#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر 1
شبهة وجوابها قال الله سبحانه وتعالى: هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والرّاسخون في العلم يقولون ءامنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلاّ أولو الألباب (1). وقال البخاري رحمه الله (ج8 ص209): حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الآية: هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلا أولو الألباب قالت: قال رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم)). هذه الشبهة أن بعض المعاصرين ممن جمع بين بدعة الخوارج وبدعة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ (1) سورة آل عمران، الآية: 7. المعتزلة، سمعته يستدل على دفع حديث السحر بقول الله عز وجل: إذ يقول الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا (1). وقوله تعالى: وقال الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا (2). قال: فلو قلنا بصحة الحديث لوافقنا المشركين في هذه الدعوى. قال أبوعبد الرحمن: وليست هذه بأول انْهزامية للمعاصرين أمام أهل الباطل، وما أكثر المعجزات التي أنكروها، لأن عقول أعداء الإسلام لا تتقبّلها، وما أكثر الأحكام التي حرّفوها أو ردوها، لأنّها لا تتمشى مع ما عليه المجتمع، وما أوتي هذا القائل المسكين إلا من قبل نفسه، إذ قد نبذ المسكين كلام الصحابة، وكلام أهل التفسير، وكلام الفقهاء، وكلام المحدثين، وزعم أنه يعتمد على نفسه وهو جاهل باللغة العربية وبغيرها من الوسائل، ولسنا ندعوه إلى تقليد هؤلاء الأئمة رحمهم الله، ولكن إلى الاستفادة من فهمهم، وإلا فالتقليد في الدين محرم، وقد ذكرت جملة من الأدلة في كتابي المخرج من الفتنة وأنا ذاكر لك كلام بعض المفسرين حول هذه الآية: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله (ج3 ص310) في الكلام على قول الله عز وجل: وقال الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا قال الله تعالى: انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا أي: جاءوا بما يقذفونك به، ويكذبون به عليك من قولهم: ساحر، مسحور، مجنون، كذّاب، شاعر، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ (1) سورة الإسراء، الآية: 47. (2) سورة الفرقان، الآية: 8. وكلها أقوال باطلة كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك. اهـ المراد منه. والحافظ ابن كثير هو الذي ذكر حديث السحر في تفسير سورة الفلق محتجًا به رحمه الله. وقال الشوكاني رحمه الله (ج4 ص63): أي ما تتبعون إلا رجلاً مغلوبًا على عقله بالسحر، وقيل: ذا سحر، وهي الرئة، أي بشر له رئة لا ملك. اهـ والشوكاني هو الذي ذكر حديث السحر في تفسير سورة الفلق، لعلم هذين المفسريْن رحمهما الله بأنه لا تعارض بين الحديث وبين الآيتين، لأن الحديث يحمل على ما وجّهه الإمام القاضي عياض والحافظ ابن حجر وغيرهما من علماء الإسلام، والحديث قد تلقّاه علماء الإسلام بالقبول، فقد اتفق على إخراجه البخاري ومسلم، وما اتفقا عليه فهو أعلى مرتبة في الصحة كما في كتب المصطلح، ثم لم ينتقده الدارقطني ولا أبومسعود الدمشقي، ولا أبوعلي الجياني، ولا أبومحمد بن حزم، ممن تصدى لنقد بعض الأحاديث المعلة التي في الصحيحين، ولسنا نتوقع من علماء الكلام وغيرهم من ذوي الزيغ أن يعظموا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل دأبهم التنفير عنها وتلقيب حملتها بالألقاب المنفّرة، وقد ذكر ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" الشيء الكثير من سخريّتهم بأهل السنة، ولكن أبى الله إلاّ أن ينصر أهل السنة، ويذلّ أهل البدعة والحمد لله. وهذا الحديث الصحيح يهدم على المبتدعة عقيدتهم أن السحر ليس بحقيقة ولكنه تخيّل، فلذلك هم يحاولون التشكيك فيه وفي غيره من السنن التي تخالف أهواءهم فباءوا بالخزي، وتمت كلمة ربك هي العليا، وصدق الله إذ يقول: إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون (1). واحتج بعضهم بقوله: والله يعصمك من النّاس (2). وهذا شأن من لا يرجع إلى كتب التفسير، ولا يدري المتقدم من المتأخر فهذه الآية من آخر ما أنزل، كما ذكره الحافظ ابن كثير فقد سحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكسرت رباعيته وشج رأسه قبل نزولها، ثم إن المراد: يعصمك من القتل والأسر والتلف، وإلا فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأبي وأمي بشر يجري عليه ما يجري على البشر، قال الله سبحانه وتعالى: قل إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد (3). قال البخاري رحمه الله (ج12 ص339): حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن هشام عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّما أنا بشر، وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئًا فلا يأخذه فإنّما أقطع له قطعةً من النّار)). وقال البخاري رحمه الله (ج1 ص503): حدثنا عثمان قال حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله: صلّى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم -قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص- فلمّا سلّم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصّلاة شيء؟ قال: ((وما ذاك)) قالوا: صلّيت كذا وكذا، فثنى رجليه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ (1) سورة الحجر، الآية: 9. (2) سورة المائدة، الآية: 67. (3) سورة الكهف، الآية: 110. واستقبل القبلة وسجد سجدتين، ثمّ سلّم فلمّا أقبل علينا بوجهه قال: ((إنّه لو حدث في الصّلاة شيء لنبّأتكم به، ولكن إنّما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكّروني، وإذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب فليتمّ عليه، ثمّ ليسلّم ثمّ يسجد سجدتين)). فنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر، يجري عليه ما يجري على البشر، كسرت رباعيته وشج رأسه. قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص372): حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((اشتدّ غضب الله على قوم فعلوا بنبيّه -يشير إلى رباعيته- اشتدّ غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله)). حدثني مخلد بن مالك حدثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((اشتدّ غضب الله على من قتله النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سبيل الله، اشتدّ غضب الله على قوم دمّوا وجه نبيّ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)). حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أما والله إنّي لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن كان يسكب الماء وبما دووي، قال: كانت فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تغسله، وعليّ يسكب الماء بالمجنّ، فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدّم إلا كثرةً أخذت قطعةً من حصير فأحرقتها وألصقتها، فاستمسك الدّم، وكسرت رباعيته يومئذ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة على رأسه. حدثني عمرو بن علي حدثنا أبوعاصم حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: اشتدّ غضب الله على من قتله نبيّ اشتدّ غضب الله على من دمّى وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الإمام النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" (ج12 ص148): وفى هذا وقوع الانتقام والابتلاء بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، لينالوا جزيل الأجر، ولتعرف أممهم وغيرهم ماأصابهم ويتأسوا بهم، قال القاضي: وليعلم أنّهم من البشر تصيبهم محن الدنيا، ويطرأ على أجسامهم ما يطرأ على أجسام البشر، ليتيقّنوا أنّهم مخلوقون مربوبون، ولا يفتتن بما ظهر على أيديهم من المعجزات وتلبيس الشيطان من أمرهم، ما لبّسه على النصارى. اهـ. وردّهم السنة التي لا يدل عليها القرآن في فهمهم السقيم، علم من أعلام النبوة، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه)). رواه أبوداود من حديث المقدام بن معدي كرب، وفيه عبد الرحمن بن أبي عوف، وهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات، وقد تابعه الحسن بن جابر، كما عند الترمذي، وهو مستور الحال، فالحديث حسن لغيره، وله شاهد من حديث أبي رافع عند أبي داود، وقد ذكرتهما بسنديهما في "الصحيح المسند من دلائل النبوة". الطاعنون في الحديث قدح الجصاص في حديث السحر: قال (ج1 ص49) (1): وقد أجازوا من فعل الساحر ما هو أطم من هذا وأفظع، وذلك أنّهم زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سحر، وأن السحر عمل فيه حتى قال فيه: ((إنّه يتخيّل لي أني أقول الشّيء وأفعله، ولم أقلْه ولم أفعلْه)) وإن امرأةً يهوديةً سحرته في جف طلعة ومشط ومشاقة، حتى أتاه جبريل عليه السلام فأخبره أنّها سحرته في جف طلعة، وهو تحت راعوفة البئر فاستخرج، وزال عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك العارض، وقد قال الله تعالى وهو مكذبًا للكفار فيما ادعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال جل من قائل: وقال الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبًا بالحشو الطغام واستجرارًا لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام والقدح فيها، وأنه لا فرق بين معجزات الأنبياء وفعل السحرة، وأن جميعه من نوع واحد، والعجب ممن يجمع بين تصديق الأنبياء عليهم السلام، وإثبات معجزاتهم وبين التصديق بمثل هذا من فعل السحرة مع قوله تعالى: ولا يفلح السّاحر حيث أتى فصدّق هؤلاء من كذّبه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ (1) من كتابه "أحكام القرآن". الله، وأخبر ببطلان دعواه وانتحاله، وجائز أن تكون المرأة اليهودية بجهلها فعلت ذلك، ظنًا منها بأن ذلك يعمل في الأجساد وقصدت به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأطلع الله نبيه على موضع سرها، وأظهر جهلها فيما ارتكبت وظنت، ليكون ذلك من دلائل نبوته، لا أن ذلك ضرّه وخلط عليه أمره، ولم يقل كل الرواة إنه اختلط عليه أمره، وإنما هذا اللفظ زيد في الحديث ولا أصل له. اهـ طعن محمد عبده ومحمد رشيد رضا: قال الأخ فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي في كتابه "منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير" ص (346 - 351): ومن هذا ما ورد في "صحيح البخاري" و"مسلم" عن عائشة رضى الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل من بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم، حتّى كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخيّل إليه أنّه يفعل الشّيء وما فعله، حتّى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي، لكنّه دعا ودعا، ثمّ قال: ((يا عائشة أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليّ، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أيّ شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجفّ طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان)) فأتاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: ((يا عائشة كأنّ ماءها نقاعة الحنّاء، أو كأنّ رءوس نخلها رءوس الشّياطين)) قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: ((قد عافاني الله، فكرهت أن أثوّر على النّاس فيه شرًّا)) فأمر بها فدفنت. رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري. قال ابن القيم رحمه الله تعالى عن هذا الحديث: (ثابت عند أهل العلم بالحديث، لا يختلفون في صحته، وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيحه، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة، والقصة مشهورة عند أهل التفسير، والسنن، والحديث، والتاريخ، والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله وأيامه من المتكلمين). وقال الأستاذ عبد القادر الأرنؤوط: ورواه أيضًا أحمد والنسائي وابن سعد والحاكم وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في "دلائل النبوة" وغيرهم. وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد": وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم متلقّى عندهم بالقبول. تلكم درجة ذلك الحديث، ولنسجل هنا في مقابلة هذا ما ذهب إليه الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسيره لقوله تعالى: ومن شرّ النّفّاثات في العقد حيث يقول: (وقد رووا هنا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سحره لبيد بن الأعصم، وأثّر سحره فيه حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله أو يأتي شيئًا وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك وأخرجت مواد السحر من بئر وعوفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما كان نزل به من ذلك ونزلت هذه السورة. ولا يخفى أن ثأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئًا وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل، آخذ بالروح، وهو مما يصدّق قول المشركين فيه: إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا. وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله، وخيّل له أن شيئًا يقع وهو لا يقع، فيخيّل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه. وقد كان كثير من المقلّدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة وما يجب لها أن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح، فيلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر، وقد جاء القرآن بصحة السحر. فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح، والحق الصريح في نظر المقلّد بدعة، نعوذ بالله، يحتج على ثبوت السحر، ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعدّه من افتراء المشركين عليه، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك، مع أن الذي قصده المشركون ظاهر لأنّهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد، فإنه قد خالط عقله وإدراكه في زعمهم. والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به، وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته، وعدم الاعتقاد بما ينفيه، وقد جاء بنفي السحر عنه عليه السلام، حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه، ووبّخهم على زعمهم هذا، فإذن هو ليس بمسحور قطعًا. وأما الحديث على فرض صحته، فهو آحاد والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد، وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون. على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد، إنما يحصل الظن عند من صح عنده، أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة، وعلى أي حال فلنا بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث، ولا نحكمه في عقيدتنا ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل). ثم قال: (على أن نافي السحر بالمرة لا يجوز أن يعد مبتدعًا، لأن الله تعالى ذكر ما يعتقد به المؤمنون في قوله: آمن الرّسول وفي غيرها من الآيات ووردت الأوامر بما يجب على المسلم أن يؤمن به حتى يكون مسلمًا، ولم يأت في شيء من ذلك ذكر السحر، على أنه مما يجب الإيمان بثبوته، أو وقوعه على الوجه الذي يعتقد به الوثنيون في كل ملة، بل الذي ورد في الصحيح هو أن تعلّم السحر كفر، فقد طلب منا أن لا ننظر بالمرة فيما يعرف عند الناس بالسحر ويسمى باسمه). وماذا نقول بعد هذا في موقف الأستاذ الإمام، هل يكفي وصف تلميذه لسيد رشيد رضا له: (بأنه كان مقصّرًا في علوم الحديث من حيث الرواية والحفظ والجرح والتعديل؟) لا، لا يكفي ذلك، بل قد تجاوزه الإمام محمد عبده فحتى المقصرين في علوم الحديث يدركون أنه ليس من حقهم الخوض في الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، حتى يدركوا أصول ذلك، فكيف برد ما رواه البخاري ومسلم. ثم لنستمع إلى رأي الشيخ رشيد رضا في هذا مدافعًا عن أستاذه وملتمسًا مخرجًا آخر له ولرجال المدرسة كافة، حيث قال بعد سياقه ابحث في الكتاب: اضغط للبحث عن الكلمة داخل الكتاب تحميل الكتاب الأولى السابقة التالية الأخيرة للحديث السابق: (فهذا الحديث صريح في أن المراد من السحر فيه خاص بمسألة مباشرة النساء، ولكن فهم أكثر العلماء أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم سحر سحرًا أثّر في عقله كما أثر في جسده، فأنكره بعضهم، وبالغوا في إنكاره وعدوه مطعنًا في النبوة ومنافيًا للعصمة، لقول عائشة: حتى إنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله. فعظمت هذه الرواية على علماء المعقول وعدوها مخالفة للقطعي في النقل، وهو ما حكاه الله تعالى عن المشركين من طعنهم فيه كعادة أمثالهم في رسلهم بقولهم: إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسْحورًا وتفنيده تعالى لهم بقوله: انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلاً ومخالفة للقطعي في العقل من عصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كل ما ينافي النبوة والثقة بها، إذ يدخل فى ذلك التخييل ما هو من التشريع، ومخالفة لعلم النفس الذي يعلم منه أن الأنفس السافلة الخبيثة لا تؤثر في الأنفس العالية الطاهرة، فأنكر صحة الرواية بعض العلماء وأقدم من عرفنا ذلك عنهم من المفسرين الفقهاء أبوبكر الجصاص في كتابه ... "أحكام القرآن" وآخرهم شيخنا الأستاذ الإمام في "تفسير جزء عم"، وقد أطال شيخنا في هذا وبالغ فيه). ثم قال بعد هذا: (وقد محصت هذه المسألة مرارًا آخرها في الرد على مجلة الأزهر "نور الإسلام" في زعمها المفتري أنني كذبت حديث البخاري في سحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبيّنت أن الحديث الصحيح في المسألة عن عائشة رضى الله عنها توهم عبارة بعض رواياته ما هو أعم من المعنى الخاص الذي أرادته منها، وهو مباشرة الزوجية بينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبينها فقولها: كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لم يفعله، كناية عن هذا الشيء الخاص لا عام في كل شيء ... وبينت أيضًا أن الرواية في أصح أسانيدها عند الشيخين عن هشام عن أبيه عن عائشة فيها علة من علل الحديث الخفية التي يشترط في صحة الحديث السلامة منها، وهى: أن بعض منكري الحديث أعلّوه بهشام هذا، وألّف بعضهم كتابًا خاصًا فيه محتجًا بقول بعض علماء الجرح والتعديل أنه كان في العراق يرسل عن أبيه عروة بن الزبير ما سمعه من غيره، وعروة هو راوية عائشة الثقة، وهى خالته وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، يعنى: هشامًا، وقد نقم منه حديثه لأهل العراق، وقال ابن القطان: تغيّر قبل موته، ولاشك أن تعديل الجماعة له ومنهم الشيخان، خاص بما رواه قبل تغيره، فهذا عذر من طعن في روايته لهذا الحديث الذي أنكروا متنه بما علمت، والأمر فيه أهون مما قالوا، فالتحقيق أنه خاص بمسألة الزوجية كما جاء في التصريح به في الرواية الثانية كما تقدم، ولا يعقد بغير هذا). اهـ ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر
ترجمة المؤلف: مقبل بن هادي الوادعي الناشر: دَارُ الآثَار للنشر وَالتوزيع، صَنعاء - اليمن الطبعة: الثانية، 1420 هـ - 1999 م
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ» الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - خلاصة حكم المحدث: صحيح فلاتحرمونا دعائكم
آخر تعديل ابن الورد يوم
29 Mar 2018 في 08:39 AM.
|
28 Mar 2018, 05:27 PM | #2 |
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **
|
رد: ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر 1
جزاك الله خير ..
|
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: 🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،، فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨ فهذا هو الخير ،،، 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87 🦋🍃 |
29 Mar 2018, 08:04 AM | #3 |
باحث جزاه الله تعالى خيرا
|
رد: ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر 1
جزاكِ الله خير شاكر مرورك
|
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ» الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - خلاصة حكم المحدث: صحيح فلاتحرمونا دعائكم |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|