عرض مشاركة واحدة
قديم 15 Mar 2010, 04:41 AM   #9
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الوجه الرابع: أن التأويل ليس مذموماً كله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل"[42]، وقال الله تعالى: ) وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم) [آل عمران: 7]، فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل.
والتأويل ليس كله مذموما ، لأن التأويل له معان متعددة ، يكون بمعنى التفسير ويكون بمعنى العاقبة والمال، ويكون بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره.
(أ) يكون بمعنى التفسير، كثير من المفسرين عندما يفسرون الآية، يقولون: تأويل قوله تعالى كذا وكذا. ثم يذكرون المعنى وسمي التفسير تأويلاً، لأننا أولنا الكلام، أي: جعلناه يؤول إلى معناه المراد به.
(ب) تأويل بمعنى: عاقبة الشيء، وهذا إن ورد في طلب، فتأويله فعله إن كان أمراً وتركه إن كان نهياً، وإن ورد في خبر، فتأويله وقوعه.
مثاله في الخبر قوله تعالى )هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]، فالمعنى: ما ينتظر هؤلاء إلا عاقبة ومال ما أخبروا به، يوم يأتي ذلك المخبر به، يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت رسل ربنا بالحق.
ومنه قول يوسف لما خر له أبواه وأخوته سجداً قال: ) هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْل) [يوسف: 100]: هذا وقوع رؤياي، لأنه قال ذلك بعد أن سجدوا له.
ومثاله في الطلب قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده بعد أن أنزل عليه قوله تعالى: )إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر: 1]، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن[43]. أي: يعمل به.
(جـ) المعنى الثالث للتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وهذا النوع ينقسم إلى محمود ومذموم، فإن دل عليه دليل، فهو محمود النوع ويكون من القسم الأول، وهو التفسير، وإن لم يدل عليه دليل، فهو مذموم، ويكون من باب باب التحريف، وليس من باب التأويل.
وهذا الثاني هو الذي درج عليه أهل التحريف في صفات الله عز وجل.
مثاله قوله تعالى: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5]: ظاهر اللفظ أن الله تعالى استوى على العرش: استقر عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائل: معنى ( اسْتَوَى): استولى على العرش، فنقول: هذا تأويل عندك لأنك صرفت اللفظ عن ظاهره، لكن هذا تحريف في الحقيقة، لأنه ما دل عليه دليل، بل الدليل على خلافه، كما سيأتي إن شاء الله.
فأما قوله تعالى )أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوه) [النحل: 1]، فمعنى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ(، أي سيأتي أمر الله، فهذا مخالف لظاهر اللفظ لكن عليه دليل وهو قوله: (فَلا تَسْتَعْجِلُوه(.
وكذلك قوله تعالى: )فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل: 98]، أي: إذا أردت أن تقرأ، وليس المعنى: إذا أكملت القراءة، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأننا علمنا من السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أرد أن يقرأ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، لا إذا أكمل القراءة، فالتأويل صحيح.
وكذلك قول أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء، قال: "أعوذ بالله من الخبث والخبائث"[44]، فمعنى "إذا دخل": إذاً أراد أن يدخل، لأن ذكر الله لا يليق داخل هذا المكان، فلهذا حملنا قوله "إذا دخل" على: إذ أراد أن يدخل: هذا التأويل الذي دل عليه صحيح، ولا يعدو أن يكون تفسيراً.
ولذلك قلنا: إن التعبير بالتحريف عن التأويل الذي ليس عليه دليل صحيح أولى، لأنه الذي جاء به القرآن، ولأنه ألصق بطريق المحرف، ولأنه أشد تنفيراً عن هذه الطريقة المخالفة لطريق السلف، ولأن التحريف كله مذموم، بخلاف التأويل، فإن منه ما يكون مذموماً ومحموداً، فيكون التعبير بالتحريف أولى من التعبير بالتأويل من أربعة أوجه.
ولا تعطيل(1).......................................... ...............................................
(1) التعطيل بمعنى التخلية والترك، كقوله تعالى: ) وَبِئْرٍ مُعَطَّلَة) [الحج: 45]، أي: مخلاة متروكة.
والمراد بالتعطيل: إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان كلياً أو جزئياً، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلاً.
فأهل السنة والجماعة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله، أو أي صفة من صفات الله ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقراراً كاملاً.
فإن قلت: ما الفرق بين التعطيل والتحريف؟
قلنا: التحريف في الدليل والتعطيل في المدلول، فمثلاً:
إذا قال قائل: معنى قوله تعالى ) بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان) [المائدة: 64]، أي بل قوتاه هذا محرف للدليل، ومعطل للمراد الصحيح، لأن المراد اليد الحقيقية، فقد عطل المعنى المراد، وأثبت معنى غير المراد. وإذا قال: بل يداه مبسوطتان، لا أدري! أفوض الأمر إلى الله، لا أثبت اليد الحقيقية، ولا اليد المحرف إليها اللفظ. نقول: هذا معطل، وليس بمحرف، لأنه لم يغير معنى اللفظ، ولم يفسره بغير مراده، لكن عطل معناه الذي يراد به، وهو إثبات اليد لله عز وجل.
أهل السنة والجماعة يتبرءون من الطريقتين: الطريقة الأولى: التي هي تحريف اللفظ بتعطيل معناه الحقيقي المراد إلى معنى غير مراد. والطريقة الثانية: وهي طريقة أهل التفويض، فهم لا يفوضون المعنى كما يقول المفوضة بل يقولون: نحن نقول: ( بَلْ يَدَاهُ)، أي: يداه الحقيقيتان ( مَبْسُوطَتَان)، وهما غير القوة والنعمة.
فعقيدة أهل السنة والجماعة بريئة من التحريف ومن التعطيل.
وبهذا تعرف ضلال أو كذب من قالوا: إن طريقة السلف هي التفويض، هؤلاء ضلوا إن قالوا ذلك عن جهل بطريقة السلف، وكذبوا إن قالوا ذلك عن عمد، أو نقول: كذبوا على الوجهين على لغة الحجاز، لأن الكذب عند الحجازيين بمعنى الخطأ.
وعلى كل حال، لا شك أن الذين يقولون: إن مذهب أهل السنة هو التفويض، أنهم أخطئوا، لأن مذهب أهل السنة هو إثبات المعنى وتفويض الكيفية.
وليعلم أن القول بالتفويض ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ من شر أقوال أهل البدع والإلحاد!
عندما يسمع الإنسان التفويض، يقول: هذا جيد، أسلم من هؤلاء وهؤلاء، لا أقول بمذهب السلف، ولا أقول بمذهب أهل التأويل، أسلك سبيلاً وسطاً وأسلم من هذا كله، وأقول: الله أعلم ولا ندري ما معناها. لكن يقول شيخ الإسلام: هذا من شر أقوال أهل البدع والإلحاد‍‍‌‍.
وصدق رحمه الله. وإذا تأملته وجدته تكذيباً للقرآن وتجهيلاً للرسول صلى الله عليه وسلم واستطالة للفلاسفة.
تكذيب للقرآن، لأن الله يقول: ) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) [النحل: 89]، وأي بيان في كلمات لا يدرى ما معناها؟‍ وهي من أكثر ما يرد في القرآن، وأكثر ما ورد في القرآن أسماء الله وصفاته، إذا كنا لا ندري ما معناها، هل يكون القرآن تبياناً لكل شيء؟‌‍ أين البيان؟
إن هؤلاء يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري عن معاني القرآن فيما يتعلق بالأسماء والصفات وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري، فغيره من باب أولى.
وأعجب من ذلك يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم في صفات الله، ولا يدري ما معناه يقول: "ربنا الله الذي في السماء"[45]، وإذا سئل عن هذا؟ قال: لا أدري وكذلك في قوله: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"[46] وإذا سئل ما معنى "ينزل ربنا"؟ قال: لا أدري.... وعلى هذا، فقس.
وهل هناك قدح أعظم من هذا القدح بالرسول صلى الله عليه وسلم بل هذا من أكبر القدح رسول من عند الله ليبين للناس وهو لا يدري ما معنى آيات الصفات وأحاديثها وهو يتكلم بالكلام ولا يدري معنى ذلك كله.
فهذان وجهان: تكذيب بالقرآن وتجهيل الرسول.
وفيه فتح الباب للزنادقة الذين تطاولوا على أهل التفويض، وقال: أنتم لا تعرفون شيئاً، بل نحن الذين نعرف، وأخذوا يفسرون القرآن بغير ما أراد الله، وقالوا: كوننا نثبت معاني للنصوص خير من كوننا أميين لا نعرف شيئاً وذهبوا يتكلمون بما يريدون من معنى كلام الله وصفاته!! ولا يستطيع أهل التفويض أن يردوا عليهم، لأنهم يقولون: نحن لا نعلم ماذا أراد الله، فجائز أن يكون الذي يريد الله هو ما قلتم! ففتحوا باب شرور عظيمة، ولهذا جاءت العبارة الكاذبة: "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"!.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "هذه قالها بعض الأغبياء" وهو صحيح، أن القائل غبي.
هذه الكلمة من أكذب ما يكون نطقاً ومدلولاً، "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"، كيف تكون أعلم وأحكم وتلك أسلم؟! لا يوجد سلامة بدون علم وحكمة أبداً! فالذي لا يدري عن الطريق، لا يسلم، لأنه ليس معه علم، لو كان معه علم وحكمة، لسلم، فلا سلامة إلا بعلم وحكمة.
إذا قلت: إن طريقة السلف أسلم، لزم أن تقول: هي أعلم وأحكم وإلا لكنت متناقصاً.
إذاً، فالعبارة الصحيحة: "طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم"، وهذا معلوم.
وطريقة الخلف ما قاله القائل:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أرد إلا واضعا كف حائر على ذقـن أو قارعاً سـن نادم
هذه الطريقة التي يقول عنها: إنه ما وجد إلا واضعاً كف حائر على ذقن. وهذا ليس عنده علم، أو آخر: قارعاً سن نادم لأنه لم يسلك طريق السلامة أبداً.
والرازي وهو من كبرائهم يقول:
نهايــة إقدام العقـول عقـال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانــا أذى ووبـال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ثم يقول: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5] ) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب)(فاطر: 10) ،وأقرأ في النفي) وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما) [طه: 110]، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي" أهؤلاء نقول: إن طريقتهم أعلم وأحكم؟!
الذي يقول: "إني أتمنى أن أموت على عقيدة عجائز نيسابور" والعجائز من عوام الناس، يتمنى أن يعود إلى الأميات! هل يقال: إنه أعلم وأحكم؟!
أين العلم الذي عندهم؟!
فتبين أن طريقة التفويض طريق خاطئ، لأنه يتضمن ثلاث مفاسد: تكذيب القرآن، وتجهيل الرسول، واستطالة الفلاسفة! وأن الذين قالوا: إن طريقة السلف هي التفويض كذبوا على السلف! ، بل هم يثبتون اللفظ والمعنى ويقررونه، ويشرحونه بأوفى شرح.
أهل السنة والجماعة لا يحرفون ولا يعطلون، ويقولون بمعنى النصوص كما أراد الله: ) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) [الأعراف: 54]، بمعنى: علا عليه وليس معناه: استولى. ]بيده[: يد حقيقية وليست القوة ولا نعمة، فلا تحريف عندهم ولا تعطيل.
ومن غير تكييف(1).......................................... ........................
(1) "تكييف": لم ترد في الكتاب والسنة، لكن ورد ما يدل على النهي عنها.
التكييف: هو أن تذكر كيفية الصفة، ولهذا تقول: كيَّف يكِّف تكييفاً، أي ذكر كيفية الصفة.
التكييف يسأل عنه بـ(كيف)، فإذا قلت مثلاً: كيف جاء زيدا؟ تقول: راكباً. إذاً: كيفت مجيئه. كيف لون السيارة؟ أبيض. فذكرت اللون.
أهل السنة والجماعة لا يكيفون صفات الله، مستندين في ذلك إلى الدليل السمعي والدليل العقلي:
أما الدليل السمعي، فمثل قوله تعالى: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]، والشاهد في قوله ] وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[.
فإذا جاء رجل وقال: إن الله استوى على العرش، على هذه الكيفية ووصف كيفية معينة: نقول: هذا قد قال على الله مالا يعلم! هل أخبرك الله بأنه استوى على هذه الكيفية؟! لا، أخبرنا الله بأنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى. فنقول: هذا تكييف وقول على الله بغير علم.
ولهذا قال بعض السلف إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء، فكيف ينزل؟ فقل: إن الله أخبرنا أنه ينزل، ولم يخبرنا كيف ينزل. وهذه قاعدة مفيدة.
دليل آخر من السمع: قال تعالى: )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]: لا تتبع ما ليس لك به علم، ] إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[ [الإسراء: 36].
وأما الدليل العقلي، فكيفية الشيء لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة: مشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو خبر الصادق عنه أي: إما أن تكون شاهدته أنت وعرفت كيفيته. أو شاهدت نظيره، كما لو قال واحد: إن فلاناً اشترى سيارة داتسون موديل ثمان وثمانين رقم ألفين. فتعرف كيفيتها، لأن عندك مثلها أو خبر صادق عنه، أتاك رجل صادق وقال: إن سيارة فلان صفتها كذا وكذا.. ووصفها تماماً، فتدرك الكيفية الآن.
ولهذا أيضاً قال بعض العلماء جواباً لطيفاً: إن معنى قولنا: "بدون تكييف": ليس معناه ألا نعتقد لها كيفية، بل نعتقد لها كيفية لكن المنفى علمنا بالكيفية لأن استواء الله على العرش لا شك أن له كيفية، لكن لا تعلم، نزوله إلى السماء الدنيا له كيفية، لكن لا تعلم، لأن ما من موجود إلا وله كيفية، لكنها قد تكون معلومة، وقد تكون مجهولة.
سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5): كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه العرق، ثم رفع رأسه وقال: "الاستواء غير مجهول"، أي: من حيث المعنى معلوم، لأن اللغة العربية بين أيدينا، كل المواضع التي وردت فيها (اسْتَوَى) معداة بـ(على) معناها العلو فقال: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول" لأن العقل لا يدرك الكيف، فإذا انتفى الدليل السمعي والعقلي عن الكيفية، وجب الكف عنها، "والإيمان به واجب"، لأن الله أخبر به عنه نفسه، فوجب تصديقه، "والسؤال عن بدعة"[47]: السؤال عن الكيفية بدعة، لأن من هم أحرص منا على العلم ما سألوا عنها وهم الصحابة لما قال الله: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) [الأعراف: 54]، عرفوا عظمة الله عز وجل، ومعنى الاستواء على العرش، وأنه لا يمكن أن تسأل: كيف استوى؟ لأنك لن تدرك ذلك فنحن إذا سئلنا، فنقول: هذا السؤال بدعة.
وكلام مالك رحمه الله ميزان لجميع الصفات، فإن قيل لك مثلاً: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا، كيف ينزل؟ فالنزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عن بدعة والذين يسألون: كيف يمكن النزول وثلث الليل يتنقل؟! فنقول: السؤال هذا بدعة كيف تسأل عن شيء ما سأل عنه الصحابة وهم أحرص منك على الخير وعلى العلم بما يجب لله عز وجل، ولسنا بأعلم من الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو لم يعلمهم. فسؤالك هذا بدعة، ولولا أننا نحسن الظن بك، لقلنا ما يليق بك بأنك رجل مبتدع.
والإمام مالك رحمه الله قال: "ما أراك إلا مبتدعاً" ثم أمر به فأخرج، لأن السلف يكرهون أهل البدع وكلامهم واعتراضاتهم وتقديراتهم ومجادلاتهم.
فأنت يا أخي عليك في هذا الباب بالتسليم، فمن تمام الإسلام لله عز وجل ألا تبحث في هذه الأمور، ولهذا أحذركم دائماً من البحث فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته على سبيل التعنت والتنطع والشيء الذي ما سأل الصحابة عنه، لأننا إذا فتحنا على أنفسنا هذه الأبواب، انفتحت علينا الأبواب، وتهدمت الأسوار، وعجزنا عن ضبط أنفسنا، فلذلك قل: سمعنا وأطعنا وآمنا وصدقنا، آمنا وصدقنا بالخبر وأطعنا الطلب وسمعنا القول، حتى تسلم!
وأي إنسان يسأل فيما يتعلق بصفات الله عن شيء ما سأل عنه الصحابة، فقل كما قال الإمام مالك، فإن لك سلفاً: السؤال عن هذا بدعة. وإذا قلت ذلك، لن يلح عليك، وإذا ألح، فقل: يا مبتدع! السؤال عنه بدعة، اسأل عن الأحكام التي أنت مكلف بها، أما أن تسأل عن شيء يتعلق بالرب عز وجل وبأسمائه وصفاته، ولم يسأل عنه الصحابة، فهذا لا نقبله منك أبداً!



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس