عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 01:16 AM   #3
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


قال المنكرون: نحن لا نُنْكِرُ أن تكونَ المُصاكَّة الشديدة محدثةً للنار، كما فى ضرب الحجارة على الحديد، أو تكونَ قوةُ تسخين الشمسِ محدثةً للنار، كما فى البِلَّورة، لكنَّا نستبعد ذلك جداً فى أجرام النبات
والحيوان، إذ ليس فى أجرامها من الاصطكاك ما يُوجب حدوثَ النار، ولا فيها مِن الصفاء والصِّقال ما يبلغ إلى حدِّ البِلَّورة، كيف وشعاعُ الشمس يقع على ظاهرها، فلا تتولَّد النار ألبتة، فالشُّعاع الذى يصل إلى باطنها كيف يولد النار ؟
الوجه الثانى: فى أصل المسألة: أنَّ الأطباء مُجْمِعون على أن الشرابَ العتيقَ فى غاية السخونة بالطبع، فلو كانت تلك السخونة بسبب الأجزاء النارية، لكانت محالاً إذ تلك الأجزاءُ النارية مع حقارتها كيف يُعْقَل بقاؤها فى الأجزاء المائية الغالبة دهراً طويلاً، بحيث لا تنطفئ مع أنَّا نرى النار العظيمة تُطفأ بالماء القليل.
الوجه الثالث: أنه لو كان فى الحيوان والنبات جزءٌ نارىٌ بالفعل، لكان مغلوباً بالجزء المائى الذى فيه، وكان الجزءُ النارى مقهوراً به، وغلبةُ بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضى انقلابَ طبيعة المغلوب إلى طبيعة الغالب، فكان يلزمُ بالضرورة انقلابُ تلك الأجزاء النارية القليلة جداً إلى طبيعة الماء الذى هو ضد النار.
الوجه الرابع: أنَّ الله سبحانه وتعالى ذكر خَلْق الإنسان فى كتابه فى مواضع متعددة، يُخبِرُ فى بعضها أنه خلقه من ماء، وفى بعضها أنه خَلَقَهُ من تراب، وفى بعضها أنه خلقه من المركَّب منهما وهو الطين، وفى بعضها أنه خَلَقَهُ من صَلصال



ص -46- كالفَخَّار، وهو الطينُ الذى ضربته الشمسُ والرِّيح حتى صار صَلصالاً كالفَخَّار، ولم يُخْبِر فى موضع واحد أنه خلقه من نار، بل جعل ذلك خاصيةَ إبليس.
وثبت فى "صحيح مسلم": عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "خُلِقَتْ الملائكةُ من نُورٍ، وخُلِقَ الجانُّ من مَارجٍ من نارٍ، وخُلِقَ آدمُ مما وُصِفَ لكم".
وهذا صريح فى أنه خُلِقَ مما وصفه الله فى كتابه فقط، ولم يَصِفْ لنا سبحانه أنه خلقه من نار، ولا أن فى مادته شيئاً من النار
الوجه الخامس: أنَّ غاية ما يستدلون به ما يُشاهدون مِن الحرارة فى أبدان الحيوان، وهى دليل على الأجزاء النارية، وهذا لا يدل، فإن أسباب الحرارة أعمُّ من النار، فإنها تكون عن النار تارة، وعن الحركة أُخرى، وعن انعكاس الأشعة، وعن سخونة الهواء، وعن مجاورة النار، وذلك بواسطة سخونة الهواء أيضاً، وتكون عن أسباب أُخَر، فلا يلزم من الحرارة النار.
قال أصحاب النار: من المعلوم أنَّ التراب والماء إذا اختلطا فلا بد لهما من حرارة تقتضى طبخَهما وامتزاجَهما، وإلا كان كُلٌ منهما غير ممازج للآخر، ولا متحداً به، وكذلك إذا أَلقينا البذرَ فى الطين بحيث لا يصل إليه الهواءُ ولا الشمسُ فسد، فلا يخلو، إما أن يحصل فى المركَّب جسم مُنْضِج طابخ بالطبع أو لا، فإن حصل، فهو الجزء النارى، وإن لم يحصل، لم يكن المركَّبُ مسخناً بطبعه، بل إن سخن كان التسخين عرضياً، فإذا زال التسخينُ العَرَضى، لم يكن الشىء حاراً فى طبعه، ولا فى كيفيته، وكان بارداً مطلقاً، لكن من الأغذية والأدوية ما يكون حاراً بالطبع، فعلمنا أن حرارتها إنما كانت، لأن فيها جوهراً نارياً.
وأيضاً.. فلو لم يكن فى البدن جزءٌ مسخن لوجب أن يكون فى نهاية البرد، لأن الطبيعة إذا كانت مقتضية للبرد، وكانت خالية عن المعاون والمعارض، وجب انتهاءُ البرد إلى أقصى الغاية، ولو كان كذلك لما حصل
لها الإحساس بالبرد، لأن البرد الواصل إليه إذا كان فى الغاية كان مثلَه، والشىءُ لا ينفعِلُ عن مثله، وإذا لم ينفعِلْ عنه لم يُحِسَّ به، وإذا لم يحس به لم يتألم عنه، وإن كان دونه فعدمُ الانفعال يكون أولى، فلو لم يكن فى البدن جزءٌ مسخن بالطبع لما انفعل عن البرد، ولا تألَّم به.



ص -47- قالوا: وأدلتكم إنما تُبْطِلُ قولَ مَن يقول: الأجزاء النارية باقية فى هذه المركبات على حالها، وطبيعتها النارية، ونحن لا نقول بذلك، بل نقول: إنَّ صورتها النوعية تفسد عند الامتزاج.
قال الآخرون: لِمَ لا يجوز أن يُقال: إن الأرض والماء والهواء إذا اختلطت، فالحرارةُ المنضجة الطابخة لها هى حرارةُ الشمس وسائرِ الكواكب، ثم ذلك المركَّب عند كمال نضجه مستعد لقبول الهيئة التركيبية بواسطة السخونة نباتاً كان أو حيواناً أو معدناً، وما المانع أن تلك السخونة والحرارة التى فى المركَّبات هى بسبب خواص وقُوَى يُحدِثها الله تعالى عند ذلك الامتزاج لا من أجزاء نارية بالفعل ؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الإمكان ألبتة، وقد اعترف جماعة من فضلاء الأطباء بذلك
وأما حديث إحساس البدن بالبرد، فنقول: هذا يدل على أنَّ فى البدن حرارةً وتسخيناً، ومَن يُنكر ذلك ؟ لكن ما الدليلُ على انحصار المسخن فى النار ؟ فإنه وإن كان كل نار مسخناً، فإن هذه القضيةَ لا تنعكس كليةً بل عكسُها الصادقُ: بعضُ المسخن نار.
وأما قولكم بفساد صورة النَّار النوعية، فأكثر الأطباء على بقاء صورتها النوعية، والقولُ بفسادها قولٌ فاسد قد اعترف بفساده أفضلُ متأخِّرِيكم، فى كتابه المسمى ب "الشفاء"، وبرهَنَ على بقاء الأركان أجمع على طبائعها فى المركَّبات.. وبالله التوفيق.
فصل
وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع
أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثانى: بالأدوية الإلهية.
والثالث: بالمركَّب من الأمرين.
ونحن نذكر الأنواع الثلاثةَ من هَدْيه صلى الله عليه وسلم، فنبدأ بذكر الأدوية الطبيعية التى وصفها واستعملها، ثم نذكر الأدوية الإلهية، ثم المركَّبة.
وهذا إنما نُشير إليه إشارة، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بُعِثَ هادياً، وداعياً إلى الله، وإلى جنَّته، ومعرِّفاً بالله، ومبيِّناً للأُمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها، ومواقِعَ سَخَطِه وناهياً لهم عنها، ومُخْبِرَهم أخبارَ الأنبياء والرُّسُل وأحوالهم مع أُممهم، وأخبار تخليق العالَم، وأمر المبدأ والمعاد، وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها، وأسباب ذلك.
وأما طبُّ الأبدان.. فجاء من تكميل شريعته، ومقصوداً لغيره، بحيث إنما يُستعمل



ص -48- عند الحاجة إليه، فإذا قدر على الاستغناء عنه، كان صرْفُ الهممِ والقُوَى إلى علاج القلوب والأرواح، وحفظِ صحتها، ودَفْعِ أسقامِها، وحِمايتها مما يُفسِدُها هو المقصودُ بالقصد الأول، وإصلاحُ البدن بدون إصلاح القلب لا ينفع، وفسادُ البدن مع إصلاح القلب مَضَرَّتُه يسيرة جداً، وهى مَضَرَّةٌ زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة.. وبالله التوفيق.



فصل: فى هَدْيه فى علاج الحُمَّى

ص -49- ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية
فصل: فى هَدْيه فى علاج الحُمَّى
ثبت فى "الصحيحين": عن نافع، عن ابن عمرَ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّمَا الحُمَّى أو شِدَّةُ الحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهنمَ، فَأبْرِدُوُهَا بِالْمَاءِ".
وقد أشكل هذا الحديثُ على كثير من جهلة الأطباء، ورأوه منافياً لدواء الحُمَّى وعلاجِها، ونحن نُبيِّنُ بحَوْل الله وقوته وجهَه وفقهه فنقول:
خطابُ النبى صلى الله عليه وسلم نوعان: عامٌ لأهل الأرض، وخاصٌ ببعضهم، فالأول: كعامة خطابه، والثانى: كقوله: "لاَ تَسْتَقْبلُوا القِبلَةَ بغائطٍ ولاَ بَولٍ، ولاَ تَسْتَدْبِروهَا، ولكنْ شرِّقوا، أوْ غَرِّبُوا". فهذا ليس بخطاب لأهل
المشرق والمغرب ولا العراق، ولكن لأهل المدينة وما على سَمْتِها، كالشام وغيرها. وكذلك قوله: "مَا بينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قبلَةٌ".
وإذا عُرف هذا، فخطابُه فى هذا الحديث خاصٌ بأهل الحجاز، وما والاهم، إذ كان أكثرُ الحُمَّياتِ التى تَعرض لهم من نوع الحُمَّى اليومية العَرَضية الحادثةِ عن شدة حرارة الشمس، وهذه ينفعُها الماء البارد شُرباً واغتسالاً، فإن الحُمَّى حرارةٌ غريبة تشتعل فى القلب، وتنبثُّ منه بتوسط الروح والدم فى الشرايين والعروق إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية.
وهى تنقسم إلى قسمين:
عَرَضية: وهى الحادثةُ إما عن الورم، أو الحركة، أو إصابةِ حرارة الشمس، أو القَيْظ الشديد... ونحو ذلك.
ومرضية: وهى ثلاثةُ أنواع، وهى لا



ص -50- تكون إلا فى مادة أُولى، ثم منها يسخن جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حُمَّى يوم، لأنها فى الغالب تزول فى يوم، ونهايتُها ثلاثة أيام، وإن كان مبدأُ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية، وهى أربعة أصناف: صفراوية، وسوداوية، وبلغمية، ودموية. وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت حُمَّى دِق، وتحت هذه الأنواع أصنافٌ كثيرة.
وقد ينتفع البدن بالحُمَّى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء، وكثيراً ما يكون حُمَّى يوم وحُمَّى العفن سبباً لإنضاج موادَّ غليظة لم تكن تنضِجُ بدونها، وسبباً لتفتح سُدَدٍ لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة.
وأما الرَّمدُ الحديثُ والمتقادمُ، فإنها تُبرئ أكثَر أنواعه بُرءًا عجيباً سريعاً، وتنفع من الفالج، واللَّقْوَة، والتشنج الامتلائى، وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة.
وقال لى بعض فضلاء الأطباء: إنَّ كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحُمَّى، كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحُمَّى فيه أنفَع من شرب الدواء بكثير، فإنها تُنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضُرُّ بالبدن، فإذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئةً للخروج بنضاجها، فأخرجها، فكانت سبباً للشفاء.
وإذا عُرِفَ هذا، فيجوز أن يكون مرادُ الحديثِ من أقسام الحُمَّيات العرضية، فإنها تسكن على المكان بالانغماس فى الماء البارد، وسقى الماء البارد المثلوج، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر، فإنها مجردُ كيفية حارة متعلقة بالرَّوح، فيكفى فى زوالها مجردُ وصول كيفية باردة تُسكنها، وتُخمد لهبها من غير حاجة إلى استفراغ مادة، أو انتظار نضج.
ويجوز أن يُراد به جميعُ أنواع الحُمَّيات، وقد اعترف فاضل الأطباء "جالينوس": بأنَّ الماء البارد ينفع فيها، قال فى المقالة العاشرة من كتاب "حيلة البرء": "ولو أنَّ رجلاً شاباً حسنَ اللَّحم، خِصَب البدن فى



ص -51- وقت القَيْظ، وفى وقت منتهى الحُمَّى، وليس فى أحشائه ورم، استحمَّ بماءٍ بارد، أو سبح فيه، لانتفع بذلك". وقال: "ونحن نأمر بذلك بلا توقف".
وقال الرازىُّ فى كتابه الكبير: "إذا كانت القوة قوية، والحُمَّى حادة جداً، والنضجُ بَيِّنٌ ولا وَرَمَ فى الجوف، ولا فَتْقَ، ينفع الماء البارد شرباً، وإن كان العليل خِصَب البدن والزمان حارٌ، وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج، فليؤذَنْ فيه".
وقوله: "الحُمَّى مِن فَيْحِ جهنَم"، هو شدة لهبها، وانتشارُها، ونظيرُه قوله: "شِدَّةُ الحرِّ مِن فَيْحِ جَهنمَ"، وفيه وجهان.
أحدهما: أنَّ ذلك أَنموذَجٌ ورقيقةٌ اشتُقَتْ من جهنم ليستدلَّ بها العبادُ عليها، ويعتبروا بها، ثم إنَّ الله سبحانه قدَّر ظهورها بأسبابٍ تقتضيها، كما أنَّ الروحَ والفرح والسرور واللَّذة من نعيم الجنَّة أظهرها الله فى هذه الدار عِبرةً ودلالةً، وقدَّر ظهورَها بأسباب توجبها.
والثانى: أن يكون المراد التشبيه، فشَبَّه شدة الحُمَّى ولهبها بفَيْح جهنم وشبَّه شدة الحر به أيضاً تنبيهاً للنفوس على شدة عذاب النار، وأنَّ هذه الحرارة العظيمة مشبهةٌ بفَيْحها، وهو ما يصيب مَن قَرُب منها من حَرِّها.
وقوله: "فَابْرِدُوُها"، رُوى بوجهين: بقطع الهمزة وفتحها، رُباعىّ: من "أبْرَدَ الشىءَ": إذا صَيَّرَه بارداً، مثل "أَسْخَنَه": إذا صيَّره سخناً.
والثانى: بهمزة الوصل مضمومةً من "بَرَدَ الشىءَ يَبْرُدُه"، وهو أفصحُ
لغةً واستعمالاً، والرباعى لغةٌ رديئة عندهم، قال:

إذا وَجدْتُ لَهِيبَ الْحُبِّ فى كَبِدِى أقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ القَوْمِ أَبْتَرِدُ

هَبْنِى بَرَدْتُ بِبَرْدِ الْمَاءِ ظَاهِرَهُ فَمَنْ لِنَارٍ عَلَى الأحْشَاءِ تَتَّقِدُ

وقوله: "بالماء" فيه قولان، أحدهما: أنه كل ماء، وهو الصحيح.
والثانى: أنه ماء زمزمَ، واحتج أصحابُ هذا القول بما رواه البخارىُّ فى "صحيحه"، عن أبى جَمْرَةَ نَصْرِ بن عمرانَ الضُّبَعىِّ قال: كُنْتُ أُجَالِسُ ابن عباسٍ بمكةَ، فأخَذَتْنى الْحُمَّى فقال: أبردها عنك بماءِ زمزمَ، فإنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الحُمَّى من




 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس