عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 05:41 AM   #72
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وفيهم الصديقون (1) …………………………
(1)قوله: " وفيهم " ، أي في أهل السنة.
(2)" الصديقون " : جمع صديق، من الصدق، وهذه الصيغة للمبالغة، وهو الذي جاء بالصدق وصدق به، كما قال تعالي: ) والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( [الزمر: 33]، فهو صادق في قصده، وصادق في قوله، وصادق في فعله.
أما صدقه في قصده، فعنده تمام الإخلاص لله عز وجل، وتمام المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، قد جرد الإخلاص والمتابعة، فلم يجعل لغير الله تعالي شركاً في العمل، ولم يجعل لغير سنة الرسول صلي الله عليه وسلم اتباعاً في عمله، فلا شرك عنده ولا ابتداع.
صادق في قوله، لا يقول إلا صدقاً، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلي البر، وإن البر يهدي إلي الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقاً "[369]
صادق في فعله بمعني: أن فعله لا يخالف قوله، فإذا قال، فعل، وبهذا يخرج عن مشابهة المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون.
وأيضاً يصدق بما قامت البينة على صدقه، فليس عنده رد الحق، ولا احتقار للخلق.
ولهذا كان أبو بكر أول من سمي الصديق من هذه الأمة، لأنه لما أسري بالنبي عليه الصلاة والسلام، وجعل يتكلم أنه أسري به إلي بيت المقدس وعرج به إلي السماء، صار الكفار يضحكون به ويكذبونه ويقولون: كيف تذهب يا محمد في ليلة وتصل في ليلة إلي ما وصلت إليه في السماء ونحن إذا ذهبنا إلي الشام نبقي شهر آلم نصله وشهر الرجوع؟! فاتخذوا من هذا سلماً ليكذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما وصلوا إلي أبي بكر، وقالوا: إن صاحبك يحدث ويقول كذا وكذا ! قال: إن كان قال ذلك، فقد صدق. فمن ذلك اليوم سمي الصديق، وهو أفضل الصديقين من هذه الأمة وغيرها.
والشهداء(1)......................................
(1)" الشهداء " جمع شهيد، بمعني: شاهد.
فمن هم الشهداء؟
قيل: هم العلماء، لأن العالم يشهد بشرع الله، ويشهد على عباد الله بأنها قامت عليهم الحجة، ولهذا يعد العالم مبلغاً عن الله عز وجل ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم، فيكون شاهداً بالحق على الخلق.
وقيل: إن الشهيد من قتل في سبيل الله.
والصحيح أن الآية عامة لهذا وهذا.
وفيهم الصالحون (1) ومنهم أعلام (2) الهدي (3) ومصابيح (4) الدجي(5) أولوا المناقب المأثورة (6) والفضائل المذكورة(7) ………………
(1)الصالح ضد الفاسد، وهو الذي قام بحق الله وحق عباده، وهو غير المصلح، فالإصلاح وصف زائد على الصلاح، فليس كل صالح مصلحاً، فإن من الصالحين من همه هم نفسه، ولا يهتم بغيره، وتمام الصلاح بالإصلاح.
(2)الأعلام: جمع علم، وهو في الأصل الجبل، قال الله تعالي: ) ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ( [ الشوري: 32]، يعني: الجبال، وسمي الجبل علماً، لأنه يهتدي به ويستدل به.
(3) " أعلام الهدي " : الذين يستدل الناس بهم ويهتدون بهديهم، وهم العلماء الربانيون، فإنهم هم الهداة، وهم مصابيح الدجي.
(4)المصابيح: جمع مصباح، وهو يستصبح به للإضاءة.
(5)الدجي: جمع دجية، وهي الظلمة، أي: هم مصابيح الظلم، يستضيء بهم الناس، ويمشون على نورهم.
(6) " المناقب ": جمع منقبة، وهي المرتبة، أي: ما يبلغه الإنسان من الشرف والسؤدد.
(7) " الفضائل "، جمع فضيلة، وهي الخصال الفاضلة، التي يتصف بها الإنسان من العلم والعبادة من العلم والعبادة والزهد والكرم وغير ذلك، فالفضائل سلم للمناقب.
وفيهم الأبدال (1) وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم (2) وهم الطائفة المنصورة (3)……………………
(1)" الأبدال " : جمع بدل ، وهم الذين تميزوا عن غيرهم بالعلم العبادة، وسموا أبدلاً: إما لأنهم كلما مات منهم أحداً، خلفه بدله، أو أنهم كانوا يبدلون سيئاتهم حسنات، أو أنهم كانوا أسوة حسنة كانوا يبدلون أعمال الناس الخاطئة صائبة، أو لهذا كله وغيره.
(2)الإمام: هو القدوة، وفي أهل السنة والجماعة أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، مثل: الإمام أحمد، والشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وغيرهم من الأئمة المشهورين المعروفين، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
*وقوله: " أئمة الدين" : خرج به أئمة الضلال من أهل البدع، فهؤلاء ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم على خلاف أهل السنة والجماعة، وهم، وإن سموا أئمة، فإن من الأئمة أئمة يدعون إلي النار، كما قال تعالى عن آل فرعون:(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (القصص:41)
(3)يعني: أهل السنة والجماعة هم الطائفة المنصورة التي نصرها الله عز وجل، لأنهم داخلون في قوله تعالي: )إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51) ،فهم منصورون، والعاقبة لهم. لكن لابد قبل النصر من معاناة وتعب وجهاد ؛ لأن النصر يقتضي منصوراً ومنصوراً عليه، إذاً، فلابد من مغالبة، ولابد من محنة، ولكن، كما قال ابن القيم رحمه الله:
الحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن
فلا يلحقك العجز والكسل إذا رأيت أن الأمور لم تتم لك بأول مرة، بل اصبر وكرر مرة بعد أخري، واصبر على ما يقال فيك من استهزاء وسخرية، لأن أعداء الدين كثيرون.
لا يثني عزمك أن تري نفسك وحيداً في الميدان، فأنت الجماعة وإن كنت واحداً، ما دمت على الحق، ولهذا ثق بأنك منصور إما في الدنيا وإما في الأخرة.
ثم إن النصر ليس نصر الإنسان يشخصه، بل النصر الحقيقي أن ينصر الله تعالي ما تدعو إليه من الحق، أما إذا أصيب الإنسان بذل في الدنيا، فإن ذلك لا ينافي النصر أبداً، فالنبي عليه الصلاة والسلام أوذي إيذاء عظيماً، لكن في النهاية انتصر علي من آذاه، ودخل منصوراً مؤزراً ظافراً بعد أن خرج منها خائفاً.
الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة نم أمتي على الحق ظاهرين؛ لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، حتى تقوم الساعة (1)..........................
(1)هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم [370] بنحو ما ساقه المؤلف عن عدد من الصحابة عن النبي صلي الله عليه وسلم.
قوله: " لا تزال " : هذا من أفعال الاستمرار، وأفعال الاستمرار أربعة، وهي: فتئ، وانفك، وبرج ، وزال إذا دخل عليها النفي أو شبهه.
فقوله : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق" ، يعني: تستمر على الحق.
وهذه الطائفة غير محصورة بعدد ولا بمكان ولا بزمان، يمكن أن تكون بمكان تنصر فيه في شئ من أمور الدين، وفي مكان آخر تنصر فيه طائفة أخري، وبمجموع الطائفتين يكون الدين باقياً منصوراً مظفراً.
وقوله: " لا يضرهم"، ولم يقل: لا يؤذيهم، لأن الأذية قد تحصل، لكن لا تضر، وفرق بين الضرر والأذي، ولهذا قال الله تعالي في الحديث القدسي: " يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني " [371]، وقال سبحانه وتعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [ الأحزاب: 57]، وفي الحديث القدسي: " يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر" [372]، فأثبت الأذي ونفي الضرر، وهذا ممكن، ألا تري الرجل يتأذي برائحة البصل ونحوه، ولا يتضرر بها.
وفي قوله: " حتى تقوم الساعة ": إشكال، لأنه قد ثبت في الصحيح أنها " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله" [373]أي: حتى يمحى الإسلام كله، ولا يبقي من يعبد الله أبداً، فكيف قال هنا: " حتى تقوم الساعة" ؟!
وأجاب عنه العلماء بأحد جوابين:
1-إما أن يكون المراد حتى قرب قيام الساعة، والشيء قد يعبر به عما قرب منه إذا كان قريباً جداً، وكأن هؤلاء المنصورون إذا ماتوا ، فإن الساعة تكون قريبة جداً.
2- أو يقال: إن المراد بالساعة ساعتهم.
ولكن القول الأول أصح، لأنه إذا قال: " حتي تقوم الساعة " ، فقد تقوم ساعتهم قبل الساعة العامة بأزمنة طويلة، وظاهر الحديث أن هذا النصر سيمتد إلي آخر الدنيا، فالصواب أن المراد بذلك إلى قرب قيام الساعة. والله أعلم.


فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب، والله أعلم، وصلي الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً(1)................
(1)بهذا الدعاء الجليل ختم المؤلف رحمه الله هذه الرسالة القليلة اللفظ الكثيرة المعنى، وهي تعتبر خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة وفيها فوائد عظيمة، ينبغي لطالب العلم أن يحفظها.
والحمد لله رب العالمين على الإتمام، ونسأل الله أن يتم ذلك بالقبول والثواب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم أجمعين.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس