النصـرانـية(تعريفها-نشأتها-مصادرها-عقيدتها-فرقها)
|
|
|
|
التمهيد:
1- تعريف النصرانية:-
النصرانية لغة: قيل إنها نسبة إلى الناصرة, وهي قرية المسيح عليه السلام, وتسمى هذه القرية ناصرة ونصورية, والنسبة إلى الديانة نصرانية, وجمعه نصارى.[1]
إصطلاحاً: هي دين النصارى, الذين يزعمون أنهم يتبعون المسيح عيسى عليه السلام,وكتابهم الإنجيل.
وقد أطلق على أتباع الديانة النصرانية في القرآن الكريم نصارى, وأهل الكتاب, وأهل الإنجيل, وهم يسمون أنفسهم بالمسيحيين نسبة إلى المسيح عليه السلام, ويسمون ديانتهم المسيحية.
ولم ترد التسمية بالمسيحية في القرآن الكريم ولافي السنة النبوية, كماأن المسيح حسب الإنجيل لم يسم أصحابه وأتباعه بالمسيحيين وهي تسمية لاتوافق واقع النصارى لتحريفهم دين المسيح عليه السلام.
فالحق والصواب أن يطلق عليهم نصارى, أو أهل الكتاب, لأن في نسبتهم للمسيح عليه السلام خطأ ظاهر, إذ يلزم من ذلك عزو ذلك الكفر والإنحراف إلى المسيح عليه السلام, وهو منه برئ.[2]
2- التعريف بالمسيح[3] عيسى عليه السلام في القرآن والأناجيل:
المسيح عيسى عليه السلام ابن مريم, رسول الله, وكلمته, وهو المبعوث حق بعد موسى عليه السلام, المبشر به في التوراة, وكانت له آيات ظاهرة, وبينات زاهرة, ودلائل باهرة مثل إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص, ونفس وجوده وفطرته آية كاملة على صدقه, وذلك حصوله على غير نطفة, ومن غيرتعليم سالف, وجميع الأنبياء بلاغ وحيهم أربعين سنة, وقدأوحى الله إليه بلاغاً عند الثلاثين وكانت مدة دعوته ثلاثة سنين,وثلاثة أشهر.[4]
وممايدلل على ذلك من القرآن الكريم:
{إذ قالت الملائكة يامريم إن الله بيشرك بكلمة منه أسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين*ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين*قالت ربِ أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق مايشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون*ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل....}[5]
وقال تعالى{ماالمسيح ابن مريم إلارسولٌ قد خلت من قبلهِ الرسل}[6]
كماذُكر أنه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة قال تعالى{ورسولاًإلى بني إسرائيل}[7]
وأنه جاء للدعوة إلى عبادة الله وحده قال تعالى{إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيم}[8]
كما قد بين القرآن الكريم أنه جاء متبع لشريعة موسى عليه السلام ومكمل لهافقال تعالى{ومصدقاً لمابين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}[9]وقال تعالى{وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون}[10]
ومما يدلل على ماسبق ذكره في الإنجيل:
في أنه رسول الله وذلك ورد في إنجيل متى (من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني).[11]
وقد ورد في إنجيل متى أن أمرأة من كنعان لحقة المسيح عليه السلام تطلب منه شفاء ابنتها المريضة فقال لها:(لم ارسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة).[12] فهذا ممايدلل على أن دعوته كانت خاصة لبني إسرائيل.
ومن ذلك أيضاً في إنجيل متى أن المسيح أرسل تلاميذه إلى القُرى اليهودية,وقال لهم:(إلى طريق أُمم لاتمضوا وإلى مدينة للسامريين لاتدخلوا بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة).[13]
ومما يدلل على أن دعوته كانت لعبادة الله وحده لاشريك له ماورد في إنجيل مرقص أن المسيح أجاب من سأله عن أول الوصايا والواجبات بقوله:(إن أول كل الوصايا هي: اسمع ياإسرائيل.الرب إلاهنا رب واحد.وتحب إلاهك من كل قلبك).[14]
وقد ورد أيضاً في إنجيل متى مايدلل على أنه متبع لشريعة موسى عليه السلام ومكمل لها فقال:(لاتظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ماجئت لأنقض بل لأكمل).[15]
فهذه النصوص يظهر منهابشرية المسيح عليه السلام,وأنه رسول دعى بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده لاشريك له,وهذا يتفق مع ماذكره الله عزوجل في القرآن الكريم عنه, ويتفق مع دعوة الأنبياء السابقيين الذين ورد ذكرهم بالقرآن الكريم.[16]
والنصارى بحواريهم وفرقهم مختلفون في كيفية رفعه إلى السماء, وإختلافهم هذا يعود إلى أمرين:
1- كيفية نزوله وإتصاله بإمه وتجسد الكلمة.
2- كيفية صعوده وإتصاله بالملائكة وتوحد الكلمة.
أما الأول- فإنهم قضوا بتجسد الكلمة ولهم في كيفية الإتحاد والتجسد كلام فمنهم من قال أشرق على الجسد إشراق النور على الجسم المشف,ومنهم من قال انطبع فيه انطباع النقش في الشمع, ومنهم من قال ظهر به ظهور الروحاني بالجسماني,ومنهم من قال تدرع اللاهوت بالناسوت, ومنهم من قال مازجت الكلمه جسد المسيح ممازجة اللبن بالماء والماء للبن, واثبتوا لله تعالى أقانيم ثلاثة, قالوا الباري-تعالى عمايقولون-جوهر واحد يعنون به القائم بالنفس لا التحيز والحجمية فهوا واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية, ويعنون بالأقانيم الصفات كالوجود والحياة والعلم وسموها الأب والإبن وروح القدس, وإنما العلم تدرع وتجسد دون سائر الأقانيم.
أما الثاني- قالوا أنه قتل وصلب قتله اليهود حسداً وبغيا وإنكاراً لنبوته ودرجته, ولكن القتل ماورد على الجزء اللاهوتي, وإنما ورد على الجزء الناسوتي, وقالوا كمال الشخص الإنساني في ثلاثة أمور نبوة وأمامة وملك, وغيره من الأنبياء كانوا موصفين بهذه الصفات الثلاثة أو بعضها, والمسيح عليه السلام درجته فوق ذلك لأنه الأبن الوحيد فلانظيرله ولاقياس له إلى الأنياء, وهو الذي يحاسب الخلق.
ولهم في النزول خلاف فمنهم من يقول ينزل قبل يوم القيامة كما قال أهل الإسلام, ومنهم من يقول لانزول له إلا يوم الحساب.[17]
والحق في عيسى عليه السلام ماقاله الله تعالى في كتابه{إنما المسيح عيسى إبن مريم رسول الله....}[18]
وقال تعالى في ماهم مختلفون فيه من قتله ورفعه إلى السماء{وماقتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين إختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا إتباع الظن وماقتلوه يقينا*بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما}[19]
3- نشأة النصرانية:
مرت النصرانية بإطوار عديدة مختلفة, تعرضت فيهاللإضطهاد من قبل اليهود والضياع, وتخبط في عقائدها وتحريف,ويمكننا تقسيم نشأتهم إلى أربعة أطوار:
الطور الأول- في عهد عيسى عليه السلام, فقد كانت على دين الله الحق, ولما رفع الله تعالى عيسى عليه السلام, بقي عدد من أتباعه وأنصاره على الحق مدة يسيرة, حيث كان اليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام يطاردونهم ويقتلونهم, ويُشون بهم عند السلطات(الحكام).
الطور الثاني- إستمر فيه إضطهاد اليهود لهم قرابة نصف قرن, فأدى ذلك إلى كتمان العلم وإندراس معالم النصرانية.
الطور الثالث- ويبدأ في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي وهو عهد كتابة الأناجيل المبتدعة, وهي عبارة عن إجتهادات لم تسمع من عيسى عليه السلام مشافهة وبعضها من دس اليهود, واستمر هذا الطور مايزيد على ثلاثة قرون, عاشت فيه النصرانية في تخبط وإفتراق, وتأثرت بالفلسفات والآراء والطقوس الوثنية السائدة, إضافة إلى مالعبه اليهود خلال هذه الفترة, من الدس والتحريف وإشاعة الفرقة والاختلاف العقدي والمذهبي بين صفوف أتباع النصرانية.
كما أنه خلال هذه الفترة فقد النص الصحيح للإنجيل وكثرت الأناجيل إلى حد لايمكن الإهتداء إلى نص الإنجيل الثابت.
الطور الرابع- يبدأ بالتجمع النصراني الكبير الذي عقده قسطنطين ملك الرومان في نيقية سنة 325م, وهو تجمع حاسم قرر فيه مبتدعة النصارى الاتجاه نحو النصرانية الضالة, والتي هي مزيج من الوثنية الرومانية السائدة آنذاك, ومن اليهودية المنحرفة وبقايا النصرانية المشوشة, والديانات الوثنية الهندية.
وفيه رسخت عند النصارى عقيدة التثليث الوثنية وهوإعتقاد أن الله ثالث ثلاثة[20].
ومما يجدر ذكره في نشأة الديانة النصرانية المحرفة, أنها تأثرت ببولس(شاول) اليهودي الذي اعتنق المسيحية عام 38م أي بعد رفع المسيح,لإفساده فاستطاع أن يغير اتجاهها, ويسير بها إلى التثليث,وكان عدواً لدودا للمسيحيين, ويضطهدهم على إستمرار, وقد حكى ذلك عن نفسه في سفرأعمال الرسل .[21]
قال تعالى في ذم عقيدتهم{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومامن إله إلا إله واحد}[22]
تابع
|
|
|
|
|
أسالكم الدعاء لأخى الحبيب بالرحمة والمغفرة
حيث توفاه الله تعالى يوم الإثنين 27/10/2014
الموافق 3 محرم 1436 هجرية
|