عرض مشاركة واحدة
قديم 07 Dec 2011, 12:07 AM   #6
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: الاصول الدينية للاستشفاء والرياضة




ما الواجب علينا بعد هذه المعرفة ؟ وماهي منهجية التعامل مع الأفكار الوافدة ؟


يمكن تلخيص الإجابة في نقاط :


أولا : الواجب علينا تتبع الحكمة ، والاستفادة من كنوزها ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها ، ولكن حذار من الفهم السقيم لهذه المقولة الصحيحة الذي تتخذ مسوغاً لتلقف كل باطل ، فليس كل ما ادُعي أنه حكمة يكون كذلك . والحكمة ، بل معين الحكمة بين أيدينا محفوظ بحفظ الله ، مشهود له بشهادة الله ، فلنقبل عليه ، وسنجد فيه كل حكمة ونحن أولى الناس بالحكمة ؛ ولنتحرى متابعة الكتاب والسنة والتعرف على كنوزهما فمتابعة هدي رسول الله e في مأكله ومشربه وحياته واستشفائه وما زخرت به سنته من أقوال وأفعال هي الطريق الصحيح الحكيم والوحيد لسعادة الدنيا والآخرة .



ثانياً : الحذر من مخالفة الكتاب والسنة فمآل المخالفة -وإن استصغرها صاحبها- وخيم، قال ابن مسعود t : " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ". و قال الإمام ابن تيمية : "المخالفة تجر أولا للبدعة والضلال ، وآخراً إلى الكفر والنفاق ، ويكون لصاحبها نصيب من قول الله تعالى: }ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا{ "



ثالثاً : الحذر من تشرّب هذه الوافدات حرصاً على النجاة في الآخرة واحتياطاً للدين فهو أعظم نعمة نتنعم بها ، وكل ذي نعمة محسود ، قال تعالى : } ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم { وقال سبحانه : }ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء { . ومن هذا المنطلق أوصى الإمام ابن تيمية تلميذه ابن القيم فقال : " لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها ، فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة ، تمر الشبهات بظاهرها ، ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليه صار مقراً للشبهات " .








رابعاً : الصدق وإيضاح حقيقة الأمر لمن تطلب فتواهم بشأن شيء وافد مما ذكر هنا أو مما قد يستجد فأقترح أن يعرض هذا البيان على طلبة العلم الشرعي والدعاة وأئمة المساجد قبل طلب الفتوى منهم بشأن ما أشكل من هذه التطبيقاتلمن يريد التأكد أكثر!- فالحكم على الشيء فرع عن تصوره . وأذكّر بأن حقيقة الحرام وما يتبعه من إثم لا تتغير لخطأ عالم في فتوى ، وكما قيل : من تتبع زلات العلماء فقد جمع الشر كله .



خامساً : الحذر من دعاوى الانتفاع والاستفادة من مثل هذه التطبيقات فليس كل سبب ينتفع به يجوز الأخذ به ؛ ولسنا من اتباع مذهب الذرائعية النفعية ، فالربا قد يكون وسيلة تحصيل مال في الدنيا إلا أنه سبب محرم ، والخمر والميسر فيهما منافع للناس بنص كتاب الله : }يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما { فلا اعتبار لنفعهما من المنظور الشرعي .



ثم إنه ليس كل ما يظن أنه سبب يكون سبب على الحقيقة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف المهتدين في باب الأسباب والمسببات : "ولا يعملون بما حرمته الشريعة ، وإن ظن أن له تأثيراً ، فدعاء الله وحده لا شريك له دل الوحي المنـزل والعقول الصحيحة على فائدته ومنفعته ، ثم التجارب التي لا يحصي عددها إلا الله فتجد المؤمنين قد دعوا الله وسألوه أشياء أسبابها منتفيه في حقهم ، فأحدث الله لهم تلك المطالب على الوجه الذي طلبوه على وجه يوجب العلم تارة والظن الغالب أخرى . وبالجملة فالعلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب ، أو شرط السبب ، في هذا الأمر الحادث قد يعلم كثيراً ، وقد يظن كثيراً ، وقد يتوهم كثيراً وهماً ليس له مستند صحيح ، إلا ضعف العقل" ، وقال عن الضالين في هذا الباب : " والضالون يتوهمون من كل ما يتخيل سبباً ، وإن كان يدخل في دين اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم والمتكايسون من المتفلسفة يحيلون ذلك على أمور فلكية، وقوى نفسانية ، وأسباب طبيعية يدورون حولها ، لا يعدلون عنها!"



وهمسة في أذن من ساروا وراء بريق شعارات تطبيقات هذا الفكر عن حسن نية ونبيل قصد : هذه حقائق هذا الفكر وأصوله فابتعدوا بأنفسكم عنه وتجنبوا استخدام ألفاظه ومصطلحاته، وقفوا عن محاولات طبع وافدات الشرق والغرب بطابع الدين (أسلمتها) عن طريق الاستدلال عليها بالنصوص الشرعية[15] فإنما هي أمور اختلط فيها الحق بالباطل ، وامتزج فيها بعض النفع الدنيوي المظنون بالضرر الديني الأخروي المتيقن ، وأدلة الشرع الحكيم لا تدعو إلا إلى الخير المحض ، كما أن الاستدلال بالآيات على معان جديدة ومصطلحات محدثة يحتاج ملكة فهم قوية ، وعلم بالأصول والمقاصد ، وقدرة على القياس وغير ذلك مما هو من شروط المفسر لكتاب الله قد لا تملكونها فيكون قولكم افتراء على الله ، قال ابن تيمية :" إذا ذكر أحد معنى صحيحاً دل عليه الكتاب والسنة وذكر له لفظاً محدثاً وزعم أن هذا اللفظ معناه ذلك المعنى الصحيح فالأمر حينئذ لايعدو أن يكون : أن يقال إن ذلك المعنى مراد بهذا اللفظ ، فهذا افتراء على الله . أو أن يجعل ذلك من باب الاعتبار والقياس لامن باب دلالة اللفظ ، وهو الذي يسميه الصوفية إشارة وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل" والصحيح منه ماكان عن ملكة فهم وبراعة علم واجتهاد وتوفيق من الله للمراد . فاحذروا حتى لاتكونوا من حيث لا تقصدوا دعاة للشرك أو مسوغين له وقد وقع في هذا كثير من أهل الفلسفة والكلام من المسلمين في قرون مضت ، نبّه الإمام ابن تيمية لخطئهم فقال : " كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد ... كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع وإن صناعة الطلاسم والأصنام لها والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له ومن لم يأمر بالشرك منهم فلم ينه عنه ".



ووصية عامة للجميع : لا تغوصوا في دراسة هذه الفلسفات ولو كان لهدف تبين حقيقة الباطل فيها أو محاولة أسلمتها ، فهي معروضة في المراجع العربية بصورة مشوشة أو مدلسة ، ومليئة بأخطاء الترجمة ، وفي المراجع الغربية بصورة قد تلبس على القارئين كثيراً مما يعرفون ، ومن الصعب على غير المتخصص في الأديان أن يميز مرامي مصطلحاتهم وأبعادها العقدية .



والمنهج الصحيح في معرفة الحق من الباطل هو اتباع الكتاب والسنة فالحق ما دلا عليه والباطل ما خالفهما .



هذا وإنني قد بذلت جهدي - في هذا الملخص وفي دورة الفكر العقدي الوافد ومنهجية التعامل معه - لبيان الحق والتحذير من الباطل من خلال المعارف الإيمانية والحجج الشرعية من الكتاب والسنة مع بعض المناقشات العلمية بما ثبت بالمنهج التجريبي الصحيح مسترشدة بفعل السلف – رحمهم الله- فقد هجر الإمام أحمد الحارث المحاسبي عندما رد على المبتدعة بعلم الكلام وقال له : "ليس السنة أن ترد عليهم ولا يناظرون ، إنما السنة أن يخبروا بالآثار والسنن . فإن قبلوها وإلا هجروا في الله " وقال أيضا : "إذا رددت عليهم بعلم المعقول والجدل ألجأتهم إلى رد ما جئت به بالقياس والجدل فيكون سبباً لرد الحق" .كما أن دراسة هذه الأفكار قد تلبّس الحق على الدارس نفسه ، ولهذا حذر السلف من مجالسة أهل الضلالات والأهواء :"لا تجالسوا أهل الأهواء ،فإني أخشى أن يلبسوا عليكم دينكم أو يغمسوكم في ضلالتهم".



وأحسب أن بيان هذه الأصول التي أوردتها هنا كافية لتيقظ من في قلبه إيمان للفرار إلى الله توبة ، وإلى دينه اعتصاماً ، وعن أهل الجحيم خشية التشبه بهم واعتقاد فاسد دياناتهم والحشر من ثم معهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية :”ولم أكن أظن أن من وقر الإيمان في قلبه ، وخلص إليه حقيقة الإسلام، وأنه دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه – إذا نبه على هذه النكتة– إلا كانت حياة قلبه ، وصحة إيمانه توجب استيقاظه بأسرع تنبيه ، ولكن نعوذ بالله من رين القلوب وهوى النفوس اللذين يصدان عن معرفة الحق واتباعه







وفي الختام :



أحمد الله العظيم الذي يسّر كتابة هذا الملخص ، ولم يكلف عباده إلا بالبلاغ وهداية الإرشاد والدلالة أما الإقناع ، وهداية التوفيق فأسأله سبحانه أن يمن بها على إخواننا المفتونين ..



ألا هل بلغت اللهم فاشهد



وأوصي الجميع ونفسي بتقوى الله ومتابعة هدي رسول الله e .



ولنردد بقلب يملؤه التضرع والرجاء :



اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .



اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .



اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن .



ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .



ولنردد بقلب ملؤه الفرح بعظيم منة الله علينا بالإسلام :



رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد e رسولا ونبياً



ومع كل صباح لنتذكر أن عندنا وصفات صحيحة صادقة ، وموعودات حقة أكيدة تحتاج منا إلى تتبع والتزام ، والله سيرعانا ، ويحفظنا ، ويملأ حياتنا سعادة وحبوراً مع ما ينتظرنا عنده ...." إذاً تُكفى همك ويغفر ذنبك ". هذا وبالله المستعان وعليه التكلان.





 

رد مع اقتباس