عرض مشاركة واحدة
قديم 16 Mar 2010, 03:35 AM   #12
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


موقف الراسخين في العلم
والزائغين من المتشابه
إن موقف الراسخين في العلم من المتشابه وموقف الزائغين منه بينه الله تعالى فقال في الزائغين: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)(آل عمران: الآية7)} ، وقال في الراسخين في العلم: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)(آل عمران: الآية7) فالزائغون يتخذون من هذه الآيات المشتبهات وسيلة للطعن في كتاب الله، وفتنة الناس عنه، وتأويله لغير ما أراد الله تعالى به، فَيضِلون، ويُضِلونَ.
وأما الراسخون في العلم، فيؤمنون بأن ما جاء في كتاب الله تعالى فهو حق، وليس فيه اختلاف، ولا تناقض؛ لأنه من عند الله: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(النساء: الآية82) وما جاء مشتبهاً ردوه إلى المحكم؛ ليكون الجميع محكماً.
ويقولون في المثال الأول: إن لله تعالى يدين حقيقيتين على ما يليق بجلاله وعظمته، لا تماثلان أيدي المخلوقين، كما أن له ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: الآية11) .
ويقولون في المثال الثاني: إن الحسنة والسيئة كلتاهما بتقدير الله ، لكن الحسنة سببها التفضل من الله تعالى على عباده، أما السيئة فسببها فعل العبد كما قال تعالى: )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30) فإضافة السيئة إلى العبد من إضافة الشيء إلى سببه، لا من إضافته إلى مُقَدِّره، أما إضافة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مقدره، وبهذا يزول ما يوهم الاختلاف بين الآيتين لانفكاك الجهة

ويقولون في المثال الثالث: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شكٌّ فيما أنزل إليه، بل هو أعلم الناس به، وأقواهم يقيناً كما قال الله تعالى في نفس السورة: {)قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)(يونس: الآية104) } ، المعنى إن كنتم في شكٍّ منه فأنا على يقين منه، ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، بل أكفر بهم وأعبد الله.
ولا يلزم من قوله: { )فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ )(يونس: الآية94)} أن يكون الشكُّ جائزاً على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو واقعاً منه ألا ترى قوله تعالى: )قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف:81) هل يلزم منه أن يكون الولد جائزاً على الله تعالى أو حاصلاً؟ كلَّا، فهذا لم يكنْ حاصلاً، ولا جائزاً على الله تعالى، قال الله تعالى: )وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (مريم:92) )إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93)
ولا يلزم من قوله تعالى: (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(البقرة: الآية147) أن يكون الامتراء واقعاً من الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن النهي عن الشيء قد يوجه إلى من لم يقع منه ألا ترى قوله تعالى: )وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (القصص:87) ومن المعلوم أنهم لم يصدُّوا النبي صلى الله عليه وسلم عن آيات الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شرك والغرض من توجيه النهي إلى من لا يقع منه: التنديد بمن وقع منهم والتحذير من منهاجهم، وبهذا يزول الاشتباه، وظن ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم.
أنواع التشابه في القـرآن
التشابه الواقع في القرآن نوعان:
أحدهما: حقيقي وهو ما لا يمكن أن يعلمه البشر كحقائق صفات الله عز وجل، فإننا وإن كنا نعلم معاني هذه الصفات، لكننا لا ندرك حقائقها، وكيفيتها لقوله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه: الآية110) وقوله تعالى:)لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103) } ولهذا لما سُئِل الإِمام مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) كيف استوى قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإِيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهذا النوع لا يسأل عن استكشافه لتعذر الوصول إليه.
النوع الثاني: نسبي وهو ما يكون مشتبهاً على بعض الناس دون بعض، فيكون معلوماً للراسخين في العلم دون غيرهم، وهذا النوع يسأل عن استكشافه وبيانه؛ لإِمكان الوصول إليه، إذ لا يوجد في القرآن شيء لا يتبين معناه لأحد من الناس، قال الله تعالى:)هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:138) ، وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)(النحل: الآية89) ، وقال: )فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة:18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة:19) ، وقال: { )يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء:174).

وأمثلة هذا النوع كثيرة منها قوله تعالى:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(الشورى: الآية11) حيث اشتبه على أهل التعطيل، ففهموا منه انتفاء الصفات عن الله تعالى، وادَّعوا أن ثبوتها يستلزم المماثلة، وأعرضوا عن الآيات الكثيرة الدالة على ثبوت الصفات له، وأن إثبات أصل المعنى لا يستلزم المماثلة.
ومنها قوله تعالى: { )وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) حيث اشتبه على الوعيدية، ففهموا منه أن قاتل المؤمن عمداً مخلد في النار، وطردوا ذلك في جميع أصحاب الكبائر، وأعرضوا عن الآيات الدالة على أن كل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله تعالى .
ومنها قوله تعالى: { )أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج:70) حيث اشتبه على الجبرية، ففهموا منه أن العبد مجبور على عمله، وادعوا أنه ليس له إرادة ولا قدرة عليه، وأعرضوا عن الآيات الدالة على أن للعبد إرادة وقدرة، وأن فعل العبد نوعان: اختياري، وغير اختياري.
والراسخون في العلم أصحاب العقول، يعرفون كيف يخرجون هذه الآيات المتشابهة إلى معنى يتلاءم مع الآيات الأخرى، فيبقى القرآن كله محكماً لا اشتباه فيه.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس