عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 02:47 AM   #20
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فلا يليق به أن ينسى جواره ويبالغ في أذاه وطرده عنه وإبعاده, فانه ضيفه وجاره, وإذا كان إكرام الضيف من الادميين والإحسان إلى الجار من لزوم الإيمان وموجباته, فما الظن بإكرام أكرم الأضياف, وخير الجيران وأبرهم؟ وإذا آذى العبد الملك بأنواع المعاصى والظلم والفواحش دعا عليه ربه, وقال:"لاجزاك الله خيرا"كما يدعوا له إذا أكرمه بالطاعة والإحسان.
قال: بعض الصحابة رضي الله عنهم: "إن معكم من لا يفارقكم, فاستحيوا منهم وأكرموهم".
ولا ألأم ممن لا يستحي من الكريم العظيم القدر, ولا يجله يكرمه ولا يوقره, وقد نبه سبحانه على هذا المعني بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام وأكرموهم, وأجلوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يريكم عليه من هو مثلكم, والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم, وإذا كان ابن آدم يتأذى ممن





ص -128- يفجر ويعصي بين يديه, وان كان قد يعمل مثله عمله, فما الظن بأذى الملائكة الكرام الكاتبين؟ والله المستعان.
ومن عقوباتها: أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه وآخرته, فان الذنوب هي أمراض القلوب متى استحكمت قتلت ولا بد, وكما أن البدن لا يكون صحيحا إلاّ بغذاء يحفظ قوته, واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الردية التي متى غلبت عليه أفسدته, جميعه وحمية يمتنع بها من تناول مما يؤذيه ويخشى ضرره, فكذلك القلب لا تتم حياته إلاّ بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة تحفظ قوته, واستفراغ بالتوبة النصوح تستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الردية منه, وحمية توجب له حفظ الصحة وتجنب ما يضادها, وهي عبارة عن ترك استعمال ما يضاد الصحة, والتقوى: اسم يتناول هذه الأمور الثلاثة, فما فات منها فات من التقوى بقدره.
وإذا تبين هذا فالذنوب مضادة لهذه الأمور الثلاثة, فإنها يستجلب المواد المؤذية, وتوجب التخليط المضاد للحمية. وتمنع الاستفراغ بالتوبة النصوح, فانظر إلى بدن عليل قد تراكمت عليه الأخلاط ومواد المرض, وهو لا يستفرغها, ولا يحتمي لها, كيف تكون صحته وبقاؤه, ولقد أحسن القائل:

جسمك بالحمية أحصنته مخافة من ألم طاري

وكان أولى بك أن تحتمي من المعاصي خشية الباري

فمن حفظ القوة بامتثال الأوامر, واستعمل الحمية باجتناب النواهي واستفرغ التخليط بالتوبة النصوح, لم يدع للخير مطلبا, ولا من الشر مهربا, والله المستعان.
فصل:
فإن لم ترعك هذه العقوبات, ولم تجد لها تأثيرا في قلبك, فأحضره



ص -129- العقوبات الشرعية التي شرعها الله ورسوله على الجرائم, كما قطع اليد في سرقة السارق في ثلاثة دراهم, وقطع اليد والرجل في قطع الطريق على معصوم المال والنفس, وشق الجلد بالسوط على كلمة قذف بها المحصن, أو قطرة خمر يدخلها جوفه, وقتل بالحجارة أشنع قتلة في إيلاج الحشفة في فرج حرام, وخفف هذه العقوبة عمن لم تتم عليه نعمة الإحصان بمائة جلدة وينفي سنة عن وطنه وبلده إلى بلد الغربة, وفرق بين رأس العبد وبدنه إذا وقع على ذات حرم محرم منه, أو ترك الصلاة المفروضة, أو تكلم بكلمة كفر, وأمر بقتل من وطىء ذكرا مثله, وقتل المفعول به, وأمر بقتل من أتي بهيمة, وقتل البهيمة معه, وغرم على تحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة في الجماعة, وغير ذلك من العقوبات التي رتبها الله على الجرائم, وجعلها حسب الدواعي إلى تلك الجرائم, وحسب الوازع عنها, فما كان الوازع عنها طبيعيا وما ليس في الطباع داع إليه اكتفى فيه بالتحريم مع التعزير, ولن يرتب عليه حدا, كأكل الرجيع, وشرب الدم, وأكل الميتة, وما كان في الطباع داع إليه رتب عليه من العقوبة بقدر مفسدته, وبقدر داع الطبع إليه.
ولهذا لما كان داع الطباع إلى الزنا من أقوى الدواعي كانت من عقوبته العظمى من أشنع القتلات وأعظمها, وعقوبته السهلة على أنواع الجلد مع زيادة التغريب, ولما كانت (جريمة) اللواط فيها الأمران كان حده القتل بكل حال, ولما كان داعي السرقة قويا ومفسدتها كذلك قطع فيها اليد.
وتأمل حكمته في إفساد العضو الذي باشربه الجناية, كما أفسد على قاطع الطريق يده ورجله اللتين هما آلة قعطه, ولم يفسد على القاذف لسانه الذي جنى به, إذ مفسدته تزيد على مفسدة الجناية ولا يبلغها, فاكتفى من ذلك بإيلام جميع بدنه بالجلد.



ص -130- فإن قيل: فهلا أفسد على الزاني فرجه الذي باشر به المعصية؟
قيل: لوجوه:
أحدها: أن مفسدة ذلك تزيد على مفسدة الجناية إذ فيه قطع النسل, وتعرضه للهلاك.
الثاني: أن الفرج عضو مستور لا يحصل بقطعه المقصود الحد من الردع والزجر لأمثاله من الجناة, بخلاف قطع اليد.
الثالث: أنه إذا قطع يده أبقى له يد أخرى تعوض عنها, بخلاف الفرج.
الرابع: أن لذة الزنا عمت جميع البدن, فكان الأحسن أن تعم العقوبة جميع البدن وذلك أولى من تخصيصها ببضعة منه.
فعقوبات الشارع جاءت على أتم الوجوه وأوفقها للعقل, وأقومها بالمصلحة.
والمقصود: أن الذنوب إنما تترتب عليها العقوبات الشرعية والقدرية, أو يجمعها الله للعبد, وقد يرفعهما عمن تاب وأحسن.
فصل:
وعقوبات الذنوب نوعان: شرعية, وقدرية, فإذا أقيمت الشرعية رفعت العقوبات القدرية أو خففتها, ولا يكاد الرب تعالى يجمع على العبد بين العقوبتين إلاّ إذا لم يف أحدهما برفع موجب الذنب, ولم يكن في زوال دائه وإذا عطلت العقوبات الشرعية استحالت قدرية, وربما كانت أشد من الشرعية, وربما كانت دونها, ولكنها تعم, والشرعية تخص, فان الرب تبارك وتعالى لا يعاقب شرعا إلاّ من باشر الجناية أو تسبب إليها.



ص -131- وأما العقوبة القدرية فإنها تقع عامة وخاصة, فان المعصية إذا خفيت لم تضر إلاّ صاحبها, وإذا أعلنت ضرت الخاصة والعامة, وإذا رأي الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمّم الله تعالى بعقابه.
وقد تقدم أن العقوبة الشرعية شرعها الله قدر مفسدة الذنب وتقاضي الطبع لها, وجعلها الله سبحانه ثلاثة أنواع: القتل, والقطع, والجلد, وجعل القتل بإزاء الكفر وما يليه ويقرب منه, وهو الزنا واللواط, فان هذا يفسد الأديان, وهذا يفسد (الأنساب, ونوع) الإنسان.
قال: الإمام أحمد رحمه الله:"لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا"واحتج بحديث عبد الله بن مسعود أنه قال:"يا رسول الله, أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك, قال: قلت:ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك, قال: قلت: ثم أي, قال: أن تزني بحلية جارك"فأنزل تصديقها في كتابه {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} الآية.
والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر كل نوع أعلاه ليطابق جوابه سؤال السؤال سائل, فإنه سأله عن أعظم الذنب, فأجابه بما تضمن ذكر أعظم أنواعها, وما هو أعظم كل نوع.
فأعظم أنواع الشرك: أن يجعل العبد لله ندا.
وأعظم أنواع القتل: أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه.
وأعظم أنواع الزنى: أن يزني بحليلة جاره, فأن مفسدة الزنى تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق, فالزنى بالمرأة التي لها زوج أعظم إثماً وعقوبة من التي لا زوج لها, إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه, وتعليق نسب عليه لم يكن منه, وغير ذلك من أنواع أذاه: فهو أعظم إثماً وجرماً من الزنى بغير





ص -132- ذات البعل, فالزنى بمائة امرأة لا زوج لها أيسر عند الله من الزنى بامرأة الجار, فان كان زوجها جارا له انضاف إلى ذلك سوء الجوار, وإذا أجاره بأعلى أنواع الأذى, وذلك من أعظم البوائق.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"ولا بائقه أعظم من الزنى بامرأة الجار, فان كان الجار أخا له أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قطيعة الرحم, فيتضاعف الإثم, فان كان الجار غائبا في طاعة الله كالصلاة وطلب العلم والجهاد وتضاعف له الإثم, حتى إن الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة ويقال: خذ من حسناته ما شئت, قال: النبي صلى الله عليه وسلم:"فما ظنكم؟"أي ما ظنكم أنه يترك له من حسنات قد حكِّم في أن يأخذ منها ما شاء؟ على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة حيث لا يترك الأب لابنه ولا الصديق لصديقه حقا يجب عليه؟ فان اتفق أن تكون المرأة رحما منه انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها, فان اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الإثم أعظم, فان كان شيخا كان أعظم إثماً, وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم, فان اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام, أو بلد حرام, أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلاة وأوقات الاجابة تضاعف الإثم, وعلى هذا فاعتبر مفاسد الذنوب وتضاعف درجاتها في الإثم والعقوبة, والله المستعان.
فصل:
وجعل سبحانه القطع بإزاء إفساد الأموال الذي لا يمكن الاحتراز منه, فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه, لأنه يأخذ الأموال في الاختفاء, وينقب الدور, ويتسور من غير الأبواب, فهو كالسِّنُّور والحية التي تدخل عليك من حيث.





ص -133- لا تعلم, فلم ترفع مفسدة سرقته إلى القتل, ولا تندفع بالجلد, فأحسن ما دفعت به مفسدته إبانة العضو الذي يتسلط به على الجناية, وجعل الجلد بإزاء إفساد العقول, وتمزيق الأعراض بالقذف. فدارت عقوباته سبحانه الشرعية على هذه الأنواع الثلاثة كما دارت الكفارات ثلاثة أنواع: العتق, وهو أعلاها, والإطعام, والصيام.
ثم إنه سبحانه جعل الذنوب ثلاثة أقسام:
قسما فيه الحد, فهذا لم يشرع فيه كفارة اكتفاء الحد.
وقسما لم يترتب عليه حدا, فشرع فيه الكفارة, كالوطء في نهار رمضان, والوطء في الإحرام, الظهار, وقتل الخطإ, والحنث في اليمين, وغير ذلك.
وقسما لم يترتب عليه حدا ولا كفارة, وهو نوعان:
أحدهما: ما كان الوازع عنه طبيعيا, كأكل العذرة, وشرب البول والدم.
والثاني: ما كانت مفسدته أدنى من مفسدة ما رتب عليه الحد, كالنظر والقبلة واللمس والمحادثة, وسرقة فلس, ونحو ذلك.
وشرع الكفارات في ثلاثة أنواع:
أحدها:ما كان مباح الأصل, ثم عرض تحريمه فباشره في الحالة التي عرض فيها التحريم, كالوطء في الإحرام والصيام, وطرده: الوطء في الحيض والنفاس, بخلاف الوطء في الدبر, ولهذا كان إلحاق بعض الفقهاء له بالوطء في الحيض لا يصح, فإنه لايباح في وقت دون وقت, فهو بمنزلة التلوط وشرب المسكر.
النوع الثاني: ما عقد لله من نذر أو ما الله من يمين, أو حرمه الله ثم أراد



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس