عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Mar 2010, 02:03 AM   #14
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ومنها الإفتاء بغير علم:
الإفتاء منصب عظيم، به يتصدى صاحبه لبيان ما يشكل على العامة من أمور دينهم، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم؛ لذلك كان هذا المنصب العظيم لا يتصدر له إلا من كان أهلاً له لذلك يجب على العباد أن يتقوا الله تعالى وأن لا يتكلموا إلا عن علم وبصيرة، وأن يعلموا أن الله وحده له الخلق والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للخلق إلا الله ولا شريعة للخلق سوى شريعة الله، فهو الذي يوجب الشيء، وهو يحرمه، وهو الذي يندب إليه ويحلله، ولقد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم فقال تعالى:] قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَة [ (يونس الآيتان: 59، 60) وقال تعالى: ] وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [] مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النحل الآيتان: 116 ، 117) وإن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شيء إنه حلال وهو لا يدري ما حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء إنه حرام وهو لا يدري عن حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء إنه واجب وهو لا يدري أن الله أوجبه، ويقول عن الشيء إنه غير واجب هو لا يدري أن الله لم يوجبه، إن هذه جناية وسوء أدب مع الله – عز وجل -.
كيف تعلم أيها العبد أن الحكم لله ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم ؟ لقد قرن الله القول عليه بلا علم بالشرك به ، فقال سبحانه: ] قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [ (الأعراف ،الآية:33) .
وإن كثيراً من العامة يفتي بعضهم بعضاً بما لا يعلمون فتجدهم يقولون هذا حلال،أو حرام،أو واجب،أو غير واجب، وهم لا يدرون عن ذلك شيئاً ، أفلا يعلم هؤلاء أن الله تعالى سائلهم عما قالوا يوم القيامة .
أفلا يعلم هؤلاء أنهم إذا أضلوا شخصاً فأحلوا له ما حرم الله ، أو حرَّموا ما أحل الله له فقد باءوا بإثمه وكان عليهم مثل وزر ما عمل وذلك بسبب ما أفتوه به.
وإن بعض العامة يجني جناية أخرى فإذا رأى شخصاً يريد أن يستفتي عالماً يقول له هذا العامي لا حاجة أن تستفتي ،هذا أمر واضح ، هذا حرام مع أنه في الواقع حلال فيحرمه ما أحل الله له ، أو يقول له: هذا واجب فيلزمه بما لم يلزمه الله به، أو يقول هذا غير واجب في شريعة الله فيسقط عنه ما أوجب الله عليه، أو يقول هذا حلال وهو في الواقع حرام، وهذه جناية منه على شريعة الله، وخيانة لأخيه المسلم حيث أفتاه بدون علم، أرأيتم لو أن شخصاً سأل عن طريق بلد من البلدان، فقلت الطريق من هنا وأنت لا تعلم أفلا يعد الناس ذلك خيانة منك؟ فكيف تتكلم عن طريق الجنة وهو الشريعة التي أنزل الله وأنت لا تعلم عنها شيئاً؟!
وإن بعض المتعلمين أنصاف العلماء يقعون فيما يقع فيه العامة من الجرأة على الشريعة في التحليل والتحريم والإيجاب فيتكلمون فيما لا يعلمون، ويجملون في الشريعة ويفصلون، وهم من أجهل الناس في أحكام الله، إذا سمعت الواحد منهم يتكلم فكأنما ينزل عليه الوحي فيما يقول من جزمه وعدم تورعه، لا يمكن أن ينطق ويقول: لا أدري مع أن عدم العلم هو وصفة الحق الثابت ومع ذلك يصر بناء على جهله على أنه عالم فيضر العامة؛ لأن الناس ربما يثقون بقوله ويغترون به، وليت هؤلاء القوم يقتصرون على نسبة الأمر إليهم لا بل تراهم ينسبون ذلك للإسلام فيقولون: الإسلام يقول كذا الإسلام يرى كذا، وهذا لا يجوز إلا فيما علم القائل أنه من دين الإسلام، ولا طريق إلى ذلك إلا بمعرفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع المسلمين عليه .
إن بعض الناس لجرأته وعدم ورعه وعدم حيائه من الله وعدم خوفه منه يقول عن الشيء المحرم الواضح تحريمه ما أظن هذا حراماً، أو عن الشيء الواجب والواضح وجوبه يقول ما أظن هذا واجباً، إما جهلاً منه، أو عناداً ومكابرة، أو تشكيكاً لعباد الله في دين الله .
أيها الإخوة: إن من العقل والإيمان ومن تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل عما لا يعلم لا أعلم، لا أدري، اسأل غيري، فإن ذلك من تمام العقل؛ لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به، ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلتها، وإن ذلك أيضاً من تمامالإيمان بالله وتقوى الله حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه في دينه مالا يعلم، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بدين الله ، كأن يسأل عما لم ينزل عليه فيه الوحي فينتظر حتى ينزل عليه الوحي فيجيب الله سبحانه عما سئل عنه نبيه ] يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [ (المائدة الآية: 4) وقوله :] وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرا [ (الكهف الآية:83) وقوله :] يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [ (لأعراف الآية: 187) ولقد كان الأجلاء من الصحابة، تعرض لهم المسألة لا يدرون حكم الله فيها فيهابونها ويتوقفون فيها.
فها هو أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – يقول: (( أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم)).
وهاهو عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – تنزل به الحادثة فيجمع لها الصحابة ويستشيرهم فيها، قال ابن سيرين: لم يكن أحد أهيب مما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر، وقال ابن مسعود – رضي الله عنه :- (( أبها الناس من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم ، فإن مع العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم)). وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أحسنها، فقال له أصحابه: قد استحيينا لك، فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: ] لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [ (البقرة الآية:32) .
وهناك أمثلة كثيرة على الإفتاء بغير علم، أن المريض إذا تنجست ثيابه ولم يمكن أن يطهرها يفتى بأنه لا يصلي حتى يطهر ثيابه، وهذه فتوى كاذبة خاطئة باطلة ، فالمريض يصلي ولو كان عليه ثياب نجسه’ ، ولو كان بدنه نجساً إذا كان لا يستطيع أن يطهر ذلك، لأن الله يقول: ] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم[ (التغابن الآية: 16) فيصلي المريض على حسب حاله وعلى حسب ما يقدر عليه، يصلى قائماً ، فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه يومىء برأسه إذا استطاع، فإن لم يستطع أو ما بعينه عند بعض أهل العلم، فإن لم يستطع الإيماء بعينه وكان معه عقله فلينو الفعل بقلبه وليقل القول بلسانه مثلا: يقول الله أكبر ثم يقرأ الفاتحة وسورة ، ثم يقول: الله أكبر وينوى أنه راكع، ثم يقول سمع الله لمن حمده وينوي أنه رفع من الركوع، ثم يقول هكذا في السجود وبقية أفعال الصلاة، ينوي الفعل الذي لا يقدر عليه، ينويه بقلبه ولا يؤخر الصلاة عن وقتها.
وبسبب هذه الفتوى الكاذبة الخاطئة يموت بعض المسلمين وهم لا يصلون من أجل هذه الفتوى الكاذبة، ولو أنهم علموا أن الإنسان المريض يصلي على أي حال لماتوا وهم يصلون .
ومثل هذه المسألة وأشباهها كثير فيجب على العامة أن يتلقوا أحكامها من أهل العلم حتى يعرفوا بذلك حكم الله – عز وجل – وحتى لا يقولوا في دين الله ما يعلمون.
ومنها: الكبر:
وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع التفسير وأبينه وأوضحه فقال :
(( الكبرٌ بطَرٌ الحق وغًمْطٌ الناس )) (40)
وبطر الحق هو : رد الحق، وغمط الناس يعني احتقارهم، ومن الكبرياء ردك على معلمك، والتطاول عليه وسوء الأدب معه، وأيضا استنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وهذا يقع لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم استنكف ولم يقبل، وتقصيرك عن العمل بالعلم عنوان حرمان – نسأل الله العافية -:
وفي هذا يقول القائل:
العلــم حــربٌ للفتى المتعالى كالسيل حربٌ للمكــان العــالي
ومعنى البيت:
أن الفتى المتعالى لا يمكن أن يدرك العلم؛ لأن العلم حرب له كالسيل حرب للمكان العالي، لأن المكان العالي ينفض عنه السيل يميناً وشمالاً ولا يستقر عليه، كذلك العلم لا يستقر مع الكبر والعلو، وربما يسلب العلم بسبب ذلك.
ومنها : التعصب للمذاهب والآراء:
فيجب على طالب العلم أن يتخلى عن:
الطائفية والحزبية بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين فهذا لا شك خلاف منهج السلف، فالسلف الصالح ليسوا أحزاباً بل هم حزب واحد، ينضوون تحت قول الله – عز وجل -: ] هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل ُ[ (الحج: الآية78) .
فلا حزبية ولا تعدد، ولا موالاة ، ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة، فمن الناس مثلاً من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليلاً عليه، ويحامي دونها، ويضلل من سواه حتى وإن كانوا أقرب إلى الحق منها، ويأخذ مبدأ: من ليس معي فهو على، وهذا مبدأ خبيث؛ لأن هناك وسطاً بين أن يكون لك أو عليك، وإذا كان عليك بالحق، فليكن عليك وهو في الحقيقة معك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) (41) ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام، ولهذا لما ظهرت الأحزاب في المسلمين، وتنوعت الطرق، وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضاً، ويأكل لحم أخيه ميتاً، لحقهم الفشل كما قال الله تعالى:] وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [ (الأنفال: الآية46) لذلك نجد بعض طلاب العلم يكون عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق والباطل ويعادي من سواه، ويضلله ويبدعه، ويرى أن شيخه هو العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل أو مفسد، وهذا غلط كبير، بل يجب أخذ قول من وافق قوله الكتاب والسنة وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس