عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 02:24 AM   #4
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ومنهم من يغتر بفهم فاسد فهمه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة فاتكلوا كاتكال بعضهم على قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وهو لا يرضى أن يكون في النار وهذا من أقبح الجهل وأبين الكذب عليه فإنه يرضى بما يرضى به ربه عز وجل والله تعالى يرضيه تعذيب الظلمة





ص -22- والفسقة والخونة والمصرين على الكبائر فحاشا لرسوله أن لا يرضى بما يرضى به ربه تبارك وتعالى وكاتكال بعضهم على قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} وهذا أيضا من أقبح الجهل فإن الشرك داخل في هذه الآية فإنه رأس الذنوب وأساسها ولا خلاف أن هذه الآية في حق التائبين فإنه يغفر ذنب كل تائب من أي ذنب كان ولو كانت الآية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها وأحاديث إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة وهذا إنما أتي صاحبه من قلة علمه وفهمه فإنه سبحانه هاهنا عمم وأطلق فعلم أنه أراد التائبين.
وفي سورة النساء خصص وقيد فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فأخبر الله سبحانه أنه لا يغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك وغيره وكاغترار بعض الجهال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} فيقول: كرمه وقد يقول بعضهم: إنه لقن المغتر حجته وهذا جهل قبيح وإنما غره به الغرور وهو الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء وجهله وهواه وأتي سبحانه بلفظ {الْكَرِيمِ} وهو السيد العظيم المطاع الذي لا ينبغي الاغترار به ولا إهمال حقه فوضع هذا المغتر الغرور في غير موضعه واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به وكاغترار بعضهم بقوله تعالى في النار: {لا يَصْلاهَا إلا الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} وقوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ولم يدر هذا المغتر أن قوله: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} هي نار مخصوصة من جملة دركات جهنم ولو كانت جميع جهنم فهو سبحانه لم يقل لا يدخلها بل قال: {لا يَصْلاهَا إلا الأَشْقَى} ولا يلزم من عدم صليها عدم دخولها فإن الصلى أخص من الدخول ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم



ص -23- ثم إن هذا المغتر لو تأمل الآية التي بعدها لعلم أنه غير داخل فيها فلا يكون مضمونا له أن يجنبها
وأما قوله في النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} فقد قال في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ولا ينافى إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة ولا ينافى إعداد الجنة للمتقين أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان ولم يعمل خيرا قط.
وكاغترار بعضهم بالاعتماد على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر ولم يدر هذا المغترأن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لايقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوي مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها؟ هذا محال على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه وتكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير فإذا لم يصر على الكبائر لتساعد الصوم وعدم الإصرار وتعاونهما على عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوى وأتم وأشمل.



ص -24- وكاتكال بعضهم على قوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه: "أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء" يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه وهذا موجود في الشاهد فإن العبد الآبق المسي الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبدا فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له كما قال الحسن البصري: "إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل"
فكيف يكون يحسن الظن بربه من هو شارد عنه حال مرتحل في مساخطه وما يغضبه متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فأضاعه وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه؟ وكيف يحسن الظن به من بارزه بالمحاربة وعادى أولياءه ووالى أعداءه وجحد صفات له وأساء الظن بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وظن بجهله أن ظاهر ذلك ضلال وكفر؟ وكيف يحسن الظن بمن يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات وهو السر من القول: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون كان هذا إساءة لظنهم بربهم فأرداهم ذلك الظن وهذا شأن كل من جحد صفات كماله ونعوت جلاله ووصفه بما لا يليق به فإذا ظن هذا أنه يدخله الجنة كان هذا غرورا وخداعا من نفسه وتسويلا من الشيطان لا إحسان ظن بربه.



ص -25- فتأمل هذا الموضوع وتأمل شدة الحاجة إليه وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاق الله وأن الله يسمع ويري مكانه ويعلم سره وعلانيته ولا يخفى عليه خافية من أمره وأنه موقوف بين يديه ومسئول عن كل ما عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني وقد قال أبو أمامة بن سهل بن حليف: "دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها فقالت: لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له وكانت عنده ستة دنانير أو سبعة فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها قالت: فشغلني وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله ثم سألني عنها فقال: ما فعلتِ؟ أكنت فرقت الستة الدنانير فقلت: لا والله لقد شغلني وجعك فدعا بها فوضعها في كفه فقال: ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده؟ "وفي لفظ "ما ظن محمد بربه لو لقي الله وهذه عنده".
فيا لله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم فإن كان ينفعهم قولهم حسنا ظنوننا بك إنك لم تعذب ظالما ولا فاسقا فليصنع العبد ما شاء وليرتكب كل ما نهاه الله عنه وليحسن ظنه بالله فإن النار لا تمسه فسبحان الله؟ ما يبلغ الغرور بالعبد وقد قال إبراهيم لقومه: {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.
ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن فكلما حسن ظنه حسن عمله وإلا فحسن الظن مع ابتاع الهوى عجز





ص -26- كما في الترمذي والمسند من حديث شداد ابن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله".
وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتي إحسان الظن.
فإن قيل: بل يتأتي ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وأن رحمته سبقت غضبه وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو
قيل: الأمر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته وواقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن بعدها فهذا حسن ظن والأول غرور والله المستعان.
ولا تستطل هذا الفصل فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد يفرق بين حسن الظن بالله وبين الغرور به قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} فجعل هؤلاء أهل الرجاء لا الظالمين والفاسقين وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه.



ص -27- فصل:
وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند.
قال معروف: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.
وقال بعض العلماء: من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا.
وقيل: للحسن: نراك طويل البكاء فقال: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي وكان يقول: إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة يقول أحدهم: لأني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل.وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: والله لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور في النار كما يدور الحمار برحاه فيطوف به أهل النار فيقولون: يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه"
وذكر الإمام أحمد من حديث أبي رافع قال: "مر رسول الله صلى الله عليه





ص -28- وسلم بالبقيع فقال: أف لك أف لك فظننت أنه يريدني فقال: لا ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعيا إلى آل فلان فغل نمرة فدُرِّع الآن مثلها من نار".
وفي مسنده أيضا من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت: من هؤلاء قالوا: خطباء من أمتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم"



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس