عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 05:00 AM   #45
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء } وقال الخليل عليه السلام : { أتعبدون ما تنحتون } { والله خلقكم وما تعملون } وقال تعالى في سورة الأنعام ; { فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون } { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } { وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون } { وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون } { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } قال الله تعالى : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم } . ولما فسر هؤلاء " الأفول " بالحركة وفتحوا باب تحريف الكلم عن مواضعه دخلت الملاحدة من هذا الباب ففسر ابن سينا وأمثاله من الملاحدة الأفول بالإمكان الذي ادعوه حيث قالوا : إن الأفلاك قديمة أزلية وهي مع ذلك ممكنة وكذلك ما فيها من الكواكب والنيرين . قالوا : فقول إبراهيم { لا أحب الآفلين } أي لا أحب الممكن المعلول وإن كان قديما أزليا . وأين في لفظ الأفول ما يدل على هذا المعنى ؟ ولكن هذا شأن المحرفين للكلم عن مواضعه . وجاء بعدهم من جنس من زاد في التحريف فقال : المراد " بالكواكب والشمس والقمر " هو النفس والعقل الفعال والعقل الأول وقد ذكر ذلك أبو حامد الغزالي في بعض كتبه وحكاه عن غيره في بعضها . وقال هؤلاء الكواكب والشمس والقمر لا يخفى على عاقل أنها ليست رب العالمين بخلاف النفس والعقل . ودلالة لفظ الكوكب والشمس والقمر على هذه المعاني لو كانت موجودة من عجائب تحريفات الملاحدة الباطنية كما يتأولون العلميات مع العمليات ويقولون : الصلوات الخمس معرفة أسرارنا وصيام رمضان كتمان أسرارنا والحج هو الزيارة لشيوخنا المقدسين . وفتح لهم هذا الباب " الجهمية والرافضة " حيث صار بعضهم يقول : الإمام المبين علي بن أبي طالب والشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية والبقرة المأمور بذبحها عائشة واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين . وقد شاركهم في نحو هذه التحريفات طائفة من الصوفية وبعض المفسرين كالذين يقولون : { والتين والزيتون } { وطور سينين } { وهذا البلد الأمين } أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وكذلك قوله : { كزرع أخرج شطأه } أبو بكر { فآزره } عمر { فاستغلظ } هو عثمان { فاستوى على سوقه } هو علي . وقول بعض الصوفية : { اذهب إلى فرعون إنه طغى } هو القلب { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } هي النفس . وأمثال هذه التحريفات . لكن منها ما يكون معناه صحيحا وإن لم يكن هو المراد باللفظ وهو الأكثر في إشارات الصوفية . وبعض ذلك لا يجعل تفسيرا ; بل يجعل من باب الاعتبار والقياس وهذه طريقة صحيحة علمية كما في قوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب } . فإذا كان ورقه { لا يمسه إلا المطهرون } فمعانيه لا يهتدي بها إلا القلوب الطاهرة وإذا كان الملك لا يدخل بيتا فيه كلب فالمعاني التي تحبها الملائكة لا تدخل قلبا فيه أخلاق الكلاب المذمومة ولا تنزل الملائكة على هؤلاء وهذا لبسطه موضع آخر . والمقصود أن أولئك المبتدعة من أهل الكلام لما فتحوا " باب القياس الفاسد في العقليات والتأويل الفاسد في السمعيات " ; صار ذلك دهليزا للزنادقة الملحدين إلى ما هو أعظم من ذلك من السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات وصار كل من زاد في ذلك شيئا دعاه إلى ما هو شر منه ; حتى انتهى الأمر بالقرامطة إلى إبطال الشرائع المعلومة كلها كما قال لهم رئيسهم بالشام : قد أسقطنا عنكم العبادات فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة . ولهذا قال من قال من السلف : البدع بريد الكفر والمعاصي بريد النفاق .
ولما اعتقد أئمة الكلام المبتدع أن معنى كون الله خالقا لكل شيء هو ما تقدم : أنه لم يزل غير فاعل لشيء ولا متكلم بشيء حتى أحدث العالم ; لزمهم أن يقولوا : إن القرآن أو غيره من كلام الله مخلوق منفصل بائن عنه . فإنه لو كان له كلام قديم أو كلام غير مخلوق ; لزم قدم العالم على الأصل الذي أصلوه لأن الكلام قد عرف العقلاء أنه إنما يكون بقدرة المتكلم ومشيئته . وأما كلام يقوم بذات المتكلم بلا قدرة ولا مشيئة ; فهذا لم يكن يتصوره أحد من العقلاء ولا نعرف أن أحدا قاله بل ولا يخطر ببال جماهير الناس حتى أحدث القول به ابن كلاب . وإنما ألجأه إلى هذا : أن أولئك المتكلمين لما أظهروا موجب أصلهم وهو القول بأن القرآن مخلوق أظهروا ذلك في أوائل المائة الثانية فلما سمع ذلك علماء الأمة أنكروا ذلك ثم صار كلما ظهر قولهم أنكره العلماء - وكلام السلف والأئمة في إنكار ذلك مشهور متواتر - إلى أن صار لهؤلاء المتكلمين الكلام المحدث في دولة المأمون عز وأدخلوه في ذلك وألقوا إليه الحجج التي لهم . وقالوا إما أن يكون العالم مخلوقا أو قديما . وهذا الثاني كفر ظاهر معلوم فساده بالعقل والشرع . وإذا كان العالم مخلوقا محدثا بعد أن لم يكن ; لم يبق قديم إلا الله وحده . فلو كان العالم قديما ; لزم أن يكون مع الله قديم آخر . وكذلك الكلام إن كان قائما بذاته ; لزم دوام الحوادث وقيامها بالرب وهذا يبطل الدليل الذي اشتهر بينهم على حدوث العالم . وإن كان منفصلا عنه لزم وجود المخلوق في الأزل ; وهذا قول بقدم العالم . فلما امتحن الناس بذلك واشتهرت هذه المحنة وثبت الله من ثبته من أئمة السنة ; وكان الإمام - الذي ثبته الله وجعله إماما للسنة حتى صار أهل العلم بعد ظهور المحنة يمتحنون الناس به فمن وافقه كان سنيا وإلا كان بدعيا - هو الإمام أحمد بن حنبل فثبت على أن القرآن كلام الله غير مخلوق . وكان " المأمون " لما صار إلى الثغر بطرسوس كتب بالمحنة كتابا إلى نائبه بالعراق " إسحاق بن إبراهيم " فدعا العلماء والفقهاء والقضاة ; فامتنعوا عن الإجابة والموافقة فأعاد عليه الجواب فكتب كتابا ثانيا يقول فيه عن القاضيين : بشر بن الوليد وعبد الرحمن بن إسحاق إن لم يجيبا فاضرب أعناقهما ويقول عن الباقين إن لم يجيبوا فقيدهم فأرسلهم إلي . فأجاب القاضيان وذكرا لأصحابهما أنهما مكرهان وأجاب أكثر الناس قبل أن يقيدهم لما رأوا الوعيد ولم يجب ستة أنفس فقيدهم فلما قيدوا أجاب الباقون إلا اثنين : أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح النيسابوري ; فأرسلوهما مقيدين إليه ; فمات محمد بن نوح في الطريق ومات المأمون قبل أن يصل أحمد إليه وتولى أخوه أبو إسحاق وتولى القضاء أحمد بن أبي دؤاد وأقام أحمد بن حنبل في الحبس من سنة ثماني عشرة إلى سنة عشرين . ثم إنهم طلبوه وناظروه أياما متعددة فدفع حججهم وبين فسادها وأنهم لم يأتوا على ما يقولونه بحجة لا من كتاب ولا من سنة ولا من أثر وأنه ليس لهم أن يبتدعوا قولا ويلزموا الناس بموافقتهم عليه ويعاقبوا من خالفهم



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس