المصورون جمع تصحيح للمصور ،
والمصور : هو الذي يقوم بالتصوير ،
والتصوير معناه : التشكيل ، تشكيل الشيء حتى
يكون على هيئة صورة لآدمي أو لغير آدمي من حيوان ،
أو نبات ، أو جماد ، أو سماء ، أو أرض ،
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
فكل هذا يقال له : مصور ، إذا كان يشكل بيده شيئا على هيئة
صورة معروفة ، هذا من حيث المعنى ، أما من حيث
الحكم فسيأتي بيانه إن شاء الله .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم : « قال الله تعالى : ومن أظلم ممن ذهب
يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة ، أوليخلقوا شعيرة »
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هذا الحديث فيه معنى وفيه تمثيل ، أما المعنى هو قوله :
« ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي » ، فسبب الظلم أن
العبد اعتدى ، فأراد أن يخلق كخلق الله - جل وعلا - والمقصود
بذلك أن يصور كتصوير الله - جل وعلا - لخلقه .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ثم قال معجزا : « فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة »
معلوم أن الذرة - وهي واحدة الذر ، صغار النمل - من أصغر المخلوقات .
وحبة الحنطة ، أو حبة البر ، أو حبة الرز ، يمكن أن تصنع ، ولكن لا
يمكن أن تكون كخلق الله - جل وعلا - وكذلك الشعيرة يمكن أن تصنع
شكلا وأن تصور شكلا ، لكن يعجز أن يجعل فيها الحياة ، فمثلا حب البر ،
أو الشعير ، أو الرز ، أو نحو ذلك مما صنعه الله ينبت إذا وضع في الأرض ،
أما ما صنعه المخلوق فإنه لا تكون فيه حياة ، فالرز الصناعي الذي يأكل ،
لو رمي في الأرض لما خرج منه ساق ، ولما خرج له جذر، ولما كانت
منه حياة ، وأما الذي يكون من خلق الله - جل وعلا - فهو الذي
أودع فيه سر حياة ذلك الجنس من المخلوقات ؛
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ولهذا قال بعض أهل العلم : إن هذا على وجه التعجيز ،
فالذي يخلق كخلق الله - جل وعلا - هذا من جهة ظنه ،
أما من جهة الحقيقة فإنه لا أحد يخلق كخلق الله ؛
ولهذا صار ذلك مشبها نفسه بالله - جل وعلا -
فصار أظلم الخلق .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
استدل مجاهد وغيره من السلف بقوله : « أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة »
على أن تصوير ما لا حياة فيه أو ما لا روح فيه محرم ؛ لأنه ذكر الحبة والشعيرة ،
قالوا : فتصوير الأشجار وتصوير الحب ونحو ذلك لا يجوز .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وجمهور العلماء على خلاف ذلك ، وأن الأمر في ذلك للتعجيز ،
وليس لجهة التعليل ؛ ولهذا قال في الحديث الذي بعده : « من صور
صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ » ، فلما قال :
« كلف أن ينفخ فيها الروح » علمنا أن النهي في التصوير كان منصبا
على ما فيه روح ، يعني : على ما حياته بحلول الروح فيه ،
أما ما حياته بالنماء كالمزروعات والأشجار ونحوها ،
فليس داخلا في ذلك .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
" ولهما عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - قال : « أشد الناس عذابا يوم القيامة
الذين يضاهئون بخلق الله » : هذا فيه تنبيه على العلة ، وهذه العلة
هي المضاهاة بخلق الله - جل وعلا - وهي إحدى العلتين اللتين من أجلهما
حرم التصوير ، فالتصوير حرم ، وصار صاحبه من أشد الناس عذابا
لأجل أنه يضاهي بخلق الله - جل وعلا - ولأن الصورة وسيلة للشرك .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
والمضاهاة بخلق الله - جل وعلا - التي ترتب عليها أن يكون فاعلها
أشد الناس عذابا يوم القيامة ، عند كثير من العلماء : محمولة على
المضاهاة التي تكون كفرا ؛ لأن المضاهاة في التصوير يكون كفرا
في حالتين : الحالة الأولى : أن يصور صنما ليعبد ، أو يصور إلها ليعبد ،
كأن يصور لأهل البوذية صورة بوذا ، أو يصور للنصارى المسيح ، أو يصور
أم المسيح ونحو ذلك ، فتصوير ما يعبد من دون الله - جل وعلا - مع العلم
بأنه يعبد هذا كفر بالله - جل وعلا - ؛ لأنه صور وثنا ليعبد ، وهو
يعلم أنه يعبد ، فيكون شركا أكبر ، وكفرا بالله - جل وعلا - .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
والحالة الثانية : أن يصور الصورة ويزعم أنها أحسن من خلق الله
- جل وعلا - فيقول : هذه أحسن من خلق الله ، أو أنا فقت في
خلقي وتصويري ما فعل الله - جل وعلا - فهذا كفر أكبر ، وشرك أكبر
بالله - جل جلاله - وهذا هو الذي حمل عليه هذا الحديث ، وهو قوله :
« أشد الناس عذابا يوم القيامة الذي يضاهئون بخلق الله » ، وأما
المضاهاة بالتصوير عامة بما لا يخرجه من الملة ، كالذي يرسم بيده ،
أو ينحت التمثال ، أو ينحت الصورة مما لا يدخل في الحالتين السابقتين
فهو كبيرة من الكبائر ، وصاحبها ملعون ومتوعد بالنار .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
" ولهما عن ابن عباس سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول : « كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب
بها في جهنم » : قوله : " نفس " أفاد أن ذلك التصوير وقع لشيء
تحله النفس ، وهو الحيوانات أو الآدمي ؛ ولهذا كان
الوعيد منصبا على ذلك .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
« كل مصور في النار » : هذا يفيد أن التصوير كبيرة من الكبائر .
" ولهما عنه مرفوعا : « من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها
الروح ، وليس بنافخ » ؛ لأن الروح إنما هي من أمر الله - جل وعلا .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
" ولمسلم عن أبي الهياج قال : قال لي علي : ألا أبعثك على ما بعثني
عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم : « أن لا تدع صورة إلا طمستها ،
ولا قبرا مشرفا إلا سويته » . في هذا الحديث التنبيه على العلة الثانية
من علتي تحريم التصوير ، وهي أنه وسيلة من وسائل الشرك ، ووجه
الاستدلال من هذا الحديث : أنه قرن بين الصورة والقبر المشرف في
وجوب إزالتهما ، وبقاء القبر المشرف وسيلة من وسائل الشرك ،
وكذلك لاقتران بقاء الصورة أيضا وسيلة من وسائل الشرك ،
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
« فالنبي - عليه الصلاة والسلام - بعث عليا أن لا يدع صورة إلا طمسها » ؛
لأن الصور من وسائل الشرك ، وأن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ؛
لأن بقاء القبور مشرفة يدعو إلى تعظيمها
وذلك من وسائل الشرك .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وهناك خلاف في بعض مسائل التصوير محله كتب الفقه والفتوى
من جهة التصوير الحديث الذي يكون بالآلات كالتصوير بالكاميرات
المختلفة أو بالفيديو أو التليفزيون أو نحو ذلك .
سأبينه لكم إن يسر الله لي .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
نقلاً من كتاب // التمهيد لشرح كتاب التوحيد
صالح بن عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تقبلوا تحياتي
ولا تنسوني من صالح دعائكم
فراشة الربيع