه إذا نقل عن شخص ما، ترى أنه خطأ فاسلك طرقا ثلاثة على الترتيب:
الأول : التثبت في صحة الخبر.
الثاني: النظر في صواب الحكم، فإن كان صواباً فأيده ودافع عنه، وإن رأيته خطأ فاسلك الطريق الثالث وهو : الاتصال بمن نسب إليه لمناقشته فيه وليكن ذلك بهدوء واحترام.
الأمر الثاني عشر: الحرص على فهم مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم :
من الأمور المهمة في طلب العلم قضية الفهم، أي فهم مراد الله – عز وجل – ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن كثيراً من الناس أوتوا علماً ولكن لم يؤتوا فهماً. لا يكفي أن تحفظ كتاب الله وما تيسر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون فهم. لابد أ ن تفهم عن الله ورسوله ما أراده الله ورسوله، وما أكثر الخلل من قوم استدلوا بالنصوص على غير مراد الله ورسوله فحصل بذلك الضلال.
وهنا أنبّه على نقطة مهمة ألا وهي: أن الخطأ في الفهم قد يكون أشد خطراً من الخطأ بالجهل؛ لأن الجاهل الذي يخطئ بجهله يعرف أنه جاهل ويتعلم، لكن الذي فهم خطأ يعتقد في نفسه أنه عالم مصيب، ويعتقد أن هذا هو مراد الله ورسوله، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة ليتبين لنا أهمية الفهم:
المثال الأول: قال الله تعالى: ])وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ [] فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * [ (الأنبياء الآيتان: 78، 79) .
فضل الله – عز وجل – سليمان على داود في هذه القضية بالفهم ] فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان[َ ولكن ليس هناك نقص في علم داود ] وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً [ .
وانظر إلى هذه الآية الكريمة لما ذكر الله – عز وجل – ما امتاز به سليمان من الفهم، فإنه ذكر أيضاً ميزة داود عليه السلام، فقال تعالى: ] وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ [ . وذلك حتى يتعادل كل منهما، فذكر الله تعالى ما اشتركا فيه من الحكم والعلم ثم ذكر ما امتاز به كل واحد منهما عن الآخر.
وهذا يدلنا على أهمية الفهم، وأن العلم ليس كل شيء.
المثال الثاني: إذا كان عندك وعاءان أحدهما فيه ماء ساخن دافىء، والآخر فيه ما بارد قارس، والفصل فصل الشتاء، فجاء رجل يريد الاغتسال من الجنابة، فقال بعد الناس: الأفضل أن تستخدم الماء البارد، وذلك لأن الماء البارد فيه مشقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، قالوا بلي يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره ... )) (28) الحديث.
يعني إسباغ في أيام البرد فإذا أسبغت الوضوء بالماء البارد كان أفضل من أن تسبغ الوضوء بالماء المناسب لطبيعة الجو.
فالرجل أفتى بأن استخدام الماء البارد أفضل واستدل بالحديث السابق.
فهل الخطأ في العلم أم في الفهم ؟

الجواب: أن الخطأ في الفهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (( إسباغ الوضوء على المكاره)) ولم يقل: أن تختار الماء البارد للوضوء، وفرق بين التعبيرين . لو كان الوارد في الحديث التعبير الثاني لقلنا نعم اختر الماء البارد. ولكن قال: (( إسباغ الوضوء على المكاره)). أي أن الإنسان لا يمنعه برودة الماء من إسباغ الوضوء.
ثم نقول: هل يريد الله بعباده اليسر أم يريد بهم العسر ؟
الجواب: في قوله تعالى:] يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[ (البقرة: الآية 185) وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الدين يسر )) (29)
فأقول لطلبة العلم: إن قضية الفهم قضية مهمة، فعلينا أن تفهم ماذا أراد الله من عباده ؟ هل أراد أن يشق عليهم في أداء العبادات أم أراد بهم اليسر ؟!
ولا شك أن الله - عز وجل – يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.
فهذه بعض آداب مما ينبغي لطالب العلم أن يكون متأثراً بها في علمه حتي يكون قدوة صالحاً وحتى يكون داعيا إلى الخير وإماماً في دين الله – عز وجل – فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ، كما قال الله تعالى: ] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [ (السجدة الآية:24) .



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس