عرض مشاركة واحدة
قديم 09 Dec 2011, 06:51 AM   #16
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق



( الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ تُخَيِّلُ لَهُ مَا يَعْقِلُ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَرَى فِي نَفْسِهِ صُوَرًا، أَوْ يَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ أَصْوَاتًا كَمَا يَرَاهُ النَّائِمُ وَيَسْمَعُهُ ،وَلَا يَكُونُ لَهَا وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرَ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى .
( الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ فَعَّالَةٌ يُؤَثِّرُ بِهَا فِي هَيُولَى الْعَالَمِ ،وَجَعَلُوا مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَوَارِقِ السَّحَرَةِ هِيَ قُوَى النَّفْسِ، فَأَقَرُّوا مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ مِنْ قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً دُونَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وُجُودَ هَذَا . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ . وَبَيَّنَّا أَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا أَفْسَدُ الْكَلَامِ وَأَنَّ هَذَا الَّذِي جَعَلُوهُ مِنْ الْخَصَائِصِ يَحْصُلُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لِآحَادِ الْعَامَّةِ وَلِأَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ ،وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ أَحْيَاءٌ نَاطِقُونَ أَعْظَمُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ، وَهُمْ كَثِيرُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} (1)(31) سورة المدثر ، وَلَيْسُوا عَشْرَةً،وَلَيْسُوا أَعْرَاضًا لَا سِيَّمَا وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الصَّادِرَ الْأَوَّلَ هُوَ " الْعَقْلُ الْأَوَّلُ "(2)، وَعَنْهُ صَدَرَ كُلُّ مَا دُونَهُ .
وَ " الْعَقْلُ الْفَعَّالُ الْعَاشِرُ " رَبُّ كُلِّ مَا تَحْتَ فَلَكِ الْقَمَرِ . وَهَذَا كُلُّهُ يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُبْدِعٌ لِكُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ . وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْعَقْلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى " { أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ فَقَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ وَعِزَّتِي مَا خَلَقْت خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْك فَبِك آخِذُ وَبِك أُعْطِي وَلَك الثَّوَابُ وَعَلَيْك الْعِقَابُ } "(1) . وَيُسَمُّونَهُ أَيْضًا " الْقَلَمَ " لِمَا رُوِيَ " { إنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ } " الْحَدِيثَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ(2) . وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْعَقْلِ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ البستي والدارقطني وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ . وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَمَعَ هَذَا فَلَفْظُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّ لَفْظَهُ " { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَقْلَ قَالَ لَهُ - وَيُرْوَى - لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ } " فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَاطَبَهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ ؛ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَ " أَوَّلُ " مَنْصُوبٍ عَلَى الظَّرْفِ كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ ( لَمَّا وَتَمَامُ الْحَدِيثِ " { مَا خَلَقْت خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْك } " فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ خَلَقَ قَبْلَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ " :{ فَبِك آخُذُ وَبِك أُعْطِي وَلَك الثَّوَابُ وَعَلَيْك الْعِقَابُ } " فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ جَوَاهِرِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ صَدَرَ عَنْ ذَلِكَ الْعَقْلِ . فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا .
وَسَبَبُ غَلَطِهِمْ أَنَّ لَفْظَ " الْعَقْلِ " فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ هُوَ لَفْظُ الْعَقْلِ فِي لُغَةِ هَؤُلَاءِ الْيُونَانِ، فَإِنَّ " الْعَقْلَ " فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا كَمَا فِي الْقُرْآنِ : {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (10) سورة الملك ، {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (24) سورة الروم {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحج، وَيُرَادُ " بِالْعَقْلِ " الْغَرِيزَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ يَعْقِلُ بِهَا .
__________

وَأَمَّا أُولَئِكَ فَ " الْعَقْلُ " عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَالْعَاقِلِ وَلَيْسَ هَذَا مُطَابِقًا لِلُغَةِ الرُّسُلِ وَالْقُرْآنِ . وَعَالَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ كَمَا يَذْكُرُهُ أَبُو حَامِدٍ عَالَمُ الْأَجْسَامِ الْعَقْلُ وَالنُّفُوسُ فَيُسَمِّيهَا عَالَمَ الْأَمْرِ، وَقَدْ يُسَمَّى " الْعَقْلُ " عَالَمَ الْجَبَرُوتِ "(1) وَالنُّفُوسُ " عَالَمَ الْمَلَكُوتِ ؛ وَ " الْأَجْسَامُ " عَالَمَ الْمَلِكِ ،وَيَظُنُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ لُغَةَ الرُّسُلِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ مُوَافِقٌ لِهَذَا ،وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . وَهَؤُلَاءِ يُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَلْبِيسًا كَثِيرًا كَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ " الْفَلَكَ " مُحْدَثٌ : أَيُّ مَعْلُولٍ مَعَ إنَّهُ قَدِيمٌ عِنْدَهُمْ، وَالْمُحْدَثُ لَا يَكُونُ إلَّا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ لَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا فِي لُغَةِ أَحَدٍ أَنَّهُ يُسَمَّى الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ مُحْدَثًا، وَاَللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ ،وَكُلُّ مُحْدَثٍ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ؛ لَكِنْ نَاظَرَهُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ مِنْ الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ مُنَاظَرَةً قَاصِرَةً لَمْ يُعْرَفُوا بِهَا مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَا أَحْكَمُوا فِيهَا قَضَايَا الْعُقُولِ، فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا وَلَا لِلْأَعْدَاءِ كَسَرُوا ،وَشَارَكُوا أُولَئِكَ فِي بَعْضِ قَضَايَاهُمْ الْفَاسِدَةِ وَنَازَعُوهُمْ فِي بَعْضِ الْمَعْقُولَاتِ الصَّحِيحَةِ، فَصَارَ قُصُورُ هَؤُلَاءِ فِي الْعُلُومِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ قُوَّةِ ضَلَالِ أُولَئِكَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
__________
وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ قَدْ يَجْعَلُونَ " جِبْرِيلَ " هُوَ الْخَيَالُ الَّذِي يَتَشَكَّلُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَيَالُ تَابِعٌ لِلْعَقْلِ فَجَاءَ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ شَارَكُوا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةَ الْمُتَفَلْسِفَةَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ " وَأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عَنْ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَابْنِ عَرَبِيٍّ صَاحِبِ " الْفُتُوحَاتِ " وَ " الْفُصُوصِ " فَقَالَ : إنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمَعْدِنِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحِي بِهِ إلَى الرَّسُولِ(1)، وَ " الْمَعْدِنُ " عِنْدَهُ هُوَ الْعَقْلُ وَ " الْمَلَكُ " هُوَ الْخَيَالُ وَ " الْخَيَالُ " تَابِعٌ لِلْعَقْلِ وَهُوَ بِزَعْمِهِ يَأْخُذُ عَنْ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْخَيَالِ، وَالرَّسُولُ يَأْخُذُ عَنِ الْخَيَالِ ؛ فَلِهَذَا صَارَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَوْقَ النَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ خَاصَّةُ النَّبِيِّ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ ،فَكَيْفَ وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْصُلُ لِآحَادِ الْمُؤْمِنِينَ ؟! .
وَالنُّبُوَّةُ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ، فَإِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مَنَّ الصُّوفِيَّةِ فَهُمْ مِنْ صُوفِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الْفَلَاسِفَةِ لَيْسُوا مِنْ صُوفِيَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : كالفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَمَعْرُوفٍ الكرخي والجنيد بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَأَمْثَالِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ فِي كِتَابِهِ بِصِفَاتِ تُبَايِنُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) } (2)
__________
الأنبياء/26-29]، وَقَالَ تَعَالَى : {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى}(1) (26) سورة النجم، وَقَالَ تَعَالَى :{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) }(2) [سبأ/22-23]، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) } [الأنبياء/19-20] (3).
وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ جَاءَتْ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ (1)،وَأَنَّ الْمَلَكَ تَمَثَّلَ لِمَرْيَمَ بَشَرًا سَوِيًّا(2) وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ(3)، وَفِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ وَيَرَاهُمْ النَّاسُ كَذَلِكَ(4)
__________
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ { ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)(1)} [التكوير/19-21]؛ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)(2)}التكوير ،وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) }(3)
__________
[النجم/1-18]. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " « إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِى خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ »(1). يَعْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى وَالنَّزْلَةَ الْأُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَوَصَفَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ الرُّوحُ الْأَمِينُ (2)وَأَنَّهُ رُوحُ الْقُدُسِ(3) إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَحْيَاءِ الْعُقَلَاءِ، وَأَنَّهُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ خَيَالًا فِي نَفْسِ النَّبِيِّ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ الْمُتَفَلْسِفَةُ وَالْمُدَّعُونَ وِلَايَةَ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ .
وَغَايَةُ حَقِيقَةِ هَؤُلَاءِ إنْكَارُ " أُصُولِ الْإِيمَانِ " بِأَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ(1)، وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ جَحْدُ الْخَالِقِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُودَ الْمَخْلُوقِ هُوَ وُجُودُ الْخَالِقِ، وَقَالُوا : الْوُجُودُ وَاحِدٌ وَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ بِالْعَيْنِ وَالْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَاتِ تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ كَمَا تَشْتَرِكُ الْأَنَاسِيُّ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانَاتُ فِي مُسَمَّى الْحَيَوَانِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمُشْتَرَكَ الْكُلِّيَّ لَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا إلَّا فِي الذِّهْنِ، وَإِلَّا فالحيوانية الْقَائِمَةُ بِهَذَا الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ هِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِالْفَرَسِ وَوُجُودُ السَّمَوَاتِ لَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ وُجُودُ الْإِنْسَانِ، فَوُجُودُ الْخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ لَيْسَ هُوَ كَوُجُودِ مَخْلُوقَاتِهِ .
وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ قَوْلُ فِرْعَوْنَ الَّذِي عَطَّلَ الصَّانِعَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا هَذَا الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ ؛ لَكِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ لَا صَانِعَ لَهُ، وَهَؤُلَاءِ وَافَقُوهُ فِي ذَلِكَ ؛ لَكِنْ زَعَمُوا بِأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ، فَكَانُوا أَضَلَّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ هَذَا هُوَ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهُمْ، وَلِهَذَا جَعَلُوا عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا إلَّا اللَّهَ وَقَالُوا : " لَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ فِي مَنْصِبِ التَّحَكُّمِ صَاحِبَ السَّيْفِ وَإِنْ جَارَ فِي الْعُرْفِ النَّامُوسِي كَذَلِكَ قَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى - أَيْ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ أَرْبَابًا بِنِسْبَةِ مَا فَأَنَا الْأَعْلَى مِنْكُمْ بِمَا أُعْطِيته فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْحُكْمِ فِيكُمْ " . قَالُوا : " وَلَمَّا عَلِمَتْ السَّحَرَةُ صِدْقَ فِرْعَوْنَ فِيمَا قَالَهُ أَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ وَقَالُوا : {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (2)(72) سورة طه ،قَالُوا : فَصَحَّ قَوْلُ فِرْعَوْنَ { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى }، وَكَانَ فِرْعَوْنُ عَيْنَ الْحَقِّ " (3)
،ثُمَّ أَنْكَرُوا حَقِيقَةَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَجَعَلُوا أَهْلَ النَّارِ يَتَنَعَّمُونَ كَمَا يَتَنَعَّمُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَصَارُوا كَافِرِينَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ مَعَ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ خُلَاصَةُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَةِ اللَّهِ ،وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إنَّمَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ مِنْ مِشْكَاتِهِمْ .
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ إلْحَادِ هَؤُلَاءِ ؛ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ فِي " أَوْلِيَاءِ اللَّهِ " وَالْفَرْقُ بَيْنَ " أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ " وَكَانَ هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ ادِّعَاءً لِوِلَايَةِ اللَّهِ ،وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وِلَايَةً لِلشَّيْطَانِ، نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ . وَلِهَذَا عَامَّةُ كَلَامِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَالَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَيَقُولُونَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفُتُوحَاتِ : ( بَابُ أَرْضِ الْحَقِيقَةِ ،وَيَقُولُونَ هِيَ أَرْضُ الْخَيَالِ (1). فَتُعْرَفُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا هِيَ خَيَالٌ وَمَحَلُّ تَصَرُّفِ الشَّيْطَانِ ،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُخَيِّلُ لِلْإِنْسَانِ الْأُمُورَ بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) } (2)[الزخرف/36-40] .
__________



 

رد مع اقتباس