عرض مشاركة واحدة
قديم 09 Dec 2011, 06:53 AM   #17
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 361 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان اقرا لتعرف حقيقة المدعين للخوارق



وَقَالَ تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) } (1)[النساء/116-121].
وَقَالَ تَعَالَى : {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(1) (22) سورة إبراهيم ،
وَقَالَ تَعَالَى : {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(2) (48) سورة الأنفال، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " « أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلاَئِكَةَ »(3).
" وَالشَّيَاطِينُ إذَا رَأَتْ مَلَائِكَةَ اللَّهِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا عِبَادَهُ هَرَبَتْ مِنْهُمْ ،وَاَللَّهُ يُؤَيِّدُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَلَائِكَتِهِ . قَالَ تَعَالَى : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) } (4)
__________
الأنفال/12]، وَقَالَ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}(1) (9) سورة الأحزاب .
__________
وَقَالَ تَعَالَى : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)(1) } [التوبة/40]، وَقَالَ تَعَالَى : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) } (2)
آل عمران/124-126]، وَهَؤُلَاءِ تَأْتِيهِمْ أَرْوَاحٌ تُخَاطِبُهُمْ وَتَتَمَثَّلُ لَهُمْ وَهِيَ جِنٌّ وَشَيَاطِينُ فَيَظُنُّونَهَا مَلَائِكَةً ،كَالْأَرْوَاحِ الَّتِي تُخَاطِبُ مَنْ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ، وَكَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا ظَهَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ : الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ(1) الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " « أَنَّ فِى ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا »(2). " وَكَانَ الْكَذَّابُ : الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْمُبِيرُ : الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ . فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ : إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْزِلُ إلَيْهِ فَقَالَا : صَدَقَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) } [الشعراء/221، 222] . وَقَالَ الْآخَرُ وَقِيلَ لَهُ: إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَقَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {. وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(3) (121) سورة الأنعام.
__________وَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ الشَّيْطَانِيَّةُ هِيَ الرُّوحُ الَّذِي يَزْعُمُ صَاحِبُ " الْفُتُوحَاتِ " أَنَّهُ أُلْقِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ ؛ وَلِهَذَا يَذْكُرُ أَنْوَاعًا مِنَ الْخَلَوَاتِ بِطَعَامِ مُعَيَّنٍ وَشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَهَذِهِ مِمَّا تَفْتَحُ لِصَاحِبِهَا اتِّصَالًا بِالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ فَيَظُنُّونَ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَأَعْرِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ عَدَدًا وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْمَلُ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ وَيَعُودُ ،وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُؤْتَى بِمَالِ مَسْرُوقٍ تَسْرِقُهُ الشَّيَاطِينُ وَتَأْتِيه بِهِ ،وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَتْ تَدُلُّهُ عَلَى السَّرِقَاتِ بِجُعْلِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِعَطَاءِ يعطونه إذَا دَلَّهُمْ عَلَى سَرِقَاتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَلَمَّا كَانَتْ أَحْوَالُ هَؤُلَاءِ شَيْطَانِيَّةً كَانُوا مُنَاقِضِينَ لِلرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ،كَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ " الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ " وَ " الْفُصُوصِ " وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ يَمْدَحُ الْكُفَّارُ مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَفِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمْ وَيَتَنَقَّصُ الْأَنْبِيَاءُ : كَنُوحِ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ،وَيَذُمُّ شُيُوخَ الْمُسْلِمِينَ الْمَحْمُودِينَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ : كالجنيد بْنِ مُحَمَّدٍ(1)
__________

وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري(1)، وَيَمْدَحُ الْمَذْمُومِينَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ : كَالْحَلَّاجِ (2)
__________وَنَحْوِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَجَلِّيَاتِهِ الْخَيَالِيَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ ؛ فَإِنَّ الجنيد - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى فَسُئِلَ عَنْ التَّوْحِيدِ فَقَالَ : " التَّوْحِيدُ " إفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنْ الْقِدَمِ . فَبَيَّنَ أَنَّ التَّوْحِيدَ أَنْ تُمَيِّزَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَبَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ . وَصَاحِبُ " الْفُصُوصِ " أَنْكَرَ هَذَا ؛ وَقَالَ فِي مُخَاطَبَتِهِ الْخَيَالِيَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ لَهُ : يَا جنيد هَلْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَالْقَدِيمِ إلَّا مَنْ يَكُونُ غَيْرَهُمَا ؟ فَخَطَّأَ الجنيد فِي قَوْلِهِ : ( إفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنْ الْقِدَمِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ : إنَّ وُجُودَ الْمُحْدَثِ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ الْقَدِيمِ كَمَا قَالَ فِي فُصُوصِهِ : " وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى " الْعَلِيُّ " عَلَى مَنْ ؟ وَمَا ثَمَّ إلَّا هُوَ وَعَنْ مَاذَا ؟ وَمَا هُوَ إلَّا هُوَ فَعَلُوهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودَاتِ ،فَالْمُسَمَّى مُحْدَثَاتٌ هِيَ الْعَلِيَّةُ لِذَاتِهِ وَلَيْسَتْ إلَّا هُوَ " إلَى أَنْ قَالَ : " هُوَ عَيْنُ مَا بَطَنَ وَهُوَ عَيْنُ مَا ظَهَرَ وَمَا ثَمَّ مِنْ يَرَاهُ غَيْرُهُ وَمَا ثَمَّ مَنْ يَنْطِقُ عَنْهُ سِوَاهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُحْدَثَاتِ " (1).
فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُلْحِدِ : لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُمَيِّزِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالْعِلْمِ وَالْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ ثَالِثًا غَيْرُهُمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ هُوَ ثَالِثٌ، فَالْعَبْدُ يَعْرِفُ أَنَّهُ عَبْدٌ ،وَيُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ خَالِقِهِ، وَالْخَالِقُ جَلَّ جَلَالُهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ مَخْلُوقَاتِهِ ،وَيَعْلَمُ أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَأَنَّهُمْ عِبَادُهُ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا .
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ فَيَزْعُمُونَ مَا كَانَ يَزْعُمُهُ التلمساني مِنْهُمْ - وَهُوَ أَحْذَقُهُمْ فِي اتِّحَادِهِمْ - لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ " الْفُصُوصُ " فَقِيلَ لَهُ : الْقُرْآنُ يُخَالِفُ فُصُوصَكُمْ . فَقَالَ : الْقُرْآنُ كُلُّهُ شِرْكٌ وَإِنَّمَا التَّوْحِيدُ فِي كَلَامِنَا . فَقِيلَ لَهُ : فَإِذَا كَانَ الْوُجُودُ وَاحِدًا فَلِمَ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حَلَالًا وَالْأُخْتُ حَرَامًا ؟ فَقَالَ : الْكُلُّ عِنْدَنَا حَلَالٌ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا حَرَامٌ فَقُلْنَا حَرَامٌ عَلَيْكُمْ .
وَهَذَا مَعَ كُفْرِهِ الْعَظِيمِ مُتَنَاقِضٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْوُجُودَ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَمَنْ الْمَحْجُوبُ وَمَنْ الْحَاجِبُ ؟.
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِهِمْ لِمُرِيدِهِ : مَنْ قَالَ لَك : إنَّ فِي الْكَوْنِ سِوَى اللَّهِ فَقَدْ كَذَبَ . فَقَالَ لَهُ مُرِيدُهُ : فَمَنْ هُوَ الَّذِي يَكْذِبُ ؟ وَقَالُوا لِآخَرَ : هَذِهِ مَظَاهِرُ . فَقَالَ لَهُمْ : الْمَظَاهِرُ غَيْرُ الظَّاهِرِ أَمْ هِيَ ؟ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَقَدْ قُلْتُمْ بِالنِّسْبَةِ وَإِنْ كَانَتْ إيَّاهَا فَلَا فَرْقَ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى كَشْفِ أَسْرَارِ هَؤُلَاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَبَيَّنَّا حَقِيقَةَ قَوْلِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّ صَاحِبَ " الْفُصُوصِ " يَقُولُ الْمَعْدُومُ شَيْءٌ ؛ وَوُجُودُ الْحَقِّ قَاضٍ عَلَيْهِ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ(2)
__________
وَالْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ قَالُوا : الْمَعْدُومُ شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ مَعَ ضَلَالِهِمْ خَيْرٌ مِنْهُ، فَإِنَّ أُولَئِكَ قَالُوا : إنَّ الرَّبَّ خَلَقَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّابِتَةِ فِي الْعَدَمِ وُجُودًا لَيْسَ هُوَ وُجُودُ الرَّبِّ . وَهَذَا زَعَمَ أَنَّ عَيْنَ وُجُودِ الرَّبِّ فَاضَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ وُجُودُ مَخْلُوقٍ مُبَايِنٌ لِوُجُودِ الْخَالِقِ، وَصَاحِبُهُ الصَّدْرُ القونوي(1) يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْفَلْسَفَةِ فَلَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ ؛ لَكِنْ جَعَلَ الْحَقَّ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَصَنَّفَ " مِفْتَاحَ غَيْبِ الْجَمْعِ وَالْوُجُودِ " . وَهَذَا الْقَوْلُ أُدْخِلَ فِي تَعْطِيلِ الْخَالِقِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ - وَهُوَ الْكُلِّيُّ الْعَقْلِيُّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ وَالْمُطْلَقِ لَا بِشَرْطِ وَهُوَ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ - وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَلَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إلَّا مُعَيَّنًا وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِهِ فِي الْخَارِجِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الرَّبِّ إمَّا مُنْتَفِيًا فِي الْخَارِجِ،وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ ،وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنُ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ . وَهَلْ يَخْلُقُ الْجُزْءُ الْكُلَّ أَمْ يَخْلُقُ الشَّيْءُ نَفْسَهُ ؟ أَمْ الْعَدَمُ يَخْلُقُ الْوُجُودَ ؟ أَوْ يَكُونُ بَعْضُ الشَّيْءِ خَالِقًا لِجَمِيعِهِ . وَهَؤُلَاءِ يَفِرُّونَ مِنْ لَفْظِ " الْحُلُولِ " لِأَنَّهُ يَقْتَضِي حَالًا وَمَحَلًّا وَمِنْ لَفْظِ " الِاتِّحَادِ " لِأَنَّهُ يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ اتَّحَدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَعِنْدَهُمْ الْوُجُودُ وَاحِدٌ . وَيَقُولُونَ : النَّصَارَى إنَّمَا كَفَرُوا لَمَّا خَصَّصُوا الْمَسِيحَ بِأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَلَوْ عَمَّمُوا لَمَا كَفَرُوا . وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي عُبَّادِ الْأَصْنَامِ : إنَّمَا أَخْطَئُوا لَمَّا عَبَدُوا بَعْضَ الْمَظَاهِرِ دُونَ بَعْضٍ فَلَوْ عَبَدُوا الْجَمِيعَ لَمَا أَخْطَئُوا عِنْدَهُمْ . وَالْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ عِنْدَهُمْ لَا يَضُرُّهُ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ . وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ الْعَظِيمِ فَفِيهِ مَا يَلْزَمُهُمْ دَائِمًا مِنَ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ : فَمَنْ الْمُخْطِئُ ؟ لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِجَمِيعِ النَّقَائِصِ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا الْمَخْلُوقُ . وَيَقُولُونَ : إنَّ الْمَخْلُوقَاتِ تُوصَفُ بِجَمِيعِ الكمالات الَّتِي يُوصَفُ بِهَا الْخَالِقُ ،وَيَقُولُونَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ " الْفُصُوصِ " : " فَالْعَلِيُّ لِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ الْكَمَالُ الَّذِي يَسْتَوْعِبُ بِهِ جَمِيعَ النُّعُوتِ الْوُجُودِيَّةِ وَالنِّسَبِ الْعَدَمِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْمُودَةً عُرْفًا أَوْ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ مَذْمُومَةً عُرْفًا وَعَقْلًا وَشَرْعًا وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمُسَمَّى اللَّهِ خَاصَّةً " .
__________
وَهُمْ مَعَ كُفْرِهِمْ هَذَا لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُمْ التَّنَاقُضُ ،فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ ذَاكَ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ التلمساني : إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَنَا فِي الْكَشْفِ مَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْعَقْلِ . وَيَقُولُونَ : مَنْ أَرَادَ التَّحْقِيقَ - يَعْنِي تَحْقِيقَهُمْ - فَلْيَتْرُكْ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ . وَقَدْ قُلْت لِمَنْ خَاطَبْته مِنْهُمْ : وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَشْفَ الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمُ وَأَتَمُّ مِنْ كَشْفِ غَيْرِهِمْ وَخَبَرَهُمْ أَصْدَقُ مِنْ خَبَرِ غَيْرِهِمْ ؛ وَالْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يُخْبِرُونَ بِمَا تَعْجِزُ عُقُولُ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ؛ لَا بِمَا يَعْرِفُ النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَيُخْبِرُونَ بِمَحَارَاتِ الْعُقُولِ(1) لَا بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ(2)، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي إخْبَارِ الرَّسُولِ مَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْعُقُولِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَعَارَضَ دَلِيلَانِ قَطْعِيَّانِ : سَوَاءٌ كَانَا عَقْلِيَّيْنِ أَوْ سَمْعِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَقْلِيًّا وَالْآخَرُ سَمْعِيًّا ،فَكَيْفَ بِمَنْ ادَّعَى كَشْفًا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ ؟ . وَهَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ لَكِنْ يُخَيَّلُ لَهُمْ أَشْيَاءُ تَكُونُ فِي نُفُوسِهِمْ وَيَظُنُّونَهَا فِي الْخَارِجِ ،وَأَشْيَاءَ يَرَوْنَهَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ لَكِنْ يَظُنُّونَهَا مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ وَتَكُونُ مِنْ تَلْبِيسَاتِ الشَّيَاطِينِ .
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْوَحْدَةِ قَدْ يُقَدِّمُونَ الْأَوْلِيَاءَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَيَذْكُرُونَ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَمْ تَنْقَطِعْ كَمَا يُذْكَرُ عَنْ ابْنِ سَبْعِينَ (3)
وَغَيْرِهِ وَيَجْعَلُونَ الْمَرَاتِبَ " ثَلَاثَةً " يَقُولُونَ : الْعَبْدُ يَشْهَدُ أَوَّلًا طَاعَةً مَعْصِيَةً ثُمَّ طَاعَةً بِلَا مَعْصِيَةٍ ثُمَّ لَا طَاعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ ،وَ " الشُّهُودُ الْأَوَّلُ " هُوَ الشُّهُودُ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، وَأَمَّا " الشُّهُودُ الثَّانِي " فَيُرِيدُونَ بِهِ شُهُودَ الْقَدَرِ ،كَمَا أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ يَقُولُ : أَنَا كَافِرٌ بِرَبِّ يُعْصَى، وَهَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُخَالَفَةُ الْإِرَادَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشِيئَةُ . وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ حُكْمِ الْمَشِيئَةِ وَيَقُولُ شَاعِرُهُمْ :
أَصْبَحَتْ مُنْفَعِلًا لِمَا تَخْتَارُهُ مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَاتٌ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ؛ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبَهَا الذَّمُّ وَالْعِقَابُ مُخَالَفَةُ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (14) (1) سورة النساء.



 

رد مع اقتباس